قبل نحو أسبوع، كان كل ما يمكننا قوله بخصوص ما يحدث في العراق هو أن محافظة البصرة تشهد احتجاجات محدودة اعتراضاً على تردي الخدمات الحكومية وعدم توفر فرص عمل.
لكن هذا الوصف لم يعد دقيقاً اليوم، فقد امتدت الاحتجاجات التي دخلت أسبوعها الثاني إلى مدن أخرى، كما وقع عدد من القتلى والمصابين بين صفوف المتظاهرين، وزادت وتيرة الاشتباكات مع القوات الأمنية.
وفي خطوات تصاعدية، استهدف المتظاهرون الغاضبون مقرات رئيسية للحكم المحلي، كما اقتحموا مباني تابعة لفصائل شبه عسكرية قوية، فضلاً عن اقتحامهم لمطار النجف الدولي.
ولا يبدو أن القبضة الأمنية الشديدة التي تتعامل بها السلطات العراقية مع الاحتجاجات قادرة على إسكات المحتجين أو حثهم على التراجع، وهو ما جعل بعض المراقبين يعتبرون أن الاحتجاجات التي بدأت في البصرة، ثم انتقلت إلى محافظات أخرى، قد تكون مرشحة للتحول إلى "ثورة" شعبية ضد الفساد وتردي الخدمات في البلد الذي يعاني بالفعل من أزمات شديدة تتعلق بالأمن والاقتصاد منذ سنوات طويلة.
ولم تنجح السلطات الحكومية حتى الآن في احتواء الأزمة، ما يعني أن الاحتجاجات التي تتصاعد يومياً قد لا تهدأ على الأقل قريباً.
وتجمع نحو 200 متظاهر عند المدخل الرئيسي لحقل السيبة للغاز الطبيعي يوم 16 يوليو، حسبما قالت الشرطة العراقية.
وقُتل اثنان من المحتجين في اشتباكات مع قوات الأمن في بلدة السماوة، جنوب العراق، يوم 15 يوليو. وتحدث مسؤول أمني في البلدة الواقعة جنوب العراق عن محاولة مئات الأشخاص اقتحام مبنى محكمة، مضيفاً: "جرى إطلاق النار علينا. لم يتضح مَن الذي يطلق النار. لم يكن أمامنا أي خيار سوى إطلاق النار".
وقبل ذلك بساعات قليلة أصابت الشرطة في مدينة البصرة التي تُعدّ منفذاً لتصدير النفط العرقي، 48 شخصاً، عندما أطلقت النار في الهواء لتفريق مئات المحتجين لدى محاولتهم اقتحام مبنى المحافظة، وقال قائد قوات الرد السريع في وزارة الداخلية اللواء ثامر الحسيني إن 28 فرداً من قوات الأمن أصيبوا في اشتباكات مع المتظاهرين.
أما بالقرب من مدينة العمارة الواقعة جنوب البلاد، فقد أطلقت الشرطة النار في الهواء لتفريق محتجين، بعدما أضرموا النار في مبنى البلدية، فأصيب 13 شخصاً منهم، وسبعة من رجال الشرطة.
وفي بغداد، تظاهر المئات من العراقيين وأغلقوا الطريق السريع عند المدخل الشمالي الغربي لمدينة الشعلة، مرددين هتافات تطالب بإسقاط النظام.
تراجع حاد في خدمات الإنترنت
وفي الأيام الأخيرة، شهدت خدمات الإنترنت في العراق تراجعاً حاداً، ما يذكّر بما حدث أثناء ثورات الربيع العربي في بعض البلدان ومنها مصر، حين قطع النظام المصري الإنترنت والاتصالات في محاولة للتحكم في الاحتجاجات التي أدّت بعد ذلك إلى إسقاط الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك. وقال أحد المحتجين أمام حقل السيبة، وهو شاب عاطل عن العمل، لوكالة رويترز: "نتظاهر قرب الحقل للضغط على الشركة لتوفير وظائف لنا. نحن نسكن قريباً من هنا ونشاهد يومياً مئات العمال الجالسين هنا دون وظائف وليست لديهم القدرة على شراء الطعام لأبنائهم". وكان سكان غاضبون من مدينة البصرة قد احتشدوا عند المدخل الرئيسي لثلاثة حقول نفط رئيسية هي "غرب القرنة 1" و"غرب القرنة 2" والرميلة. لكن مسؤولين محليين قالوا إن الاحتجاج لم يؤثر على إنتاج الخام أو عمليات التصدير. ويرى بعض المراقبين أن للمرجع الأعلى للشيعة في العراق آية الله علي السيستاني، الذي يتبعه ملايين الشيعة في البلاد، دوراً في تشجيع المحتجين وجعلهم أكثر جرأة. وفي خطبة الجمعة الأخيرة، عبّر السيستاني عن تضامنه مع المحتجين معتبراً أنهم "يعيشون في ظل تدهور بالغ للخدمات".لا يبدو أن القبضة الأمنية التي تتعامل بها السلطات العراقية مع التظاهرات قادرة على إسكات المتظاهرين أو حثهم على التراجع... وقد تكون الاحتجاجات التي بدأت في البصرة مرشحة للتحول إلى "ثورة" شعبية ضد الفساد
قبل نحو أسبوع، بدأت احتجاجات محدودة في محافظة البصرة العراقية، اعتراضاً على تردي الخدمات والبطالة، لكن اليوم، امتدت هذه الاحتجاجات التي دخلت أسبوعها الثاني إلى مدن أخرى، وسقط عدد من القتلى والمصابينودخلت الأحداث في العراق مرحلة جديدة يوم 13 يوليو، حين أغلق محتجون الطريق المؤدي إلى ميناء أم قصر، الواقع في جنوب العراق، أثناء مطالبتهم بوظائف وبتحسين الخدمات الحكومية. وللميناء القريب من البصرة، أهمية استراتيجية كبيرة، إذ يستقبل شحنات الحبوب والمعدات الثقيلة المُستخدمة في قطاع النفط. ونقلت وكالة "رويترز" شهادة لأحد الموظفين في الميناء، لم تذكر اسمه، قال فيها إن المحتجين أغلقوا الطريق المؤدي إلى الميناء ولا تستطيع الشاحنات الدخول إليه أو الخروج منه. وأُعيد في 16 يوليو فتح البوابات الرئيسية لميناء أم قصر، وقال مسؤولون إن العمل فيه استؤنف بعد التفاوض مع المحتجين الذين تظاهروا بسبب البطالة ونقص الخدمات الحكومية التي تعاني منها مدن الجنوب في العراق. وصباح 16 يوليو أيضاً، قطع متظاهرون، بحسب مصدر تحدّث لـ"بي بي سي"، الطريق المؤدي إلى شركة الغاز الكويتية، في منتصف الطريق بين أبي الخصيب والسيبة، على بعد 20 كيلومتراً جنوب البصرة. كما اشتبك محتجون في كرمة علي مع رجال الشرطة، ما أسفر عن جرح ثلاثة منهم واعتقال آخرين.
هل فشل العبادي في احتواء الأزمة؟
وتوجه رئيس الوزراء العرقي حيدر العبادي إلى البصرة صباح 13 يوليو لإجراء محادثات مع مسؤولين في المحافظة، في محاولة لاحتواء الأزمة، لكن زيارته لم تغيّر حالة الغليان على الأرض بأي شكل. وأصدر العبادي الذي يشغل بحكم موقعه منصب القائد العام للقوات المسلحة، توجيها عسكرياً وضع بموجبه قوات الأمن في حالة تأهب قصوى في محافظات الجنوب رداً على الاحتجاجات المتزايدة التي امتدت من البصرة إلى مدن العمارة والناصرية والنجف. وكانت الحكومة قد فرضت يوم 14 يوليو حظراً للتجول في جميع أنحاء جنوب العراق في الوقت الذي أعلن فيه العبادي رصد مخصصات مالية لتحسين خدمات المياه والكهرباء والصحة. وكان رئيس خلية الأزمة الوزارية لحلّ مشاكل البصرة وزير النفط جبار اللعيبي قد تحدث عن خطة لتوفير عشرة آلاف فرصة عمل لأبناء المحافظة ستوزع حسب الكثافة السكانية، مبيناً أن طلبات التعيين سيتم تسلّمها من الإدارات المحلية لكل منطقة. لكن تصريحات اللعيبي لم توقف الاحتجاجات أو تطمئن المشاركين فيها. وأبرز مطالب المحتجين هي تحسين الخدمات، ومنها تحسين واقع الكهرباء وتوفير المياه الصالحة للشرب وتطوير الخدمات الطبية، إلى جانب توفير فرص عمل وتحسين الأحوال المعيشية لسكان المحافظة. وتصاعدت احتجاجات البصرة بعد أن أطلقت الشرطة النار الأسبوع الماضي لتفريق العشرات من المحتجين قرب حقل "غرب القرنة 2"، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين، رغم تصريح الحكومة المحلية بأن التظاهرات لم تكن مسلحة. ويمكن فهم ما يحدث من خلال ما قاله الشاب حسام عبد الأمير (25 عاماً)، وهو خريج جامعي عاطل عن العمل من البصرة، لوكالة "رويترز": "نريد الحصول على وظائف، نريد أن نشرب ماء نظيفاً، نريد الكهرباء، نريد أن يعاملونا كبشر وليس مثل الحيوانات". وعلى اللافتات التي حملها المعتصمون أمام مقر شركة نفط البصرة قبل أيام كتبوا "لا للعمالة الأجنبية" و"خيرات البصرة لأهلها". وتُعدّ البصرة التي بدأت الاحتجاات فيها الأغنى من بين المحافظات العراقية من حيث الاحتياطي النفطي، وتشكل صادرات النفط منها أكثر من 65% من عائدات العراق. ورغم أهمية قطاع النفط لميزانية العراق، إلا أنه لا يخلق سوى 1% من الوظائف للعراقيين، لأن شركات النفط تعتمد كثيراً على العمالة الأجنبية. ويسعى العراق للتعافي سياسياً واقتصادياً من آثار الحرب ضد "الإرهاب" التي بدأها منذ استيلاء داعش على مناطق واسعة في البلاد في منتصف عام 2014، والتي تسبّبت بتدمير واسع لبنى الدولة التحتية. وتعاني الدولة من تفشي الفساد بشكل كبير في مؤسساتها منذ الإطاحة بصدام حسين عام 2003.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين