في تطور لافت في الأزمة المستمرة منذ نحو أسبوع في محافظة البصرة العراقية، أغلق محتجون في 13 يوليو الطريق المؤدي إلى ميناء أم قصر، الواقع في جنوب العراق، أثناء مطالبتهم بوظائف وبتحسين الخدمات الحكومية.
وللميناء القريب من البصرة، أهمية استراتيجية كبيرة، إذ يستقبل شحنات الحبوب والمعدات الثقيلة المُستخدمة في قطاع النفط.
ونقلت وكالة "رويترز" شهادة لأحد الموظفين في الميناء، لم تذكر اسمه، قال فيها إن المحتجين أغلقوا الطريق المؤدي إلى الميناء ولا تستطيع الشاحنات الدخول إليه أو الخروج منه. لكن مسؤولين في قطاع النفط في البصرة قالوا للوكالة إن الاحتجاجات لم تؤثر على إنتاج الخام.
ورغم أن الاحتجاجات لا زالت حتى الآن محدودة، إلا أن هناك تخوفاً رسمياً واضحاً من تصاعدها، وانتشار رقعتها. ولذلك توجه رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى البصرة صباح 13 يوليو لإجراء محادثات مع مسؤولين في المحافظة، في محاولة لاحتواء الأزمة.
وأبرز مطالب المحتجين هي تحسين الخدمات، ومنها تحسين واقع الكهرباء وتوفير المياه الصالحة للشرب وتطوير الخدمات الطبية، إلى جانب توفير فرص عمل وتحسين الأحوال المعيشية لسكان المحافظة.
وتصاعدت احتجاجات البصرة بعد أن أطلقت الشرطة النار الأسبوع الماضي لتفريق العشرات من المحتجين قرب حقل "غرب القرنة 2"، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين، رغم تصريح الحكومة المحلية بأن التظاهرات لم تكن مسلحة.
ويمكن فهم ما يحدث من خلال ما قاله الشاب حسام عبد الأمير (25 عاماً)، وهو خريج جامعي عاطل عن العمل من البصرة، لوكالة "رويترز": "نريد الحصول على وظائف، نريد أن نشرب ماء نظيفاً، نريد الكهرباء، نريد أن يعاملونا كبشر وليس مثل الحيوانات".
وقال محتج آخر للوكالة، وهو شاب عراقي في الـ29 من العمر، وتخرّج من الجامعة ولم يجد فرصة عمل: "إذا لم يوفروا لنا وظائف ويحسنوا الخدمات الحكومية مثل المياه والكهرباء، سوف نغلق البصرة ونوقف إنتاج النفط"، مضيفاً: "لن نتوقف حتى تلبى مطالبنا".
وأظهرت شهادات لناشطين من محافظة البصرة نشرت يوم 12 يوليو أن المحتجين قطعوا أجزاء من الطريق الرابط بين البصرة وبغداد، وقاموا بإشعال إطارات السيارات في عدد من الطرق، وأن قوة أمنية من التدخل السريع حاولت فض الاحتجاجات لكنها واجهت إطلاق نار من قبل بعض المحتجين، في توتّر صعّب من وصول أي مسؤول حكومي إلى مناطق الاحتجاج.
وتُظهر شهادات عدة أن بعض المحتجين قاموا بالتوجه إلى مقرات بعض الشركات النفطية العاملة في بعض الحقول النفطية في المحافظة، منددين بانعدام فرص عمل لهم بهذه الشركات.
وفي بعض الأماكن داخل البصرة، تحوّلت بعض الاحتجاجات إلى اعتصامات مفتوحة إلى حين تنفيذ الحكومة العراقية مطالب المتظاهرين.
على سبيل المثال، اعتصم عشرات من الشباب أمام مقر شركة نفط البصرة للمطالبة بفرص عمل، ورفع المحتجون شعارات "لا للعمالة الأجنبية" و"خيرات البصرة لأهلها".
وكان رئيس خلية الأزمة الوزارية لحلّ مشاكل البصرة وزير النفط جبار اللعيبي قد تحدث عن توفير عشرة آلاف فرصة عمل لأبناء المحافظة ستوزع حسب الكثافة السكانية، مبيناً أن طلبات التعيين سيتم تسلّمها من الإدارات المحلية لكل منطقة.
لكن تصريحات اللعيبي لم توقف الاحتجاجات أو تطمئن المشاركين فيها.
هل ينجح العبادي في إنهاء التوتر؟
ووصل رئيس الوزراء العراقي إلى محافظة البصرة، قادماً من بروكسل بعد مشاركته في اجتماع للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش. ويحاول العبادي تهدئة الاحتجاجات في المحافظة التي تُعدّ الأغنى من بين المحافظات العراقية من حيث الاحتياطي النفطي، وتشكل صادرات النفط منها أكثر من 65% من عائدات العراق. ورغم أهمية قطاع النفط لميزانية العراق، إلا أنه لا يخلق سوى 1% من الوظائف للعراقيين، لأن شركات النفط تعتمد كثيراً على العمالة الأجنبية."نريد الحصول على وظائف، نريد أن نشرب ماء نظيفاً، نريد الكهرباء، نريد أن يعاملونا كبشر وليس مثل الحيوانات"... أبناء البصرة ينتفضون للمطالبة بأبسط حقوقهم
أبناء البصرة يخرجون للمطالبة بحقوقهم والمرجعية الدينية في النجف تدعم مطالبهم في ظل ترقّب احتمال توسّع رقعة الاحتجاجات لتصل إلى مدن عراقية أخرىوبحسب مراقبين، إذا لم يستطع العبادي احتواء الأزمة فمن المتوقع أن تستمر الاحتجاجات أو تتخذ أشكالاً أخرى أعنف، ما قد يؤدي إلى وقف إنتاج النفط في المحافظة، وهو ما سيتسبب بدوره بأزمات اقتصادية عدة للعراق الذي يعاني أساساً من مشاكل كثيرة. وهناك تخوف آخر من أن تزيد التظاهرات المتضامنة مع المحتجين في البصرة في باقي مدن العراق، خصوصاً أن العشرات تظاهروا بالفعل في 12 يوليو وسط بغداد تضامناً مع محتجي البصرة. وفي حالة زيادة أعداد المشاركين في الاحتجاجات في جميع أنحاء العراق، قد لا يمكن للحكومة العراقية السيطرة على الأوضاع.
تحذير من "العناصر المندسة"
وفي 12 يوليو، حذّر العبادي من وجود مَن وصفهم بـ"عناصر مندسة" تتواجد وسط صفوف المحتجين في البصرة. وقال العبادي في تصريحات للتلفزيون الرسمي إن "هناك عناصر مندسة تريد الإساءة إلى التظاهر السلمي والقوات الأمنية"، مشيراً إلى حرص الحكومة على توفير الخدمات في البصرة بشكل سريع، على حد زعمه. وأضاف أن "المواطن البصري لن يعرّض أمن محافظته للخطر، وهو أحرص عليها من غيره". وأتت تصريحات العبادي المذكورة مباشرة بعد اشتباكات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن. وكانت مصادر في الشرطة العراقية قد قالت إن الشرطة أطلقت النار في الهواء لتفريق المحتجين في واحدة من ثلاث تظاهرات خارج حقول نفط رئيسية في البصرة. والتظاهرة المقصودة حدثت بالقرب من مدخل لحقل "غرب القرنة 2" الضخم الذي تديره شركة "لوك أويل" الروسية. وتقول مصادر في قطاع النفط إن الاحتجاجات لم تؤثر على الإنتاج في هذا الحقل ولا في حقلين آخرين ("غرب القرنة 1" والرميلة). وأصدرت وزارة النفط العراقية بياناً يؤكد أن إنتاج "غرب القرنة 2" يسير بشكل طبيعي، وأن قوات الأمن تسيطر على الوضع قرب الحقول النفطية. وذكرت وسائل إعلام، نقلاً عن مصادر طبية، أن اثنين من المحتجين أصيبا في تلك التظاهرة، لكن ناشطين تحدثوا عن أن العدد أكبر من ذلك. وكان موظفون محليون قد أكدوا أن نحو 10 محتجين تمكنوا من دخول منشأة فصل الخام لوقت قصير قبل أن تُخرجهم الشرطة منها، فيما تحدثت مصادر أمنية عن تعمد حشد كبير غاضب إضرام النار في عربة كبيرة تستخدمها الشرطة. وفي تطور جديد، أعلنت المرجعية الدينية العليا في العراق، في 13 يوليو، تضامنها مع الاحتجاجات التي وصفتها بالمحقة، رافضة أن تكون البصرة أكثر مناطق العراق "بؤساً وحرماناً". وقال ممثل المرجعية في كربلاء عبد المهدي الكربلائي إن الاحتجاجات التي وصفها بالشعبية تعبّر عن مطالب الكثيرين من المواطنين الذين يعانون من نقص حاد في الخدمات العامة، فضلاً عن انتشار البطالة، وعدم كفاءة معظم المؤسسات الصحية، بالرغم من ارتفاع نسب الإصابة بالأمراض الصعبة في المحافظة، على حد تعبيره. ودعت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق القوات الأمنية لتوفير الحماية للمتظاهرين في البصرة، واعتبرت أن الإجراءات الحكومية المتخذة حيال تلك التظاهرات "غير مجدية لتلبية طلبات المواطنين". وقالت المفوضية في بيان: "نتابع بقلق بالغ استمرار وتصاعد حدة التظاهرات المطالبة بحقوق أهالي محافظة البصرة من خدمات وفرص عمل كافية والتي تقابلها إجراءات ترى المفوضية أنها غير مجدية لتلبية مطالب المواطنين وامتصاص غضب الشارع". ويسعى العراق للتعافي سياسياً واقتصادياً من آثار الحرب ضد "الإرهاب" التي بدأها منذ استيلاء داعش على مناطق ضخمة في البلاد في منتصف عام 2014، والتي تسبّبت بتمدير واسع لبنى الدولة التحتية. كما تعاني الدولة من تفشي الفساد بشكل كبير في مؤسساتها منذ الإطاحة بصدام حسين عام 2003.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...