دليلك المختصر لبارات وسط البلد، القاهرة

ميدان التحرير هو قلب القاهرة، وقلب العديد من الأحداث التي يعرفها العالم كله. وسط هذا الصخب المجنون وعلى بعد أمتار قليلة من هذا الميدان، الذي شهد معارك ومظاهرات وحرائق، ستجد العديد من البارات والمطاعم والمقاهي القديمة الشهيرة.

اليوم ينشب الباعة الجوالون مخالبهم في أرصفة الشوارع العتيقة ذات الطابع المعماري الذي يعود للنصف الثاني من القرن الـ19، يقتلعون الحجارة من بعض الأرصفة، فيما تتربض دبابات ومدرعات في عدة شوارع جانبية، وتشهد شوارع أخرى بناء أسوار لاحتواء المظاهرات وتضييق الخناق على المحتجين.

هل من ملاذ لقاصد منطقتي التحرير وباب اللوق "وسط البلد" في القاهرة الكبرى كي يريح أعصابه قليلاً، وربما يستمع لنقاش سياسي أو أدبي أو فني، على سبيل الصدفة. رصيف 22 تقدم إليكم أهم الأماكن التي يقصدها زائرو وسط البلد من محبي الشراب أو "الشرّيبة" كما يسميهم المصريون.

ريش كافيه

محبّو الثنائي، الشيخ إمام والشاعر أحمد فؤاد نجم، يحفظون جيداً أغنية يعيش "اهل بلدي" التي تقول كلماتها "يعيش المثقف على مقهى ريش محفلط مزفلط كتير الكلام عديم الممارسة عدو الزحام".

القادم من ميدان التحرير، عبر شارع طلعت حرب العتيق، سيجد على يمينه مطعم وبار "ريش" الذي تأسس عام 1908، والذي كان ولا يزال مقصداً للعديد من الشخصيات العامة. يكفي أن تعلم أن شخصيات مثل نجيب محفوظ وأمل دنقل ونجيب سرور، وحتى جمال عبد الناصر، كانوا من مرتادي هذا المكان. صاحبه التركي الأصل صعب المراس قليلاً، لكنه طيب القلب، وقد ورث المكان عن أبيه. يقوم بفرز المرتادين، وقد يومئ أحياناً برأسه في إشارة معناها عدم الرضا عن أحد الداخلين، فيلاحقه الجرسون ملحاً عليه أن يطلب فوراً أو يغادر!

إن كنت من الزبائن الدائمين الذين لا يثيرون المشاكل، فستستمع بجنة ريش حيث الطعام اللذيذ والأسعار المتوسطة، وأغاني عبد الوهاب التي لا تنقطع عن المكان ثانية واحدة، فهو مطرب ريش الأوحد. من أشهر زبائنه اليوم الروائي إبراهيم عبد المجيد، والمحامي أمير سالم والشاعر حسن طلب، الفنان فاروق فلوكس والكاتب مصطفى الفقي وآخرون.

مقهى وحديقة الجريون

هكذا تطالعك اللافتة، وأنت تدخل الممر الواقع قبل مسرح قصر النيل الذي كان يشهد عروضاً لمحمد صبحي وسمير غانم وآخرين في عز مجد المسرح الغابر. على يمينك تجد مسجداً، وعلى شمالك تظهر لافتة وضعت حديثاً بسبب شكوى مرتادي المسجد مكتوبٌ عليها “الدخول من حديقة الجريون”.

الجريون بحديقته ومطعمه هو أحد الأماكن المفضلة للعديد من الكتاب والرسامين. كان من زبائنه علي الحجار وابراهيم نصر، واليوم قد تجد حمدي الوزير والكاتب المسرحي لينين الرملي، الروائي مكاوي سعيد والمخرج مجدي أحمد علي، وقد يحالفك الحظ يوماً وتستمع إلى الفنان التشكيلي والخطيب المفوه صلاح عناني.

أسعار البيرة والخمور المحلية والأجنبية لا تزيد عن أسعار مقهى ريش، لكنك قد تشعر بمزيد من الألفة والراحة. لا تنسى أن تطلب طبق الفول الساخن من النادل المبتسم "أحمد عز"؛ فهو خير "مازة" لك مع البيرة المصرية الباردة.

أستوريل

الممر القصير، أو البرزخ الذي يربط شارع طلعت حرب بشارع قصر النيل، يحتضن مطعم وبار أستوريل الذي يشتهر بأطباق اللحم والسمك. أستوريل، إذا تغاضيت عن كونه يغلق أبوابه مبكراً أمام "السهيرة"، يشتهر بمطبخه الجيد وأسعاره مقبولة. كان من أشهر مرتاديه المرحوم الكاتب مرسي سعد الدين، أخو بليغ حمدي، وحازم الببلاوي رئيس وزراء مصر بعد 30 يونيو. يقول لك الجرسون العجوز "إن الدكتور حازم قد غيره المنصب كثيراً عن ذي قبل"!

بار ستلا

لا تنس بار ستلا القريب جداً من ريش، الذي شهد لقطة لعادل إمام في بداية فيلم "عمارة يعقوبيان". قد لا تلحظه جيداً، فهو لا يحمل لافتة مميزة، لكنه يضم كوكتيلاً عجيباً من الرواد. ربما تدخل يوماً، فتجد سيدة تجاوزت الثمانين تشرب في صمت وبجانبها شباب وشابات أجانب. وفي يوم آخر تجد سيدة وحيدة تجاوزت الأربعين وقفت ترقص بين الكراسي والمناضد المتقاربة في حميمية شديدة. أحياناً يخرج أحدهم قصيدة فيتلوها، أو يحمل عوداً فيدندن عليه بدون سابق إنذار. تتميز أجواء ستلا بالحميمية، ويعيبه فقط حمّامه الضيق، لذا ينصحك البعض بالشرب في ستلا، وقضاء الحاجة الملحة في المطعم الملاصق له.

ويندسور

إذا دلفت يميناً من شارع عماد الدين "شارع الكباريهات الشهير قديماً" بعد مقهى الأميركيين، وتحملت أصوات المقاهي المزعجة التي أخرجت كراسيها إلى وسط الشارع، ثم ألقيت نظرة وداع على مطعم الحاتي الشهير الذي أغلق مؤخراً، فستجد فندقاً قديماً يعلوه التراب اسمه ويندسور. لا تفكر بكل ما سبق، ادخلْ، وكأنك ركبت آلة الزمن في فيلم العودة للمستقبل. طراز إنجليزي عتيق ورائحة الماضي وصوت صرير الخشب. صور لعدة أعمال فنية تم تصوريها في هذا المكان، من أشهرها على الإطلاق فيلم "النوم في العسل" لعادل إمام، وفيلم إنجليزي بعنوان البحث عن التابوت الضائع، هذا بالإضافة لصور التقطها صاحب المكان مع الزائرين، ومنهم المغني Georges Moustaki جورج موستاكي، وأحد أفراد الـمونتي بايثون Monty Python الفريق الكوميدي الإنجليزي الشهير.

يستقبلك عمّ وجدي البارمان بابتسامة وخبرة طويلة في معاملة الرواد. إذا شعر بالراحة من قدومك، فإنه يفتح مزاليج صندوق الحكايات، ويبوح لك بأسرار رواد ويندسور ويندسور. بار هادئ بديكور كلاسيكي وأسعار متوازنة. وإنْ كان يُنصح بتناول الطعام في مكان آخر بعد الاستمتاع بالجو والشراب.

نشر هذا المقال على الموقع في تاريخ 25.04.2014