شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الموساد نفّذ عملية خاصة لاستعادة ساعته من سوريا... من هو الجاسوس إيلي كوهين؟

الموساد نفّذ عملية خاصة لاستعادة ساعته من سوريا... من هو الجاسوس إيلي كوهين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 11 يوليو 201812:46 م

في الخامس من يوليو، أعلن جهاز الموساد الإسرائيلي استعادة ساعة إيلي كوهين الذي حوكم وأعدم في سوريا عام 1965، ما يُظهر أن قضية هذا الجاسوس الذي تعتبره الدولة العبرية بطلاً نجح في اختراق أعلى متسويات النظام السوري، لم تغب أبداً عن اهتمامها حتى بعد إعدامه. يُحكى أن إيلي كوهين نجح في تزويد إسرائيل بمعلومات مهمة، ساعدتها لاحقاً في احتلال مرتفعات الجولان السورية في حرب 1967، ولكن الأكيد أن هذا الجاسوس المولود في الإسكندرية لأسرة قدمت من حلب نجح بدرجة كبيرة في اختراق المجتمع السياسي السوري في ستينيات القرن العشرين تحت اسم مزيف هو "كامل أمين ثابت".

ورغم أن الرواية الرسمية السورية تقلل من دوره، وتقول إن ما أرسله إلى إسرائيل كان في معظمه معلومات عامة، وإنه فشل في اختراق القيادات العسكرية والسياسية، إلا أن الأمر مختلف لدى الجانب الإسرائيلي الذي يُعِدّ كوهين "بطلاً قومياً قدّم لبلده الكثير".

وتمثل اهتمام إسرائيل بكوهين في إصدارها طابعاً بريدياً تذكارياً حمل اسمه وصورته، كما يتردد بقوة أنها وقفت خلف إنتاج الفيلم الأمريكي "الجاسوس المستحيل"، عام 1987، والذي صُوّر داخل إسرائيل وتناول حكاية إيلي.

ما أهمية الساعة لإسرائيل؟

من وجهة نظر إسرائيل، تعبّر عملية استعادة الساعة عن نجاح قوي لجهاز الموساد، بسبب دقتها الشديدة. واعتبر بيان لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن الأمر يستحق الاحتفال، إذ أشاد نتانياهو بالعملية، قائلاً: "أشيد بمقاتلي الموساد على العملية الشجاعة والحاسمة والتي كان هدفها الوحيد أن يعيدوا إلى إسرائيل تذكاراً من مقاتل عظيم أسهم بشكل كبير في أمن الدولة".

وكانت إسرائيل قد حاولت جاهدة وقف حكم إعدام كوهين بعد اعتقاله في سوريا، عن طريق عدد كبير من السياسيين في العالم، منهم بابا الفاتيكان، ورئيس وزراء فرنسا وقتها جورج بومبيدو. وبعد إعدامه، ناشدت إسرائيل أكثر من مرة الدولة السورية لإعادة رفاته ومتعلقاته إليها، "لأسباب إنسانية"، لكن سوريا رفضت. أبرز تلك المطالبات كانت عام 2004، حين طالب الرئيس الإسرائيلي وقته، موشيه كاتساف الرئيس السوري بشار الأسد، من خلال وسطاء فرنسيين وألمان ومن الأمم المتحدة، بتسليم إسرائيل رفات كوهين، لكن الرئيس السوري رفض الامتثال للأمر. إذاً فالعملية من وجهة نظر إسرائيل ليست عملية بسيطة، بل هي نجاح في تنفيذ ما أرادته منذ سنوات طويلة، رغماً عن سوريا.

حاولت البيانات الكثيرة التي خرجت سريعاً عن جهات عدة في إسرائيل، تصوير الأمر كـ"انتصار". فبحسب بيان للحكومة الإسرائيلية، نجح الموساد في إعادة ساعة "مقاتل الموساد الراحل إيلي كوهين"، من "دولة عدوة"، بعد "عملية خاصة". وأكد البيان أنه بعد إعادة الساعة إلى إسرائيل، جرت عمليات بحث واستخبارات، كانت نتيجتها التأكد "بدون شك بأن هذه هي فعلاً هي ساعة إيلي كوهين". وقال رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين في الخامس من يوليو: "نجحنا في أن نحدد مكان الساعة التي كان إيلي كوهين يضعها في سوريا حتى يوم القبض عليه، وإعادتها إلى إسرائيل".

وشرح في بيان أهمية الساعة بأنها "كانت تمثل جزءاً من صورة عملية إيلي كوهين وجزءاً من هويته العربية المزيفة". ومن المتوقع عرض الساعة في مقر الموساد، على أن يتم تقديمها بعد ذلك إلى عائلته.

من هو إيلي كوهين؟

اسمه الحقيقي إلياهو، لكن تم اختصاره بعد ذلك وأصبح إيلي. ولد في 26 ديسمبر 1924 في الحي اليهودي بمدينة الإسكندرية شمال مصر، ووالده شاؤول كوهين، كان من المهاجرين الذين جاؤوا إلى مصر من مدينة حلب السورية.
إيلي كوهين... الجاسوس الإسرائيلي المولود في الإسكندرية لأسرة قدمت من حلب والذي نجح في اختراق المجتمع السياسي السوري في ستينيات القرن العشرين تحت اسم مزيف هو كامل أمين ثابت
حرص الموساد على تعليم إيلي كوهين اللهجة السورية وتعريفه بأدق أخبار سوريا، وحفظ أسماء رجالاتها في مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة. باختصار، تمت صناعة جاسوس قادر على الحياة في سوريا
امتلك والد إيلي محلاً لبيع ربطات العنق، في فترة كانت الملابس الرسمية منتشرة بدرجة كبيرة، وحرص على تربية طفله وباقي أطفاله تربية دينية تلمودية. تعلّم كوهين في مدرسة الليسيه، وأصبح يجيد الفرنسية إلى جانب العبرية والعربية، وكان مهتماً بالديانة اليهودية، ومن أجل ذلك التحق بمدرسة الميمونيين، في القاهرة، ثم عاد إلى الدراسات التلمودية في الإسكندرية تحت إشراف حاخام الإسكندرية موشيه فينتورا.

درس إيلي في جامعة القاهرة، في مجال الهندسة الإلكترونية، لكنه ترك الدراسة بسبب تعرضه لمضايقات من السلطات المصرية، وقرر متابعة دراسته في البيت، وكانت السلطات المصرية في ذاك الوقت تتعامل معه بشك كبير، ووضعته تحت المراقبة بسبب نشاطاته الصهيونية.

عمل إيلي كوهين، تحت قيادة أبراهام دار المعروف بـ"جون دارلينغ"، في شبكة تجسس إسرائيلية في مصر نفّذت سلسلة من التفجيرات ضد مصالح أمريكية في الإسكندرية لإفساد العلاقة بين القاهرة وواشنطن، عُرفت لاحقا بـ"فضيحة لافون". وألقي القبض عليه في مصر أكثر من مرة قبل أن يهاجر إلى إسرائيل. في ديسمبر من عام 1956، وبعد حرب السويس مباشرة، ترك إيلي مصر نهائياً، وسافر عن طريق البحر إلى نابولي في إيطاليا، ومن هناك ركب باخرة إلى ميناء حيفا، حيث استقبلته المخابرات الإسرائيلية.

وفي بداية عام 1960 رشح إيلي للعمل في الخارج، من قبل إيزاك زالمان، أحد كبار مسؤولي "الموساد"، وكانت الخطة هي إنشاء حياة جديدة تماماً له، تبدأ بتغيير اسمه ليصبح "كامل أمين ثابت"، وادعاء أنه سوري مسلم، هاجر مع عائلته من سوريا إلى الإسكندرية ثم سافر عمه إلى الأرجنتين عام 1946 ليلحق به كامل وعائلته عام 1947. وحرص الموساد على تعليم كوهين اللهجة السورية وتعريفه بأدق أخبار سوريا، وحفظ أسماء رجالاتها في مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة، إضافة إلى تدريبه على استخدام جهاز الاتصال اللاسلكي والكتابة بالحبر السري.

باختصار، تمت صناعة جاسوس إسرائيلي خالص قادر على الحياة في سوريا. وعند وصول كوهين إلى العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، كان يحمل معه جواز سفر سوري يحمل صورته واسمه الجديد، ويشير إلى أنه من المشتغلين بالتجارة والتصدير. وسرعان ما اندمج وسط تجمعات السوريين واللبنانيين الذين يعيشون في بوينس آيرس. وبعد شهور أصبح كامل أمين ثابت صاحب شركة ملاحة وله حسابات متعددة في بنوك الأرجنتين وسويسرا.

بنى كوهين على مدار عامين صورته بوصفه رجل أعمال سوري ناجح، وصنع لنفسه صورة جديدة باعتباره شخصاً وطنياً شديد العشق لبلده، وهو الأمر الذي جعله يدعى إلى احتفالات بعض السفارات العربية وبينها السفارة السورية، وهناك تعرف على الملحق العسكري السوري الجديد العقيد أمين الحافظ وتوثقت الصداقة بين الرجلين، ولعب العقيد الحافظ دوراً مهماً في الحياة السياسية بعد انتهاء الوحدة بين مصر وسوريا، إذ أصبح "لواء" ثم "فريقاً". دخل إيلي كوهين دمشق عام 1961، وأعلن تصفية نشاطه الاقتصادي في الأرجنتين والاستقرار في سوريا.

وخلال فترة التجربة كان ضيفاً لدى أعلى مستويات القيادة السياسية والعسكرية في سوريا. وكانت إسرائيل سعيدة بجاسوسها الذي أصبح شخصية مميزة في العاصمة السورية، إذ كان يدعى إلى كل حفلات النخبة الحاكمة في دمشق ونواديها، وكان يشترك في كثير من المناقشات السياسية والاقتصادية. كما تعرّف على كثير من الضباط والدبلوماسيين وكبار الموظفين، وحتى الوزراء الذين أصبحوا يثقون به لقربه من السلطة العليا، ووصل الأمر إلى حد أنه قام أكثر من مرة بزيارة الجبهة السورية في الجولان ودخل أخطر تحصيناتها.

مصر هي التي كشفت شخصيته؟

هناك روايات عدة توضح كيف اكتشفت السلطات السورية حقيقة إيلي كوهين، أبرزها جاءت على لسان الصحافي المصري الشهير محمد حسنين هيكل الذي قال إن المخابرات المصرية هي التي كشفت حقيقته للمخابرات السورية، بعد أن وصلت إلى القاهرة مجموعة من الصور للفريق أمين الحافظ أثناء زيارته لبعض المواقع في الجبهة السورية. يقول هيكل إن مصر كلّفت أحد ضباط الاستطلاع بالتدقيق في الصور وتحديد جميع الأشخاص الظاهرين فيها، فعرف أحد ضباط هيئة الأمن القومي الذين يعملون في مجال مكافحة النشاط الصهيوني في مصر أن كامل أمين ثابت هو نفسه إيلي كوهين، فسافر أحد ضباط المخابرات العسكرية المصرية إلى دمشق حاملاً معه ملف كوهين وصوره.

وفي دمشق، علم العميد أحمد سويداني بالقصة من الضابط المصري، فقام بدوره بوضع كوهين تحت المراقبة، واكتشف بالفعل هوائي جهاز الإرسال الذي يستعمله داخل بيته في دمشق لكي يرسل رسائله إلى قيادة الموساد. انتهت مغامرة كوهين في سوريا بالقبض عليه ثم صدور حكم بإعدامه شنقاً جرة تنفيذه في ساحة المرجة، في 18 مايو 1965.

لماذا لم تعد إسرائيل رفاته بدلاً من ساعته؟

تظهر عدة روايات أن مكان دفن كوهين لم يعد معروفاً حتى للساطات السورية الحالية، فقد تم نقل جثته أكثر من مرة، ولم تستطع إسرائيل معرفة المكان، خصوصاً أن سوريا كانت تعلم أن الموساد يسعى للحصول على الجثة وإعادتها إلى إسرائيل. وتقول رواية أخرى إن كوهين دفن في منطقة المزة بدمشق، لكن مكان دفنه، تحوّل إلى مبان وشوارع وحدائق، ولا يستطيع أحد تحديد مكانه بشكل محدد أو الوصول إليه. وكانت إسرائيل قد طلبت من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مارس 2016، التدخل لدى الحكومة السورية لإعادة رفات كوهين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image