أثار حارس مرمى المنتخب المصري محمد الشناوي موجة جدل واسعة في الشارع الرياضي وغير الرياضي، بعد الظهور الأول للفراعنة في مونديال روسيا، والسبب هو رفضه تسلم جائزة أفضل لاعب في مباراة مصر والأوروغواي، لأن الشركة التي ترعاها وتقدمها هي الشركة التي تنتج بيرة "بادفايزر".
افتتح الشناوي بهذا التصرف باباً لجدل واسع طرفاه مؤيدون لموقفه يرون إنه متوافق مع تعاليم الإسلام، ورافضون اعتبروا أن ما قام به "شو" غير مبرر ويعطي عن مصر انطباعاً بأنها دولة متطرفة ومتشددة.
رفض الشناوي للجائزة التي يمنحها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ليس بدعة. سبقه في الاعتراض على طقوس تدخل المشروبات الكحولية في إحيائها عشرات اللاعبين المسلمين من جنسيات مختلفة، وفي مقدمتهم اللاعب الفرنسي فرانك ريبيري الذي رفض الاحتفال بالشمبانيا عقب فوز فريقه بايرن ميونخ الألماني على إندرلخت البلجيكي بثلاثة أهداف، في دوري الأبطال عام 2017.
ورفض اللاعب الإيفواري يايا توريه تسلم جائزة أفضل لاعب في مباراة فريقه مانشستر سيتي ونيوكاسل في موسم 2012 لأن الجائزة كانت عبارة عن زجاجة خمر كبيرة.
وعلى نفس الطريق، سار لاعب فريق تشلسي الإنكليزي ديمبا با، حينما اعتذر عن تسلم مكافأة اللاعب الأفضل في مباراة فريقه أمام مانشستر يونايتد في كأس الاتحاد الإنكليزي، لأن الجائزة كانت زجاجة فاخرة من النبيذ.
وعلى الصعيد المصري، رفض لاعب ليفربول الإنكليزي محمد صلاح تسلم نصف جائزة لاعب الشهر في فريقه، في بداية الموسم المنقضي، وكانت عبارة عن زجاجة خمر واكتفى بتسلم درع الجائزة فقط، وهو ما دفع إدارة ليفربول إلى تسليمه درع لاعب الشهر بدون زجاجة الخمر في ست مناسبات أخرى حصل فيها على الجائزة.
كل هذه المواقف من لاعبين مسلمين لم تُحدث جدلاً في الشارع، ولم تتناولتها الصحف بتركيز كبير. لكن الأمر اختلف مع الشناوي الذي أصبح حديث الشارع المصري في الساعات الأخيرة.
اتهامات بنشر التطرّف!
خسرت مصر أمام الأوروغواي بهدف دون مقابل، في 15 يونيو. ولكن الشناوي، رغم الهزيمة، قدّم أداءً مميزاً استحق عليه إشادة الجميع وتكريم الفيفا له في ظهوره الأول في مباريات المنتخب الرسمية. ووصف الكاتب خالد منتصر رفض الشناوي لجائزة "رجل المباراة" بأنه "تصرف ينطلق من فكر وهابي متشدد، ويقتل مراحل النمو الحضاري في مصر"، معتبراً أن الجنة التي يطمح إليها ورفض من أجلها التقاط مجرد صورة مع الخمر، هي نفسها الجنة التي فيها "أنهار من خمور". وبرّر منتصر ردّ فعله على تصرف الشناوي بقوله لرصيف22: "أنا لا أعترض على حرية اللاعب في قبول الجائزة أو رفضها، لكن هذه الحرية لا يمكن أن نمنحها للشناوي ومَن يؤيده، ونمنعنها عن معارضيه. من حقي أن أنتقد هذا التصرف. فماذا لو فكرت الشخصيات العامة والمسؤولة في وطننا بمثل هذا الفكر؟ هل سنمنع السياحة ونقتل السائحين أو نطردهم وهم المصدر الأهم في الدخل القومي؟ وهل هناك سياحة لا تقوم على تناول الكحوليات؟ ما زلت عند رأيي في أن تصرف الشناوي يعيد الحضارة المصرية إلى نقطة الصفر، حيث البدائية والتشدد ونشر الأفكار التي ترسخ للعزلة أولاً، ثم تعمل على نشر العنف". وتابع: "الخمر حرام شرعاً، لكنه ليس مجرماً قانونياً. مصر تدخل ضمن أكثر عشر دول استهلاكاً للمواد الكحولية بكافة أنواعها، وهناك أكثر من أربعة آلاف محل يبيع هذه المنتجات و100 معمل لتصنيعها بجانب الكمية التي يتم استيرادها، وهناك فئة تكسب قوت يومها من هذه التجارة، ولن أستغرب إذا كان من المصفقين للشناوي مَن يتناول الخمر سراً". وعن سبب إثارة المشكلة بسبب الشناوي رغم أن عشرات ومئات اللاعبين سبقوه إلى هذا الموقف، يوضح منتصر أن "الأمر هذه المرة يتعلق بمصر بصورة واضحة ومباشرة"، والموقف حينما حدث مع المصري أحمد حجازي كان اللاعب يمثل فريقه الإنكليزي وست بروميتش، وكذلك الأمر مع محمد صلاح الذي كان يمثل ليفربول، و"لكن عندما يتعلق الأمر بخلق انطباع عن مصر، يجب أن يكون هذا الانطباع أننا دولة متحضرة"، معتبراً أنه "يجب أن نستغل هذه التظاهرات الرياضية لنشر رسالة بأن مصر بلد منفتح على العالم، ويؤمن بتعددية الفكر والعقائد". نفس الموقف المعارض سار عليه المخرج خالد يوسف الذي يقول: "كلما انتقدت موقفاً أو تصرفاً أو تصريحاً، يقولون هذا المخرج علماني، وكأن العلمانية باتت تهمة والترويج للأفكار الرجعية نوع من المثالية". وأضاف لرصيف22: "أنا أشجب موقف الشناوي، ولولا أمثالي ممَّن يتصدون لهذا الفكر المتأسلم لوجدنا تظاهرات تطالب بإغلاق مصنع الأهرام للكحوليات، وتطالب بعدم استيراد المواد الكحولية".حارس مرمى المنتخب المصري محمد الشناوي يرفض استلام جائزة أفضل لاعب بسبب رعايتها من قبل شركة خمور... وكاتب مصري يعلّق: الجنة التي يطمح إليها هي نفسها الجنة التي فيها "أنهار من خمور"
خالد يوسف معلّقاً على رفض حارس مرمى المنتخب المصري استلام جائزة أفضل لاعب بسبب رعايتها من قبل شركة خمور: شركة الخمور هذه هي أحد رعاة البطولة، وشركة مصر للطيران التي ترعى المنتخب توفّر الكحول للراغبين فيه، فما هذه الازدواجية الغريبة؟برأي يوسف، "يمكن أن يدفع تصرف الشناوي عدداً من مهاويس الإخوان ومدعي الإسلام إلى تحطيم الكباريهات والكازينوهات والمطاعم التي تبيع هذه المشروبات لراغبيها بعد اتهامهم بالكفر والفسق". ويضيف: "الشناوي صنع أزمة من العدم، البروتوكول ينص على التقاط صورة تذكارية مع الشركة الراعية للجائزة، وليس على إرغامه على شرب الخمر، وإذا كان الدين حرّم شربها، فهل هناك ما يحرم رؤية زجاجة خمر أو التقاط صورة بجانبها؟ ثم أن اللاعب يشارك مع منتخب بلاده في بطولة أحد رعاتها شركة الخمور هذه، وشركة مصر للطيران التي ترعى المنتخب توفّر الكحول للراغبين فيه، فما هذه الازدواجية الغريبة؟".
"هكذا علّمنا ديننا"
ولكن في مقابل هذه المواقف النقدية، يعلّق عضو مجلس إدارة اتحاد الكرة المصري ونائب رئيس بعثة منتخب مصر في روسيا عصام عبد الفتاح على الموقف بقوله: "كنت أود عدم التطرّق إلى مثل هذه الأمور ونحن في أمس الحاجة إلى التركيز، لكن لو سألتني عن موقف الشناوي فأنا أدعمه ولو كنت مكانه لقمت بما قام به. نحن مسلمون وهكذا علمنا ديننا، وذكرنا به كتابنا". وأضاف لرصيف22: "نحن لسنا دعاة دينيين، فهذه وظيفه لها رجالها، لكن موقف الشناوي لا يحتاج سوى إلى رجل يعرف أبسط تعاليم عقيدته". يعتبر عبد الفتاح أن موقف الشناوي لم يحرم مصر من الجائزة كما يدعي البعض، فقد استلم الحارس جائزته وسجلها الفيفا باسمه. هو فقط رفض الجانب الدعائي فيها، وهو التصوير بجانب زجاجة الخمر كنوع من الدعاية للشركة الراعية للجائزة، أما باقي مراسم تتويجه بلقب رجل المباراة فقد تمت على ما يرام. ويرفض نائب رئيس بعثة المنتخب في المونديال فكرة توبيخ الحارس أو توقيع أية عقوبات عليه، معتبراً أنه فعل ما يجب فعله ومضيفاً أن "لاعب كرة القدم هو قدوة لملايين الأطفال ويجب أن يحمل رسالة هادفة لعشاقه". وأشاد نجم المنتخب المصري السابق عبد الستار صبري بموقف الشناوي، مثمّناً المكاسب التي جناها من هذا الموقف وأبرزها الجمع بين الموهبة والأخلاق لدى الجماهير العربية. وذكّر صبري بأن النجم المصري محمد أبو تريكة اكتسب شعبيته من لقطة رفع فيها تي شيرت كتب عليها عبارات تعاطف مع غزة، خلال كأس الأمم الإفريقية عام 2006. برأيه، "هذه مواقف أخلاقية تنقش في قلوب الجماهير". ويوجّه صبري رسالة إلى ثلاثة أطراف: الأول، الحارس نفسه، ويطلب منه ألا ينشغل بردود الفعل، خاصة أنه أمام فرصة تاريخية لصناعة مجد شخصي وإنجاز لبلده؛ والثاني الجهاز الفني لمنتخب مصر، بأن يعزل الشناوي تماماً عن كل الضغوط التي يتعرّض لها، وأن يكون داعماً لجميع قرارت الحارس؛ والثالثة إلى وسائل الإعلام التي تحاول صناعة أزمة رغم حساسية الموقف وأهمية الحدث الذي يعيشه الشارع المصري، مطالباً إيّاها بالهدوء. ويضيف صبري: "لو كنت في موقف الشناوي لفعلت ما فعله. للفيفا الحق في إيجاد رعاة لأن كرة القدم تحوّلت إلى اقتصاد ضخم، كما يحق لنا نحن المسلمون أن نرفض ونقبل هذه الجوائز حسب عاداتنا وتقاليدنا".تغيير بروتوكول
وأشار موقع "روسيا اليوم" إلى أن الواقعة التي حدثت مع الشناوي دفعت الفيفا إلى تغيير بروتوكوله "على ما يبدو". وبحسب الموقع، "قرر مسؤولو الفيفا على ما يبدو إزالة صورة شركة الخمور، الراعي الرسمي لجائزة أفضل لاعب بالمباراة، عندما يفوز بها لاعب مسلم، لاحترام تقاليد الدين الإسلامي". ويكشف الدكتور محمد فضل الله، خبير اللوائح والقوانين الدولية الرياضية، السبب وراء قرار الفيفا المذكور، موضحاً أن الفيفا لا يبحث عن صدامات مع الشعوب المسلمة ولذلك حاول امتصاص غضب المسلمين بتعديل بروتوكول تسليم الجوائز التي ترعاها شركات الخمور. وبحسب فضل الله، "الفيفا ليس بتلك المؤسسة العادلة أو المثالية. لقد قاتل من قبل ضد قرار حكومة البرازيل منع الكحوليات في مدرجات وملاعب المونديال الأخير عام 2014 حتى انتصر لإرادته، وهو مقبل على تحدٍ جديد حينما تنظم البطولة في قطر 2022، ولكن للأسف لا يوجد ما يلزم الفيفا بفسخ التعاقد مع شركات الخمور، وعلى العكس يمكن أن يكون لقرارها الأخير الخاص بإزالة شعار الشركة من مراسم تسليم الشناوي للجائزة آثارٌ عكسية هي محاولة تجنّب اختيار لاعبين مسلمين للجوائز الفردية حتى لا تتضاعف خسائر الشركات الراعية".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...