في تسعينيات القرن الماضي، كانت محطات التلفزة العربية تعرض بين شوطَيْن من مباراة كرة القدم (المحلية منها والعالمية)، أغنيات منوعة أو نشرة إخبارية، في سبيل تمضية الوقت الذي تستغرقه استراحة اللاعبين في انتظار بدء الشوط الثاني، قبل أن تحلّق متأخرة كعادتها بركب التطور الغربي عبر تقديم "الاستديوهات التحليلية".
وكعادتها، حاولت وسائل الإعلام العربية استنساخ تجارب الإعلام الأجنبي، فقدمت نسخة تفتقر إلى أدنى مقومات النجاح، ثم تداركت ذلك وحسنّت مستواها، بعد أن تدخلت الخصخصة وساهمت رؤوس الأموال المحلية بقوة في عالم الرياضة.
ليس من المستبعد أن تشهد السنوات المقبلة افتتاح معاهد وجامعات لتدريس التحليل الفني لكرة القدم خصوصاً ولجميع أنواع الرياضة عموماً. وإلى أن يأتي ذلك اليوم، ينفرد الصحافيون الرياضيون، وبدرجة أقل، اللاعبون السابقون، بعالم التحليل الفني لمباريات الساحرة المستديرة.
قد لا يجد المتابع العربي فروقاً كثيرة بين الأُستديو التحليلي المحلي والأجنبي على مستوى الشكل، أو ضمن المنظور العام، إلا أن المتكلم أكثر من لغة يستطيع اكتشاف الاختلاف الكبير والفرق الشاسع على الصعيد الفني والإعلامي للمحللين والمقدّمين الأوروبيين على السواء.
إذا ما أردنا أن نضع الفرق الجوهري بين التحليل الكروي العربي والأجنبي (الأوروبي)، نجد أن "العاطفة" و"التعصب" هما السمات الرئيسية لدى معظم المحللين والمقدّمين العرب، وإن كان محور التحليل يتناول فريقاً أجنبياً لا علاقة وطنية أو عرقية تربط بينه وبين المحلل.
يزخر العالم العربي بالعديد من المحللين المميزين الذين أثبتوا جدارة في الاستديوهات الكروية، بل أصبحوا أيضاً مطلباً للجماهير، كما الأمر مع المعلّقين.
ويبرز من المحللين (الإعلاميين)، المصري خالد بيومي الذي يعتبر في نظر المتابعين العرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الأقدر على التوصيف الفني والأبعد عن الانحياز إلى فريق دون آخر.
ويلي البيومي، اللبنانيان علي الزين ومحمد حمادة. وعلى الرغم من أن الأول لا يخفي شغفه بليفربول Liverpool، فقد حافظ دائماً على رصانته التحليلية، ومثله حمادة الذي غادر دبي إلى "بي إن سبورتس" beIN SPORTS قبلةِ الإعلام الرياضي العربي التي استحوذت على كل شيء.
على صعيد المحللين من اللاعبين، لم يستطع معظم هؤلاء التغلب على نظرائهم من الإعلاميين، فعلى الرغم من امتلاكهم تجارب سابقة في الملاعب، لم يشفع لهم ذلك بتخطي طلاقة الإعلاميين وحسن إيصال أفكارهم للمتلقي. ويأتي النجم التونسي طارق ذياب في المرتبة الأولى على صعيد اللاعبين السابقين، إذ أصبح وجوده في أستديوهات بي إن سبورتس أمراً بديهياً في مباريات الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا.
ويلي ذياب النجم المصري حازم إمام والسعودي نواف التمياط اللذان أثبتا حضورهما بسرعة، متفوقَيْن على الكثير من محللي الحرس القديم، في حين قدم النجم المصري أحمد حسام ميدو أوراق اعتماده كمحلل ناجح خلال تجربته القصيرة التي انتهت مع تحوله إلى التدريب الذي من المرجح أن لا يمنعه من العودة إلى الأستديوهات مجدداً.
إلى هؤلاء المحللين، تبرز أسماء بعض المعلقين الذين ينجرفون إيجابياً نحو تحليل المباراة فنياً، ومناقشة أدق تفاصيلها بشكل يتفوق أحياناً على المحللين المختصين. ويأتي في صدارة هذه الأسماء، التونسيان رؤوف خليف وعصام الشوالي، بالإضافة إلى المصري أحمد الطيب والإماراتي عامر عبد الله.
مع العلم أن بضعة أسماء تثير جدلاً واسعاً في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، سواء عبر اتهامها بالانحياز أو بضعف المستوى التحليلي والفني، وذلك من خلال الاكتفاء بسرد المجريات وتفسير المفسّر، من دون تقديم أي إضافة. وفي عداد هذه الأسماء التونسي نبيل معلول والسعودي محمد عبد الجواد والمصري محمد زيدان، كما أن استضافة الأسماء الأجنبية المعروفة، لم تضف الكثير إلى الأستديوهات العربية بناء على رأي العديد من المتابعين، وذلك بسبب عامل اللغة، كون المترجم الفوري لا يستطيع نقل أفكار متكلمها بالشكل الأمثل غالباً.
قد لا تكون الاستديوهات التحليلية الأوروبية ذات رواج كبير لدى المتابع العربي، إلا أن تجربة الأستديو الإنكليزي في بي إن سبورتس شكّل قاعدة جماهيرية مقبولة على رغم صغرها، أضيفت إلى القلائل الذين كانوا يتابعون القنوات الرياضية الأجنبية. ولأنّ اللغة الإنكليزية هي الأكثر انتشاراً، فإن قناتَيْ سكاي سبورتس Sky sports وبي بي سبورتس BBC sports تشكلان القبلة الأولى للمتابعين العرب المهتمين.
وعلى عكس الأستديوهات العربية، يسيطر اللاعبون القدامى على أستديوهات التحليل الإنكليزية، ويتصدّر أسطورة الهجوم الإنكليزية غاري لينكر Lineker المشهد بجدارة في مجالَيْ التحليل والتقديم، في حين شاركه في تحليل مباريات كأس العالم الأخيرة كلّ من آلان شيرر Shearer وتيري هنري Henry وريو فيرديناند Ferdinand.
على الصعيد الانكليزي أيضاً، قدمت محطةITV SPORT ، فريقاً تحليلياً مميزاً ضم كلاً من روي كين Keane وباتريك فييرا Vieira وغارث ساوثغيت Southgate، في حين نقل قائد ليفربول السابق جيمي كاريغر Carragher، وقائد اليونايتد السابق غاري نيفيل Neville، المنافسة بينهما من الملاعب إلى استديوهات سكاي سبورتس، ليقدّما إلى جانب عدد من الإعلاميين الإنكليز، واحداً من أفضل الأستديوهات التحليلية للمباريات الأوروبية.
بعد الأستديوهات الإنكليزية، يشاهد عدد لا بأس به من المتابعين العرب، المغتربين منهم في أوروبا وغير المغتربين، أستديوهات التحليل الألمانية على قناتَيْ ARD وZDF اللتين غالباً ما تنقلان أهم المباريات مجاناً، عبر أقمار صناعية يسهل على العرب التقاط بثّها. ويسيطر على الأستديوهات الألمانية اثنان من عمالقة حراس المانشافت، هما أوليفر كان Kahn ويانس ليمان Lehmann، بالإضافة إلى نجم خط الوسط الألماني السابق محمد شول Scholl، في حين واصل القيصر الصغير مايكل بالاك Ballack مشواره الكروي خارج ألمانيا، ليقدم نفسه كمحلل رياضي في شبكة ESPN الأمريكية.
يتفق معظم المتابعين العرب للأستديوهات المحلية والأوروبية، وعلى الأخص تلك التي تغطي مباريات المنتخبات والفرق الوطنية، على أن الحيادية هي السمة الأبرز التي تميز الأوروبيين وتجعلهم متقدّمين بأشواط ومراحل عدة، لتأتي بعدها الروح الرياضية المتقبلة لإمكانية الفوز أو الخسارة في المنافسة الرياضية، إضافة إلى جلد الذات والإشارة إلى مكامن الخطأ بدلاً من تجميل الهزيمة وتبريرها والاختباء خلف إصبع الفشل.
تم نشر المقال على الموقع بتاريخ 13.08.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين