شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
تحريم الجنس من أجل الله والسلطة والمجتمع... تعرفوا على رهبانية المسلمين

تحريم الجنس من أجل الله والسلطة والمجتمع... تعرفوا على رهبانية المسلمين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 16 يونيو 201810:45 ص

"لا رهبانية في الإسلام"، عبارة عظيمة الشيوع في كتب التراث العديدة، منسوبة للنبي محمد. ويستفاد منها ومن غيرها من أحاديث حملت نفس المعنى -صنفها كثيرون في المرتبة الصحيحة- أن التبتل أو حرمان النفس من ممارسة الجنس أو الزواج، لم يكن أمراً مستساغاً مع بداية الإسلام، في مجتمع يرى تعدد الزوجات، أو ممارسة الجنس بين السادة والجواري "ملك اليمين"، من الأمور البديهية التي كفلها الشرع الإسلامي. إلا أن المتأمل في عصور إسلامية لاحقة يرى أن التبتل والعزوبية الاختيارية أو الإجبارية أحياناً، كانت أمراً شائعاً في المجتمعات الإسلامية، خاصة وأن الشريعة لم تحرّم العزوبية، رغم أنها تحث على الزواج وتنظمه. هذه العزوبية أو هذا التبتل كان إما بسبب الانشغال بالعبادة، أو بدافع الاحتجاج ورفض المجتمع من منظور ديني، وهذان الطريقتان أخذا شكلاً روحياً، وشاعتا بين أفراد (رجال ونساء) وجماعات وطرق صوفية، بعضها كان يشترط العزوبية للترقي روحياً داخلها، وبعضهم كانوا يشوهون أعضاءهم التناسلية لضمان الامتناع عن الجنس. أما الشكل الثاني فتمثل في العزوبية الإجبارية، التي فرضها النظام السياسي أو الظرف الاجتماعي السلطوي على البعض، إذ شاعت ظاهرة "الخصيان"، وغيرها، بحسب ما ذكر الباحث الباكستاني شاهزاد بشير في دراسة عنوانها "التقاليد الإسلامية والتبتل - Islamic Tradition and Celibacy".

عاشوا في العالم الآخر ونسوا الشهوة

يحكى أن الصوفي الشهير الحسن البصري طلب من الزاهدة الصوفية الشهيرة رابعة العدوية الزواج، فقالت له: إن أجبتني في 4 مسائل فأنا لك، فقال: سلي إن وفقني الله تعالى أجيبك. قالت: ماذا تقول لو مت وخرجت من الدنيا... أخرج على الإيمان أم لا؟ قال: هذا غيب ولا يعلم الغيب إلا الله. ثم قالت: ماذا لو وُضعت في القبر وسألني منكر ونكير... أقدر على جوابهما أم لا؟ فرد: هذا غيب ولا يعلم الغيب إلا الله. فسألت: إذا حشر الناس يوم القيامة وتطايرت الكتب... أُعطى كتابي بيميني أم بشمالي؟ فقال: هذا غيب أيضاً. في السؤال الرابع قالت: إذا نودي للناس، فريق في الجنة وفريق في السعير... كنت أنا من أي الفريقين؟ قال: هذا غيب أيضاً. فردت مستنكرة: من كان له غمّ هذه الأربعة كيف يشتغل بالتزويج؟ ثم سألته: يا حسن، أخبرني كم جزءاً خلق الله العقل؟ قال عشرة أجزاء، تسعة للرجال وواحد للنساء. فعادت وسألته: يا حسن، كم جزءاً خلق الله الشهوة؟ قال: عشرة أجزاء، تسعة للنساء وواحد للرجال. فختمت كلامها: يا حسن، أنا أقدر على حفظ تسعة أجزاء من الشهوة بجزء واحد من العقل، وأنت لا تقدر على حفظ جزء واحد من الشهوة بتسعة أجزاء من العقل! فبكى الحسن البصري. تلك القصة متداولة في كتب التراث، وهذا النص مأخوذ عن كتاب "مشكاة الأنوار" لأبي حامد الغزالي. وهي تكشف بجلاء نموذج من التبتل، فرضته إحدى أشهر الزاهدات في التاريخ الإسلامي على نفسها. تبتل رابعة التي عاشت في القرن الثاني الهجري ( ولدت في 100هـ / 717م - توفيت في 180هـ / 796م) ليس فريداً من نوعه، ولكننا نلمسه في حكايات عن صوفيين كُثر، منها تلك التي ذكرها شاهزاد بشير نقلاً عن مصادر فارسية، كالتالي: أحد الصوفية كان يزور رجلاً فلاحظ أن هناك امرأة تعيش معه ولكن لا يبدو أنها زوجته، وعندما كان على وشك المغادرة سأله: ما علاقة هذه المرأة العفيفة بك؟ فأجاب: من جهة هي ابنة عمي، ومن جهة أخرى زوجتي.
هل هناك جذور إسلامية للعزوبية؟
نموذج من التبتل، فرضته إحدى أشهر الزاهدات في التاريخ الإسلامي على نفسها
فقال الصوفي: لكن خلال الأيام الثلاثة التي قضيتها معكما، كنتما تتعاملان بشكل يشبه الغرباء؟ فرد: صحيح، هذا قائم منذ 65 عاماً. فسأله: وما السبب؟ أجاب: "عندما كنا صغاراً وقعنا في الحب، لكن والدها لم يوافق على زواجنا، لأنه اكتشف حبنا لبعضنا البعض، فحزنت لفترة طويلة، وبعد وفاة والدها أصبح أبي هو المسؤول عنها باعتباره عمها، فزوجها لي. في ليلة الزفاف، قالت لي: "أنت تعرف ما السعادة التي منحها الله لنا بجمعنا معًا، وجعل كل الخوف بعيدًا عن قلوبنا، فلنمتنع الليلة عن العاطفة وعن رغباتنا تجاه بعضنا، ونعبد الله شكراً على هذه السعادة. يكمل: في الليلة التالية، دعتني للقيام بنفس الشيء ففعلت، وفي الليلة الثالثة قلت لها: الآن شكرنا الله لليلتين بناء على رغبتك، والليلة دعينا نعبد الله بناء على رغبتي أنا... وهكذا مضت الأيام والليالي، حتى مر 65 عاماً، ونحن على هذا الحال، لم نلمس بعضنا البعض، وننفق كل حياتنا في شكر الله على سعادتنا. ويرى شاهزاد أن العزوبية الاختيارية بين الرجال في المجتمعات الإسلامية كانت شائعة، ولكن بالنسبة للنساء كانت شائعة لدى الجواري المحررات فقط. وعلل ذلك بأن الجواري المحررات كانت لديهن حرية اختيار العزوبية والتبتل، فهن متحررات من عوائلهن، لأنهن بلا عائلة بالأساس منذ تم بيعهن في أسواق النخاسة، وبالتالي كن متحررات مما يطلق عليه "شرف العائلة"، وربما يمثل الزواج قيداً جديداً عليهن، يعوق رغبتهن في التصوف والزهد، كما في حالة رابعة العدوية، التي كانت جارية أيضاً وأعتقها سيدها.

جذور إسلامية للعزوبية

في المخيلة الإسلامية، تمثل عذرية المرأة علامة على طهارتها، فنجد أن فاطمة بنت النبي تلقب بـ"البتول" رغم أنها تزوجت وأنجبت، وجاء في بعض الروايات الشيعية ويرددها الصوفية أيضاً، أن زوجها "علي بن أبي طالب" كلما وطأها وجدها بكراً، وهنا إيحاء بأن العذرية متأصلة في الذهنية الإسلامية كعلامة على الطهر. في شعيرة الصيام يمتنع المسلمون عن الممارسة الجنسية، ويصير الأمر متشدداً في شهر رمضان حيث الصيام فريضة، وكذلك أثناء تأدية مناسك الحج أو العمرة بعد الإحرام. والصيام هنا مدخل هام لفهم العزوبية عند الصوفية، فهو امتناع عن شيء مباح تقرباً إلى الله، وكذلك كان قرار بعضهم بالتبتل كأمر اختياري. في كتابه "قوت القلوب في معاملة المحبوب" يرى أبو طالب المكي (تـ. 386هـ) -أحد أشهر علماء ومتصوفة زمانه، وأخذ عنه أبو حامد الغزالي- أن الله لم يفرض على أحد الزواج أو العزوبية، كما لم يفرض على الرجل الزواج من 4 نساء، مشيراً إلى أن المسألة كلها ترتبط بالطقس أو الحالة التي تجعل الإنسان ينعم بنزاهة القلب، ويحافظ على إيمانه وسلامه الروحاني وتنفيذ ما أمره به الله، ومتى كان أمره يستقيم مع الزواج من واحدة أو أكثر فله ذلك، ومتى استقام دون زواج فلا ضرر أيضاً. أما الصوفي علي بن عثمان الهجويري (تـ. 1072م) فيرى في كتابه "كشف المحجوب" أن العزوبية أفضل من الزواج، معتبراً أن المرأة تسبب الشقاق وتحول الرجل لشيطان بسبب اشتهائه لها، فينشغل عن دينه. بالتأكيد ليس المتصوفة كلهم على هذا الشكل، فقد نصح جلال الدين الرومي في سفره "مثنوي" بالزواج، وكذلك قال الجنيد البغدادي إنه يحتاج إلى الجماع كما يحتاج إلى الطعام، بحسب شاهزاد بشير.

"مت قبل أن تمت": لينتهي المجتمع المادي

"مت قبل أن تمت" شعار اتخذته بعض الجماعات الصوفية التي رفضت المجتمع القائم، وسعت إلى تعطيل إعادة إنتاجه، فكانت العزوبية أمراً بديهياً بالنسبة لها كي لا تتكاثر البشرية. يشير شاهزاد إلى أن هذه المجموعات الصوفية ظهرت ابتداءً من القرن الثاني عشر الميلادي، وشاعت في المجتمعات الإسلامية كجزء من شكل احتجاجي عليها. هذه الطرق الصوفية المعترضة على السياق المادي الذي يعيشه المسلمون، مارست أشكالاً من الحياة القائمة على إهانة النفس وقهرها، والإتيان بأفعال حرمها الدين، اعتراضاً على مجتمعاتهم. والأهم من ذلك هو تباهيهم بهذا التخلي وهذا الزهد في الأماكن العامة، من خلال الممارسات التي تعتبر مستهجنة من قبل غالبية الناس؛ فقد كانوا يتباهون بشرب المسكرات في الشوارع أحياناً، في الوقت الذي قد يمتنعون فيه عن الطعام لأيام طويلة، أو قد يأكلون أشياء غريبة لا تؤكل. كانوا يعيشون في المقابر، وقد يتخلون عن جميع ملابسهم حتى في الظروف الجوية القاسية، وفي أفضل الأحوال كانوا يرتدون جلود الحيوانات أو القمصان المصنوعة من شعر الماعز، ويرفضون بشكل مطلق أي عمل مربح، ويقطعون علاقاتهم بشكل كامل مع عائلاتهم وأسرهم ومجتمعاتهم، وينكرون كل الرغبة في الجنس والأولاد. هذه المجموعات كونت زعامات استطاعت جذب العديد من الأنصار والأتباع، خاصة من 1200 إلى 1500م، بحسب شاهزاد بشير. ونذكر من هذه المجموعات الطريقة القلندرية التي كان جمال الدين صاوي (ت 1232م) أحد ملهميها، بعد أن كان صوفياً عادياً، قبل أن ينجذب إلى هذه الجماعة ويعيش في مقبرة بدمشق، ويسقط جميع شعر جسده بأمر إلهي (حسب ادعائه)، ومنذ هذه اللحظة تحول جسده إلى ما يشبه الجيفة، كما تصفه المصادر. وتتناسب العزوبية مع هذه الصورة، فالجسد الميت (الجيفة) ليست لديه رغبة جنسية ولا إمكانية للتكاثر. وكان أتباع الطريقة القلندرية مثله، متماشين مع اسمهم، فكلمة "قلندر" الفارسية تعني "رجل من أهل التَرْك والتجريد، تجاوز عن اللذائذ البشرية"، بحسب موسوعة "كشف اصطلحات الفنون والعلوم" لمحمد علي التهاوني، الذي ينقل عن القاموس الفارسي جهانگيري، أن "قَلَنْدَرْ" بفتح القاف، عبارة عن "شخص تجرّد عن نفسه وعن الأشكال البشرية والأشكال العادية والأعلام التي لا سعادة فيها، حتى صار من أهل الصفاء وترقّى إلى مرتبة الروح". وتأسست القلندرية في دمشق عام 610 هـ، على يد قلندر بن يوسف، الأندلسي الذي هاجر إلى الشرق ومات بدمياط في مصر، وانتشرت طريقته في العالم الإسلامي حتى وصلت الهند، بحسب الشائع في المراجع التراثية. وكذلك نذكر الطريقة الحيدرية، التي تأسست على أفكار قطب الدين حيدر (توفي في 1200م) وأخذت مسألة التبتل خطوة أخرى إلى الأمام، من خلال ممارسات بدنية هدفها كبت الوظائف الجنسية. ويقال إن حيدر عاش كل حياته الناضجة في البرية والمناطق المنعزلة، وكان لباسه من أوراق الأشجار وما شابهها، كما اعتاد غمر نفسه في الماء المثلج خلال فصل الشتاء، والمشي على النيران في الصيف من أجل السيطرة على رغباته الجسدية، بحسب ما نقل شاهزاد بشير. كما ارتبط حيدر وأتباعه بشكل خاص باستخدام الحديد، وادعى مريدوه أنه كان يملك القدرة على قولبة المعدن بيديه، كما لو كان شمعاً. وبعض الحيدرية كانوا يرتدون أطواقاً حديدية وأساور وأجراساً، كعلامة على انتمائهم للجماعة، بحسب شاهزاد الذي يشير إلى أن بعضهم ثقبوا أعضاءهم التناسلية بحلقات حديدية، ليمنعوا أنفسهم من ممارسة الجنس. وفي وقت لاحق جعلت الطريقة البكتاشية (تأسست في الأناضول عام 1501م) العزوبية شرطاً للترقي الروحي، والوصول لدرجات كبرى داخلها.

لما هذه القسوة على النفس؟

يؤكد الباحث الباكستاني أن هذا الأسلوب من التصوف شاع في فترة شهدت خلالها الصوفية عملية "مأسسة" - 1200: 1500م- حولتها إلى جماعات منظمة، بها تراتب إداري وروحي واضح. وفي هذه الفترة أصبح سادة الصوفية المشهورون، وسطاء قوة رئيسيين في الحياة الدينية والسياسية والاقتصادية للمجتمعات الإسلامية، وأصبح لهم نفوذ لدى السلاطين وقصور الحكم، بما لا يتماشى مع فكرة التصوف الرئيسية وهي الزهد والترك، ومن هنا، نشأت الحركات الصوفية المتمردة على الصوفية التقليدية وعلى الدنيا كلها. ومما يدل على تأثير هؤلاء المجاذيب، أتباع تلك الجماعات، في المجتمعات الإسلامية، شيوع قصصهم التي تشبه الأساطير، وتأثيرها على أقطاب هذه المجتمعات، ومنها ما روي عن التاجر فريد الدين العطار "الصوفي الشهير فيما بعد"، الذي كان يجلس أمام حانوته وحوله عماله وخدمه، وإذا برجل من المجاذيب قد أتى إليه ونظر إلى تجارته ثم لمعت عيناه من الدموع، فأمره العطار أن ينصرف، فأجاب الدرويش: أيها السيد إن حملي خفيف وليس عندي إلا هذه الخرقة (ملابس مهلهلة يلبسها)، ويسير عليّ أن أفارق هذا السوق (يعني الدنيا) عاجلاً، وخير لك أن تفكر في أحمالك وتتدبر في أمورك. فقال العطار: كيف تذهب من هذه السوق؟ فأجاب الرجل: هكذا.. وخلع أسماله ووضعها تحت رأسه ومات في الحال، ليعتزل العطار الناس بعد ذلك ويبدأ في مسيرته الصوفية، بحسب ما نقل عبدالوهاب عزام، في كتابه "التصوف وفريد الدين العطار"، عن دولتشاه السمرقندي. ويشير شاهزاد إلى أن المعلومات الواردة عن تلك المجموعات قديماً كانت تتمحور حول الرجال، ولكن دراسات أنثربولوجية أجريت على مدينة لاهور الباكستانية في سبعينيات القرن العشرين، أثبتت وجود مجموعات نسائية صوفية مناهضة للمجتمع تعيش في عزلة هناك.

العزوبية الإجبارية... للسلطة متطلبات

السياسة أو السلطة بشكل عام جعلت العزوبية أمراً ضرورياً في بعض الأحيان، بالنسبة للرجال والنساء. بالنسبة للرجال كان هناك ما يسمى بـ"الخصيان"، وهم عبيد تم إخصاؤهم لقتل الشهوة الجنسية لديهم، ومن ثم بيعهم للعمل لدى أسياد يستطيعون ائتمانهم على نسائهم، بالإضافة إلى الوثوق بهم في مهام أخرى، وقيل إن الخليفة الأموي يزيد بن معاوية هو أول من استخدمهم، وكان له حاجب منهم يدعى "فتح". أفرد أبوعثمان الجاحظ مبحثاً خاصاً لهم في كتابه الموسوعي "الحيوان"، وهاجم الفتاوى الدينية التي تحرم الإخصاء. ويشير شاهزاد بشير إلى أن المسلمين تعلموا الاستعانة بالخصيان من ثقافات سابقة على الإسلام كالإمبراطورية الرومانية الشرقية، لافتاً إلى أن الشريعة الإسلامية تحرم الإخصاء القسري، وبسبب هذه الفتوى كان من يقومون بالإخصاء أطباء مسيحيين، أشهرهم كان في صعيد مصر. وكان الخصيان ذوي أهمية كبيرة في الدول الإسلامية المتلاحقة، خاصة في الدولة العثمانية، التي برز فيها غضنفر أغا وأخوه جعفر، المجريان المسيحيان اللذان اعتنقا الإسلام، وصارا صديقين للأمير سليم، الذي دعاهما بعد اعتلائه العرش وصار سلطاناً عام 1566 ليصبحا جزءاً من أسرته العثمانية، بشرط إخصائهما، فوافقا. وأثناء عملية الإخصاء توفي جعفر، ونجى غضنفر الذي صار رئيساً للخصيان البيض ومسؤولاً عن غرفة السلطان، وكان واحداً من أكثر الأشخاص نفوذاً في السلطنة لفترة تزيد على ثلاثين عاماً، امتدت من عهد سليم إلى ابنه وحفيده، بحسب شاهزاد.

كان للخصيان شأن كبير في عهد المماليك (1250 - 1517م)، فقد عينوهم كأوصياء على المقابر والأضرحة الشهيرة، وعلى رأسها ضريح النبي في المدينة المنورة، وكذلك على الكعبة في مكة، بحسب المتواتر في كتب التاريخ، حيث كان الحجاز جزءاً من الدولة المملوكية التي كانت عاصمتها القاهرة. لا يوجد مصطلح نسائي يعادل "الخصيان"، ولكن السلطة ساهمت أيضاً في فرض عزوبية إجبارية على بعض النساء. من هؤلاء حالتان معروفتان في الدولة الصفوية الإيرانية (1501 - 1736م)، فكانت الأميرة "ماهين بانو - Mahin Banu" (تـ.1561 أو 1562)، شقيقة الملك "تاهماس - Tahmasp" (تـ. 1576)، مخطوبة للشخصية الأسطورية "المهدي المنتظر" الإمام الثاني عشر للشيعة الإمامية، كوسيلة لضمان أنها لن تتزوج من أي شخص. وفي وقت لاحق كانت ابنة تاهماس غير المتزوجة "زينب بيجوم- Zaynab Begum" (تـ. 1642) لها تأثير كبير في بلاط ابن شقيقها شاه عباس (توفي في 1629). كذلك كان هناك نمط مماثل بين المغول الهنديين، معاصري الصفويين، إذ لم تتزوج الأميرات جولفدان بيجوم (تـ. 1603) ابنة الإمبراطور همايون (تـ. 1556)، وجهانارا بيجوم (تـ. 1681) ابنة شاهجيهان (توفيت في 1658) وشقيقة أورانجزيب (تـ. 1707).

وفي الجزائر كانت لالا زينب (1850-1904)، التي ترأست بين عامي 1897 و 1904 "الزاوية القاسمية" أو "زاوية الهامل" الصوفية، وكانت تسيطر على مجموعة صوفية كبيرة في الجزائر. لم تتزوج لالا زينب بدعوى أن أباها جعلها خليفة له على الزاوية الصوفية، وبالتالي فلا يمكن أن تتزوج أو تخضع لحماية ذكر، باعتبارها الحامية للزاوية وللجماعة. وإلى اليوم هناك ممارسة مشابهة بين العائلات الإقطاعية في إقليم السند جنوب باكستان، حيث يمكن أن تجد فتيات "متزوجات من القرآن!" من أجل منعهن من زواج يؤدي إلى نسب عائلات أخرى، يتسبب في خروج ممتلكات من عائلة إلى أخرى.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image