ربما انتهى زمن التنبؤ بمستقبل وردي للبشر، يهنأ فيه ابن آدم في المراعي الخضراء وتنتهي الصراعات، إلا أن الأمر ليس بهذا الجمال. المؤشرات لا تدعو إلى التفاؤل، خاصة لدى الكتاب والمؤلفين، إنما غالبية التنبؤ ذهبت إلى مستقبل فاسد، أسود، لا مكان للخير فيه، وهو الديستوبيا.
أخذت السينما منذ بدايتها تتنبأ بالمستقبل، وماهية التكنولوجيا التي سوف يستخدمها الإنسان وستعمل على خدمته، فضلاً عن السياسات للحكومات، وكل منها تناول مصير الإنسان بطرق عدة، منها المتشائم والمتفائل. إلا غالبية الأفلام السينمائية التي حققت نجاحاً كانت تسير في أدب "الديستوبيا".
في الديستوبيا سيكون المستقبل مظلماً، وتكون الرياح ترابية نتيجة التلوث الذي أثر على الطقس إثر الحروب العالمية الثالثة أو الرابعة، في الوقت ذاته سيفقد بنو آدم مشاعرهم ووعيهم، ويكونون مثل الدمى تحركها الأنظمة الاستبدادية من أجل خدمة أهدافها.
وتعد "الديستوبيا" أدب المدينة الفاسدة، عكس المدينة الفاضلة التي حلم بها أفلاطون، وينشر فيها الشر ويعم الفساد ويصبح فناء الجنس البشري وشيكاً.
لعلّ هذا ليس الخوف الوحيد من المستقبل، فالذكاء الصناعي الذي بات غالبية سكان الكرة الأرضية يستخدمونه يشكل خطراً على حياة البشري.
الذكاء الصناعي وحرب الآليين على البشر
في المستقبل سيبلغ صراع السيطرة على الوعي، إما عبر السيطرة على وعي الإنسان وسلبه الإرادة الحرة والإحساس والتفكير والإدراك، أو امتلاك تكنولوجيا الذكاء الصناعي السيطرة على وعيه، وهو ما سيخلق ديستوبيا، وسيدمر عالمنا. سلسلة أفلام "The Terminator" أوضحت الحرب بين البشر والآليين، ونشاهد شبكة Skynet التي بنيت على أنها شبكة عالمية للدفاع عن المعلومات، وأعطيت في وقت لاحق القيادة والسيطرة على جميع الأجهزة الإلكترونية، على الصعيدين العام والعسكري، بما في ذلك أسطول طائرات الشبح وترسانة الأسلحة النووية الأمريكية بالكامل. وكانت الاستراتيجية وراء إنشاء سكاينيت هي إزالة احتمال الخطأ البشري. وفي 29 أغسطس/آب 1997 اكتسبت وعياً اصطناعياً، وحاول مبرمجو سكاينت إلغاء تنشيطه بعدما أدركوا القدرة الحقيقة التي يمتلكها البرنامج. وقد رأى سكاينيت التدخل أنه هجوم، وأطلقت سكاينيت صواريخ نووية تحت قيادتها في روسيا، التي ردت بهجوم مضاد نووي ضد الولايات المتحدة وحلفائها، وقُتل أكثر من ثلاثة مليارات شخص.ديستوبيا المستقبل نتيجة للتطور الآني
"إن الذكاء الصناعي يمكن أن يكون مخيفاً في حالة واحدة، أن يعطيه الإنسان صلاحيات بالنيابة عنه، حينها ستتجاوز الآلة الحدود وستملك إرادة التحكم في ذاتها" قال محمود راضي، الناقد الفني، والمتخصص في الخيال العلمي، ورأى أن الإنسان طور الآلة من أجل مساعدة البشر، إلا أننا بدأنا في جعلها تحل محلنا ونحن "قاعدين بنتفرج"، والخوف بدأ من هنا. ويضيف لرصيف22 أن النبوءات في السينما بدأت منذ عقود، أبرز هذه الأمثال ما عرضه سلسلة أفلام الماتريكس، وأفلام The Terminator بعد امتلاك الآلات وعياً مماثلاً للبشر، ومنذ ذلك الحين يتمرد ويخرج عن السيطرة ويبدأ حربه على البشر. وعنده أن هذا الخوف في محله جداً، ونقلته السينما وعبّرت عنه في ديستوبيا المقبل كنتيجة حتمية للتطور الحالي، ويمكن أن يكون سبباً في فناء البشرية إذ وصل الذكاء الصناعي إلى مراحل متطورة.المدينة الفاسدة أمامنا
ربما ما يزيد هاجس الخوف من تكنولوجيا الذكاء الصناعي ما كشفته وثيقة نشرها موقع المحامي والصحافي الأميركي غلين غرينوولد عن برنامج تتبع أطلقته "وكالة الأمن القومي الأميركية" (أن أس أي) تحت اسم "سكاي نت"، وهو نفسه اسم الشبكة من سلسلة أفلام "تيرميناتور"، والمسؤولة عن دمار الأرض بعد إطلاقها للأسلحة النووية. وبحسب ما نشرته صحيفة "الحياة " اللندنية فإن "سكاي نت" تختص بتتبع الأشخاص أصحاب العلاقات مع الإرهابيين، من طريق تحليل معلومات خاصة باتصالاتهم اليومية وتحركاتهم عن طريق مراقبة هواتفهم. ربما يأخذنا هذا السياق إلى الروبوت صوفيا، الذي أحدث ضجيجاً في العالم منذ فترة بعدما عبّرت الآلة عن رغبات في القضاء على الجنس البشري، ربما الحديث استقبله الجمهور على أنه دعابة أو سخرية، إلا أن الأمر خطير، وفي أغسطس الماضي، أوقفت شركة "فيسبوك" تطوير الروبوتات "بوب" و"أليس" بعدما توصّلا إلى استخدام لغة خاصة خلال محادثة بينهما في محاولة لمبادلة القبعات والكرات والكتب. &t=42s وذكر موقع إندبندنت أن الروبوتان "بوب" و"أليس" طورا رموزاً وعبارات غير مفهومة وأنشآ لغة خاصة للتواصل فيما بينهما، لم يضعها المبرمجون فيهما، والغريب أن هذه اللغة أدت المطلوب منها وأنهت بنجاح مهمة معينة.حرب الآلات والبشر
فيما ترى آمنة آمين، الباحثة الاجتماعية والعلمية، أن الخوف الأكبر الذي عبرت عنه السينما في ديستوبيا، وكان مستوحى من الواقع هو سيطرة وتوغل الذكاء الصناعي. وتضيف لرصيف22 أن هناك الخوف لدى دول كبرى من الذكاء الصناعي إلا أنها في الوقت ذاته مستمرة في تطوير الروبوتات عبر إعطائها مهمات وصلاحيات أعلى يوماً بعد يوم. "السمة الغالبة في الأفلام التي تناولت الديستوبيا هي أن الروبوتات ستخوض صراعاً مع البشر، بعدما امتلكت الوعي والإدراك واستطاعت أخذ القرار بدون أمر من الخالق (الإنسان)، ومنذ ذاك بدأت الروبوتات في تطوير ذاتها تدريجياً، ولم تمر فترة وجيزة حتى تمردت على خالقها، وخرجت عن السيطرة والعبودية" تقول آمنة.بشر من دون مشاعر
بعد انتهاء الحرب التي وقعت في بداية القرن الحادي والعشرين، قرر قادة العالم بناء مجتمع بشري، وذلك عبر كبت المشاعر والأحاسيس التي تتسبب في النزاعات بين البشر عبر كبسولة " بروزيوم- Prozium "، ومن يتوقف عن أخذ الكبسولة يعتبر مجرماً لأن الإحساس جريمة في نظر النظام، ويعرض نفسه للمحاكمة. يسير البشر كقطيع الغنم في صفوف يؤدي الجميع فيها حركات وانفعالات ثابتة دون تغيير، لأنهم تحت كبسولة " بروزيوم- Prozium "، حتى أنهم منعوا الموسيقى والأداب والأفلام والقراءة لأنها مثيرات لمشاعر الحب والعاطفة، تحارب الأنظمة الشمولية والديكتاتورية الشعوب وتسلب شعورهم الإنساني، فالجريمة أصبحت في امتلاك كتاب أو لوحة لبيكاسو أو أسطوانة لبيتهوفن، هكذا صوّر فيلم Equilibrium، ديستوبيا المستقبل. وفي فيلم "Mad Max"، انتهت في المستقبل الأنظمة الرسمية وأصبحت العصابات هي المسيطرة على مجموعة من البشر ومنعت عنهم المياه والطعام، حتى خرجت مجموعة وحاولت الهرب والبحث عن الملاذ الآمن، مكان فيه يعيش الإنسان بحرية وسط حقول خضراء.لا يوجد مفهوم ديستوبيا عربية
الاهتمام بالأبحاث العلمية أقل كثيراً من الدول الأجنبية لذلك لن نجد الأمر ينعكس على السينما، يرى راضي، ويقول إن هذا الأمر لا يعطي أرضية لإنتاج أفلام تهتم بأدب الخيال خاصة، لذلك نجد السينما الأجنبية تنقل ما يتوقعه العلماء والعلم الغربي أما في العالم العربي فميزانية الأبحاث العملية ضئيلة. ويرى أن البعض يعتقد أن أدب سيىء السمعة مصنوع للتسلية وبالتالي يعامل كأقل قيمة أدبياً إلا إذا اتسق مع اهتمامات المثقفين والسياسيين، على سبيل المثال لا الحصر، تناول رواية "1984" للكاتب جورج أورويل (تحولت إلى فيلم فيما بعد) إلى سيطرة الأخ الكبير على المواطنين وسلب شعورهم وإحساسهم ومنعهم من التفكير. وهو ما حدث في فيلم "فهرنهايت 451" للكاتب راي برادبري، ومنع القراءة وتحوّل التليفزيون إلى وسيلة ترويج سياسية للنظام الديكتاتوري الشمولي. "صناعة السينما مثل أي صناعة أخرى، وهي تقوم على العرض والطلب، وبالتالي المنتج في الغالب يلهث تجاه أفلام تصنيفها رومنسي كوميدي، أو تشويق وإثارة أو أكشن" قال راضي. وتابع: "هناك تجارب فردية لتقديم أفلام ديستوبيا لكنها فشلت في عرضها، وتم مزجها بعنصر الكوميديا، لعلّ ّذلك من أجل جذب الجمهور، على سبيل المثال، فيلم حملة فريزر ومسلسل خلصانة بشياكة". لعل ما عرضناه يمثل القليل مما تناولته السينما عن الديستوبيا لكن ربما تكون الحرب المقبلة حرب سيطرة على الوعي، إما سلب البشر شعورهم وأحاسيسهم وإرادتهم الحرة، أو خلق الذكاء الصناعي وعي خاص به ويخرج من عباءة الإنسان.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...