تتنبأ البشرية منذ آلاف السنين بحدوث نهاية العالم، ويؤمن ملايين البشر بحرب نهاية العالم. فهناك شيء خفي لدى البشرية متعلق بدراما الفناء الإنساني يسيطر على أفكارنا. وعلى الصعيد الثقافي يبدو أننا ننجذب بشكل مرضي للنهايات المروعة والعنيفة، كأننا نستمد الراحة منها.
هل نهاية العالم فعلاً كما نتصورها، أو هي جميعها مجرد تصورات؟ وهل تحدث هذه النهاية؟
يحاول مورغان فريمان الإجابة عن هذه الأسئلة في الحلقة الثانية من وثائقي قصة الإله The Story of God المعنونة Apocalypse، الذي عرضته قناة ناشونال جيوغرافيك. يسافر فريمان حول العالم ليكتشف لماذا تتنبأ العديد من الأديان بنهاية العالم. في هذا التقرير المعروض عام 2016، سنستند إلى مقابلات أجراها فريمان، لتبيان الاختلافات حول نهاية العالم عند ديانات مختلفة.
نهاية الزمن عند الأديان الإبراهيمية الثلاثة
الأديان الثلاثة تتنبأ بأن القدس ستلعب دوراً هاماً في نهاية العالم، لأنها مركز الديانات التوحيدية الثلاث. ويعتقد أتباع هذه الأديان أن حرب نهاية العالم هي كلمة الوحي والإرادة الحقيقية لله.اليهودية
في العهد القديم ليس هناك إشارة صريحة لأي شيء عن ذهاب الأموات إلى الجنة أو الجحيم. بشكل أساسي يذهب جسدك تحت الأرض حين تموت، إلى مكان محايد يطلق عليه اسم "شؤول". الخبير في الشؤون السياسية والدينية للطائفة اليهودية يورم هزني فسَر ارتباط القدس بنهاية العالم عند اليهود. ففي العام 20 قبل الميلاد، شيَد الملك هيرودس العظيم معبداً ضخماً ليعبد اليهود ربهم. كان المعبد مصمماً ليبقى إلى الأبد باعتباره أقدس مكان في العالم بالنسبة لهم. ومن رمزية المعبد يمكن فهم الرؤية اليهودية لزمن نهاية العالم. لكن المعبد دمره الرومان، فدأب اليهود في القرون اللاحقة على الحضور والصلاة عند بقايا الموقع، لما صار يمسى حائط المبكى. يقول هزني: "يؤمن اليهود أن حقوقهم الدينية من دون هذا المعبد غير مكتملة. لهذا ينتظرون اليوم الذي سيتم فيه إعادة بناء معبدهم".هل نهاية العالم فعلاً كما نتصورها، أو هي جميعها مجرد تصورات؟
سيناريوهات نهاية العالم لدى الديانات المختلفةويضيف: "الشخص المكلف ببنائه هو المسيح، لكنه ليس المسيح المنتظر على غرار ما يؤمن به المسيحيون. فالمسيح عند اليهود ليس إلهاً، بل هو شخص عادي، ملك من هذا العالم سيجلب السلام بين الأمم في هذا العالم، وهذا المسيح البشري الفاني لديه قائمة من الأمور يجب أن يفعلها وفقاً للتراث اليهودي". ويعدد هزني هذه الأمور: "أولاً سيعيد تشكيل الدولة أو المملكة اليهودية، وثانياً سيجلب السلام مع الجيران، وأخيراً سيقوم ببناء المعبد". بعد أن أنهى هزني كلامه، يعلق فريمان: "بعد النظر إلى هذا المكان، أي القدس، حيث تتداخل وتتقاطع الكثير من الأديان، من الصعب تصور أن السلام سيحل، لأن إعادة بناء المعبد الآن على مقدسات المسلمين، لن يجلب عصر السلام بالتأكيد. فنتيجته ستكون دماراً شاملاً لأكثر المواقع قدسية عند المسلمين، وربما حرباً تشبه حرب نهاية العالم". لكن فكرة نهاية مروعة للعالم ليست جديدة، ولم يترقب جميع اليهود وصول عصر من السلام. فقبل ألفي عام، توقّع الآسينيون، وهم فرع من اليهود، حدوث نهاية عالم دموية. وقد وجدت مخطوطات داخل كهوف في وادي قمران، قرب سواحل البحر الميت، تشير إلى حرب أبناء النور وأبناء الظلام، التي ستستمر أربعين عاماً وستنتهي بالخلاص الأبدي.
المسيحية
أشهر كتاب هو كتاب رؤيا يوحنا، أو كتاب الوحي، الذي كتب في القرن الأول الميلادي. يروي قصة حرب وشيكة مع الدجال، عدو المسيح. وتقول عاملة الأركيولوجيا جودي ماغنيس: "يؤمن المسيحيون أن موت يسوع كان التضحية المطلقة، وبما أن يسوع ابن الرب، فقد ضحَي به ليكون شفيعاً لخطايا البشرية، وهذا ما أصبح في الأخير العقيدة المسيحية. وإذا آمنت بأن يسوع مات من أجل خطاياك، فأنت تقبل به مخلصك ومنقذك، وستكون بأمان بهذا الوعد المطلق الذي تقدمه المسيحية لمعتنقيها وستبعث مجدداً". التفسير الأساسي يقول إن المسيح سيرجع ليدين الأحياء والأموات، الأبرار ينالون الخلاص والخطأة ينالون العقاب. وستقوم معركة بين أتباعه وأتباع الدجَال "هرمجدون"، وسيعم السلام بعدها، وستعيش البشرية في ملكوت الله، منهم من يقول لمدة أربعين سنة، ومنهم من يقول ألف سنة، ويأتي يوم الحساب بعدها وتقوم القيامة. إلا أن بعض التفاسير المسيحية المعاصرة، تنفي وقوع معركة دموية وتعطيها بعداً رمزياً.الإسلام
يؤمن المسلمون بظهور المخلص أو المنقذ لهذه الأمة. بعضهم يدعوه المهدي المنتظر ويخرج في أخر الزمان، وهو من أبناء الرسول محمد. ويقول أهل السَنة إنه لم يولد بعد، بينما يقول الشيعة إنه ولد وغاب. ويكون هذا الظهور مقدمة لنهاية العالم بعد أن يحكم بالقرآن والسنة النبوية، ويهزم أتباع الشيطان والشر الكافرين وينشر حكمه على الأرض، بالقسط والعدل، فيحقق الوجود رسالته، وتقوم القيامة وينتهي العالم. جميع قصص نهاية العالم في الأديان تتصف بعلامات ستحصل في نهاية التاريخ، تهيىء مجيء المخلص وتكون بمثابة بداية نهاية العالم.شعب المايا توقَع نهاية العالم
[caption id="attachment_61909" align="alignnone" width="700"] روزنامة شعب الياما[/caption] شاع قبل فترة القول إن شعب المايا توقّع أن تحدث نهاية العالم في تاريخ محدد هو 21 ديسمبر 2012، وانتشر هذا الخبر حول العالم. سافر فريمان إلى مدينة تيكال في غواتيمالا، عاصمة شعب المايا القديمة، للقاء ستانلي جومتا، اختصاصي في الإشارات والرموز الخاصة بالمايا، لاستكشاف معبد الأقنعة، ومعبد الجاغوار الكبير. إذ كان في الماضي قلب مدينة تيكال التاريخية، وحفرت فيه حقبات في تاريخ المايا. يظن المايا أن كل 400 عام، هناك نهاية لدورة الباكتوم، وأن الاحتفال بنهاية دورة الباكتوم كانت تتوج بقيام الملك بالتضحية بالأسرى. ويقول جومتا: "سمعنا أنه في عام 2012 ستكون نهاية دورة الباكتوم الثالثة عشرة، وستكون نهاية العالم، التي تنبأ بها شعب المايا. لكن ما نراه في حفريات شعب المايا، يشير إلى أن الدورة الثالثة عشرة لم تكن نهاية التاريخ، بل جزءاً من سلسلة طويلة لا تنتهي أبداً. أي أنها كانت نهاية دورة واحدة فقط من ضمن مجموعة كاملة من الدورات وكل دورة أكبر من سابقاتها". ويضيف "أرّخ شعب المايا نهاية العالم في ديسمبر 2012 على أنه حدث رئيسي في روزنامتهم، من دون تدوين نهاية للعالم، بل فقط إعلان بداية أخرى في كل مرة. ويستمر الأمر كذلك للأبدية تقريباً، لأننا لم نجد نهاية تاريخ عند المايا، ويجب أن نستمر بالبحث في تدويناتهم".كيف تكون نهاية العالم في عالم لا ينتهي؟
الهند هي موطن ولادة اثنين من الأديان الكبيرة، الهندوسية والبوذية. في الهند قابل مورغان فريمان أحد أهم اللاما البوذيين ياومان كرمابا. يؤمن البوذيون أن ياومان كرمابا هو التقمص السابع عشر لمعلم عظيم عاش قبل 900 سنة، والكرمابا يجب أن يعلّم المؤمنين كيف يتم الوصول للتنوير. يقول كرمابا: "التنوير عملية طويلة جداً ومعقدة، تبدأ أولاً بإدراك الذات والتأمل واليوغا، لكشف الإرادة الحقيقية داخل الإنسان، وغيرها من الأساليب العديدة التي تساعد الإنسان في الوصول إلى الاستنارة العقلية". البوذيون لا يعتقدون بوجود نهاية عنيفة للعالم، فبالنسبة لهم كلمة نهاية العالم لا تعني أنها مرحلة حساب الله للعالم، بل هي عبارة عن وحي شخصي للحقيقة يصل إليها الإنسان بالعقل وتسمى بالتنوير أو الاستنارة. أما بالنسبة للهندوس فإن الزمن يدور في حلقات ودورات وربما إلى الأبد. يؤمن أتباع الهندوسية أن نهاية العالم تأتي مرة كل بضعة ملايين من السنين، وكل نهاية تؤدي إلى دورة جديدة ويبدأ العالم مجدداً. بالنسبة لهم يعني التناسخ أن الموت ليس سوى خطوة في الطريق إلى حياة أخرى في هذا العالم. فريمان التقى الراهب والطبيب الهندوسي سوامي باريش تننادا. يلخص تننادا ما يؤمن به الهندوس: "عش حياة صالحة فيمنحك الموت فرصة حياة جديدة مع جسد أفضل، وإن عشت حياة سيئة، فستعاني من العواقب في حياتك التالية". الفكرة التي تكمن خلف التناسخ هي تقويم الحياة، وبعد ذلك يمكن التوحد بالرب فهو الوجود الأبدي، أي الانتقال من الحالة الجسدية إلى طاقة خالصة، وهذا ما يطلق عليه التحرر "الموشكا" أي حالة الآلهة، وحالما تصل ليس عليك أن تقوم بهذا مجدداً.ماذا يريد أن يقول فريمان؟
يعرض فريمان إذن نموذجين أو ثلاثة نماذج عن قصص نهاية العالم، يؤمن بها ملايين البشر، ليستنتج أنه ليست كل هذه النهايات حتمية ودموية وعنيفة. وهناك بشر يؤمنون بلا نهائية العالم، والتجدد المستمر. ويقول فريمان: "كنت أفكر أنه يوم دمار شامل للبشرية، لكنني اكتشفت أن بعض البشر يتوقون لنهاية العالم، لأنهم يريدون التخلص من الظلم والعذاب، ويريدون عالماً أفضل. مصطلح أبوكاليبس كلمة إغريقية تعني كشف النقاب، وليست كلمة تعني الحرب والدمار والحساب والموت. هي كلمة تعني التنوير، حالة عقل وقلب تساعدنا في رؤية الحقيقة، إنها هنا، إنها الآن". في كل محطة من محطات الوثائقي المصور بحرفية عالية، يشارك فريمان اختصاصي في الميدان، يحاول إيجاد الاستفسارات عنه ويبحث فيه، ويقوم بالتصوير في أكثر الأماكن المقدسة في العالم لمختلف الديانات. ويجوب 20 بلداً تضم أبرز الصروح الأثرية الحضارية الصامدة حتى الآن.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...