إذا نظرتم في وجه هذه الموهبة الصاعدة، وهو يُقلد أحمد زكي ببراعة، عام 2004، حتمًا ستتوقعون أنه قد يصير صاحب مسيرة مُبشرة في عالم التمثيل، كما تنبأ له الفنان الراحل عمر الشريف، في أحد اللقاءات القديمة أن يكون «أحسن ممثل في مصر».
3 مشاهد كانت كافية أن يؤمن فنان بحجم عمر الشريف بموهبة «رمضان» الصاعدة، جمعتهما في مسلسل «حنان وحنين»، عام 2007، آخر أعمال «الشريف» الدرامية، وصدقت نظرته، في أن يصير محمد رمضان، بعد سنوات قليلة من وقوفه أمام الفنان الراحل، النجم الأكثر شعبية في مصر، بلغة الأرقام والمشاهدات.
«الساحة دي بتاعتي وأنا اللي شاكمها.. شعبية إلهية عمري في يوم ما أسيبها». قد تعبر كلمات إعلان شركة «اتصالات» الأخير، الذي قام ببطولته رمضان، وحقق أكثر من 26 مليون مشاهدة على موقع «يوتيوب»، حتى كتابة هذه السطور، عن الحالة التي يعيشها الفنان المصري في آخر سنواته، من نجومية وشعبية جارفة اكتسبها، منذ أن جسّد دور الشاب المُهمش في مصر، في فيلم «عبده موتة»، عام 2012، ليتصدر به إيرادات شباك التذاكر في عيد الأضحى وقتها.
ذلك قبل أن يكرر التجربة في فيلمي «الألماني» و«قلب الأسد»، ويبدأ الشباب في تقليد رقصاته، وقصات شعره، ويقتبسون من كلماته في الأفلام، مثل «اللي يحضر الجن وميعرفش يصرفه.. يعرف إن الجن هيقرفه» و«الرجولة ملهاش قطع غيار» و«أديك في السقف تمحر»، وغيرها من الكلمات، وهو ما تم وصفه من قِبل النقاد أنه «إسفاف»، وأن «رمضان» هو السبب في الأزمة الأخلاقية في مصر، متهمين أعماله بالترويج للإيحاءات الجنسية ومشاهد العنف.
بصيرة»، بنسبة 34%.
مرورًا بـ«الأسطورة»، العلامة الفارقة في مسيرة محمد رمضان ظهر تأثيره بشدة في المجتمع المصري، فلأول مرة نجد المصريين يصطفون بالمقاهي لمشاهدة مسلسل، منافسًا بذلك بطولات اليورو وكوبا أمريكا، بل ويطبعون صورته على «التيشيرتات»، فكيف نجح فنان في أن يجمع كل هؤلاء على رؤية مسلسل واحد وسط طائفة من الأعمال الدرامية؟ حتى المشهد الذي أجبر فيه «الأسطورة» عدوه على أن يرتدي «قميص النوم» في وسط الحارة، ردًا على تحرشه بزوجته، قلّده مصريون بشكل واقعي في الشارع المصري.
أما عن مسلسل رمضان الجديد، فيحمل اسم «نسر الصعيد»، ويظهر فيه بشخصيتين، إحداهما ضابط شرطة، كما اتضح من البرومو، من تأليف محمد عبد المعطي، ومن إخراج ياسر سامي، مخرج مسلسل «الأسطورة»، وهي المرة الخامسة التي يجسد فيها صاحب الـ29 عامًا دور صعيدي، بعد فيلمي «حصل خير» و«ساعة ونص»، عام 2012، وفيلم «واحد صعيدي» ومسلسل «ابن حلال»، عام 2014.
/
استطاع رمضان ببرومو لم يتجاوز الـ20 ثانية أن «يقلب الدنيا» وسط جمهوره على مواقع التواصل الاجتماعي، فحقق الفيديو أكثر من 6 ملايين مشاهدة عبر صفحته على موقع «فيسبوك»، كما بدأ الجمهور بتقليده في البرومو واستخدام المشهد في صناعة «الكوميكس» والفيديوهات الساخرة.
/
/
يقول «الأسطى محمود»، سائق تاكسي مصري، إن «محمد رمضان يفهم خيال الشعب المصري جيدًا»، في إشارة لفهم رمضان للذوق العام، موضحًا «يعني لما نشوفه طالع في الإعلان بأكثر من شخصية.. دي حاجة تشد الناس عشان تتفرج.. هو فاهم الناس بتحب تتفرج على إيه».
ويتابع «محمود»، عن سر حب الناس لمحمد رمضان، قائلًا: «أصله تعب وشقي في حياته عشان يوصل للي هو فيه.. مجاتلوش على الجاهز».
لمحمد رمضان علاقة ذكية مع جمهوره، استطاع أن يُعبر عنهم كإنسان قبل أن يكون فنانًا، بعد أن كشف في لقائه مع عمرو الليثي في برنامج «واحد من الناس» عام 2014، عن نشأته داخل أسرة بسيطة بمنطقة المنيب في محافظة الجيزة، وتربيته على الإحساس بالآخر، قبل أن يتم رفضه في معهد فنون مسرحية.
ظلت محاولاته تتوالى لاقتحام عالم التمثيل، برغم طرده أكثر من مرة من استديوهات، على حد قوله، إلا أنه ظل يحاول حتى اقتحم عالمه المُفضل بالفعل، بجانب قبوله في معهد فنون مسرحية فيما بعد، تحديدًا بعد دوره في فيلم «احكي يا شهرزاد»، ليبدأ رمضان رحلة النجومية، بأدوار نجحت في استهداف عقلية المشاهد المصري، لفنان شعره بأنه واحد منهم.
تأثير محمد رمضان أصبح جليًا لا يخفى على أحد من متابعي الساحة الفنية في مصر، وصعد رمضان سُلم النجومية بسرعة الصاروخ، حتى أنه يصور في الوقت نفسه أكثر من عمل، فمثلًا يصور «نسر الصعيد» بجانب فيلم «الديزل» المقرر طرحه في عيد الفطر، فيريد رمضان أن يكون حاضرًا بقوة في كل المواسم الفنية، ويكون السؤال هنا، هل يستمر محمد رمضان في قمة النجومية، أم أنه سيقسط بسرعة صاروخية كما صعد إلى القمة؟ هذا ما تطلعنا عليه رؤية الناقد الفني طارق الشناوي.
يرى «الشناوي» أن رمضان بات بالفعل النجم الأكثر شعبية في مصر، وبدليل النجاح المدوي الذي حققه البرومو التشويقي لمسلسل «نسر الصعيد»، كما راهن على نجاح ثنائية محمد رمضان والمخرج ياسر سامي، بعد نجاح مسلسل «الأسطورة»، عام 2016، وفيلم «جواب اعتقال»، العام المضي.
ورفض «الشناوي» فكرة تشبيه محمد رمضان بأحمد زكي، أو أن يكون الأول يقلده، مؤكدًا لـ«رصيف 22»، أن رمضان يمتلك كاريزما خاصة تبعد عنه شُبهات تقليد «النمر الأسود»، وهو ما اتفقت معه الناقدة الفنية ماجدة موريس، مؤكدة أن محمد رمضان صاحب طلة خاصة.
وأشار «الشناوي» إلى أن رمضان يواجه تحديًا جديدًا في فيلمه المقبل «الديزل»، خاصةً بعد نجاح أفلامه الثلاث العام الماضي «أخر ديك في مصر» للمخرج عمرو عرفة و«الكنز» لشريف عرفة و«جواب اعتقال» لياسر سامي، والتي كان فيها القرار لمخرج العمل وليس النجم، على حد قوله.
وعن إمكانية بقاء رمضان على قمة النجومية في مصر، أكد «الشناوي» أن ذكاءه هو من يحسم بقاءه على القمة من عدمه، موضحًا أن الموهبة والكاريزما وحدهما لا يكفيا، فيجب أن يكون هناك ذكاءًا في انتقاء الأدوار المناسبة.
ومن جانبها، رأت الناقدة ماجدة موريس، أن رمضان الأكثر شعبية بين فئة الشباب تحديدًا من الجمهور، مؤكدة أنه يشبههم في تسريحة الشعر وشكل الجسم، كما أنه عبّر عن جانب من سلوكهم في أعماله الفنية، وتضيف، أنه على الجانب الشخصي، أصبحت نجاحاته، والثراء الذي وصل إليه، يتناسب مع طموحات الشباب الشخصية.
كذلك تؤكد «موريس» أنها كانت تعتقد في البداية أن رمضان يهتم بسرعة الانتشار على حساب جودة العمل الفني، إلا أن أعمال رمضان الأخيرة، و«الكنز» تحديدًا، أثبتت أن لديه القدرة على تقديم أعمال تجمع بين الشعبية والجودة، ما جعلها تغير وجهة نظرها عنه.
واختتمت «موريس» حديثها، قائلة إن محمد رمضان عانى حتى يصل لما وصل إليه الآن من شعبية ونجومية وثراء، مشيرة إلى أن قصة صعوده سلم النجومية كافية لأن يبقى على قمته لسنوات طويلة.
ولكن إذا نظرنا لمحمد رمضان، في بداية مسيرته الفنية، قبل الانتشار، نجد أن صاحب الـ29 عامًا قدّم أدوارًا أظهرت قدراته التمثيلية، بعيدًا عن أفلام السوق، منها مسلسل «السندريلا» مع منى زكي، الذي جسد دوره الفنان الراحل أحمد زكي، كذلك دور «سعيد الخفيف» في فيلم «احكي يا شهرزاد» من بطولة منى زكي أيضًا، ناهيك بفيلم «الخروج من القاهرة»، الذي عكس واقع الشارع المصري من خلال قصة حب بين شاب (محمد رمضان) وفتاة (مريهان مجدي).
وحصد الفيلم جائزة الدعم الفني في مهرجان دبي، وجائزة أفضل فيلم في مهرجان ميونيخ بألمانيا، وجائزة أحسن تصوير في مهرجان أمستردام السينمائي، إلى جانب عرضه ضمن فعاليات مهرجان تربيكا السينمائي الدولي.
كل هذه الأعمال، برغم ثِقلها الفني، لم تعطِ رمضان الشهرة التي طالما حلم بها، فكان عليه بالاتجاه لأفلام السوق، أو أفلام «السبكية»، التي تستخدم لغة الشارع وتخاطب المشاهد بشكل مباشر، ليحقق الانتشار المطلوب في تلك المرحلة من مسيرته الفنية.
وفي مداخلة هاتفية شهيرة للمنتج كريم السبكي، الذي تعاون معه محمد رمضان في أكثر من فيلم، منها «قلب الأسد» وأخرها «الديزل»، سب فيها الإعلامي وائل الإبراشي، بلفظ جارح، في برنامجه «العاشرة مساءً»، لأنه اتهم محمد رمضان وأفلام «السبكية» بأنها تنشر ثقافة غير أخلاقية بالشارع المصري، بعد عرضه فيديو لطفلة ترقص بمطواه، واتهم الضيوف أفلام كريم السبكي، أنها السبب في أن نرى مشهداً مثل ذاك في الشارع المصري.
يرى الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية في مصر، أنه لا يمكن أن نحمل السينما مسؤولية الأزمة الأخلاقية الموجودة في المجتمع، مستشهدًا بالمقولة الشهيرة «السينما مرآة المجتمع»، أي أن السينما تستمد أحداثها من الواقع، مؤكدًا أن المجتمعات المستنيرة ترى مشاكلها في السينما وتحاول معالجتها، ولكن في المجتمعات المتخلفة، على حد تعبيره، يرفض المواطنون والإعلام أن يتم تصدير الصورة السيئة عن الدولة، حتى لو أنها واقعية.
وأعطى «صادق» مثالًا، وهو أن مسلسل «الأسطورة» لمحمد رمضان، دار حول بلطجي وتاجر للسلاح والمخدرات، إلا أن نهايته كانت القتل، وتساءل مستنكرًا لماذا لم ينظر المجتمع لنهاية البلطجي ويتخذ منها عظةً بدلًا من أن ينظر لتصرفاته؟
وتابع أستاذ علم الاجتماع السياسي، في حديثه لـ«رصيف 22»، أن الموضوع يتوقف أيضًا على المعالجة السينمائية للأحداث، موضحًا أنه يجب أن لا تستثير السينما أو الدراما مشاعر المشاهد نحو بلطجي أو ملحد أو تاجر مخدرات، بل يجب أن ينفر منه المشاهد بدلًا من أن يتعاطف معه، وهو ما تفتقده الكثير من الأعمال الفنية.
رمضان لم يلتفت لحديث وسائل الإعلام وقتها حول تأثر الشارع المصري بأدواره، ورد بشكل عملي من خلال تقديم أدوار مختلفة، مثل دور الشاب الساذج في الفيلم الكوميدي «واحد صعيدي»، ودور ضابط الشرطة في فيلم «شد أجزاء»، قبل أن يُجسد دور الجهادي في «جواب اعتقال»، وهي أفلام راهن بها رمضان على نجوميته ومكانته لدى الجماهير، وكسب الرهان، ليُثبت للجميع أنه سينجح في أي دور، والنجاح الجماهيري لا يعني بالضرورة أن الأعمال جيدة بالمعايير الفنية.
وعلى صعيد الدراما، حقق رمضان نجاحًا مضاعفًا، بدايةً من أول بطولة درامية مطلقة له بشخصية «حبيشة» في مسلسل «ابن حلال»، العامل البسيط ذي الأصول الصعيدية، الذي يتورط ظلماً في جريمة قتل، الشخصية التي تفاعل معها الجمهور بشدة، خاصةً وأن القصة التي كتبها حسان الدهشان، لعبت على تيمة البطل المظلوم الذي يبحث عن طوق نجاة، ما دفع الجمهور للتعاطف معه، وحقق المسلسل أعلى نسبة مشاهدة في شهر رمضان، حسب المركز المصري لبحوث الرأي العام «رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون