تعوّد الجمهور المصري أن يكون لكل مناسبة تمر عليه عمل فني أو أكثر يؤرخ لها، ففي عيد الأم وعيد الحب وعيد الفطر وعيد الأضحى تعرض الشاشات أفلاماً بعينها، وهو ما يحدث تلقائياً في عيد العمال وأعياد الربيع، حتى الرئيس الأسبق حسني مبارك كان في يوم ميلاده يعرض التلفزيون الرسمي فيلم الناصر صلاح الدين.
من هنا كان طبيعياً أن نرى أفلاماً في مصر تناقش فكرة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لأن السينما لم تعرف سوى عمل واحد يتناول الانتخابات الرئاسية وجاء سطحياً.
اليوم، مع انطلاق مارثون الانتخابات الرئاسية المصرية، والتي تبدأ في الخارج خلال أيام 16 و17 و18 مارس، لن تجدوا عملاً واحداً يعرض في هذه المناسبة.
محاولة وحيدة
في ما يخص الانتخابات الرئاسية لم تشهد السينما المصرية سوى فيلم وحيد هو "ظاظا" الذي قدمه هاني رمزي في 2006، وهو الأمر الذي علق عليه الناقد الفني وائل أبو الفدا بالقول: كانت الأغلبية في فترة حكم مبارك تخشى من تقديم أفلام عن الانتخابات الرئاسية، خوفاً من الصدام مع الرقابة التي كانت تضع قيوداً على تلك النوعية من الأعمال. وتابع: لدى الإعلان عن تقديم فيلم ظاظا الذي تغير اسمه من "ظاظا رئيس جمهورية" إلى "ظاظا"، خرج علي أبو شادي رئيس الرقابة على المصنفات الفنية وأكد أن الرقابة اعترضت على سيناريو الفيلم، وخاصة على الرمز الانتخابي للبطل المرشح لرئاسة الجمهورية، وهو الحمار، وقال إن محتوى الفيلم يحمل إهانة لمنصب رئيس الجمهورية. هذا طبعاً بخلاف الاعتراض الرئيسي على الاسم، مما اضطر فريق العمل في النهاية إلى تقديم معالجة جديدة حتى يخرج الفيلم للنور. وأضاف: الغرض الرئيس من وراء تقديم الأفلام التي تتحدث عن الانتخابات هو التأريخ لمرحلة معينة، ورصد تغيرات حركة الشارع، التي استقى منها الكثير من الكتاب أفكار أفلامهم، ويجب أن لا ننسى أن السينما قدمت نموذج المرشح المخلص الساعي لخدمة أهالي منطقته، كما قدمت النموذج الذي يتخذ الانتخابات وسيلة للربح وتحقيق مصالحه الشخصية، والتقرب من دوائر صناع القرار. وذلك بعكس من يؤكد أن كل النماذج المرشحة للانتخابات التي قدمت على الشاشة كانت فاسدة، فهذا على المستوى الفني غير جائز بأن نرى كل الشخصيات التي تنتمي إلى فئة بعينها، فاسدة جميعها. ولو نظرنا كذلك إلى المجتمع الذي ننقل عنه تجاربنا فسوف نرى الصالح والطالح، مما يعني عدم تعميم الفساد أو حتى الصلاح على الكل أو نسلبه من الجميع. ولا ننسى أيضاً أن المعالجة الفنية تعتمد على المبالغة، وبالتالي لجأت السينما إلى تضخيم ما يدور في كواليس أي معركة انتخابية. ورغم لجوء البعض من المرشحين إلى الرشوة والأعمال غير المشروعة للفوز بالمقعد البرلمانية فعلاً، فإن السينما نقلت ذلك بصورة مكبرة لتحقق أكبر قدر من الكوميديا ولنا في أعمال النجم الكبير عادل إمام خير دليل.في أمريكا لديهم مساحة كبيرة من الحرية في الأفكار، في مصر الكتاب يستخدمون تيمات فنية أكل الدهر عليها وشربأما الكاتبة والمخرجة الشابة منال إبراهيم فقالت عن أفلام الانتخابات: إذا أردنا تحليل تلك النوعية من الأعمال فعلينا أولاً أن نتوقف أمام الموقف السياسي للبسطاء، أو الغالبية العظمى من الناس الذين تعاملوا لفترات طويلة مع الانتخابات على أنها بلا قيمة. وأضافت لرصيف22: من بداية السينما في مصر وصولاً إلى السنوات الأخيرة في عهد مبارك، لا يمكن القول إن الانتخابات كانت فكرة مؤرقة للكتاب وصناع الأعمال الفنية، والدليل أننا في تلك الفترة لم نر سوى محاولات سينمائية بسيطة، وأعتقد أن السبب في ذلك يرجع إلى حالة التضييق التي مارستها أجهزة الرقابة. كما أن العملية الانتخابية نفسها ظهرت كحدث فرعي في أغلب الأفلام، ولم نر أعمالاً تقوم من البداية حتى النهاية عليها، لأنها كما قلت كانت غير مؤثرة في حياة الناس، أما الآن وبعد تغير تلك النظرة وبعدما بدأنا نرى طوابير أمام أبواب اللجان فقد نرى أعمالاً تتحدث عن الانتخابات بجميع أنواعها. وعلق المخرج أمير مكرم: في أمريكا لديهم مساحة كبيرة من الحرية في اختيار الأفكار، أما في مصر فأغلب الكتاب يستخدمون أفكاراً بعينها و"تيمات فنية" أكل الدهر عليها وشرب، لدرجة أننا أصبحنا نتوقع نهاية الفيلم من بدايته. وأكد لرصيف22: في الفترة الأخيرة مثلاً، كانت الغلبة لأفلام الأكشن والغموض والجريمة، ولأنها حققت أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية مضت الأغلبية، أي المخرجون والمؤلفون والمنتجون حتى النجوم أنفسهم على هذا الدرب وأصبحت الأفلام محصورة في دائرة مغلقة من الأفكار. وختم: المُنتج يبحث عن الإيرادات، وبما أن تلك النوعية تعود عليه بالربح فلن يغامر بإنتاج أعمال أخرى عن الانتخابات أو غيرها.
الانتخابات الأمريكية السينمائية
على عكس ما جرى في مصر، تناولت السينما العالمية عامة، والأمريكية على وجه الخصوص الانتخابات الرئاسية بأشكال متعددة، ولمعت مجموعة من الأفلام التي تناولت كواليس تلك الانتخابات من الألف إلى الياء. من أبرز تلك الأفلام فيلم All The President's Men الذي تناول فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية 1972، وكيف استغلها البعض للترويج لأكاذيب عرضت المجتمع الأمريكي برمته للخطر. وفيلم BULWORTH بطولة أوليفر بلات، دار حول السيناتور بولورث الذي يصاب بحالة من الاكتئاب بعد معرفته بخبر خسارته في المرحلة التمهيدية من أحد المقربين منه، مما يجعله يفكر في الانتحار لتحصل ابنته على "بوليصة تأمين" على حياته بقيمة 10 ملايين دولار. غير أنه يعود ليُعدل تلك الخطة بعد معرفته بأن الانتحار لن يجعل أموال التأمين تصل لابنته، ومن هنا يستأجر شخصاً ليقتله حتى يحقق هدفه المنشود. ثم يفاجأ السيناتور بولورث بارتفاع شعبيته فيبدأ رحلة مريرة للتخلص من الاتفاق على قتله ليفوز بالانتخابات. وهنالك فيلم The Ides of March الذي يبيّن أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية تقوم على خداع الأمريكيين. الفيلم من بطولة جورج كلوني وبول جياماني وماريسا تومي وريان جوسلينج وفيلب سيمور هوفمان وإيفان راشيل وود، ومن إخراج جورج كلوني. و فيلم The Campaign من الأفلام الكوميدية التي تناولت الصراع على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إذ يحاول رجلا أعمال اﻹيقاع برجل الكونجرس الأمريكي كام قبل الانتخابات للسيطرة على منطقة كارولينا الشمالية بالاعتماد على محاولات تشويه مختلفة تطول الجميع. الفيلم من إخراج جاي روتش وتأليف شون هارويل وبطولة زاك جاليفينكس وجيسون سوديكس وديلان ماكديرموت وكاثرين لاناس. وبطريقة كوميدية أيضاً، ناقش فيلم Wag the dog الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ودارت أحداثه حول مرشح رئاسي يبحث عن خطة فذة تضمن له زيادة شعبيته بسرعة، فيقترح عليه أحد أعضاء حملته أن يخدع الشعب بادعاء إعلان الحرب على ألبانيا، وبالفعل يستعين المرشح الرئاسي بمخرج من هوليود لتصوير مشاهد مفبركة عن الحرب وعرضها على الشعب. Primary Colors تدور قصته خلال الحملة الرئاسية الأولى للرئيس الأمريكي بيل كيلنتون في أثناء الانتخابات التمهيدية. ويوضح محاولات أعضاء الحملة المستميتة قبل الانتخابات لمنع أخبار تحرش كلينتون بعدد من النساء خوفاً على جماهيريته. الفيلم من إخراج مايك نيكولز وبطولة جون ترافولتا وإيما تومسون وبيلي بوب ثورنتون وكاثي بيتس وأدريان ليستر ومورا تيرني ولاري هامان وديان لاد وبول جيلفويل. وفي فيلم The Manchurian Candidate الذي أنتج في 2014 ورشح لعدة جوائز ضمن الجولدن جلوب، نرى كيف يمكن استغلال البطولات وتحويلها إلى وسيلة لجذب الجمهور وزيادة شعبية المترشح للانتخابات الرئاسية. وتدور الأحداث حول الرقيب رايموند شو "دينزل واشنطن" الذي أنقذ كتيبته من الأسر خلال حرب الخليج الأولى، وعندما يتم الدفع به للانتخابات الرئاسية.الصيغة المصرية
قدمت السينما المصرية الانتخابات بنماذج مختلفة، ففي فيلم "إمبراطورية ميم" نرى أسرة مكونة من أم وأبنائها، وعندما تقرر ربة البيت التي تتولى قيادته، الزواج، يصدمها الابن الأكبر بطلب إجراء الانتخابات لانتخاب من يتولى قيادة البيت، وبعد صراعات على المرشح الأجدر، ونشر لافتات في أرجاء البيت كنوع من الدعاية، تأتي المفاجأة في النهاية بحصول الأم على جميع الأصوات بما فيها صوت الابن الأكبر صاحب فكرة الانتخابات. كذلك رأينا الانتخابات التي تدور في الشركات الكبرى، والصراع على الوصول إلى عضوية مجلس الإدارة، كما حدث في فيلم "أبو كرتونة" للنجم الراحل محمود عبد العزيز وسماح أنور، وتدور أحداثه حول عاملين بشركة أغذية يحاربان فساد الإدارة ويختاران "أبو كرتونة" ليمثلهما في مجلس الإدارة، لكنه يضعف أمام إغراءات رئيس الشركة الفاسد وبقية المديرين. أما الانتخابات البرلمانية فقد تطرقت إليها مجموعة من أشهر الأفلام في تاريخ السينما المصرية كفيلم "يوميات نائب في الأرياف" الذي أخرجه توفيق صالح عام 1969، وكان واحداً من أكثر الأفلام جرأة في مواجهة هذا الطرح. دار الفيلم حول تزوير الحكومة ممثلة في مأمور المركز، للانتخابات وإلقاء الصناديق الأصلية في الترعة، واستبدالها بأخرى لصالح مرشح بعينه. كذلك تجربة المخرج الكبير يوسف شاهين في فيلم "حب إلى الأبد" الذي أُنتج عام 1959 ودار حول محام شهير يترشح للانتخابات البرلمانية، وقبل أيام من الانتخابات يتورط شقيقه في جريمة قتل، الأمر الذي يجعله ـ رغم كونه رجل قانون ـ يتحايل على العدالة ويطلب من زوجة القتيل أن تعترف بأنها وراء جريمة القتل خوفاً على سمعته وتأثير الجريمة على فوزه في الانتخابات. وفيلم "الفرقة رقم 12" الذي لعبت بطولته فيفي عبده ومحمود حميدة وحسن حسني، تعرض أيضاً إلى الانتخابات، ودارت قصته حول تاجر مخدرات يعد الناس بالكثير قبل انتخابه، مقدماً لهم الرشوة، مما يجبر الناس على انتخابه، ورغم أن الجميع يعرف حقيقته بعد الانتخابات إلا أن حصوله على الحصانة البرلمانية تحول دون وقوعه في قبضة الأمن. وفي فيلم "عين شمس" توقفنا أمام أحد النواب الذي كان يعد أهالي دائرته بتحقيق كل أحلامهم عقب فوزه، وبعدما حقق هدفه ووصل إلى غرضه أهملهم، بل لم يعد أحد قادراً على الوصول إليه. وفي فيلم "أرض النفاق" عولجت تلك الفكرة بشكل كوميدي ساخر، حيث نرى في أحد المشاهد المرشح "مسعود أبو السعد" واقفاً بين الجماهير يعدد ما يمكن أن يقدمه لهم، وبعدما يتناول حبوب الصراحة ينقلب إلى النقيض ويظهر أنه كاذب وأن وعوده تشبهه. الانتخابات أيضاً كانت محوراً مهماً في فيلم "صرخة نملة" الذي عرض صورة للبرلماني الفاسد في مواجهة أحلام الشعب البسيط الذي قرر في النهاية أن يثور عليه وعلى أطماعه. وفي فيلم "عصافير النيل" الذي تدور أحداثه حول أحلام البسطاء، ظهر أحد مرشحي الحزب الوطني المنحل، وهو نائم بينما يطالبه الحضور بتنفيذ وعوده، في إشارة إلى الانفصال التام بين المرشح والناخبين بعد الفوز بمقعد البرلمان. عادل إمام كان النجم الأكثر جرأة بين نجوم جيله إذ تصدى للانتخابات في فيلم "حتى لا يطير الدخان" الذي يرصد قصة صعود البطل الذي عمل في تجارة المخدرات ونجاحه في الانتخابات البرلمانية رغم فساده. هناك أيضاً فيلم "مرجان أحمد مرجان" الذي يصور التزوير الذي يشوب العملية الانتخابية وكيف أن رجل الأعمال "مرجان" الذي لا يحظى بأي شعبية يفوز في تلك الانتخابات، وهو طبعاً ما يرجعه صناع الفيلم إلى ظاهرة شراء الأصوات عن طريق بعض المنح والهدايا والأموال. كذلك فضح فيلما "بخيت وعديلة2" و"طيور الظلام" خبايا العملية الانتخابية وسلطا الضوء على الإغراءات والامتيازات التي يحصل عليها الأهالي مقابل منح أصواتهم لمشرحين بعينهم. كذلك قدم عادل إمام الحيل الانتخابية في فيلم "الواد محروس بتاع الوزير" إخراج نادر جلال 1999، وفيه يكشف محروس مطامع بعض البرلمانيين وأهدافهم الحقيقية من الوصول إلى البرلمان.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...