عند زيارتكم لإحدى المدن التركية قد يصادفكم تمثال لرجل قصير وبدين ذي عمامة بيضاء كبيرة يركب على حماره أو يقف بجواره، وقد تتساءلون من هي تلك الشخصية التي تخلدها الذاكرة التركية من خلال الرسوم والتماثيل المنتشرة في العديد من المدن التركية. فإن انتابكم الفضول وأردتم التعرف على تلك الشخصية وغيرها من الشخصيات الكوميدية الخالدة في الثقافة التركية، فتعالوا معنا في جولة ممتعة.
نصر الدين هوجا
تلك الشخصية هي نصر الدين هوجا (المعروف بشخصية جحا في التراث العربي ومولا نصر الدين في التراث الفارسي)، الذي ولد عام 1208م في بلدة أق شاهير التركية، وعاش فيها إلى وفاته عام 1284. عاش هوجا في ظل الدولة السلجوقية وفي بداية الدولة العثمانية، وقد عُيّن خطيباً وقاضياً في مدينته، ومدرساً وإماماً في مدن أخرى مجاورة. اشتهر بذكائه وبفلسفته الفكاهية وإجاباته الحاضرة دوماً، وقد كان ورعاً وزاهداً وواعظاً للناس، لا يخاف في الحق لومة لائم وإن كان أميراً أو وزيراً، منزله مفتوح للغرباء ويقضي حوائجه بنفسه. عرف عنه الكثير من الطرائف التي تنم عن ذكائه وشخصيته الفكاهية، ولا تزال طرائفه رائجة بهدف التسلية واستخلاص العبر التربوية.كل يا معطفي كل
ومن طرائفه: دُعي ذات يوم إلى وليمة، وعندما ذهب بملابسه العادية رآه الحارس غير لائق للدخول فطرده، فذهب نصر الدين هوجا إلى منزله وارتدى معطف فراء غالي الثمن وعاد إلى مكان الوليمة وعندما رآه الحراس وأصحاب الوليمة رحبوا به بحفاوة وأجلسوه إلى رأس المائدة، فإذ بنصر الدين هوجا يدلو بالطعام على معطفه، قائلاً: كل يا معطفي كل، وسط ذهول واستغراب الجميع، ليردف قائلاً: " لم تستقبلوني لشخصي بل استقبلتم معطفي الغالي، فليأكل هو إذاً". والقصة على طرافتها تحملنا على احترام الناس لأخلاقهم ولشخصهم لا لأشكالهم.إناء يلد إناء
ومن طرائفه أيضاً، أنه استعار إناءً للطهو من أحد جيرانه، وبعد فترة أعاد له إناءه وبداخله إناء آخر فاستغرب الجار، وسأله عن الإناء الآخر ليجيبه بأن إناءه كان حاملاً عندما أخذه وولد عنده فسر الجار وأخذ الإناءين، وبعد فترة طلب نصر الدين هوجا من الجار الوعاء نفسه، ليقدمه له الجار بكل امتنان عسى أن يرده وعاءين كما في المرة السابقة، ومضت الأيام ولم يعد نصر الدين هوجا الوعاء لجاره، ما دفع الجار لسؤاله عن سبب تأخره في إعادة الوعاء، فرد عليه نصر الدين هوجا بحزن وأسى:" لقد كان وعاؤك مريضاً وتوفي عندي". فجن جنون الجار وأخذ يصرخ قائلاً: "كيف يمكن لوعاء أن يموت"، ليجيبه نصر الدين هوجا :" الوعاء الذي يلد وعاء آخر، يمكن له أن يمرض ويموت".تامال
قد يستهل المواطن التركي فكاهته بذكر اسم تامال او نسبها إليه، لخلق جو من المرح والمزاح، فشخصية تامال مشهورة في المجتمع التركي إذ تُستخدم بهدف المزاح فقط، وغالباً ما تروى النكات على لسان تامال بلهجة سكان البحر الأسود، ويمكن لنا مقارنة شخصية تامال بشخصية الحمصي المستخدمة للاستهلال بالنكات والفكاهة في المدن السورية المجاورة لتركيا. ومن نكات تامال أنه في يوم من الأيام حكم عليه بالإعدام في قضية ما، فسأله القاضي عن آخر طلباته، فقال له أريد أن تدفنوا ابني بجواري، فاستغرب القاضي قائلاً: لكن ابنك على قيد الحياة، فكيف أدفنه بجوارك، ليجيبه تامال: إذاً أنا من يقوم بانتظاره. ويروى كذلك أن تامال أثناء قيادته لقطار وقع له حادث مروّع ذهب ضحيته جميع الركاب وكان هو الناجي الوحيد، فسأله الشرطي عن سبب الحادث، ليجيبه بأن شخصاً ما ظهر فجأة على سكة القطار. ورد الشرطي: لو دهسته ألم يكن أفضل من أن تتسبب بوفاة 400 شخص؟ ففرح تامال وأجابه: ذلك ما فكرت فيه، فأثناء ابتعاد الشخص عن القطار وخروجه من السكة، لحقته لأدهسه فخرج القطار عن السكة ووقع الحادث. ويروى عنه أيضاً أنه ورث نصف بيت عن أبيه، فحدث نفسه قائلاً: ماذا لو أبيع حـصـتـي مـن البيت واشـتـرى الباقي فيصبح البيت كله لي.جيم يلماز وفن الستاند أب
عند ذكر الشخصيات الفكاهية والكوميدية في المجتمع التركي، لا بد لنا من الحديث عن الكوميديان الأشهر في تركيا اليوم جيم يلماز، ذلك الشاب الذي اعتبر مؤسساً لعروض الكوميديا الساخرة أو الستاند أب في تركيا، والحاصل على عدة جوائز محلية ودولية عن أدواره في عروضه وأفلامه وتأثيره في المجتمع التركي. درس يلماز السياحة في جامعة بوغازتشي في إسطنبول، وعمل في فن رسم الكاريكاتير في عدة صحف مشهورة كجريدة ليمان، ليبدأ بعدها عروض الستاند أب بتشجيع من أصدقائه والجمهور ممن لاحظوا حسه الكوميدي وقدرته على نقد الصورة النمطية للمجتمع التركي نقداً كوميدياً بناءً، وإلى جانب تقديمه العروض المسرحية تطور جيم في مسيرته الفنية ودخل عالم التمثيل وصناعة الأفلام الكوميدية، كفيلمه الكوميدي الشهير أروغ.الفتاة تبرع في الكذب
ولعل نجاح جيم يلماز يعود إلى حسه الكوميدي إضافة لاختياره موضوعات تمس المجتمع التركي، ونقده عاداته وتقاليده القديمة الخاطئة، كالفروق المجتمعية والتمييز بين الفتاة والشاب في التربية والضغوط المختلفة التي يفرضها المجتمع على الفتاة، ما يدفعها لاتباع أساليب ملتوية، كالكذب مثلاً لعيش حقوقها الطبيعية، في حين أن الحرية المطلقة التي يمنحها الأهل للشاب لا تضطره للكذب، ولذلك لا يبرع فيه كالفتاة.مشكلة اللغة الإنكليزية
ويعدّ عرض جيم يلماز الذي تناول فيه مشكلة الأتراك مع اللغة الإنكليزية هو العرض الأشهر على الإطلاق، وذلك لتناوله مشكلة متأصلة في المجتمع التركي والسخرية منها بأسلوب طريف، فكما هو معروف عن الأتراك تمسكهم بلغتهم ورفضهم تعلم لغات أجنبية على الرغم من حاجتهم لها، وهو ما استفز يلماز الذي انتقد في عرضه الأشخاص الذين لا يتعلمون اللغة الإنجليزية ولا يتكلمونها، وسخر من الأسباب غير المنطقية التي تقف وراء ذلك، كرغبة التركي في تكلم اللغة الإنكليزية كأهلها وهو أمر غير ممكن، لذلك يفضل عدم التكلم بها مطلقاً.أتالاي ديميرجي
يعد الكوميدي أتالاي ديميرجي من أشهر فنانيّ الستاند أب الكوميدي في تركيا. بأسلوبه الساخر والكوميدي استطاع أن ينال شهرة واسعة في المجتمع التركي، ولعل عرضه الذي يتحدث فيه عن الفروق بين المرأة والرجل في الشخصية والقدرات هو الأشهر والأكثر تسلية. وقد قدم أتالاي من خلاله نصائح للرجال لتغيير نظرتهم النمطية تجاه المرأة وتقبل الاختلاف بين المرأة والرجل، فالمرأة تهتم بالتفاصيل وتملك جهازاً لتسجيل الاحداث وتذكر احداث جرت قبل عشرين عاماً، بينما لا يستطيع الرجل تذكر طعام غدائه في اليوم السابق. وينصح أتالاي الرجال بالاستماع لنسائهن ومنحهن حقوقهن ويحذرهم من عواقب الاستخفاف بذلك.كمال صونال (شعبان)
يعتبر كمال صونال أسطورة الكوميديا في تركيا، فعلى الرغم من مرور عشرات السنين على أفلامه، فهي لم تزل تلقى إقبالاً. ويعود سبب تعلق الجمهور التركي بها لتناولها القضايا الاجتماعية والسياسية في إطار كوميدي مسل، مثل قضية هجرة الشباب والبطالة ورفع الأسعار وحرمان الحكومة التركية للمواطنين من حقوقهم. ومن أشهر أفلامه، فيلم لساني الطيب وفيلم الفصل المشاغب الذي يمكن تشبيهه بمسرحية مدرسة المشاغبين المصرية من عدة جوانب. ويظهر الأثر الذي تركته شخصية شعبان على الناس جليةً من خلال اقتباس الأتراك لكلامه ومواقفه وتداولها في حياتهم اليومية، ما يؤكد أنه الشخصية الكوميدية الأشهر في تركيا إلى يومنا هذا.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.