شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ذكاء ونجاح واستنارة: تحدٰثوا مع أنفسكم بحبّ ولن تصدّقوا النتائج

ذكاء ونجاح واستنارة: تحدٰثوا مع أنفسكم بحبّ ولن تصدّقوا النتائج

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 9 مايو 201804:21 م
أَتحدّثُ مع نفسي عندما أكونُ سعيدًا أو حزينًا، أبتكر محادثاتٍ خيالية مع آخرين لأنّ ذلك هو المكان الوحيد الذي يُمَكّنني من عرض إجابات سيّئة وحمقاء، ومن السهل أن أشرح مشاكلي لشخصٍ يفهمها بطريقة أفضل من هؤلاء الذين لن يفهموها أبدًا، لا شيء خاطئ في الحديث مع النفس، إنه يساعدكم على تحليل حياتكم، وتطوير نفسكم.

البداية

يُقيّم الباحثون الحديث مع النفس في مرحلة الطفولة باعتباره شكلًا من أشكال التواصل في عالمهم الخيالي، وبالنسبة لهم فإن الشخصيات الخيالية التي يتحدثون إليها واقعية تمامًا، ويرى الطفل نفسه يلعب دورًا مختلفًا عن الواقع، إذ يُقلّد أشخاصًا رآهم. بحسب علماء نفس الأطفال فإن الحديث مع النفس هي طريقة الأطفال للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم، وتساعدهم هذه الطريقة في التعرف على بيئتهم، وتُحسّن تعاملهم مع اللغة. الأطفال مقارنة بالبالغين يتحدثون بوضوحٍ وصوت عالٍ، وينتقلون إلى عالم خيالي ينسيهم البيئة التي يعيشون فيها، ويسألون أنفسهم وألعابهم بصوتٍ عالٍ، ويستخدمون إشارات، وهي "أحادية" تمامًا، ويصفها علم النفس بـ"الخطاب الآنوي". ويُنظر للأطفال الذين يتحدثون أكثر من غيرهم كما لو أنهم الأشد ذكاءً، الذكاء عامل مهم في الحديث مع النفس عند الاطفال. ويبدأ الأطفال في التحكم بحركاتهم حالما يطوّرون اللغة؛ فعندما يقترب الطفلُ من سطحٍ ساخنٍ يقول لنفسِه بصوتٍ مسموع "حار وساخن" ثمّ يبتعد، ويمكن أن يستمرّ هذا النوع من السلوك إلى ما بعد الطفولة، بحسب عالم النفس السويسري جان بياجيه. وعندما نَكبر نَميل إلى التحدّث مع أنفسِنا في مواقف شائعة، ونحن نتسوّق مثلًا، بعضُنا يتحدّث إلى نفسِه بصوتٍ عالٍ، متذكرًا الأشياء التي يريد أن يشتريها، وكذلك لاعبو التنس، فهم يتحدّثون طول المباراة مع أنفسِهم، "هيا هيا "، وكلمات تشجيعية.

القرود لا تتحدث مع نفسها

مقارنةً بالحيوانات نجد، بحسب مقال في موقع "كونفرسيشن"، أن القرود لا تتحدث مع نفسها، وتتحكم في أفعالها عبر تنشيط الأهداف في نوع من الذاكرة المرتبطة بتنفيذ المهمات، في حين أن البشر يطوّرون نوعًا واحدًا من الذاكرة بسبب اللغة؛ فمثلًا إذا كانت المهمة المطلوبة مرئية مثل الموز يُنَشّط القرد منطقة مختلفة في القشرة المخية بمطابقتها صوتيًا لمهمة سمعية، ولكن القرود تُنشط مناطق مختلفة إذا كانت المهمة ذات طبيعة أخرى، على عكس البشر عندما يواجهون مهماتهم يُنشطون المناطق نفسها في المخ بغض النظر عن طبيعة المهمة، سمعية كانت أم بصرية. ولا تعمل أدمغتنا مثل أدمغة القرود سوى في حالة واحدة، عندما نتوقّف تمامًا عن الحديث مع أنفسنا بصوت عالٍ أو غير مسموع. via GIPHY في دراسة استعرضها الموقع طلب الباحثون من المشاركين تكرار أصوات معينة لا معنى لها أثناء أداء مهمات بصرية أو سمعية مثل "بالا بالا بالا"، فمن الصعب أن تقول شيئين في نفس الوقت، وهذا يوقف تمامًا أيّ حديث داخلي. شعر المشاركون بالعجز عن الحديث مع أنفسهم فيما يجب أن يفعلوه، فنَشَطَت مناطق مختلفة في أدمغتهم بحسب طبيعة المهمة، بصرية كانت أو سمعية، تمامًا مثل القرود. وبيَّنَت الدراسة أنّ الحديث مع أنفسنا قد لا يكون الطريقة الوحيدة للتحكم في سلوكنا، ولكنّها الطريقة التي نُفَضّلُها ونستخدمُها بشكلٍ افتراضي. ولاحظ علماء أيضًا صعوبة التحكم في هذا النشاط العقلي، ولكن يمكن قمعُه عندما نُركّز على شيء آخر له هدف، مثلًا إذا قرأنا كتابًا لتهدئة عقولنا قبل النوم، يُمَكّننا ذلك من قمع "الكلام الداخلي" بكفاءة.

المكتئبون يَتحدّثون مع أنفسِهم عشوائيًا

ولكن الباحثين وجدوا أنّ المرضى الذين يعانون من القلق والاكتئاب تَنشط لديهم أفكارٌ "عشوائية" في خضمّ محاولتهم أداء بعض المهام غير المتصل بعضها ببعض، ويبدو أنّ صحتنا العقلية تعتمد على قدرتنا على تنشيط أفكارنا المتصلة بمهمة حالية وقمع أشياء غير متصلة بها، وعكس ذلك نطلق عليه الضوضاء "الدوشة" العقلية، لذا لا نُدهش إذا عرفنا أن التقنيات السريرية المستخدمة في العيادات النفسية تهدف إلى إقناع العقل بالتوقف، وتقليل التوتر، وفي اللحظة التي يخرج فيها الأمر عن السيطرة، ندخل في حالة تشبه الحلم، ونستعرض نقاشات غير متماسكة أو متماشية مع السياق، ونُصَنّف تلك الحالة كمرض عقلي. ولاحظ العلماء وجود الحديث النفسي باستمرار لدى المحترفين الرياضيين خاصة لاعبي التنس، الذين يتحدثون مع أنفسهم باستمرار في المسابقات، يُعلّق أحدهم: "قدرتنا على توليد تعليمات ذاتية صريحة هي واحدة من أفضل الأدوات التي نمتلكها من أجل التحكم المعرفي، إنها تعمل أفضل عندما نقولها بصوت عالٍ". via GIPHY ولكن ماذا إذا كان حديثك طوال الوقت مع نفسك سلبيّا، أنت قبيحة ولهذا هجرك شريكك، أنا تعيسة الحظّ، وماذا عن الأفراد الذين يعملون بمجال زاخر بالتحديات والمخاطرة والتنافس العنيف، ماذا إذا كان هذا نمط حياتهم الاجتماعي والوظيفي، مثل ريادة الأعمال والمضاربة في البورصة، ألا يدفعهم هذا الضغط إلى التكلم مع أنفسهم بطريقة سلبية أحيانًا؟

خطوات عملية للتخلص من الحديث السلبي مع النفس

يقول جيف تشارلز، مؤسس شركة متخصصة في التسويق والاستشارات للمبيعات، بموقع "بيزنس تو كوميونيتي" إنّ ريادة الأعمال تُؤثر بشكل كبير على نفسيتك، ورواد الأعمال هم أكثر عرضة للأمراض العقلية من غيرهم. ويعترف بأنّه يتحدّث إلى نفسِه كثيرًا، ومعظم الكلام سلبي لسوء الحظ، يصرخ لنفسِه لعدم إحرازه تقدمًا كافيًا، ويُحدّث نفسَه عن الأخطاء التي ارتكبها، أو يقارن نفسه برواد أعمال ناجحين. via GIPHY ويرشدنا تشارلز لخطوات عملية تجنبنا الحديث السيىء مع النفس، الأولى أن تبدأوا بدعم نفسكم بدلًا من إهانتها، كلما تحدثتم إلى نفسكم بشكل إيجابي تُقللون من مستوى الحديث السلبي عنها. وينصحكم تشارلز أن تصاحبوا أنفسكم، إذا كان هناك شخص ما مُحبطًا اتجاهكم، ستأخذون وقتكم الكافي لبناء تلك الثقة، حتى تعلمون نفسكم كيف تعتنون بها وتؤمنون بها، بدلًا من أن تفكروا "لا يمكن أن أغلق هذه الصفقة" قولوا لها: "بإمكاني إغلاق هذه الصفقة وهذا ما سأفعله". via GIPHY وعندما تُحقّق نصرًا في حياتكم، احتفلوا به، تذكّروا الأشياء التي فعلتموها لتحقيق هذا النصر، ولا تسمحوا لنفسكم بنسيان هذه الأشياء؛ فتغيير طريقة حديثكم إلى نفسكم ليس سهلًا، يستغرق الأمر وقتًا لتطوير هذه الممارسة. وأفضل طريقة للقيام بذلك هي أن تحين الأوقات التي تفعلوا فيها أشياء رائعة وتقولوا لنفسكم ذلك بصوت عال، وليس بصوت منخفض، عندما تتلفّظون بتلك الأشياء الإيجابية ستبدو أكثر واقعية.
عندما أسألكم: فيمَ تفكرون؟ وتبدأوا بالتفيكر حول ما تفكرون فيه، هنا يتغير تفكيركم قبل أن تنقلوه إليّ.
ولا تنسوا عندما تختلون بأنفسكم كل صباح ابدأوا يومكم بالحديث عن كيفية تحقيق الأهداف التي حددتموها لهذا اليوم، وعندما تحققونها واحدة واحدة قولوا لنفسكم ذلك بصوت عالٍ. لا تتخيّلوا ما حدث ليوجين غامل، الذي قضى معظم حياته المهنية في عمل لا يرغب به، وعمله هو طبيب أسنان في لندن، وعندما قرّر أن يحقُقَ حلمَه في أن يصبح رجل أعمال، مُني بفشلٍ ذريع. استأجر غامل مُدرّبا للأعمال التجارية، بحسب تقرير نشره موقع "بي بي سي"، وقدّم له نصيحة: تحدث إلى نفسك بصوت عال. يقول غامل: بدا ذلك غريبًا، كان شيئًا جديدًا بالنسبة لي، لم أكن أعتقد أنّه يمكن أن ينجح، ولكن عندما حاولتُ كان له معنى كامل. يُعلّق غاري لوبيان، أستاذ مساعد في علم النفس بجامعة ويسكونسن، وهو يُدرّس كيف يُؤَثّر سماعنا لأنفسنا على ذاكرتنا: "أنت لا تعرف كل ما تريد أن تقوله، يمكنك حتى أن تفاجئ نفسك".

نتائج مدهشة للحديث مع النفس بصوت عال

في إحدى دراسات لوبيان كان المشاركون ينظرون إلى شاشة الكمبيوتر، البعض طُلب منهم أن يقولوا أسماء الأصناف بصوت عالٍ، والبقية يقولونها في داخلهم بصمت، والنتيجة هي أن الذين قالوا بصوت عالٍ كانوا قادرين على تحديد الأشياء على الشاشة بسرعة أكبر. يوضح لوبيان أنّنا نعرف جميعًا كيف يبدو شكل الموز، ولكن إذا قلنا الكلمة بصوت عال تساعد الدماغ على تنشيط معلومات إضافية حول هذا البند، لذا إذا كنتم في متجر وقلتم "موز" بصوتٍ عالٍ فستجدونه بشكل أسرع من غيركم. وشَجّعت آن ويلسون شاف، طبيبة نفسية سابقة وهي الآن كاتبة، عملاءها على التحدث إلى أنفسهم، تقول إنّ الأمر لا يقتصر على تحسين ذكريات عملائها، فإذا كنتم غاضبين، بيّنوا لنفسكم بصوتٍ عالٍ ما أنتم مستائين منه، سيختفي الغضب بعد ذلك. via GIPHY يُعلق لوبيان على ذلك بأنّنا كلّنا "بحاجة إلى الحديث لشخصٍ ما ذكي، ومهم، ويعرفنا جيدًا، ويقف إلى جانبِنا. ولكنّنا نحن أكثر من يعرف أنفسنا، وطريقة إحساسنا بذواتنا تساعدنا على التحسّن. وكان إيثان كروس، أستاذ علم النفس في جامعة ميتشيجان، وزملاؤه أجروا سلسلة من التجارب التي وُصِفت بالعاطفية عبر استخدام كلمات مثل "أنت" و "هو" أو "هي" واكتشف أن الحديث عنك بصفتك الشخص الغائب ساعد الناس في السيطرة على مشاعرهم وأفكارهم أفضل من أولئك الذين تحدثوا بضمير المخاطب "أنت". واكتشف كروس عندما طلب من المشاركين أن يتحدثوا عن أنفسهم بصفتهم "هو" أو "هي" وليس "أنت" أنهم باتوا أكثر هدوءًا وأكثر ثقة وأفضل أداءّ للمهمات، "النتائج عميقة للغاية"، وقد بدأ ينصح ابنته الصغيرة بالتحدث إلى نفسها بضمير الغائب عندما تكون حزينة. وأهم النتائج هي أن الحديث مع النفس يساعد في التحكم بالعواطف، والتفكير بمزيد من الحكمة.
عندما تحين الأوقات التي تفعلون فيها أشياء رائعة قولوا لنفسكم ذلك بصوتٍ عالٍ، وليس بصوت منخفض، فعندما تتلفّظون بتلك الأشياء الإيجابية ستبدو أكثر واقعية.
يتساءل غامل بعد مرور زمن على حديثه مع نفسه: هل هذا يحدث فعلًا؟ هل هذا حقًا له أثر فعّال؟ يمكنني أن أخبركم بأنّني في وضع أفضل الآن ممّا كنت عليه قبل ثلاث سنوات، لقد أَحدَث الكلام بصوتٍ مرتفع نتائج إيجابية. يضع تشارلز فيرنيهو، بروفيسور في جامعة دورهام البريطانية، يده على مزية أخرى للحديث مع النفس، هي إننا نكون أسرع عشر مرات مقارنة بالكلام المنطوق، وتصل سرعتنا إلى 4 آلاف كلمة في الدقيقة، إضافة إلى أنّنا نحذف الكثير من الكلام "لأنّنا نعرف ما نعنيه". ويأخذنا فيرنيهو إلى مستويات أخرى في الحديث مع النفس، من هذا الشخص الذي نتحدث إليه؟ هل نسمع أحيانًا أصواتًا منطوقة غريبة تكلمنا؟ يقول فيرنيهو إن عقولنا تحوي وجهات نظر مختلفة، يمكنها أن تجادل أو تتكلم أو تتحدث على نحو متبادل. ويُشدّد فيرنيهو على أنّنا جميعًا مُجزّأون في شظايا، لا توجد وحدة نفسية، نحن نعيش في قطع، نكافح لخلق الوهم "المتماسك" من لحظة إلى أخرى.

شخصيتنا شظايا مبعثرة تتجادل بعشوائية

ألا تزالون تشكّون في ذلك؟ يدعونا فرينيهو إلى تأمل الحوار عامة، الحوار بطبيعته يقتضي وجود شخصين: متحدث ومستمع، قد تكون أنت الأول أو الثاني، ولكن عندما نتحدث إلى أنفسنا أين هو الشخص الآخر؟ البعض يخلق شخصًا غير موجود مثل أخيه أو والده. فرينيهو اعتاد حوارًا داخليًا مع أمه، وقال له البعض إنهم يجرون حوارًا داخليًا مع أشخاص ماتوا، أو غير موجودين، ويمكن أن يكون هذا الشخص الآخر خياليًا، ويمكن أن يكون الله! ثراء الحديث مع النفس، وقدرته على مساعدتنا وعلاجنا، دفعا فرينيهو في بعض كتبه إلى أن يعيد التفكير في تلك العملية، محاولًا إعادة توجيهها إلى بعد آخر، أن يجعل من حديثنا مع أنفسنا تأملًا روحانيًا أو صلاة، ولاحظ أن حديثنا الاجتماعي مع آخرين سطحي، لا يحوي معاني كثيرة، ونحن غير محوريين فيه أحيانًا، ولكن إذا اعتدنا الحديث مع أنفسنا فسيجعل ذلك حوارنا الاجتماعي أكثر ثراءً، إنّ ما نفعله بالضبط، واعين أو غير واعين، هو أننا نسحب "بنية" الحوار نفسه الذي يقتضي طرفًا آخر خارجيًا، إلى أنفسنا، ونضعه في قلب عملية التفكير حول تجاربنا وآمالنا وإحباطاتنا. الحديث مع النفس لا يقتصر على تحسين أداء الحوار الاجتماعي مع عائلاتنا وأصدقائنا وزملائنا، إنه يجعلك تكتشف نفسك، هل تظنّ أنّك تفهم نفسَك حقًا؟ يجيبكم فرينهيو أنكم تعتقدون أنكم تفهمون أنفسكم، وهذا خطأ، أنتم غارقون في "تعميمات" حول ما تُفكّرون به، ويدور في أذهانكم، كلّنا لدينا نظرية ذاتية ذهنية لتجربتنا لا تتطابق مع الواقع دائمًا، تظنّ أنك خلوق مع أصدقائك، ولكنك ضعيف تخاف من الوحدة، تعتقدين أنك معجبة بأداء زميلك المهني في العمل ولكنك تعشقينه، ويطمئنكم فرينهو أنكم عندما تتحدثون مع أنفسكم ستكتشفون حقائقكم لحظة بلحظة وستدهشكم اكتشافاتكم. ولكن للتجربة جوانب مخيفة، ثمة أناس بدأوا يسمعون أصواتًا مختلفة تتحدث إليهم، ويشعرون بضغوط إذا ما قيل لهم إن هذه الأصوات هي أصواتكم أنتم، إنهم يسمعون أصواتًا مؤذية، تأمرهم بأن يؤذوا جيرانهم، ويوقعوا بأصدقائهم، ويقتلوا أحباءهم. يشرح فرينهيو تلك الحالة بأنّ الأصوات المسموعة المؤذية ترتبط بقوة مع أحداث مؤلمة ماضية، الذاكرة تلعب دورًا كبيرًا في تلك العملية، الأصوات المسموعة مُتعلّقة بشكل قوي بالأحداث الكارثية، تلك المآسي التي تعود إلى وعيكم بطرق متحوّلة، إحدى تلك الطرائق صوت بغيض مسموع.

تجاوزوا الكلمات وناجوا أنفسكم بالصور

لا يكتفي فيرنيهو بذلك، بل يرغب في أن ينقل الناس إلى مستوى آخر أكثر عمقًا في حديثنا مع أنفسنا، أن نتجاوز الكلمات، يقول: ناجوا أنفسكم بالصور وتحرّروا من اللغة، هل هذا ممكن؟ يطلب منكم فيرنيهو ألا تنظروا إلى حديثكم مع أنفسكم على أنه عملية "تفكير"، ويشرح ذلك: ما يحدث هو نوع من التفكير، نسميه "التفكير اللفظي"، وهذا يعني جوهريّا الحديث الداخلي، لأننا نقوم به عبر الكلمات، ولكن يمكن أن تكونوا أذكياء، وتفعلوا أشياء بمهارة من دون لغة، الأطفال والحيوانات يُثبتون ذلك كلّ يوم، وفاقدو السمع بالولادة لا توجد لغة في حوارهم الداخلي. هل تظنّون أني رغم تخصصي أعرف ما يدور في عقولكم وأنتم تتحدثون مع أنفسكم؟ بالطبع لا، يُضيف فيرنيهو، مستحيل أن تروا ما يحدث في عقل أحد الأشخاص، لا يمكنكم قراءة أفكارهم، يجب عليكم أن تُحملوه على الحديث عن أفكاره، وهذا أمرٌ صعب لأنّ فعل "مراقبة العمليّة" يمكن أن يُغيّر "العملية"، عندما أسألكم: فيمَ تفكرون؟ وتبدأوا بالتفيكر حول ما تفكرون فيه، هنا يتغير تفكيركم قبل أن تنقلوه إليّ. لفترة طويلة ظلّ الناس يقولون لا يمكن التركيز على الوعي بهذه الطريقة المعتمدة على اللغة، لأنه مُنفتح جدًا على التشويه ومشتتات الانتباه، ويعتقد فيرنيهو أنّ الظنّ الشائع لدى علماء النفس هو أنّ الذكاء مقترن بتعلم اللغة، وهذا خطأ، هناك ذكاء ما قبل تعلم اللغة، "التفكير اللفظي" لا يستوعبه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image