إيذاء بدني ونفسي، ضرب بالهراوات، إجبارهم على غمر رؤوسهم في أوعية ملوثة بالغائط... هذه نماذج مما يواجههه ناشطون مصريون في الحبس الانفرادي داخل بعض السجون المصرية، بحسب تقرير نشرته مؤخراً منظمة العفو الدولية.
وجاء في التقرير أن بعض السجناء المصريين، المحبوسين بتهم تصفها المنظمة بأنها "ذات دوافع سياسية"، يواجهون الحبس الانفرادي لفترات قد تصل إلى عدة سنوات، ويُحرَمون من إجراء أي اتصال إنساني، كما يُجبَرون على البقاء في ظروف مروعة في الزنازين.
ويُظهر التقرير الذي جاء في 78 صفحة، وحمل عنوان "سحق الإنسانية: إساءة استخدام الحبس الانفرادي في السجون المصرية"، أن عشرات المحتجزين، من ناشطين في مجال حقوق إنسان، وصحافيين، ومعارضين للنظام المصري الحالي، يُحبسون في سجون انفرادية من دون سبب واضح.
وتقول المنظمة الحقوقية الدولية إن المعاناة النفسية والبدنية التي تُفرض على هؤلاء المحبوسين، تؤدي إلى إصابتهم بأعراض من قبيل نوبات الهلع، والارتياب، وفرط الحساسية للمؤثرات الخارجية، بالإضافة إلى صعوبات في التركيز وفي الذاكرة.
ووثقت المنظمة انتهاكات تعرّض لها 36 شخصاً، في 17 سجناً موزّعين على سبع محافظات مختلفة في مصر، بداية من سبتمبر 2013.
ليس من حقك الشكوى
قضى السجين السابق أيمن سلام ثلاثة أسابيع في الحبس الانفرادي في "سجن أبو زعبل". ويقول للمنظمة إنه في بداية عام 2015، وضعته إدارة السجن في الحبس الانفرادي لمجرد أنه اعترض على ضرب وسب أحد حراس السجن له. بحسب سلام، قام أحد حراس السجن بضربه على ظهره بهراوة مطاطية، بينما كان ينفّذ أمراً بجمع متعلقاته للانتقال إلى زنزانة أخرى. وحين اعترض على العنف الذي لا مبرر له، سبّه الحارس قائلاً له: "بسرعة يا ابن القحبة". تحدث سلام لمأمور السجن الذي كان يقف خارج الزنزانة، وقال له إنه يريد تقديم شكوى رسمية ضد الحارس، فضحك المأمور وقال للحراس أن يأخذوه ويفعلوا به ما يحلو لهم. "اندهشت عندما وجدت أنهم قدموا شكوى ضدي، وأوصوا بوضعي في الحبس الانفرادي، فطلبت من رئيس المباحث في السجن أن يساعدني ويمنعهم من وضعي في الحبس الانفرادي، فقال لي لا أستطيع أن أفعل شيئاً، لأن المأمور في غاية الضيق منك"، يروي في شهادته.التهمة: محاولة تهريب رسالة إلى العائلة
لا تمنع اللائحة الداخلية للسجون المصرية السجناء من تبادل الرسائل مع أهاليهم. لكن رغم ذلك، عوقب الناشط السياسي خالد عبد الواحد بوضعه في الحبس الانفرادي، حين قرر تمرير رسالة إلى أسرته. يقول عبد الواحد الذي قضى ثلاث سنوات في الحبس الانفرادي في سجنين مختلفين لمنظمة العفو الدولية إن كل ما فعله هو إعطاء رسالة لقريب كان يزوره، وفي أعقاب ذلك نقلته إدارة السجن إلى زنزانة انفرادية تنتشر فيها الحشرات وتتسرب إليها مياه الصرف الصحي.إيذاء بدني ونفسي، ضرب بالهراوات، إجبارهم على غمر رؤوسهم في أوعية ملوثة بالغائط... هذه نماذج مما يواجههه ناشطون مصريون في الحبس الانفرادي داخل بعض السجون المصرية، بحسب تقرير نشرته آمنستي
"إياك تظن لأنك ناشط، أو لأن أصحابك نشطاء، إن أي شيء من هذا يمكن أن يساعدك وأنت في السجن، هذه الأمور لا مكان لها هنا"... شهادات عن ناشطين مسجونين في زنازين انفرادية في مصروكانت إحدى محاكم الجنايات في القاهرة قد أدانت عبد الواحد بتهمة "الاشتراك في تظاهرة من دون تصريح في ديسمبر من عام 2013". بحسب شهادة عبد الواحد، حرّر مسؤولو السجن محضراً ضده، يدّعي وقوع مخالفات من جانبه، وأجبروه على التوقيع عليه، وبعدها وضعوه في زنزانة انفرادية، لكن الشاب يؤكد أنهم لم يخبروه بعدد الأيام التي سوف يقضيها في الحبس الانفرادي، ولا بالأدلة التي استندوا إليها لتبرير هذا الإجراء، كما لم يوفروا له أية سبل للطعن في قرار حسبه انفرادياً.
التهمة: لك أصدقاء من الناشطين الحقوقيين
في شهادته للمنظمة، يقول كريم طه، العضو في "حركة شباب 6 إبريل"، إنه وُضع في الحبس الانفرادي لمدة 19 يوماً عام 2014، لمجرد أن بعض أصدقائه قرروا زيارته. يحكي طه أنه، في يوم 2 مايو 2014، حاول اثنان من أصدقائه بالإضافة إلى اثنان من المحامين زيارته في سجن وادي النطرون، حيث كان محبوساً احتياطياً بتهمة الاشتراك في تظاهرة بدون ترخيص. وبعد أن أخذه الحراس من زنزانته للذهاب إلى غرفة الزيارة، أمر أحد ضباط الشرطة بإعادته إلى زنزانته مرة أخرى، وقرر إلغاء الزيارة من دون سبب واضح. وبعد ذلك، أخذه ضابط الشرطة بالقوة إلى مكتب المأمور، فسأله الأخير عن الزائرين، وقال: "إياك تظن لأنك ناشط، أو لأن أصحابك نشطاء، إن أي شيء من هذا يمكن أن يساعدك وأنت في السجن، هذه الأمور لا مكان لها هنا". بعد ذلك، كتب المأمور محضراً وطلب من طه التوقيع عليه، من دون أن يعطيه الحق في قراءة المكتوب فيه، فرفض الناشط المصري الشاب، وحينها أمر المأمور أحد الضباط بأخذه إلى زنزانة انفرادية، حيث أمضى ثلاثة أيام، بعدها نُقل إلى زنزانة انفرادية أخرى، في سجن آخر يقع بمحافظة الفيوم المصرية، وهناك أمضى 19 يوماً في عزلة انفرادية تامة. وكانت الشرطة المصرية قد ألقت القبض على كريم طه عند نقطة تفتيش في القاهرة، لدى عودته من تظاهرة نظمها ناشطون يوم 25 يناير من عام 2014، في ذكرى ثورة يناير.لماذا حبستم أخي انفرادياً؟
قبضت الشرطة المصرية على هشام السيد، يوم 21 يناير 2015، وحكمت عليه محكمة عسكرية في 10 يناير 2016 بالسجن المؤبد، بعد إدانته بتهمة الانضمام إلى جماعة محظورة، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تحظرها الحكومة المصرية وتعتبرها جماعة "إرهابية". تحدثت شقيقة هشام لمنظمة العفو الدولية عن تجربة أخيها في الحبس الانفرادي في سجن جمصة العمومي، وقالت إنها ذهبت لزيارته في السجن يوم 22 نوفمبر 2016، فأخبرها الحراس أن الزيارة ممنوعة لأنه في زنزانة الحبس الانفرادي. حاولت شقيقة هشام معرفة السبب في وضعه في الحبس الانفرادي، فقال الحراس إن شقيقها كان يتحدث بطريقة غير لائقة مع ضباط السجن، لكن بعد 20 يوماً من هذا الموقف قابلت شقيقها فأخبرها أنه لم يقم بأي شيء، ولم يقولوا له تحديداً لماذا وُضع في حبس انفرادي كما لم يحققوا معه.إنها تعليمات الأمن الوطني
يشير المحامي علي فهيم إلى أن السبب وراء حبس نجله سيد علي فهيم انفرادياً، منذ مارس 2015، هو تعلميات قطاع الأمن الوطني، وذلك حسبما علم من ابنه خلال إحدى الزيارات. وقال الأب للمنظمة: "يحتجزون ابني سيد، وهو من قيادات مجموعة أولتراس التي تشجع نادي الزمالك الرياضي في الحبس الانفرادي إلى أجل غير مسمى منذ 31 مارس 2016، بتعلميات من الأمن الوطني، وذلك لمنعه من التواصل مع الأعضاء الآخرين في المجموعة، المحبوسين في نفس السجن بتهم مختلفة".انتهاكات في السجن الانفرادي
بحسب شهادات السجناء الذين تحدثت معهم منظمة العفو الدولية، فإنهم يتعرضون لانتهاكات عدة في الحبس الانفرادي، من ضمنها عدم السماح لهم بالخروج من الزنازين للتريض، بالإضافة إلى تعذيبهم، ومنعهم من إجراء أي اتصال إنساني. ووصف سجناء سابقون زنازين الحبس الانفرادي التي احتُجزوا فيها، بأنها صغيرة، وتتسم بسوء الإضاءة والتهوية، وتفتقر إلى الأسرّة والأغطية. تشمل الانتهاكات أيضاً منع الزيارات العائلية عنهم. وفي 14 حالة وثقتها المنظمة، عانى السجناء من عدم وجود مراحيض في الزنازين التي احتُجزوا فيها، وكانوا يضطرون للتبول والتبرز في أوعية بلاستيكية أو معدنية، وفي حالات أخرى، كانت هناك مراحيض داخل الزنازين، لكنها كانت مكسورة وتنبعث منها روائح كريهة وتجلب الحشرات. وتفيد الشهادات التي حصلت عليها منظمة العفو الدولية بأن سلطات السجون تقدم للسجناء في الزنازين الانفرادية طعاماً قليلاً، يتكون من رغيف خبز واحد والقليل من الخضراوات وقطعة من الحلوى وزجاجة مياه صغيرة كزاد يومي من الطعام والشراب. وأجرت منظمة العفو الدولية، في سياق إعداد تقريرها، 91 مقابلة مع تسعة سجناء سابقين وأقارب 27 شخصاً لا يزالون مسجونين. وأُجريت المقابلات في الفترة من مارس 2017 إلى إبريل 2018.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...