"هذا بمثابة فول سوداني بالنسبة لك"، قالها الرئيس الأمريكي موجهاً حديثه إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي كان يجلس إلى جواره في البيت الأبيض على هامش زيارته إلى الولايات المتحدة في مارس الماضي.
وقتها، كان ترامب يستعرض لوحة بـ"12.5 مليار دولار من المبيعات النهائية للمملكة العربية السعودية"، تضمنت صوراً وتفاصيل المعدات العسكرية، مثل الدبابات والمروحيات، التي اشترتها الرياض من مصنعي الولايات المتحدة.
جاء الرجل إلى سدة الحكم بخطابات مفعمة بالشعبوية، وتبدو تصرفاته تلقائية بالنسبة لتاجر سابقاً، لكن خططه لتعزيز مبيعات الأسلحة الأمريكية تتكشف مع الوقت، ففي 20 يناير 2017، خلال حفل تنصيبه رئيساً للبلاد، تعهد لمواطنيه بمزيد من الوظائف وتعزيز مبيعات الصناعة الأمريكية.
التاجر الرئيس
يتصرف الرجل على طريقة التجار، يستخدم مهاراته السابقة كرجل أعمال، ويمنح أيضاً خصومات في تسويقه للصفقات، ومنها بالطبع الأسلحة الأمريكية الأكثر مبيعاً في العالم، في وقت تنافسها بشراسة دول أخرى، مثل الصين وروسيا.
عندما التقى ترامب بن سلمان، قال متباهياً "نحن نصنع أفضل منتج عسكري في العالم، هناك الكثير من الناس يعملون" بسبب أعمال المملكة العربية السعودية، مضيفاً أن المملكة دفعت 12.5 مليار دولار لشراء طائرات وصواريخ وفرقاطات من شركات أمريكية.
وفي تقرير لها عن خبايا حملة ترامب لزيادة الصادرات العسكرية، قالت وكالة "رويترز"، التي وصفت ترامب بـ"رئيس مندوبي المبيعات"، إنه على الرغم من انخراط العديد من الرؤساء الأمريكيين في الترويج لصناعة العتاد الدفاعي الأمريكي، لم يُعرف عن أحد منهم أنه فعل ذلك بلا خجل أو مواربة، إلا ترامب الذي يبدو وهو يروج للبضائع الأمريكية على سجيته أكثر من أي أحد آخر.
ففي عهد أوباما، مثالاً، تم عرقلة ووقف صفقات أسلحة أمريكية مع دول اعتبرتها إدارته ذات سجل سيء من الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان، من بينها دول عربية كالسعودية ومصر، فعلى سبيل المثال، عندما تغيّرت الأوضاع السياسية في مصر إبان احتجاجات 30 يونيو 2013، شهدت العلاقات بين القاهرة وواشنطن حالة من البرود، تلاها قرار الأخيرة بتجميد صفقات السلاح لمصر.
كانت مصر تواجه عمليات إرهابية ضارية في أنحاء مختلفة من البلاد، خاصة في شبه جزيرة سيناء، وكما دول أخرى أصبح شراء واستخدام الطائرات العسكرية من دون طيار في قائمة أولوياتها. حينها كانت "الدرونز" الصينية والإماراتية الخيار المتاح أمام القاهرة عوضاً عن نظيرتها الأمريكية، إلا أنه مع قدوم ترامب تحسنت العلاقات بين البلدين، ومعها تجددت مساعي استئناف الصفقات العسكرية.
وحسب موقع "Jane's 360"، المهتم بالصناعات العسكرية، فإنه من المقرر أن تحصل مصر على عدد غير معروف من الأنظمة التكتيكية وطائرات دون طيار من طراز "RQ-20B Puma II AE"، بموجب صفقة قيمتها 9.1 مليون دولار أمريكي، وفق ما تم الإعلان عنه في 16 مارس الماضي.
كما أشار الموقع إلى أن صفقة مماثلة لبيع طائرات من دون طيار من طراز "Puma II AE UAS" أُبرمت لصالح عميل آخر في الشرق الأوسط، لم يتم تسميته، لكنها الأكبر في تاريخ شركة "AeroVironment" الأمريكية المُصنعة لها، حيث تبلغ قيمتها 44.5 مليون دولار.
والحال كذلك مع طائرات "بوما"، التي يتم إطلاقها يدوياً، وهي مُصمّمة للعمليات البرية والبحرية وقادرة على الهبوط في الماء أو على الأرض، كما أنها توفر معلومات استخباراتية دائمة وتقوم بالمراقبة والاستهداف والاستطلاع.
"اشترِ الأمريكي، وظّف أمريكياً"
في خطاب "شعبوي" في ولاية ويسكونسن في 19 أبريل 2017، وقع ترامب أمراً تنفيذياً وجّه خلاله الوكالات الفيدرالية لتنفيذ شعاره "اشترٍ الأمريكي، وظف أمريكياً"، الذي تبناه في حملته الانتخابية.
وصفت "رويترز" ترامب بـ"رئيس مندوبي المبيعات"، قائلة إنه لم يُعرف عن رئيس أمريكي أنه روّج لصناعة العتاد الدفاعي الأمريكي كما يفعل ترامب
الجديد في خطة ترامب أن صادرات السلاح الأمريكي ستكون متاحة لدول ليست في "قائمة البلدان التي تحظى بالثقة" من قبل واشنطن، والخطة جزء من مبادرة ترامب "اشترِ الأمريكي" من أجل خلق فرص العمل والحد من العجز التجاري الأمريكي
وحسب وكالة "رويترز"، وضع الجيش الأمريكي مواجهة الصين وروسيا في قلب استراتيجية الدفاع الوطني الجديدة، التى كشف عنها وزير الدفاع جيم ماتيس في يناير الماضي، لافتة إلى أن بيانات البيت الأبيض توضح أن ترامب يناقش بانتظام تفاصيل صفقات السلاح مع قادة دول أخرى سواء في اجتماعات مباشرة أو عبر الهاتف.
وضربت الوكالة مثالاً حول مدى الجدية التي تأخذ بها الإدارة الأمريكية حملة تصدير السلاح، عندما أجرى مكالمة مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في 17 يناير، لإتمام صفقة بيع الكويت 40 طائرة مقاتلة هجومية "سوبر هورنيت" من طراز "إف/ايه-18".
تلك الصفقة، التي قال مسؤولون أمريكيون إنها حصلت على موافقة وزارة الخارجية منذ نوفمبر 2016، أي في الشهور الأخيرة من عهد إدارة أوباما، "ماطلت" الكويت في التفاوض عليها. وفي تلك المكالمة استطاع ترامب ترجيح الكفة لإتمامها بعدما طلبت شركة "بوينغ" تدخله لتنفيذها.
ونقلت "رويترز" عن عدة أشخاص مطلعين على سير الصفقة قولهم إن تصرف ترامب كان نابعاً من حرصه على مصالح شركة "بوينغ"، ثاني أكبر شركات العتاد الدفاعي الأمريكية، والتي أصابها الشعور بخيبة الأمل لتعثر هذه الصفقة التي تأجلت طويلاً وتعد محورية لمواصلة نشاط شعبة الطائرات الحربية.
ومع زيارة ولي العهد السعودي لواشنطن، أعلنت "بوينغ" أنها والشركة السعودية للصناعات العسكرية تؤسسان شراكة بينهما في مشاريع مشتركة تستهدف زيادة المكون المحلي إلى 55%، في اتفاق يتوقع أن يحقق إيرادات لـ"بوينغ" ستتجاوز 22 مليار دولار، وسيخلق ستة آلاف وظيفة بحلول 2030.
"بلدان لا تحظى بالثقة" ستشتري الأمريكي أيضاً
في 20 مارس الماضي، قالت صحيفة "دايلي ميل" البريطانية إن ترامب يتجه قريباً إلى تسهيل تصدير بعض أنواع الطائرات من دون طيار المقاتلة من الولايات المتحدة إلى العشرات من الحلفاء، مثل السعودية واليابان وكوريا الجنوبية، وفقاً لأشخاص مطلعين على الخطة.
وحسب الصحيفة، فإن الجديد في الخطة أن صادرات السلاح الأمريكي ستكون متاحة لدول ليست في "قائمة البلدان التي تحظى بالثقة" من قبل واشنطن، لافتة إلى أن ذلك جزء من مبادرة ترامب "اشترِ الأمريكي" من أجل خلق فرص العمل والحد من العجز التجاري الأمريكي، غير أن المدافعين عن حقوق الإنسان والحدّ من التسلح حذروا من أنها تخاطر بتأجيج العنف وعدم الاستقرار في مناطق، مثل الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
وأوضحت الصحيفة أنه من المتوقع أن يخفف ترامب القيود بموجب سياسة جديدة طال انتظارها بشأن هذه الطائرات، وهي المرحلة الأولى من إصلاح شامل لأنظمة تصدير الأسلحة الأمريكية.
الخطة سبقها ضغوط كبيرة بذلتها شركات تصنيع الأسلحة، خاصة في مجال الطائرات من دون طيار في الولايات المتحدة لتغيير القيود، بسبب مواجهتها منافسة متنامية في الخارج، من المنافسين الصينيين والإسرائيليين، الذين غالباً ما يبيعونها في ظل قيود أخف.
بدورها، قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن مسؤولي إدارة ترامب واجهوا أسئلة صعبة من المشرعين في مجلس الشيوخ، ضمن استجواب حول تداعيات الدعم العسكري الأمريكي لدول الخليج المتورطة فى اليمن، حيث تتزايد الضغوط على الكونغرس لإعادة النظر في الدور الأمريكي في الصراع الذي أودى بحياة الآلاف من المدنيين وأدى إلى أسوأ أزمة إنسانية فى العالم.
ومن جهته، قال روبرت كارم، وكيل وزارة الدفاع لشؤون الأمن الدولي، إن الولايات المتحدة تعتقد أن المملكة العربية السعودية حسّنت إجراءاتها للقيام بضربات جوية، مُشيراً إلى وجود عدد صغير من الأفراد العسكريين الأمريكيين في مركز قيادة عسكري في الرياض، لكنهم لا يشاركون في تحديد الأهداف للطائرات الحربية السعودية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...