سيعيش السعوديون للمرة الأولى تجربة سينمائية كاملة، مع افتتاح أول دار سينما في العاصمة السعودية الرياض، بعد أسبوعين من توقيع هيئة الترفيه الحكومية اتفاقاً مع شركة "AMC" الأمريكية، حصلت بموجبه الأخيرة على رخصة لتشغيل دور السينما في البلاد التي يسكنها نحو أكثر من 33 مليون نسمة. وستكون سينما الرياض، الأولى من بين 350 دار سينما بسعة 2500 شاشة عرض، تخطط الشركة وشركات أخرى لتشغيلها في 50 مدينة سعودية، خلال السنوات الخمس المقبلة. ونُشرت صور لصالة السينما الجديدة، التي تقع في مركز المؤتمرات في مركز الملك عبد الله المالي الواقع شمالي العاصمة، والذي يضم سبع قاعات تم تحويلها لصالات سينما وفق المعايير العالمية، ولكن ستكون البداية، بحسب مصادر تحدثت لرصيف22، مع صالتين على أن يتم تشغيل البقية خلال شهر. وتتسع كل صالة لنحو 620 متفرجاً، وسيبلغ سعر التذكرة 13 دولاراً أمريكياً (50 ريال سعودي). وبحسب آدم أريون، المدير التنفيذي لـ AMC، ستنخفض الأسعار مع الوقت، فيما يقدر أريون حجم السوق الجديدة، بنحو ملياري دولار سنوياً. وستختلف الأسعار من فيلم لآخر مثل بقية دول العالم، ولن يكون هناك فصل بين الرجال والنساء، بل سيتم تحديد عروض خاصة للنساء وأخرى للرجال في أوقات مختلفة، بيد أن غالبية العروض ستكون مختلطة. أما عرض اليوم فسيكون مخصصاً للدعوات الخاصة، بينما سيتأخر فتح دار العرض للجمهور حتى مطلع مايو المقبل. ولن يكون الأمر حصراً على السينما الأمريكية، إذ توقعت مصادر في هيئة الترفيه أن تنافس بوليوود الهندية نظيرتها هوليوود الأمريكية، خاصة وأنه يتواجد نحو أربع ملايين هندي وبنغلاديشي يعيشون في البلاد.
فيلم الافتتاح
سيدخل فيلم "النمر الأسود" (Black Panther) تاريخ الترفيه في السعودية، إذ تم اختياره ليكون الفيلم الافتتاحي الأول، بعد 35 عاماً من الحظر. وتدور أحداث الفيلم حول شخصية "تشالا"، التي يؤديها الممثل تشادويك بوزمان، وهو ملك جديد لدولة أفريقية غنية في عالم المستقبل تُعرف باسم "واكاندا"، بينما تتحداه فصائل في الداخل. لم يأت اختيار الفيلم من فراغ، فـ"النمر الأسود" أصبح ظاهرة كبيرة في عالم السينما العالمية، بعدما استطاع أن يتخطى الفيلم الشهير "تايتانيك" (Titanic) ليصبح ثالث أعلى إيرادات في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من أن عرضه بدأ منذ فترة قصيرة نسبياً، إلا أنه دخل التاريخ ليصبح ثالث أعلى إيرادات في تاريخ السينما الأمريكية، إذ نجح في تحقيق 659.5 مليون دولار في أمريكا الشمالية وحدها.زخم كبير
"ثورة فنية" هكذا وصف المنتج والممثل عبدالحميد العوام الحدث، مشدداً على أنه أكثر أهمية من عرض سينمائي. وقال لرصيف22 "نحن على أعتاب ثورة فنية، لا يمكن أن تنجح تجاربنا السينمائية، دون أن يكون لها نصيب من العرض محلياً"، مضيفاً "لدينا قدرات فنية عالية، وعقول ناجحة وهي كانت تحتاج لأن يكون لديها صناعة سينمائية حقيقة، تخيل أن كل هذه النجاحات تحققت دون صناعة، فكيف سيكون الحال مع وجود صناعة سينمائية رائجة؟". وشدّد العوام على أن السعوديين متعطشون للسينما، وهم يسافرون بشكل أسبوعي لدبي والبحرين لمشاهدة أحدث الأفلام، و"في حال توفرها داخل السعودية فإن ذلك سيقلل من سفرهم لدول الجوار".ستكون سينما الرياض، الأولى من بين 350 دار سينما بسعة 2500 شاشة عرض، تخطط السعودية لتشغيلها في 50 مدينة، خلال السنوات الخمس المقبلة
في مقابل ترحيب فريق اعتبر افتتاح دور سينما "ثورة فنية" و"خطوة نحو الوسطية"، يرى فريق آخر في ذلك منكراً لا يجب القبول به
قبل نحو 35 عاماً، كانت مدن الرياض وجدة والدمام تحتوي على دور عرض سينما، غير أن التحولات الاجتماعية وما يُسمى بالصحوة الدينية في مطلع الثمانينات قادت لإغلاقها تحت ضغط من التيار الديني المتشدد الذي بدأ يتنامى حينهافي الإطار ذاته، أكد الممثل خالد سامي أن وجود حركة سينمائية ودور عرض سيكون انطلاقة قوية للسينما السعودية، وقال لرصيف22 "لم نكن نصنع أفلاماً، لأننا لم نكن نستطيع عرضها محلياً، لم يكن الأمر ممكناً". بدورها، وصفت المخرجة هيفاء المنصور بدء عرض الأفلام في بلادها بأنه "حلم يتحقق"، وقالت "حلم حياتي كان أن أعرض أعمالي أمام الجمهور السعودي، وها هو يتحقق"، معتبرة أن افتتاح دور العرض السينمائي في السعودية سيقود لحركة فنية أكبر بكثير عن التي كانت في السابق. وكان الحظر تسبب في وقف الحركة السينمائية السعودية لعقود، قبل أن تبدأ في التحرك مجدداً خلال السنوات الماضية. وعلى الرغم من جملة الصعوبات التي واجهها المخرجون السعوديون، كانت الحصيلة نحو 300 فيلم سعودي أغلبها وثائقية قصيرة، نال بعضها جوائز عالمية، مثل فيلم "وجدة" للمخرجة هيفاء المنصور، الذي تم ترشيحه لجائزة "أوسكار" الأفلام الأجنبية، ولحق به فيلم "بركة يقابل بركة".
عروض محلية
كشفت مصادر لرصيف22 أنه سيكون هناك عروض خاصة للأفلام السعودية القصيرة بشكل جماعي، خاصة الأفلام السبعة التي شاركت في الفعاليات الثقافية التي اختتمت الأسبوع الماضي في باريس. وفي مقدمتها فيلم "حياة ملونة" وهو فيلم وثائقي قصير يعرض تجربة أربع سيدات سعوديات، فيلم "لا أستطيع تقبيل وجهي" ويطرح مصاعب الشهرة والأضواء، وفيلم "كيكة زينة" ويدور حول صانعة حلوى تتخذ من الحلويات أسلوبا لحياتها. الفيلم الرابع هو فيلم "جليد" ويعرض تجربة أول عربيين يغوصان في القطب الشمالي ويحكي التحديات التي واجهها كل من مريم فردوس وحسام شكري في رحلتهما للغوص في مياه القطب. والفيلم الخامس هو "القَط" الذي يتناول فن القَط العسيري وهو طريقة النساء التقليدية في تجميل جدران بيوتهم. أما فيلم "روح الشمال فهو اختصار لرحلة دامت أربع أيام لشمال السعودية. غير أن الأضواء ستكون مركزة بشكل أكبر على فيلم "فضيلة أن تكون لا أحد"، الذي حصل على جائزة أفضل فيلم خليجي في مهرجان دبي السينمائي، وتدور قصته حول شاب فقد عائلته ويواجه سلسلة من الأحداث غير المتوقعة عندما يلتقي برجل مُسن أعور. ويأخذ الفيلم المشاهدين داخل أعماق الشخصية معتمداً على الحوار بين الشاب والمسن.المشاركة في مهرجان "كان"
بالتزامن مع الحدث، أطلقت الهيئة العامة للثقافة ما أسمته المجلس السعودي للأفلام الذي يهدف لدعم الحركة السينمائية في البلاد ودعم المواهب، ويضم في عضويته إعلاميون وسينمائيون. وبحسب بيان للرئيس التنفيذي للمجلس السعودي للأفلام فيصل بالطيور، فإن من أهداف المجلس "بناء الجسور مع صناعة السينما العالمية". وستكون أولى مهام المجلس الجديد التجهيز لمشاركة السعودية في مهرجان "كان" السينمائي الذي سينطلق في التاسع من مايو المقبل للمرة الأولى، علماً أنه سبق للسعودية أن شاركت بشكل رمزي في كان ولكن خارج المسابقات الرسمية. وبحسب مصادر تحدثت لرصيف22، سيكون فيلم "جود" أحد الأفلام السعودية المتواجدة في المهرجان الشهر المقبل. والفيلم هو أول الإنتاجات الطويلة لمركز الملك عبد العزيز الثقافي (إثراء)، الذي دشنه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في نوفمبر 2016، وهو من إخراج الأسترالي آندرو لانكستر بمشاركه المخرج السعودي أسامة الخريجي، ويروي في قالب بصري حكاية تطور السعودية.ترحيب… وخلاف ديني قديم
لا يمكن اعتبار الحدث مجرد افتتاح لدار سينما، بل هو أول تنفيذ حقيقي على أرض الواقع للتغييرات الكبيرة التي أعلنت عنها السعودية العام الماضي، فعدا دخول النساء للملاعب، لم يبدأ بعد تنفيذ حق قيادة السيارات للسعوديات كما أن قوانين نزع الولاية الذكورية لم تبدأ بعد. يعتبر إعلاميون وكُتاب أن خطوة عرض الأفلام السينمائية في السعودية هي مرحلة جديدة أكثر حداثة، حيث يصف خالد المعينا، رئيس تحرير جريدة عرب نيوز السعودية السابق، أن افتتاح دار السينما في السعودية، بـ"الخطوة نحو الوسطية". ويقول لرصيف22 إن "الأمر ليس الجلوس على كرسي ومشاهدة فيلم سينمائي فقط، بل هو حراك تنويري، وخطوة نحو أن نكون مجتمعاً طبيعياً"، مضيفاً "كنا نحضر عروضا سينمائية في جدة، ولكن تم منعها منذ نحو 35 عاماً، وبلا سبب". في مقابل ترحيب فريق اعتبر افتتاح دور سينما أمراً طبيعياً، يرى فريق آخر في ذلك منكراً لا يجب القبول به. لم يصدر أي تعليق رسمي مؤخراً من هيئة كبار العلماء أو من رجال الدين المعروفين، بينما رفض عدد منهم الإجابة على سؤال رصيف22 بهذا الشأن. لكن الخلاف حول تحريم دور السينما بشكل مشروط وبين تحريمها بالمجمل هو خلاف قديم. في عام 2009، صدرت فتوى رسمية من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وقعها الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ونائبه الشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد الله بن غديان والشيخ عبد الله بن قعود، وأكدوا فيها على أنه "لا يجوز لمسلم أن يبني سينما، ولا أن يدير أعمال سينما له أو لغيره، لما فيها من اللهو المحرم، ولأن السينما معروف عنها في العالم اليوم أنها تعرض صوراً خليعة". هذه الفتوى تتناقض مع فتوى قديمة للشيخ عبد العزبز بن باز نفسه، في برنامج نور على الدرب، ومعروضة في موقعه الرسمي، لم يكن قد حرّم فيها السينما بشكل مطلق. وقال فيها "إن كان المسرح والسينما فيها شيء ينفع المسلمين ويوافق الشريعة كمسرح بما يتعلق ببيان الحق ونشر الحق وليس فيه عري ولا فساد ولا اختلاط ولا أغاني ولا شبه ذلك من المنكرات هذا لا بأس، أما السينما المعروفة والمسارح المعروفة التي فيها الاختلاط للرجال والنساء أو فيها الأغاني والملاهي أو فيها عري فلا يجوز دخولها ولا المجيء إليها ولا الرضا بها بل يجب إنكارها". أما إمام مسجد قباء الشيخ صالح المغامسي فكان رأيه السابق واضحاً بأنها "حرام ومنكر"، وقال في برنامج تلفزيوني على قناة المجد "لا نخدع أنفسنا، الأفلام السينمائية جلّها فجور إن لم يكن كلها". وفرّق الشيخ المغامسي بين التلفزيون في البيت ومشاهدة الأفلام في السينما، معتبراً أن في ذلك تقنين للفساد. ويرفض رجال دين حالياً، إصدار حكم قاطع عن دور السينما، ومنهم القاضي في المحكمة الجزائية في جدة الشيخ يوسف الغامدي، الذي أكد أن" دور العرض السينما ليست هي محل النقاش، ولكن هو المحتوى". وقبل نحو 35 عاماً، كانت مدن الرياض وجدة والدمام تحتوي على دور عرض، كانت محدودة ولكنها موجودة، غير أن التحولات الاجتماعية وما يُسمى بالصحوة الدينية في مطلع الثمانينات قادت لإغلاقها تحت ضغط من التيار الديني المتشدد الذي بدأ يتنامى حينها. واستمر الحظر حتى مطلع ديسمبر الماضي، عندما أعلنت السعودية عن خطط لإنشاء دور عرض سينمائية وهو القرار الذي جاء ضمن حملة من الإصلاحات التي أعلن عنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وكان أولى الأفلام السعودية فيلم "الذباب" الذي أُنتج عام 1948، ومعه بدأت السينما السعودية تظهر على الساحة بدعم من ممثلين، كان من أهمهم الممثل حمدان شلبي الذي توفي الأسبوع الماضي عن عمر يناهز الـ 70 عاماً. وكان شلبي إضافة لبكر الشدي ومحمد العلي رواد الحركة الفنية السعودية، وجميعهم توفوا قبل إعادة عجلة الإنتاج السينمائي للدوران.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...