لا يزال شكل مشاركة المرأة في الجيش، أو ما يصفه البعض بالمؤسسة الذكورية أو آخر معاقل الذكورية، محور جدل ونقاش حول العالم. في حين يرى البعض أنّه يجب عدم تحديد شكل هذه المشاركة انطلاقاً من حقّ المرأة المتساوي في العمل مع الرجل حتى في الأدوار القتالية، يذهب المعارضون إلى التحجّج بأن مجرّد وجود المرأة في الجيش يقوّض روح العمل الجماعي والفعّالية القتالية، كما يثير المعارضون حجة عدم قدرة المرأة على تحمّل الأذى الجسدي أو النفسي الذي قد يلحق بها إذا شاركت في الصفوف الأمامية أو في حال تعرضها للإعتقال في الحروب. تخطت دول عدة منذ زمن فكرة دخول المرأة إلى الجيش، وذهب بعضها لأبعد من ذلك إذ سمح للمرأة بالالتحاق في مهمات عسكرية مثلها مثل الرجل كالولايات المتحدة وكندا والنروج والسويد (تتيح إسرائيل ذلك أيضاً لخصوصية تكوينها كدولة احتلال)، إلّا أنّ هذا لا يعني انتهاء النقاش إذ لا يزال شكل المشاركة يخضع لدراسات من قبل المؤسسات ذاتها. وهنا نذكر أن دراسة حديثة لسلاح مشاة البحرية الامريكية حول أداء النساء في مهام المعارك القتالية أكّدت تفوّق آداء الوحدات العسكرية المكونة من الرجال فقط على الوحدات المختلطة في كل شيء، بداية من الوصول إلى الأهداف بسرعة إلى إطلاق النار بدقة واستخدام الأسلحة ثقيلة.
ما هو حال مشاركة النساء عربياً؟
لا يزال تجنيد المرأة بحدّ ذاته وقبل التطرق إلى شكله موضوع جدل في بعض الدول كما في مصر والكويت وتونس، مع العلم أن تاريخ دخول العنصر النسائي إلى الجيش في بعض الدول العربية يعود إلى ستينيات القرن الماضي. بطبيعة الحال، وقبل الحديث عن الجيوش النظامية، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المرأة العربية لم تنتظر السماح لها في القتال إذ لعبت دوراً بارزاً في تحرير بلادها، لا سيّما المرأة الجزائرية والفلسطينية ومؤخراً شاهدنا الكرديات والعراقيات والسوريات يحاربن ضمن مجموعات غير نظامية ويحملن السلاح دفاعاً عن بلادهن أو قناعاتهن. وبالعودة إلى الجيوش النظامية، انضمت قطر مؤخراً إلى الدول التي تتيح للمرأة الالتحاق بالخدمة العسكرية، إذ أصدر أميرها قانوناً يتيح للنساء، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، الالتحاق بالخدمة العسكرية اختيارياً، وبات بإمكان القطريات ممن بلغن 18 عاماً وما فوق الالتحاق بالخدمة العسكرية الاختيارية. ولم يُعرف بعد ما هي الأدوار التي ستضطلع بها المتطوعات في الخدمة العسكرية، مع العلم أن هناك عدداً من النساء حالياً يعملن في الجيش ويشغلن مهام إدارية. هنا جولة على أشكال تواجد المرأة في عدد من الجيوش العربية:سوريا… منذ 1920
كان دخول المرأة إلى السلك العسكري في سوريا أول مرة عام 1920، عندما منح الملك فيصل لنازك العابد رتبة نقيب في الجيش السوري، وبعد الإستقلال الثاني كان يُسمح للمرأة المشاركة في الجيش والالتحاق بالكلية العسكرية الخاصة بالبنات. وخلال الحرب الدائرة في سوريا منذ سنوات تمّ إنشاء كتيبة المغاوير الأولى في الحرس الجمهوري، وذلك بقرار من الرئيس بشار الأسد.الأردن… في القوات المسلحة
تشارك المرأة الأردنية في القوات المسلحة منذ عام 1950، وبدأت كمعلمة ومن ثم في المجال الطبي والتمريض العسكري، وفي السبعينيات تم تجنيد عدد من الجامعيات الأردنيات للعمل في إدارات القوات المسلحة. وفي عام 1995، تأسست إدارة شؤون المجندات لتُعنى بشؤون العاملات في القوات المسلحة الأردنية من حيث التدريس والتأهيل وتحسين الأداء. ويشار إلى أن نساء شاركن منذ عام 2010 مع القوة الأردنية في أفغانستان من خلال انضمامهن إلى قوة "أفغانستان 222" و"قوة أفغانستان 333" والعمل كمدربات هناك.لا يزال تجنيد المرأة بحد ذاته وقبل التطرق إلى شكله موضوع جدل في بعض الدول العربية كمصر والكويت وتونس، علماً أن تاريخ دخولها إلى الجيش في دول أخرى يعود إلى ستينيات القرن الماضي
رغم السماح للمرأة بدخول السلك العسكري في بعض الدول، بقي حصولها على الرتب ومشاركتها في الجبهات الساخنة مقيّداً... في حين لم تنتظر أخريات السماح لهن بالقتال فاشتركن في مجموعات غير نظامية
المغرب... من التمريض إلى جنرال
دخلت المرأة المغربية إلى الجيش للمرة الأولى في عام 1963 وكانت حينها طبيبة وممرضة في القوات المسلحة الملكية، كما أنها قامت بمهام تقنية في القوات الجوية والاتصال اللاسلكي بالإضافة إلى مشاركتها في العمليات الخارجية الدولية لا سيما تلك الإنسانية. ويقدّر مجموع النساء العاملات في الجيش المغربي بما يقارب ستة آلاف امرأة أربع منهن برتبة "مايجور كولونيل" و18 برتبة "كولونيل" والباقيات تتوزع رتبهن بين "ضابط" و"ليوتنان كولونيل" و"كومندان"، ويعملن أساساً في المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية مع وجود امرأة "ربان لمقاتلة حربية" في القوات الجوية وأخرى "ربان لطائرة حمل للعتاد والفيالق".العراق... سماح ثم تجميد ثم سماح
في عام 1977، تخرّج عدد من طالبات كليات الطب والصيدلة والعلوم والتمريض للعمل في القوات المسلحة العراقية بصفة ضابط ومُنحت الطبيبات منهن رتبة ملازم أول طبيب. وفي عام 1980، أي مع بداية الحرب العراقية - الايرانية، صدر قرار بإيقاف منح الرتب العسكرية للنساء والاكتفاء بتعيين المتعاقدات للدراسة على نفقة وزارة الدفاع بصفة مدنية. وفي عام 2005، أي بعد 27 سنة على أول دورة للمرأة في الجيش، تمّت دعوة النساء للتطوع في القوات المسلحة العراقية من جديد.الجزائر... لواء
بدأت رحلة المرأة الجزائرية في الجيش عام 1978، حين سُمح لها بالإلتحاق في صفوف الجيش الجزائري بصفة ضابط وضابط صف، مع استبعادها من فئة المجندين ممن يحملون رتبة عسكري أو عريف. وفي عام 1986، تمّ تعليق تجنيد الإناث ليعود ويُستأنف عام 2001، مع توسيع المجالات التي يمكن أن تنضم إليها المرأة لتشمل الإدارة والخدمات الاجتماعية والصحة والمالية والتصنيع العسكري والصيانة وغيرها من المجالات غير القتالية. وفي عام 2006، أَدخل الجيش تعديلاً ووضع المرأة في مكانة متساوية مع الرجل للمرة الأولى في ما يتعلق بالتجنيد والتدريب والترقية والحقوق، إلا أن المرأة استُبعدت عن الوحدات التي تؤدّي مهاماً قتالية، مثل المدفعية والمشاة والوحدات المدرّعة والوحدات القتالية للقوات الجوية. وفي عام 2017، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية ترقية العميد فاطمة بودواني إلى رتبة لواء، كأول امرأة في تاريخ الجزائر يتم ترقيتها إلى هذه الرتبة العسكرية. وتنتسب اللواء فاطمة بودواني إلى سلاح الجو الجزائري وكانت تمت ترقيتها إلى رتبة عميد عام 2012.ليبيا... "راهبات الثورة"
في عام 1978، بدأت أكاديمية عسكرية جديدة في ليبيا بتدريب النساء، وفي الثمانينيات تم إنشاء "راهبات الثورة" كقوة شرطة، وفي عام 1984 صدر قانون يفرض التجنيد الإناث وطلب من جميع الطلاب في المدارس الثانوية وما فوقها للمشاركة في التدريب العسكري وبدأ إنشاء الأكاديميات العسكرية للإناث.لبنان… عميد
فتحت القوات المسلحة اللبنانية أبوابها أمام النساء لأول مرة في عام 1991. وقدر معهد الدراسات النسائية في الجامعة اللبنانية الأمريكية عددهن بـ 2000 عام 2008، أي بالكاد 5٪ من العدد الإجمالي لأفراد الجيش. ووصلت أوّل إمرأة في لبنان إلى رتبة عميد في الجيش اللبناني العام الحالي.اليمن… التطوع محدود
في اليمن، يحدد قانون رقم (67) لسنة 1991 والمتعلق بالخدمة في القوات المسلحة والأمن خدمة المرأة المتطوعة في المرافق العسكرية والأمنية بما يتناسب مع طبيعتها، وذلك في المجالات الصحية والتربوية والإدارية.الإمارات… ومريم المنصوري
عند الحديث عن مشاركة المرأة الإماراتية في العمل العسكري لا بد من ذكر مريم المنصوري وهي ضابط ورائد طيار على متن طائرة "إف 16" وقائدة سرب. تُعتبر المنصوري أول إماراتية تقود طائرات حربية مقاتلة، وكان اللافت مشاركتها في الضربات الجوية ضد تنظيم "داعش" في سوريا. كانت بداية انخراط المرأة الإماراتية في العمل العسكري عام 1990 من مدرسة خولة بنت الأزور العسكرية. وفي عام 2014، صدر القانون الاتحادي رقم 6 بشأن الخدمة الوطنية والاحتياطية، الذي ترك للفتيات الإماراتيات حرية الالتحاق بالخدمة الوطنية على أن تكون مدة الدورة التدريبية لهن تسعة أشهر (أصبحت لاحقاً 12 شهراً)، مع اشتراط موافقة ولي أمر الفتاة والسماح لها بالالتحاق بالخدمة.السعودية... في الجوازات وعلى الحدود
بداية هذا العام أعلنت المديرية العامة للجوازات السعودية نيّتها توظيف النساء لأول مرة برتب عسكرية، كاشفة عن وظائف شاغرة لرتبة (جندي/ جوازات) مخصصة للنساء السعوديات، لتكون المرة الأولى التي يتم فيها "تجنيدهنّ" للعمل في جوازات المطارات والمنافذ البرية.تونس ومصر... لا تجنيد حتى اليوم
في العام 2016، أعلنت وزارة الدفاع التونسية أن الوقت حان من أجل تجنيد الشابات وإدخالهن إلى الخدمة العسكرية أسوة بالشباب، ولاسيّما أن الدستور التونسي ينص على كون الخدمة الوطنية واجبة على كل مواطن من دون استثناء. وكانت أولى الخطوات التشريعية لتجنيد النساء بدأت عام 1994، واستمرت النقاشات في كواليس البرلمان حول هذا المشروع إلى عام 1999، قبل الإعلان عنه رسمياً نهاية عام 2002. حينها، قال وزير الدفاع إن التونسيات سيخضعن للتجنيد الإجباري مدة سنة تماماً مثل الرجال بدءاً من عام 2003، لكن الأمر لم يتحقق. أمّا في مصر، فكان من اللافت في عام 2010 إقامة مواطن مصري دعوى ضد رئيس الجمهورية ووزير الدفاع ورئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الشورى لإلزامهم بإقرار تجنيد الإناث إلزامياً مساواةً بالذكور، مستنداً على الدستور المصري الذي أقر مبدأ المساواة بين المواطنين. رفض تقرير هيئة مفوضي الدولة الدعوى، معتبراً أن مصلحة الأسرة المصرية وتوفيق المرأة بين واجباتها نحو أسرتها وعملها العام يقتضيان أن يكون التجنيد الإجباري محصوراً بالذكور فقط، لكنه نص على حقها في الوظائف المتصلة بالعمل العسكري من دون أن تكون من نفس طبيعته القتالية، كالتمريض والأعمال الإدارية. واستند التقرير أيضاً إلى آراء فقهية تقضي بأن المرأة غير مطالبة بالقتال. وفي العام 2014، أطلقت طالبات في جامعة القاهرة حملة "مجندة مصرية"، للمطالبة بفتح باب التجنيد الاختياري للفتيات، لخدمة الوطن فى الحرب مثلهن مثل الرجال. وطالبت الحملة بإنشاء كليات عسكرية مقتصرة على الفتيات لتدريبهن على حمل السلاح.الكويت... جدل واسع
شهدت الكويت، بداية العام الحالي، جدلاً برلمانياً بعد إعلان النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الدفاع الشيخ ناصر الصباح ترحيبه باحتمال تطوع المرأة في الخدمة العسكرية. وكان الصباح تساءل عقب اجتماع لجنة الشؤون الداخلية والدفاع في مجلس الأمة:"لماذا تُحرم وزارة الدفاع من خدمات المرأة الكويتية، في حين أنها أصبحت الآن عسكرية في وزارة الداخلية وحرس مجلس الأمة؟" ونشير هنا إلى أن أول دورة في الشرطة النسائية كانت في عام 2008، وكانت مؤلفة من 40 منتسبة، وفي عام 2016 باشرت أول خمس نساء (ضابطتان وثلاث ضابطات صف) من شرطيات مجلس الأمة عملهن. لكنّ هذا الجدل لم يؤدِّ إلى دخول المرأة إلى الجيش، فقد قال المستشار القانوني لهيئة الخدمة الوطنية العسكرية العقيد المتقاعد فلاح العنزي إنه تم استبعاد النساء من التجنيد أو الخدمة نهائياً في القانون الحالي للخدمة العسكرية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...