منذ سنواتٍ راودت عمر طاهر فكرةُ تقديم ورشةٍ عن الكتابة، تستهدفُ المهتمِين بها وبالقراءة، لتظهرَ بعد حين على شكل وثائقياتٍ ثقافية نجحت في جذب المشاهد من أول لحظة فيها.
موسيقى الشارة التي تماهت في حالةٍ من الشجن والحنين مع صورٍ تعبر الشاشة لعمالقةٍ راحلين في الأدب العربي، أمل دنقل، أحمد فؤاد نجم، يحيى حقي، بعد ذلك يستهلُّ طاهر الحلقات بسرد شفاف وعميق يجعلُه حكَّاءاً قادماً من ألف ليلة وليلة.
أما المحتوى فهو أقربُ إلى حصصٍ أدبية عن كل مايتعلق بالكتابة كحرفة لها شغلها وآلياتها وهواجسها، بشكل يكسرُ المفاهيم الخاطئة ويجيب عن أسئلةٍ تؤرق من يمتهن هذه الصنعة.
https://youtu.be/v0aDL3ldLSI
كان طاهر يحلم منذ سنين بتنفيذ ورشة للكتابة لكن بشكل فني مختلف، لتظهر الفكرة على هيئة وثائقيات تلفزيونية، مع نهاية حلقاتها تصلح أن تكون مكتبة يرجع إليها كل من هو مشغول بهمّ الكتابة ويبحث عن إجابات متعلقة بأسرار الصنعة وتحدياتها.
ولعل من أسباب نجاح البرنامج أن مقدمه وصاحب رؤيته الفنية، كاتبٌ يلعب في ذات المضمار، واستحوذ لنفسه مساحته الخاصة، عمر طاهر، الصحفي القادم من صعيد مصر وفي جعبته الكثير من الحكايا عن مصر وتاريخها وناسها، لينجز العديد من الإصدارات والأفلام والأغاني، كتبها إلى جانب تقديمه برامج إذاعية وتلفزيونية.
يؤكد لرصيف22 أن حلقات "وصفوا لي الصبر.. عن الكتابة وأهلها" كانت "حصصاً ثرية ومفيدة، علمتني الكثير وأجابت عن أسئلة عديدة كانت تراودني حول الكتابة وإشكالاتها".
الحلقات الـ5 التي عرضت من البرنامج أكدت مدى قوة الكتابة، التي قد تصبح أقوى من الكاتب نفسه كما يقول عمر طاهر، فما إن يباشر بها الروائي حتى تتولى هي زمام القيادة.
وما عليه سوى الحرص في صياغاته وسياقاته، عملاً بقول الكتاب الأمريكي ستيفن كينج الذي تخلل الحلقات "حينما تكتب أنت تزرع مع كل سطر شجرة، عليك عند الانتهاء من الكتابة أن تتأمل جيداً هذه الغابة التي حققتها".
روح جديدة ونفس طازج
بعد تسجيلهِ الحلقات حاول عمر طاهر الاستفادة من خلاصةِ كلِّ ضيف، ليكونَ ثمّة إجماعٌ على أن الكتابةَ مهنة قائمة على الصبر، تحتاج الكثير من التدقيق وطول النَّفَس، فلم يجد مايناسبُ اسمَ البرنامج أكثر من الجملة التي ترددها أم كلثوم "وصفولي الصبر". نجح البرنامج في كسر القواعد النمطية للبرامج الثقافية، وهو أمر حرص عليه طاهر، فخرج وفريق عمله من بين جدران الاستديو إلى مساحات أكثر رحابة، ماجعل خلفية الحلقات غنية وجاذبة. أيضاً طريقة العرض لم تعتمد على السؤال والجواب، بل كانت أقرب للحكي الذي برع فيه طاهر، وقدم عبره مادته الاختصاصية والجادة في قالب من السلاسة والرشاقة التي جعلتها جرعة مسلية ومفيدة. https://youtu.be/QWe-X9zetdEلماذا نكتب؟ وأسئلة أخرى كثيرة
لماذا نكتب؟ سؤال كلاسيكي ومباشر، لكن كان لابدَّ من طرحه على ضيوف البرنامج حسبما أكد طاهر خلال الحلقات، لتتباين الإجابات، "أكتب لأنني لا أعرف شيئاً آخر، ولا أستطيع تحقيق نفسي إلا في الكتابة" كان ذلك تبرير الروائي صنع الله إبراهيم لافتاً أن الكتابة هي العمل الذي تعلمه ومارسه تدريجياً، منذ أن خطَّ أول جملة له، سواء في الترجمة أوالتأليف. الكاتب محمد خير أشار إلى أنه يكتب لأن الكتابة شغفه الأول "هي الشيء الذي تعلمته وأنا لا أعرف ما أبتغيه من الحياة، أكتب لأن الكتابة تدفعني للاستيقاظ في اليوم التالي، وتجعلني أحب ما أفعل، بل وأجد فائدة حتى في الأشياء المزعجة".الكاتب أحمد خالد توفيق في حلقةٍ عن مفهوم الشهرة والنجاح والفرق بينهما في "وصفو لي الصبر"
"أن تكونَ كاتباً لديه قرَّاء شغوفون بما ينجز، هذا يعني أن عليك أن تكون أولاً قارئاً شغوفاً" الكاتب إبراهيم عيسىعلى ضفةٍ ليست ببعيدة علَّل الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق السبب الذي يدفعه للكتابة قائلاً: "هي علاجٌ لأزماتي النفسية، وأنا مهتمٌ بكل ماهو متعلق بالأدب والفن والسينما، ثمة شيطان كامن في داخلي ويحاول الخروج بأي طريقة، فكانت الكتابة هي السبيل". استضافَ البرنامج الكاتب أحمد خالد توفيق في حلقةٍ عن مفهوم الشهرة والنجاح والفرق بينهما، أذيعت يوم الجمعة الفائت، لتكون آخر ظهور له. مساء أمس رحل عن عالمنا عن عمر الـ55 عاماً، بعد تعرضه لأزمة صحية، تاركاً وراءه إرثاً أدبياً من روايات الجيب التي خاطب في أغلبها جيل الثمانينيات والتسعينيات. خلال الحلقة قال إنه بدأ مسيرته مع روايات تحكي الواقعية الاشتراكية، متأثراً بغورغي وتشيخوف، بعد ذلك ركز في أغلب منجزاته على الرعب والخيال العلمي. https://youtu.be/bMvUGYiCqPQ "الشهرة لا تعني النجاح والبيست سيلر لاتعني الجودة، وتثقيف المجتمع على هذه الأفكار عملية غير سهلة" أكد ذلك توفيق خلال البرنامج. مضيفاً أن الكاتب عبارة عن صنم يصنعه القارئ، لكنه قادر على تدميره ولعنه في أي لحظة، في إشارة إلى سطوة القارئ التي كانت تقلقه خاصة بعد تحقيقه جماهيرية كبيرة. الكاتب إبراهيم عيسى تحدث أيضاً عن سطوة القارئ في حلقة خُصِّصت لفك شيفرة القارئ، قائلاً إن مساحته اتسعت مؤخراً وبات أكثر عدوانية، بسبب منصات التواصل الاجتماعي التي أتاحت له نافذة للتعبير. إضافة إلى السحر التي يضفيه تحولُ الشفاهي إلى مكتوب فينال رأيُ صاحبه متابعة الآخرين وتقديرهم حتى لو كان تعليقا على رواية أو مقال. يضيف بات القارئ ميالا للأحكم القطعية والمطلقة، بسبب تغير شكل حضوره والتواصل معه عما قبل. "أن تكونَ كاتباً لديه قرَّاء شغوفون بما ينجز، هذا يعني أن عليك أن تكون أولاً قارئاً شغوفاً"، يقول عيسى في إشارة إلى أهمية الاطلاع وتغذية العقل بكافة مجالات الحياة، إلى جانب ضرورة امتلاك أدوات الكتابة، لافتا إلى أهمية استنباط القارئ الكامن داخل كل إنسان بتحريضه على القراءة، عبر زيادة منافذ بيع الكتب ومحاولة إيصالها لجميع القرى والنجوع. ضغوطُ الكاتبةِ العربية كانت هدفاً لمجهر عمر طاهر أيضاً، معتبراً أنها أكثر تعقيداً لارتباطها بصراعات في مجال الحقوق والحريات في العالم ككل، وخاصة في عالمنا العربي. الكاتبةُ المصرية شيرين سامي وافقته الرأي، ولفتت أنّ الكتابة تحتاجُ مناخاً مهيئاً لها، عزلةٌ واستقرارٌ مادي ونفسي "وفي الوقت الذي نسعى فيه لذلك، يعلو صوت المجتمع في كون المرأة هي زوجة وأم قبل كلِّ شيء، وأيُّ قرارٍ خارج ذلك هو أحد أشكال التمرد". تضيفُ صاحبة "قيد الفراشة" أن كلَّ ماسبق سيولد مزيداً من الصدامات مع المحيط، والاستكشاف الإبداعي لتمضي الكثير من حياتها في كيفية التخلص من ثقل هذا الإرث المجتمعي. https://youtu.be/mTtBN1FBhyM
شبابيك مجدي نجيب وحكايته
"الثقافة كالرغيف، إذا لم تتوفر لن يكون هناك شعب يفكر". قالها الكاتب مجدي نجيب خلال حلقة خصصت لاستضافته، في أول ظهور تلفزيوني له، حكى فيه عن تجربته الزاخرة بالكلمات والقصائد التي أداها مشاهير الغناء العربي، كان باكورتها "قولو لعين الشمس ماتحماشي" لشادية. تلاها الكثير من الأغنيات التي لاتزال تتردد على مسامعنا حتى اللحظة، منها "كامل الأوصاف" لعبد الحليم حافظ ، "شبابيك" لمحمد منير، "تعالى شوف" لفايزة أحمد. 27 أغنية كانت ثمرة التعاون بين مجدي نجيب ومحمد منير، تجربةٌ اعتبرها نجيب مثيرةً في مشواره حسب قوله معللاً بأن لمنير صوتٌ ولونٌ غنائي خاصَين، إضافة لشخصيته المختلفة، لافتاً أنه قدم له أغانٍ في بداية مشواره دون مقابل مادي، لعدم استطاعة الشركة المنتجة تسديد التكاليف، ولإيمانه بفكره وبقيمته. حادثةٌ ربما صادمة، رواها مجدي نجيب خلال اللقاء كسبب لعدم تعاونه مع الملحن محمد عبد الوهاب، عندما دعاه الأخير لبيته، تزامناً مع وقت غدائه ليأكل هو دون أن يلاحظ أن لا أطباق أمام ضيفيه -نجيب وأحمد فؤاد حسن-، الأمر الذي جعله يلغي التواصل أو العمل معه. https://youtu.be/CWjQDwHZYegأما العقبات..
الموسم الأول من "وصفوا لي الصبر.. عن الكتابة وأهلها" يتضمن 11 حلقة تستضيف 11 كاتباً وروائياً من أصحاب الصنعة، وهذا أمر لم يكن هيّنا حسب قول عمر طاهر، معللا بأن أساتذة الحرفة هم ليسوا كثرا في مصر، تجاوزوه بنجاح، أملا في اتساع نطاق البرنامج ليشمل كُتّاباً من العالم العربي أيضاً. تحدٍ آخر واجه تنفيذ البرنامج، هو قبول محطة تلفزيونية عرض حلقاته، خاصة أنه برنامج نخبوي ويستهدف فئة معينة من المشاهدين، لتكون قناة "TEN" صاحبة الفضل في ذلك."الكاتب صنمٌ يصنعه القارئ، لكنه قادر على تدميره ولعنه في أي لحظة"، أحمد خالد توفيق عن القلق من سطوة القارئ
كان طاهر يحلم منذ سنين بتنفيذ ورشة للكتابة لكن بشكل فني مختلف، لتظهر الفكرة على هيئة وثائقيات تلفزيونية، مع نهاية حلقاتها تصلح أن تكون مكتبة يرجع إليها كل من هو مشغول بهمّ الكتابة ويبحث عن إجابات متعلقة بأسرار الصنعة وتحدياتها.
ولعل من أسباب نجاح البرنامج أن مقدمه وصاحب رؤيته الفنية، كاتبٌ يلعب في ذات المضمار، واستحوذ لنفسه مساحته الخاصة، عمر طاهر، الصحفي القادم من صعيد مصر وفي جعبته الكثير من الحكايا عن مصر وتاريخها وناسها، لينجز العديد من الإصدارات والأفلام والأغاني، كتبها إلى جانب تقديمه برامج إذاعية وتلفزيونية.
يؤكد لرصيف22 أن حلقات "وصفوا لي الصبر.. عن الكتابة وأهلها" كانت "حصصاً ثرية ومفيدة، علمتني الكثير وأجابت عن أسئلة عديدة كانت تراودني حول الكتابة وإشكالاتها".
الحلقات الـ5 التي عرضت من البرنامج أكدت مدى قوة الكتابة، التي قد تصبح أقوى من الكاتب نفسه كما يقول عمر طاهر، فما إن يباشر بها الروائي حتى تتولى هي زمام القيادة.
وما عليه سوى الحرص في صياغاته وسياقاته، عملاً بقول الكتاب الأمريكي ستيفن كينج الذي تخلل الحلقات "حينما تكتب أنت تزرع مع كل سطر شجرة، عليك عند الانتهاء من الكتابة أن تتأمل جيداً هذه الغابة التي حققتها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.