شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"روح هايما" التي توزع الدمى على الأطفال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 12 أبريل 201809:47 م

«دميتي صغيرة، دميتي جميلة، تغني أحلى الأنغام وترقص. الطفلة التي لا تملك دمية هي طبعاً طفلة حزينة. أما أنا فلدي الكثير من الدمى. تُرى ما الضرر الذي سيلحق بي إذا أعطيتها واحدة؟ لا ضرر نعم، ها أنا أعطيها واحدة. أنا سعيدة، ابتسمت، ظننت أنها ستهرب خائفة، لكنها ابتسمت، كانت أجمل ابتسامة وأرقها، لم أرَ في حياتي مثلها بهذه الرقة وهذا الجمال، لمَ لا نرعى الأطفال الفقراء؟ إنهم أطفال ويجب أن يعيشوا في الجنة مثل الآخرين. إنّهم دمى علينا تحريكهم في الحياة التي يستحقونها، إذا كنا نريد مستقبلاً باهراً للوطن فحركوا دُماكم واستخدموها بشكل صحيح».

[caption id="attachment_143273" align="alignnone" width="700"]هايما هايما[/caption]

هكذا عبرت هايما ابنة الـ12 سنة عن حلمها الصغير، وهو أن تملك كل طفلة دمية تتحدث إليها، وتلعب معها ، وتؤنسها في وحدتها كما تفعل دُماها التي تشاركها في كل حياتها.

بدأ حلمها هذا عندما طرحت على والدتها سؤالاً بريئاً، هو أيملك جميع الأطفال في العالم دمى كالدمى التي أملكها؟ وعلى الرغم من خوف الأم على شعور ابنتها، فقد أصرت على الإجابة بصدق، وأخبرتها بأن هناك الآلاف بل الملايين من الأطفال ليس في مصر فقط، بل في العالم أجمع، لا يملكون دمىً بسبب ظروف ذويهم المالية الصعبة التي تجعلهم غير قادرين على شراء الدمى لأطفالهم.

صدْقُ كلام الأم أبكى هايما، التي قررت أن تكتب ما كتبت. ولما قرأت الأم ما كتبته جعلت قلب ابنتها يُسَرُّ من خلال النزول وإياه إلى السوق وشراء مجموعة من الألعاب وتوزيعها على الأطفال غير القادرين.

خطاب_هايما لم يكد حلمها يتحقق بتوزيع دمى على الأطفال الذين لا يملكون أي دمية حتى توفيت هايما بعد مرض ألم بها فجأة عام 2016.

بعد عام و7 أشهر من وفاتها، حاولت الأم تخطي أحزانها، وأثناء تفقدها ألعاب هايما فوجئت برسالتها ابنتها التي كتبت فيها حلمها بأن تملك كل طفلة فقيرة في مصر دمية حتى لا تشعر بالحزن. 

هذه الرسالة حثّت الأم على تحقيق حلم ابنتها. فأطلقت حملة "دمية لكل طفلة"، التي أصبحت من أشهر الحملات في مصر، وهدفها الأول والأخير توزيع الدمى على الأطفال المحتاجين، فاشترت 10 ألاف دمية عام 2018 ووزعتها في مختلف محافظات مصر.

رصيف22 التقى والدة هايما، للتحدث عن ابنتها، وعن حملتها، وقد أصرت على التعريف بنفسها بـ "أم هايما" أو "تاتي" كما كانت ابنتها تطلق عليها، ولم ترِد أن تذكر اسمها، لأن ابنتها هي صاحبة الفكرة.

كما ترفض والدة هايما الحديث عن مرض ابنتها وتفاصيله وأسبابه "لأثره السلبي على نفسية المتطوعين"، بحسب وصفها، ومعظمهم من عائلة هايما وأصدقائها وأصدقاء شقيقتها.

وقد أكدت أمّ هايما، وهي سيدة شقراء في بداية العقد الرابع من عمرها، أن الانطلاق الفعلي لحملة "دمية لكل طفلة"، كان في يناير 2018 بهدف توزيع دمى جديدة على الأطفال الفقراء لإسعادهم، مشيرةً إلى أن الحملة لا تغطي القاهرة فقط، بل جميع المحافظات والقرى والنجوع. 27867378_159268441531320_1281862600543151733_n

من هي هايما؟

تقول الأم عن ابنتها: "كانت فتاة طيبة جداً تتبرع بمصروفها للجمعيات المختلفة، وكانت تحب عرائسها. سألتني مرة هل هناك بنات لا يملكن عرائس؟ فقلت لها نعم، فبكت كثيراً، وكتبت الكلام الذي هو شعار حملتنا: "دميتي"، والذي تحدث عن أهمية دميتها وكيف كانت تلعب معها. وهي كتبت الرسالة قبل رحيلها بـ3 أشهر».

وتوضح أنها أطلقت الحملة إرضاءً لروح ابنتها، وتساعدها فيها 10 فتيات أعمارهن متفاوتة، من بينهن ابنتها الكبرى هانيا التي تبلغ من العمر 21 سنة ومعها صديقاتها. 

دميتي صغيرة، دميتي جميلة، تغني أحلى الأنغام، كيف لطفلة ألّا تكون لها دمية ترقص وتغني؟
أطلقت الحملة إرضاءً لروح ابنتها، وتساعدها فيها حالياً 10 فتيات في أعمار متفاوتة

وبعد النجاح الذي حققته الحملة، وتطرق أكثر من قناة تلفزيونية مصرية وعربية إليها وإلى مدى تأثيرها في الشارع المصري، طلب الكثير من المصريين الانضمام للحملة من خلال التواصل على الصفحة الرسمية للحملة على فيسبوك. لكن تم تأجيل فكرة انضمام أي متطوع جديد إلا بعد توسيع نشاط الحملة.

شعور الأطفال

«كنا نرى الأطفال في منتهى السعادة عندما يحصلون على الدمى. كانوا يسرعون نحونا للحصول على الهدايا، خاصة لأنها ليست قديمة كالتي يحصلون عليها أحياناً من معظم الناس الذين لا يتبرعون إلا بالقديم، وهذا ما رفضناه في حملتنا"، تقول والدة هايما، مؤكدةً أن معظمهم صغار لا يستطيعون التعبير عن سعادتهم بالكلام، فكانت السعادة تظهر في عيونهم، وعيون آبائهم وأمهاتهم. 

29542377_179984982792999_4750490166083086986_n

وتذكر هنا قصة رجل عجوز ركض خلف سيارة الحملة في روض الفرج، وهو حي مصري قديم يقع في شمال محافظة القاهرة: "من أجل أن يحصل على دمية لحفيدته. وبما أن الحفيدة كانت نائمة، طلبنا منه إيقاظها لأننا لا نعطي الدمى إلا للأطفال، وبالفعل تملكت روح الشباب جسد العجوز وأسرع لإيقاظ حفيدته لتحصل على دمية لا يستطيع أن يشتريها لها. وبعد أن حصلت على الهدية سعدت جداً، وسعد الجد سعادة كبيرة كمن وجد كنزاً عظيماً، فقط لأنه استطاع رسم ابتسامة على وجه حفيدته الفقيرة".

انتقادات للحملة

واجهت الحملة انتقادات كثيرة بسبب توزيع الدمى على الأطفال بدل أن توزع أشياء قد تكون أكثر إفادة لهم، كالأكل والشرب والملابس، بحسب رأي المنتقدين، وهذا ما رفضه القائمون على الحملة الذين أصروا على توزيع الدمى لما تمثله من تأثير كبير في نفسية الأطفال الذين لا يفكرون في الأكل أو الشرب أو حتى اللبس، بل في شيء معيّن أكثر أهمية، قد يكون دمية يراوح سعرها بين 50 و80 جنيهاً، وهو ما لا يعيه كثير من الناس الذين يجهلون الأطفال وأهمية الاعتناء بهم نفسياً حتى يشبّوا بلا عقد نفسية، ويبدأ توزيع الدمى على الأطفال بعد شراء كمية منها وتغليفها، كل يوم جمعة كونه يوم إجازة لكل المتطوعين في لحملة.

29197274_175671719890992_5831305461743222784_n

 العقبات

العقبات من العقبات الصعبة التي واجهت الحملة، عدم إيجاد متبرعين لأنّهم غير مقتنعين بأهمية الدمية وقيمتها وتأثيرها الكبير في نفسية الطفل.

تقول عبير العراقي، رئيسة الاتحاد العالمي لحماية الطفولة، فرع مصر، إن الطفل الذي يعاني من ظروف مادية صعبة لا يحتاج إلى المال والطعام والملابس فقط، بل أيضاً إلى عملية تنمية لقدراته الفكرية من خلال الدمى، وخاصة التعليمية التي تساعده على التفكير، الذي يقوده إلى جلب الأموال بعدما يكبر لنفسه وأسرته.

28162136_159523751505789_2329258569545924321_o

29197148_175673413224156_2532115346794479616_o

واستغربت في حديثها لرصيف22 الهجوم على الحملات الداعمة للأطفال من خلال تعليمهم القراءة والكتابة، أو الموسيقى، مشيرةً إلى أن من يهاجمون مثل هذه الحملات لا يعرفون نفسية الأطفال، وما يساعدهم حقاً وما يضرهم. وأكدت أن الدمية التي يراها البعض بلا فائدة قد تكون سبباً في منع طفل من أن يكون متطرفاً عندما يكبر.

وترى والدة هايما أن أثر مشروعها لا يظهر على الطفل الذي يتم التبرع له بدمية، بل كذلك على الطفل الذي يتبرع أيضاً، إذ يكوّن هذا عنده إحساساً بالمسؤولية تجاه سكان مدينته، وإنْ كانوا خارج محيطه المباشر. وهذا السلوك هو من القيم التي يصعب أن يتعلمها الطفل من دون احتكاك مباشر بمجتمعه، وبفعل التبرع من خلال جمعيات وحسابات في مصارف لا تعلم الطفل شيئاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image