شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
عن فجوة في أجورهن واستغلال المصانع للنساء العاملات...

عن فجوة في أجورهن واستغلال المصانع للنساء العاملات...

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 12 مارس 201811:17 م
داخل حارة ضيقة في حي البصراوي بمنطقة إمبابة، شمال محافظة الجيزة، مصنع لصناعة العبايات الحريمي في الدور الأول من منزل سكني. يحتوي المصنع على 5 آلات خياطة، إضافة إلى مقص تقطيع. كل المسؤولين عنه من الرجال، أما النساء فلهنّ الأعمال اليدوية. مي محمود، 16 سنة، في الصف الثاني من الديبلوم التجاري، تعمل منذ أربع سنوات في هذا المصنع. تعمل مي في تطريز العبايات النسائية (استريس)، ومهمتها تطعيم القماش بقطع أكسسوار. وتستلزم القطعة الواحدة من ساعة إلى ساعتين عمل، في حد أقصى. تقول مي لرصيف22، أحصل على 600 جنيه (30 دولاراً تقريباً) مقابل تطريز 500 قطعة، نادراً ما يعمل في هذه الوظيفة رجال، لاعتبارات طول البال والتفرغ والراتب الضئيل. يسود اعتقاد بأن المرأة انخرطت في العمل بدافع الرفاهية، وترتب على ذلك إيمان أصحاب العمل بأنها تستحق راتباً أقل. وبدأ التمييز بين الذكور الإناث يتسع، من الأجور إلى الاستغلال.

الاستغلال مضاعف في المناطق المهمشة

تستغل النساء في المناطق المهملة والمهمشة لعدم إتاحة فرص بديلة، بحسب نورة جلال مؤسسة شركة "رافيه" لصناعة الملابس، حيث تقول: "شاهدت امرأة معيلة تطرز عبايات باليد وتحصل على كل قطعة جنيه". مهنة الإنتاج معظمها من النساء ودخلها زهيد، ولعل ما يبرر ذلك عدم استثمار صاحب العمل في تدريبهن. تقول جلال: "صاحب العمل يأتي بقاصرات أو سيدات معيلات يحصر كل واحدة في مرحلة واحدة، لأنه يعتقد أن المرأة إذا امتلكت أكثر من مهارة فسيتطلب ذلك زيادة في أجرها أو استقلالها بعمل مشابه في منزلها". تعاملَت جلال مع حالات عدة في مناطق مهمشة أو معدل دخل الفرد فيها ضعيف جدّاً، ووجدت أن النساء العاملات بغالبيتهنّ هن المعيلات سواء كان الزوج على قيد الحياة لا يعمل، أو ميت وهي تعيل الأطفال. تعمل المرأة في مثل هذه المصانع 6 أيام في الأسبوع ولها يوم إجازة بالاتفاق مع صاحب العمل و8 ساعات ثابتة ويمكن أن تصل إلى 12 ساعة إذا كان هناك ضغط، وتحاسب عليه، وتحصل على ساعة راحة على مدار اليوم. بحسب جلال فإن منهنّ يأكلن أثناء العمل وجبات صغيرة خفيفة، وأخريات يوفرن مصاريف الطعام. وترى أن "هناك وظائف عدة لا تحظى المرأة فيها بالتساوي مع الرجل سواء في التدريب أو في الأجر، وعلى الرغم من ذلك يأتي الدخل الثابت إلى المنزل من المرأة".

"هناك وظائف عدة لا تحظى المرأة فيها بالتساوي مع الرجل سواء في التدريب أو في الأجر، وعلى الرغم من ذلك يأتي الدخل الثابت إلى المنزل من المرأة"

تسعيرة واحدة في السوق

تمسك عفاف إبراهيم، في عقدها الرابع، عباءة سمراء في يدها اليسرى وفي اليمنى مقصّاً وهي تحدق في الأطراف لكي تعثر على بقية الخيوط الصغيرة، وهذه هي مهمتها التي تعرف بـ (التشطيب) في مصنع حنة بمنطقة الهرم، جنوب الجيزة. التحقت عفاف بالعمل في المصنع منذ أبريل 2016، وتعلمت حينذاك التشطيب في أيام قليلة، وكانت تتقاضى 500 جنيه، وبدأت التدرج في الوظيفة لتصل إلى عاملة (سنجر أو أوفر) ذات راتب أعلى نسبياً، وبالفعل بدأ صاحب العمل تدريبها على ماكنة الأوفر. تقول: "أهتم كثيراً بتعلم مهنة أخرى أملاً بزيادة الراتب، وكنت أجلس لساعة أو اثنتين بعد انتهاء الدوام حتى أتعلم مهارة جديدة". في شهر يونيو 2016، تعلّمت عفاف العمل على ماكنة الأوفر، لكنها تعرضت لتمييز في الأجور مع زملائها الرجال، فكانت تتقاضى 650 جنيهاً، في حين أن الرجال يحصل كل منهم على 2000 جنيه، فضلاً عن أن ساعات العمل ثابتة 12 ساعة، 6 أيام اسبوعياً.
"يحصر صاحب العمل الموظفة في مرحلة واحدة، لأنه يعتقد أنها إذا امتلكت مهارات عدة فستطلب زيادة أجرها
وظائف عدة لا تحظى المرأة فيها بالتساوي مع الرجل في التدريب أو الأجر رغم أنها المعيل الأساسي لأسرتها
يرى المجتمع أن الرجل يحصل على ضعف ما تحصل عليه المرأة في الميراث فيعمم الأمر في جميع مناحي الحياة
في خصوص الفجوة بين رواتب الجنسين، قالت منظمة العمل الدولية، أنه على الرغم من مصادقة 171 دولة عام 2015 على الاتفاقية الرقم 100 لعام 1951 بشأن "مساواة العمال والعاملات في الأجر عن عملٍ ذي قيمة متساوية"، إضافة إلى الاتفاقية الرقم 111 لعام 1958 بشأن «التمييز في الاستخدام والمهنة» التي صادقت عليها 172 دولة، ومصر من الدول التي صادقت على هاتين الاتفاقيتين، إلا أن التقدم المحرز نحو تحقيق المساواة بين الجنسين في العمل لا يزال غير كافٍ. وجدت عفاف التمييز في الأجور ذاته في أكثر من مصنع، وتقول: "تركت العمل وذهبت إلى مصنع آخر في المنطقة ذاتها، وطلبت من صاحب العمل أن أعمل على ماكنة الأوفر، لكنه قال أن الراتب سيكون 600 جنيه، و12 ساعة عمل، وبعد أشهر ربما يرتفع إلى 800، الأمر الذي جعلني أعود إلى المصنع القديم". INSIDE_WomenFacotryEgypt2   الآن، تتقاضى عفاف 850 جنيهاً (40 دولاراً تقريباً) وعلى الرغم من قلة المبلغ بالنسبة إلى ارتفاع الأسعار، إلا أن علامات الرضا تظهر على وجهها مع ابتسامة بسيطة وهي تتحدث. تقول عن الراتب الضعيف: "آهي حاجة تسند، وأنا كدة كدة قاعدة في البيت، أحاول استغلال وقتي في وظيفة". فريدة عمر، باحثة اجتماعية في جمعية المرأة والمجتمع، تقول أن المرأة في سوق العمل تبدأ بوظائف الإنتاج، بخاصة في السوق غير المنظمة، ولها «تسعيرة» حد أقصى للراتب، متفق عليه في غالبية المصانع والمشاغل، ولعدم وجود بديل مناسب أمامها يسهل على رب العمل استغلالها. وتضيف: "تفكر العاملة في ترك مكان عملها، لكنها ستجد الأجر نفسه وربما أسلوب تعامل مماثلاً أو أسوأ في مكان آخر، لذلك تستسلم للأمر الواقع خوفاً من ضياع هذا الراتب الضئيل". "اتجهت إلى العمالة في المصنع لقربه من منزلي ولوجود دخل ثابت كل شهر، يحمي الأولاد إذا حدث أي شيء"، تقول عفاف. INSIDE_WomenFacotryEgypt

حصر في وظيفة واحدة

في مصانع الملابس، تحصر النساء في نطاق التشطيب (قص بقايا الخيوط من الملابس) ومن ثم، إذا أثبتن كفاءة في العمل ورغبة في تعلم الخياطة أو التطريز على آلة ما، تحصل إحداهن على 500 إلى 700 جنيه في الشهر، بينما يحصل الرجل على المبلغ نفسه في الأسبوع. تقول نورة أن العاملات بغالبيتهن لا يحصلن على فرصة للتدرج الوظيفي، "في العادة تُستغل فتيات صغيرات تسرّبن من المدارس، وتتقاضى الواحدة منهنّ مبلغ 500 جنيه (25 دولاراً تقريباً) في الشهر". عملت جلال في مبادرة مجتمع مدني تحت اسم "علمني 175" معنية بتمكين المرأة اقتصادياً وتعليمها حرفة ومهارة تستطيع بها الحصول على عمل. "علمنا 40 امراة تقريباً، كنّ جميعهن من المعيلات، والبيت كله قائم على مرتباتهن".

مشكلة أخرى: الأجر المجزأ

نتيجة أخرى للتمييز في الأجور، حيث تعاني العاملات للحصول على الراتب، تقول مي أنها لا تحصل على المبلغ بشكل كامل في نهاية الشهر، فصاحب العمل يتعامل معهن بتجزئة أجورهن أسبوعياً وترك ما يقرب من 30% منها معه للشهر المقبل، حتى يضمن أنهن لن يتركن العمل.

صاحب العمل يتعامل معهن بتجزئة أجورهن أسبوعياً وترك ما يقرب من 30% منها معه للشهر المقبل، حتى يضمن أنهن لن يتركن العمل

إلا أنها تبرر أفعال صاحب العمل بحجّة أنه إذا ساوى في طريقة الدفع بين النساء والرجال، فلن يستمر عمله. "السيدات يعملن أكثر من الرجال، وإذا دفع لهن المبلغ بشكل كامل ربما ينفد ما لديه من موازنة، هيشتغل زاي ويجيب مواد وبضاعة منين؟"، تضيف لرصيف22. فيما تقول عفاف: "أحصل على الراتب نصفين، وأحياناً يقسّم على ثلاث دفعات  شهرياً. في أول الشهر أحصل على 400 جنيه تقريباً أشترِي خزين الطعام، وأدفع 60 جنيهاً أجرة المنزل، وأشتري فاكهة يفضلها أبنائي". تعد الفجوة في الرواتب أكثر إيلاماً عندما تكون المرأة هي المسؤولة الوحيدة عن إعالة أسرتها، وهو وضع عفاف، فهي من النساء المعيلات، على الرغم من وجود زوجها، وذلك لقيامها بالدورين الاجتماعيين الزوج والزوجة، فهي تتحمل الأعباء المالية وتربية الأطفال. "زوجي لا يعمل، أو يمكن القول أنه يعمل يوماً ويتعطّل عشرة، لذلك لا يمكن الاعتماد على وظيفته"، تقول لرصيف22.

وظيفة في مهب الريح

عمل مثل التشطيب يحتاج إلى التحديق المستمر لساعات كثيرة، ما يرهق النظر ومن ثم يضعفه، وهو ما يظهر عند غالبية زميلات عفاف في المصنع، عيوناً ذابلة وجوهاً شاحبة، إلا أنهن لا يعلمن أن من الضروري المتابعة عند طبيب عيون كل فترة، للتعرف إلى حالة عيونهن التي يظهر عليها الإجهاد نتيجة عمل من 9 إلى 12 ساعة يومياً. العقود معضلة العمل في غالبية الوظائف داخل مصر، فمن جهة يرفض صاحب العمل، بوجه عام، إبرام عقود مع الموظفين حتى لا يتحمل أعباء مالية كالتأمين الصحي والاجتماعي، كذلك الالتزام بقانون العمل في الإجازات وساعات العمل الرسمية وساعات الراحة، وحتى يسهل عليه فصل العامل/ العاملة تعسفاً من دون إعطائه/ إعطائها حقوقاً. تقول نورة جلال لرصيف22: "إن العاملات في المصانع غير المنظمة، يجعلهن يهتممن بالحصول على وظيفة ويفرحن بوجود عائد، ولو بسيطاً، لسد حتاجات المنزل، إلا أن ذلك لا يضعهن تحت مظلة الحماية القانونية أو يدخلهن في التأمين الاجتماعي أو التأمين الصحي". وتتابع: "يستغل أرباب العمل جهلهن، ويقول أن العقد والتأمين سيخصمان من رواتبهن، ويدعي أنه يخاف على مصلحتهن، إلا أنه يرفض تحرير عقد كي لا يخضع لقوانين الضرائب".

الرضوخ للتميز لتحمل المسؤولية

ترى عايدة نور الدين، رئيسة مجلس إدارة جمعية المرأة والتنمية، أن النساء أكثر حرصاً على بقاء الأسرة في حالة استقرار مادي (ولو بشكل نسبي)، لذا يتحملن ظروف العمل، فضلاً عن عدم وعيهن بحقوقهن القانونية. فيما تقول الباحثة الاجتماعية في جمعية المرأة والمجتمع، لرصيف22: "إن المرأة تقبل هذا الوضع لأنها أكثر مسؤولية من الرجل في، فمن دافع المسؤولية تتحمل هذا الوضع وتقبل به حتى تكفي حاجات بيتها". تضيف نور الدين أن قانون العمل يتحدث دائماً عن الوظائف الحكومية أو في القطاع الخاص، لكن هناك وظائف لا تندرج تحت هذين النوعين، فما وضعها؟ تقول: "إن العاملات في المصانع، في الاقتصاد غير المنظم، يتعرضن لعنف متعدد الجهة ومضاعف، وذلك لعدم وجود رقابة أو قوانين تحميهن، ويصل الأمر أحياناً إلى صمتهن على انتهاكات جنسية من زملائهن أو من صاحب العمل".

العاملات في المصانع، في الاقتصاد غير المنظم، يتعرضن لعنف متعدد الجهة ومضاعف، وذلك لعدم وجود رقابة أو قوانين تحميهن، ويصل الأمر أحياناً إلى صمتهن على انتهاكات جنسية من زملائهن أو من صاحب العمل

عملت نور الدين على أبحاث ودراسات اجتماعية بالشراكة مع مؤسسة المرأة الجديدة، ومنها بحث (النساء في المصانع الاستثمارية) عام 2008، على عينة مصانع في الإسكندرية، وخلصت إلى  ثلاثة تحديات تواجه المرأة العاملة. تقول لرصيف22: "أولها، تتقاضى المرأة في الوظائف المختلفة داخل المصانع راتباً أقل من راتب الرجل بنسبة تصل إلى 50 في المئة، ويتحجج أصحاب المصانع بأنها (هي مشغولة ببيتها وأولادها وعشان كدة مش هينفع نرفع مرتبها) على الرغم من كفاءتها والتزامها بالعمل". ثانيها، إن 40 في المئة من نساء مصر معيلات، فضلاً عن افتقاد غالبيتهن مهارات العمل، لذا هن في أشد الحاجة إلى وظائف بأي أجر، ما يسمح لصاحب العمل باستغلالهن، ويضع 20 أمراة تقريباً في غرفة 3 ×3 متر. وأخيراً، الثقافة الذكورية التي تربى عليها الغالبية منذ الصغر تفيد بأن الرجل يحصل على ضعف ما تحصل عليه المرأة في الميراث (في الشريعة الإسلامية) لذلك، يجب تعميم الأمر في جميع مناحي الحياة، وأن الرجل مكانه العمل والمرأة البيت، وإذا خرجت المرأة للعمل فهذا وضع شاذ، لا تستحق عليه راتباً مساوياً لراتب الرجل. وترى عمر أن الحل للتخلص من استغلال أصحاب العمل لن يتحقق إلا عبر سن قوانين، وفرض غرامات كبيرة عليهم، إضافة إلى توعية العاملات بحقوقهن وتعليمهن حرفة يدوية وحثهن حتى يتحقق لهن التمكين الاقتصادي. لا يزال التمييز السلبي بين الجنسيين في العمل مشكلة مستعصية على الحل مجتمعياً، وهو مُجرّم قانونياً، في ظل غياب حكومي وجهل حقوقي.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image