في مثل هذه الليلة من كل عام، وفيما يحتفل الناس بعيد الحب، لا عجب إذا مررتم بشوارع مصر ورأيتم اللون الأحمر يحتل كل التفاصيل، فهنا يرفع الشباب الدباديب الحمراء، وعلى الجانب الآخر تحمل الفتيات الهدايا المغلفة باللون الأحمر، وهنالك أيضاً من يتسلح بالحيل للهروب من شراء الهدية، رافعاً شعار "عض قلبي ولا تعض رغيفي".
ما يشغل البعض في هذا العيد هو كيفية الحفاظ على الحبيب من دون أن يضطروا لدفع المال في ظل ارتفاع أسعار الهدايا، كنتيجة طبيعية لقرار تعويم الجنيه المصري، والاعتماد على هدايا مستوردة من الصين، وتحت مظلة قناعة تامة بأن الهدايا ليست المقياس الأول للتعبير عن الحب.
بحثنا عن شباب من مختلف الأعمار لنسألهم عن الحيل التي يستخدمونها للتهرب من هدية عيد الحب، مع الأخذ بعين الاعتبار أنهم بالإجمال لا ينتظرون هدية من الحبيبة، بل يرون أن من واجبهم هم أن يقدموا لها هدية ووردة.
الحاجة أم الاختراع
تقول مي عادلي، أستاذة الرياضيات للمرحلة الإعدادية: "رغم الهدايا الكثيرة التي أحضرتها لخطيبي في الفترات السابقة، فقد طلبت منه ألا يُقدم لي أي هدية لحين زفافنا، خصوصاً أنه يرعى الأسرة كلها بعد وفاة والده، وأنا لا أريد أن أكون حملاً زائداً عليه. تكفي الهدايا التي أحضرها لي خلتل ارتباطنا". قد يُثمن البعض عقلانية مي ويضعها كنموذج متفرد لفتاة واقعية ترفض الانسياق وراء المظاهر، لكن ثمة فتيات يرفضن هذا الطرح معللات موقفهن بأن الهدية حتى وإن كانت "وردة" أو ورقة مدون عليها أبسط عبارات الحب، فهي مهمة وضرورية في هذا العيد. من هؤلاء، رانيا عبد الرؤوف الموظفة بشركة لتجارة الأوراق. تقول: "فسخت خطبتي بسبب بخل خطيبي. في كل مناسبة كان يتهرب من الهدية بحجة ما، وعندما طلبت منه أن يحضر لي هدية في عيد الحب، قال إنه لا يؤمن بهذا الكلام الفارغ، وإنه يوفر أمواله من أجل بناء بيتنا ومستقبل أطفالنا". وتضيف: "يعني هو مستقبلنا ومستقبل ولادنا كان هيضيع عشان وردة بـ5 جنيهات؟". نوع آخر من "الحرص" كما يسميه صاحبه يتجسد في "أ ـ ن"، طالب بكلية حسابات ومعلومات، رفض ذكر اسمه كاملاً، خوفاً من كشف خطته للهروب في هذا اليوم، قال: "هذا أول عيد حب يمر علي منذ ارتباطنا قبل حوالى ثلاثة أشهر. ولأن الظروف صعبة قررت تقديم واحدة من الهدايا الكثيرة المركونة عندي في البيت، فأنا أمتلك الكثير من الدباديب التي جاءتني في عيد ميلاي قبل نحو خمسة أشهر. آمل أن لا تُكشف الخطة وينتهي ارتباطنا". لا تنتهي الحيل عند هذا الحد، فهناك عبد الرحمن غازي، تاجر، الذي قرر أن يضرب عصفورين بحجر واحد. يقول: "أمي مريضة وهذا سبب كافٍ لعدم تقديم هدية. صحيح أني أحب البنت المرتبط بها، لكن الهدايا غالية وأغلب التجار ينتهزون الفرصة لرفع الأسعار. وبما أن أسعار الدباديب مرتفعة فكرت أن أضرب عصفورين بحجر واحد. اشتري هدية تنفعنا بعد الزواج".لطلاب الجامعات في هذه المناسبة نصيب الأسد
فقد أحضر كل من محمد ووائل وسامي من كلية الهندسة بجامعة القاهرة هدية لحبيبته، فيما هرب أحمد ومحمود وتامر ومؤمن من تقديم الهدايا بأساليب قديمة خلعوا عليها ثوباً حداثياً لإخفاء معالمها أو على أقل تقدير لعدم كشفها أمام الطرف الأخر. يقول أحمد نجيب، طالب كلية الحقوق: "أقنعتها بأن الحب لا عيد له، وأننا لا يجوز أن نقلد الأخرين الذين يهرعون في مثل هذا اليوم إلى محلات الهدايا لشراء الدباديب. فاقتنعت". أما محمود الرمادي، طالب كلية التجارة، فقد استفاد من "إفيه" قديم لعلاء ولي الدين في فيلم "الناظر" حين قرر أن يهرب من "علقة ساخنة" بادعاء المرض والموت. يقول: "أسعار الهدايا كل يوم بتزيد. وأنا بصراحة لسه بعتمد على المصروف اللي باخده من أبوي، يبقى الحل أني "أعمل نفسي ميت"، علشان كده قلت لها أنا تعبان ومقدرتش أنزل أشتري هدية، وكفاية علي أوي أن عيد ميلادها الشهر الجاي". "التلكيك" كلمة مصرية تعني افتعال الأزمات بناء على أتفه الأسباب للهروب من موقف ما، وهو ما يتجسد حرفياً في موقف تامر محمود، طالب كلية التربية الرياضية بجامعة بنها، يقول: منذ أسبوع افتعلت مشكلة بسبب تأخير صديقتي في الرد على الهاتف، ورغم أن الموقف عادي أصررت على افتعال مشكلة، وهكذا لن تتذكر عيد الحب أو هديته". لكنك قد تحتاج وقتها لهدية أكبر لإتمام الصلح؟ يجيب بضحكة عالية: "لا طبعاً، لأن هي اللي زعلتني، يعني هي اللي هتجيب هدية مش أنا". أما مؤمن فكري، طالب بمعهد الخدمة الاجتماعية بمحافظة كفر الشيخ شمال القاهرة، فقد تجاوز حدود تلك الحيل وحدود محافظته، حيث أخبر حبيبته كذباً، بأنه سيسافر مع أصدقائه هذا الأسبوع إلى الأقصر، جنوب مصر، كونه يمر بحالة من الاكتئاب والضيق، ولن يعود إلا بداية الأسبوع المقبل، هكذا لن يكون للهدية معنى، بحسب وصفه.هذا عن العازبين، فماذا عن المتزوجين؟
يجيب علي خليفة، 62 سنة، موظف متقاعد: "آخر عيد حب احتفلنا به كان من عشرين سنة، أما الآن فأصبح لدينا أولويات أهم، فأبناؤنا على وشك الزواج وأسعار الأجهزة الكهربائية التي يحتاجونها ارتفعت بشكل جنوني خلال الفترة الماضية. مساعدتهم أهم من هدايا الحب". لا يختلف الأمر كثيراً مع الشباب الذين عرفوا الطريق إلى المأذون مبكراً، ومنهم محمد صالح ، 36 سنة، مهندس زراعي، الذي علق على هدايا عيد الحب: "أنا متزوج منذ 16 عاماً، ولدينا 3 أبناء، وأقساط المدارس تجعلني أمشي وأكلم نفسي في الشارع. وبما أن زوجتي شريكتي في الكفاح وعلى دراية بالحال، لن تطلب هدية في مثل هذا اليوم".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...