فريق يراه ترفاً وانتهاكاً لحرمة الموت، وفريق آخر ينتظره كي يسرق من الزمن بضع ساعات فرِحة تفصله عن الهموم اليومية، التي يعانيها أهالي العاصمة السورية دمشق للعام السادس على التوالي. إنه عيد الحب.
"في الأعوام الماضية كنا نتجنب مظاهر الفرح والاحتفال أياً كانت المناسبة، إذ لا تخلو عائلة سورية من مأساة أو اعتقال أحد أفرادها أو تهجير أقرباء أو فقدان أحبة. بعد ستة أعوام من الكبت بدأتُ أشعر وكأن العمر يهرب منا، لذا قررت أنا وزوجي الاحتفال بعيد الحب على طريقتنا"، هذا ما قالته راما أيوب لرصيف22.
لم تكتفِ راما بمجرد الاحتفال وتبادل الهدايا والعشاء خارجاً، بل قررت وزوجها أن ينثرا المحبة على كل من لم يلتقِ نصفه الآخر بعد أو على أولئك الذين فرقتهم ظروف الحرب.
تشرح راما الطريقة التي ستنشر فيها الحب بين الناس: "قررنا توزيع الورود الحمراء على كل شخص يسير منفرداً, حيث نقيم في شارع يقع في منطقة باب توما، تحديداً في الحي المعروف عنه أنه حي العشاق".
تهدف الشابة الدمشقية من هذه الفكرة إلى أن ترسم ابتسامة على وجوه العازبين وتذكرهم أن هناك من يحبهم أيضاً، تقول: "كلنا بحاجة إلى الحب وخاصة في حربنا هذه، فنحن لا نقوى على الاستمرار في ظل الأزمات المتتالية دون مشاعر الحب، التي هي الدافع الوحيد لي ولزوجي على الصمود وانتظار المستقبل".
نظرة إيجابية
راما ليست الوحيدة التي ترى في عيد الحب فرصة للفرح، بل هو كذلك للشاب العشريني بلال الصقال الذي سئم النظر إلى اللون الأحمر على أنه رمز للدم والمأساة.
"لطالما كنا نعدّ اللون الأحمر رمزاً للحب. نعم هو لون الدم، لكن لماذا لا ننظر إليه باعتباره لون الدم المتدفق في قلوب العشاق" يقول بلال.
سعر الوردة الحمراء في سوريا اليوم نحو 12$، في حين أن متوسط دخل الفرد لا يتعدى 116$، أي ما يعادل 10 وردات
جرة للغاز هدية، وإيصال دفع لصهريج مياه... المضحك المبكي في عيد الحب في سوريا
لا ينكر بلال قسوة المأساة التي يعانيها سكان المدينة، لكن فرحته برؤية اللون الأحمر يغطي شوارعها في الأيام الثلاثة الأخيرة لا تقدر بثمن، "إذ لا بد لنا من أن نخلق وسط الحرب مساحة للحب، فشعبنا يستنشق الموت صباحاً ومساء وأينما كان، لذا فلنستغل هذا اليوم ونشرب من كأس الحب لعله يجبر قلوبنا المنكسرة".
المضحك المبكي
في ظل الظروف المادية الصعبة، فَضَّلَ البعض تبادل هدايا تسد حاجاتهم الأساسية من الطعام أو المياه أو المحروقات حسب قول السيد أحمد الشاعر، صاحب محل للهدايا في سوق "الشعلان". قال أحمد: "هذه ليست دعابة، فضيق ذات اليد لدى البعض لم يمنعهم من تبادل الهدايا. أحدهم أتاني بإيصال دفع لصهريج مياه كي أغلفه بطريقة جذابة ليقدمه هدية لزوجته، وعندما سألته عن سبب هذه الهدية رد بأن جل اهتمام زوجته اليوم هو أن تجد مياهاً صالحة للاستخدام".كذلك أتاه زبون آخر بجرة غاز ليطليها باللون الأحمر ويزينها ببعض الأزهار لتكون هديته لزوجته.
فرصة للتنافس
في حين يضغط البعض على أنفسهم كي يوفروا مبلغاً من المال ليشتروا به هدية في عيد العشاق، نظراً للغلاء الشديد الذي تشهده السلع، يتنافس البعض الآخر في شراء الهدايا التي وصلت إلى أسعار مبالغ فيها في بعض الحالات.
وتناقلت مواقع التواصل الإجتماعي صوراً لسيارات ملفوفة على شكل هدية ومزينة بالورود والدمى الحمراء استعداداً ليقدمها أحدهم لحبيبته في هذا اليوم.
ومن الصور البارزة أيضاً تلك التي نشرها محل "لوروس" لتنسيق الأزهار على صفحته، وهي لباقة ضخمة ثمنها مليونا ليرة سورية أي ما يعادل 4000 دولار أمريكي.
خير الأمور أوسطها
ويعلق الاختصاصي النفسي محمد بركات على الاحتفال بعيد الحب والمبالغة في الهداية المتبادلة، بالقول: "من الجميل جداً أن تتمكن الناس من نسيان همومها ومشاكلها في دمشق ولو ليوم واحد، لكن ما يتناقلونه على مواقع التواصل من صور للهدايا الباهظة الثمن، هو أبعد ما يكون عن الحب".
ويتابع بركات: "لا يحق لأحد أن يصادر حرية الناس بالاحتفال بعيد الحب وشراء الهدايا، لكن تلك المبالغات قد تشكل ردة فعل سلبية وحالة من عدم الرضا عند الفتيات والنساء اللواتي لم يحصلن على هدايا مماثلة على أقل تقدير، عدا أنها ستخلق حالة من عدم الثقة بالنفس لدى الرجال عندما لا يتمكنون من تقديم أشياء باهظة الثمن لحبيباتهم وزوجاتهم، الأمر الذي يفقد عيد الحب معناه".
موسم للرزق
يتحدث السيد هيثم منصور وهو صاحب محل للأزهار في سوق "الشيخ سعد" عن عيد الحب: "هو موسم تجاري ليس إلا. بغض النظر عن المعنى الذي يريده الكثيرون من عيد الحب، فإنه يعني لي في المرتبة الأولى تجارياً لأنه يوسع مورد رزقي. فمع ارتفاع سعر الدولار وتحوّل الحياة في دمشق إلى جحيم، أصبحنا نعاني الأمرين في سبيل تحصيل قوتنا اليومي، ولعل تزايد الطلبات على الورود في هذا اليوم يسهم في زيادة المبيعات وسط ركودها باقي أيام السنة".
وعن الحركة الشرائية في السوق يقول السيد هيثم: "نظراً لتردي الأوضاع الاقتصادية وغياب الأفراح والمناسبات إلى ما دون الربع عما كانت عليه قبل الحرب، فإن الحركة الشرائية في ركود مستمر، ولم يعد هناك طلب على الورود كالسابق، حتى إننا أصبحنا نجلب الأزهار عند الطلب. فالناس تفكر في لقمة عيشها أولاً".
أما عن الأسعار فقال السيد هيثم: "سابقاً كان سعر الوردة الحمراء "الجورية" 250 ليرة سورية (دولار واحد)، أما اليوم فهو نحو 2500 ليرة (12 دولاراً)، في حين أن متوسط دخل الفرد في سوريا هو 25.000 ليرة (116 دولاراً) أي ما يعادل ثمن 10 وردات".
فكاهة السوريين
ولا يخلو أي حدث في سوريا من جانب فكاهي، فمع اقتراب عيد الحب أطلق نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك حملة ساخرة تحت شعار #الموت_للدبدوب_الأحمر. قالت الناشطة الإعلامية زينة السلقيني: "الحملة محاولة لزرع الابتسامة على وجوه "السينغلز" الذين لم يجدوا حب حياتهم بعد، وذلك من خلال تفعيل هاشتاج الموت للدبدوب الأحمر لإفساد فرحة العشاق في عيدهم والقضاء على الدببة الحمراء في الأسواق على اعتبار أن الدب بات الرمز الأبرز لعيد الحب".
وأضافت زينة: "سرعان ما لقيت الحملة رواجاً كبيراً، عندما بدأت مظاهر الإسراف والمبالغة في قيمة الهدايا بالانتشار في الأسواق وعلى مواقع التواصل، لا سيما بالنسبة إلى الدببة الحمراء، وقد وصل ارتفاع أحدها عند أحد الباعة إلى مترين ونصف المتر وثمنه 200.000 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 400 دولار أمريكي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع