أراد صناع فيلم "ديكور" (فيلم مصري إنتاج 2014) أن يجعلوا البطلة الرئيسية مها التي تعشق مشاهدة الأفلام القديمة (تجسد دورها الممثلة حورية فرغلي) أن تشبه في الملابس التي ترتديها، طريقة كلامها، وحتى ملامحها نجمات السينما المصرية في الخمسينيات والستينيات.
يحكي الفيلم عن مهندسة ديكور ترفض الحاضر المصري، وترى أنه أصبح قبيحاً وتتمنى لو يعود بها الزمن إلى الماضي حين كانت الحياة أكثر رقياً، عندما كان المصريون يستخدمون لهجة جميلة في حواراتهم اليومية.
في أحد مشاهد الفيلم، نجد البطلة تسمع مصادفة في شاشة إحدى القنوات التي تعرض أغاني شعبية، أغنية على رمش عيونها التي غناها وديع الصافي عام 1970، ولكن بتوزيع جديد وبصوت المطرب الشعبي حمادة الليثي، وهو يقوم بحركات تتشابه وتلك التي يقوم بها سكان في المناطق الشعبية وتتمايل معه راقصة بحركات مثيرة.
طوال حوادث فيلم ديكور، كانت البطلة تبتسم حين تستمع لحوار أبطال الأفلام القديمة، حين كانت اللهجة العامية التي يستخدمونها تعبر عن حالة من الرقي لم تعد موجودة في العصر الحالي، اختفت جمل مثل "نهارك سعيد يا هانم" "ممنون يا أفندم" وحلت بدلاً منها جمل وكلمات جديدة يصفها مهتمون باللغة وتطورها بالقبيحة.
"حين تنحدر الدول، ينحدر فنها، أدبها، ولغتها أيضاً". هكذا، يرى إبراهيم أمين الباحث في قسم الدراسات الأدبية واللغوية بمعهد الدراسات والبحوث العربية، والذي يفضل استخدام لغة لوصف العامية المصرية، "هي لغة مستقلة بذاتها وأكبر بكثير من مجرد لهجة" وفق قوله.
INSIDE_EgyptianLanguage2
يرى أمين أن سبب تراجع اللهجة المصرية هو تراجع مصر نفسها في جميع المجالات تقريباً. في الماضي، كنت إذا طلبت من شخص ما مثلاً أن يصف لك حلاوة أكلة معينة يفضلها، فقد يقول لك أنها تشبه في جمالها صوت أم كلثوم أو ليلى مراد، لكن اليوم يستخدم كثر من المصريين تعبيرات من عالم المخدرات حين يصفون أمراً جميلاً.
INSIDE_EgyptianLanguage3
INSIDE_EgyptianLanguage

تراجع العامية المصرية في العالم العربي ليس هو كل شيء فهناك تراجع آخر حدث لتلك اللهجة الغنية، داخل مصر نفسها، حيث انحدرت بمعانيها الراقية لمصلحة تعبيرات وكلمات جديدة ليست في المستوى نفسه
كلمات مصرية كثيرة في العصر الحالي جذورها قبطية ومصرية قديمة، مثل كلمة "لمض" التي تستخدم بكثرة لوصف الشخص المجادلبحسب الباحث، فإن اللهجة المصرية كانت مؤثرة وقوية لأن السينما والإعلام في الماضي كانا مؤثرين، لكنهما حالياً تراجعا لمصلحة أفلام وأعمال فنية بلهجات أخرى منها السورية. "الأطفال المصريون يتابعون حالياً قنوات الأطفال الخليجية، بسبب عدم وجود قنوات مصرية رسمية موجهة للأطفال"، يقول أمين.
عن صعود العامية المصرية وهبوطها
قصة صعود اللهجة المصرية وهبوطها لفتت انتباه الإيكونوميست البريطانية، والتي خلصت في تقرير حديث لها إلى أن العامية المصرية بدأت تتراجع بشكل لافت، بعدما كانت لسنوات صوت العرب، بحسب وصف المجلة. أعطى تقرير الإيكونوميست الذي حمل عنوان "قصة صعود اللهجة العامية المصرية وهبوطها" لمحة سياسية للأمر، معتبراً أن تراجع اللهجة المصرية يأتي بسبب تراجع الدور المصري بشكل عام في المنطقة. يذكرنا التقرير بأن العالم العربي تأثر باللهجة المصرية منذ أربعينيات القرن الماضي، حين بدأت السينما المصرية تفرض نفسها على الساحة، وأثرت في العرب كافة، واستطاع نجوم السينما نجماتها جعل الجماهير العربية تبكي وتضحك. كانت الأغاني المصرية وقتذاك في القمة، وأثر صوت أم كلثوم في ملايين العرب، كانت خطب الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر التي كانت تبث في إذاعة صوت العرب (مقرها القاهرة) وحدها القادرة على إشعال حماسة العرب.
العامية المصرية تخوض حرباً ضد محاولات محوها
تراجع العامية المصرية في العالم العربي الذي أشار إليه تقرير الإيكونوميست، ليس هو كل شيء، فهناك تراجع آخر حدث لتلك اللهجة الغنية، داخل مصر نفسها، حيث انحدرت بمعانيها الراقية لمصلحة تعبيرات وكلمات جديدة ليست في المستوى نفسه لرقي تلك التي اعتدنا سماعها في الأفلام القديمة. أفلام تجارية هابطة، أغاني مهرجانات تبحث عن تعبيرات غريبة لجذب الناس، وانتشار أشكال درامية مختلفة بلهجات أخرى، معظمها سوري وخليجي، كل ذلك هدد اللهجة المصرية وجعلها ترجع إلى الخلف. بحسب الباحث المصري أنطون ميلاد، فإن اللغة أقرب إلى كائن حي متغير، تعبر عن هويات الشعوب ومدى نهضتها أو انحطاطها. أنجز ميلاد أول دراسة بحثية وصفية تتناول اللغة التي نطق بها المصريون في حواراتهم اليومية منذ بداية تاريخهم. الدراسة نشرت كاملة في كتاب مطبوع حمل عنوان اللهجة المصرية الحديثة، تناول بالتفصيل الأصوات والقواعد والكلمات ودلالتها على مر التاريخ المصري. حاول الباحث في دراسته، أن يوضح أن للهجة المصرية في حد ذاتها، قواعدها، وكلماتها، وأن هناك اختلافاً بينها وبين اللغة العربية الفصحى، والقبطية المشتقة من الأحرف اليونانية، معرفاً المصريين بحقيقة أن لغتهم مثل أي لغة على الأرض تعبر عن مراحل تطور البلد أو انحداره. يوثق الباحث لمراحل عدة من تاريخ اللغة، منها الفترة التي كان فيها المقدونيون في مصر. وقتذاك أصبحت اليونانية لغة مصر الرسمية، لكن المصريين رفضوا ذلك وكتبوا مؤلفاتهم ودواوينهم بلغة عربية، وبمرور الوقت ظهرت في الشارع المصري لهجة جديدة هي خليط من العربية والقبطية. ترى الدراسة أن اللغة وظيفتها تسهيل تواصل الشعوب، والتعبير عن أفكارها ومشاعرها، بالتالي يجب ألّا تكون لها قواعد ثابتة، لأنها كائن يتطور ما دامت حاجات البشر تتطور. توثق الدراسة لأهم اللهجات المصرية ومنها لهجة أهل القاهرة، لهجات الدلتا، لهجة الإسكندرية، لهجة أهل سيناء ولهجات الصعيد، وغيرها من اللهجات المنتشرة في مصر. أظهرت الدراسة أن كلمات مصرية كثيرة في العصر الحالي جذورها قبطية ومصرية قديمة، مثل كلمة "لمض" التي تستخدم بكثرة لوصف الشخص المجادل. لكن الباحث يحذر من أن هناك حرباً حقيقية تخوضها اللهجة المصرية في محاولة منها للبقاء، لافتاً إلى أن هناك محاولات لخلجنة اللهجة المصرية.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوميخلقون الحاجة ثم يساعدون لتلبيتها فتبدأ دائرة التبعية
Line Itani -
منذ يومينشو مهم نقرا هيك قصص تلغي قيادات المجتمع ـ وكأن فيه يفوت الأوان عالحب
jessika valentine -
منذ أسبوعSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع