حين سألته وكالة الوقت الإيرانية عن مستقبل القدس، أجاب: "القدس الشريف ستتحرر بإذن الله كما قال مرشد الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخامنئي". المجيب ليس قيادياً في الحرس الثوري ولا في حزب الله اللبناني. إنه الشيخ هشام سالم، الأمين العام لـ"حركة الصابرين نصراً لفلسطين" (حصن)، وهي حركة يعتبرها كثيرون ذراعاً إيرانياً خالصاً في قطاع غزة.
خرج اسم حركة الصابرين إلى الأضواء مجدداً مع آخر تحديث أجرته وزارة الخارجية الأميركية لقائمتها التي تضم أفراداً وكيانات تتهمهم واشنطن بدعم الإرهاب الدولي، والذي أضافت فيه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية وحركتي "سواعد مصر" (حسم) و"لواء الثورة" المصريتين وحركة الصابرين الفلسطينية.
وأشارت الوزارة إلى أن الحركة الفلسطينية هي "مجموعة إرهابية مدعومة من إيران وتأسست عام 2014"، و"تنتهج أجندة مناهضة للولايات المتحدة"، وهو ما اعتبرته الحركة "وسام شرف على صدرنا وعلامة فارقة في مسيرتنا المقاومة".
تشابه كبير مع حزب الله
التشابه بين حركة الصابرين وحزب الله كبير جداً ولا يقتصر على شعارها الذي ينسخ تصميم شعار الحزب اللبناني. تبدأ الوثيقة التي تشرح "الرؤية الفكرية الجهادية" لحركة الصابرين بالبسملة والحمدلة والشكر ونقرأ فيها: "الصلاة والسلام على رسول الله... وعلى آل بيته المطهرين وعلى أصحابه المنتجبين"، ما يذكّر ببدايات خطب أمين عام حزب الله حسن نصر الله التي تتضمّن الصلاة والسلام على الرسول "وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الأخيار المنتجبين". و"المنتجبون" هو نعت شيعي لبعض الصحابة الذين يجلّونهم والقصد منه استثناء أولئك الذين استولوا على حق علي بن أبي طالب في الولاية، بحسب المعتقد الشيعي. ويظهر التشابه بين معجم مصطلحات وثائق حركة الصابرين ومعجم مصطلحات خطابات الثورة الإيرانية وحزب الله في مواضيع كثيرة منها "الشيطان الأكبر أمريكا"، "دولة الخلافة العادلة التي ستملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً"، و"الاحتلال الصهيوني لفلسطين هو بمثابة غدة سرطانية"... تعابير كثيرة تستخدمها حركة الصابرين تدلّ على تقاطعها مع حركات الإسلام السياسي الشيعي الموالية لإيران، وكل الأطراف في غزة تقول إنها تضمّ متشيّعين. ولكن الحركة لا تقدّم نفسها للإعلام كحركة شيعية ويقول أمينها العام إنها ليست حركة مذهبية وإن لغة المذهبية لا تخدم إلا الأعداء وينفي تهمة اقتصار عضوية الحركة على عناصر متشيعين وعدم قبولها عضوية أيّ شخص سنّي. وفي وثيقة "مبادئ العمل الجهادي"، تعتبر الحركة أن من واجبها استعادة "وحدة الأمة على أساس شمولية الإسلام واحترام المخالف وقبول التعددية"، ومقاومة "محاولات التفتيت المذهبي والعرقي والقطري".التشابه بين حركة الصابرين الفلسطينية وحزب الله كبير جداً ولا يقتصر على شعارها الذي ينسخ تصميم شعار الحزب اللبناني
تعابير كثيرة تستخدمها حركة الصابرين الفلسطينية تدلّ على تقاطعها مع حركات الإسلام السياسي الشيعي الموالية لإيرانولكن عام 2011، قبل تأسيس الحركة، وحين كان لا يزال رئيساً لجمعية "ملتقى الشقاقي" الخيرية، قال هشام سالم لوكالة فرانس برس، بعد نحو شهرين من إحياء جمعيته لذكرى قيام الثورة الإسلامية في ايران، في شمال قطاع غزة: "أتحدث أحياناً باسم الشيعة في النقاشات فأنا مقتنع بما يطرحه المذهب الشيعي ولا نعتبر هذا جريمة لكن مذهبي علاقة مع الله". وفي التقرير نفسه، يتهم سالم حماس والجهاد الإسلامي بـ"التقصير تجاه الشيعة"، ويقول: "الحركتان أكثر مَن تعامل مع إيران، والواجب الأخلاقي يحتم عليهما أن تتصديا للمغالطات ضد الشيعة في القطاع".
عقيدة الحركة
تعكس وثيقة "الرؤية الفكرية الجهادية" للحركة تأثرها بمصدرين هما فكر الإخوان المسلمين (سيد قطب تحديداً) وفكر الثورة الإسلامية في إيران. يرد فيها أن الأمة "باتت تعيش حالة من الجاهلية الجديدة تجلت في جميع جوانب حياتها، فغاب الإسلام عن حياة الناس وأصبح منزوياً في زوايا المساجد، ولم يعد له دور في صياغة قيمهم ووعيهم وثقافتهم واجتماعهم وسياستهم واقتصادهم، وكان من نتاج ذلك أن رزح المسلمون تحت حكم الكافرين وسقط نظامهم السياسي ونهبت ثرواتهم وجزئت بلادهم وغيّب دورهم". وبرأي الحركة، لا سبيل في تغيير واقع المسلمين "إلا في الرجوع إلى النبع الصافي الطاهر لهذا الدين الذي هو الخط الإسلامي المحمدي الأصيل". وبرأيها أيضاً، فإن "بدايات النهضة الإسلامية الجديدة" بدأت "على الأيدي الطاهرة والنفوس المؤمنة للمجاهدين" الذين "ثاروا في وجه أمريكا وإسرائيل والأنظمة القمعية المستبدة". وترى الحركة أن دورها يأتي في هذا السياق معتبرة فلسطين "ثغراً متقدماً" في "الصراع الكوني بين المشروع الإلهي والمشروع الشيطاني".موالاة إيران
تسعى حركة الصابرين إلى "التكامل مع المشروع الإسلامي المجاهد الذي يجسده المؤمنون المخلصون على امتداد العالم الإسلامي"، حسبما تقول في وثيقة "الأهداف والغايات". ما هو هذا "المشروع الإسلامي"؟ يقول هشام سالم: "نرى أننا جزء من محور المقاومة الذي يتبنى قضية فلسطين ويدعم مقاومتها وشعبها ويسعى بكل جهد من أجل تحريرها. ونرى أن إيران تقف اليوم على رأس هذا المحور". وفي تفصيل أوضح لهوية هذا المشروع، يدعو سالم جميع الفصائل الفلسطينية إلى "أن تعلن انتماءها الكامل لمحور المقاومة الذي تقوده الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويمتد من طهران إلى بغداد إلى دمشق إلى بيروت وحتى صنعاء". ويضيف: "في المقابل فإن علينا أن نتبرأ من كل الأنظمة العربية والإسلامية الخائنة والمتآمرة على قضيتنا وشعبنا وأمتنا وعلى رأسهم نظام آل سعود الخائن". ودعمت الحركة موقف النظام السوري وحلفائه في الحرب السورية واعتبر سالم في تغريدة أن سيطرتهم على حلب في ديسمبر 2016 هي "انتصار أغاظ أعداء الله" وأضاف في مقابلة أنها "خطوة في طريق تحرير فلسطين"، وأن "الأحداث في سوريا" هي "مؤامرة ضد الشعب السوري الذي وقف إلى جانب فلسطين وشعبها ومقاومتها"، تقف خلفها واشنطن وتل أبيب بمساعدة بعض الدول العربية والإقليمية، "بهدف معاقبة سوريا وتدميرها وكسر ظهر المقاومة في فلسطين ولبنان".نشأة الحركة
ظهرت الحركة في مايو 2014، وتتركّز قوتها في بعض مناطق قطاع غزّة. وبحسب بيان الخارجية الأمريكية، "تعمل المجموعة بشكل أساسي في غزة والضفة الغربية"، ويقودها هشام سالم، وهو قيادي سابق في حركة الجهاد الإسلامي، و"استقطبت أعضاء في حركة الجهاد الإسلامي وداعمين لها". لا يعتبر سالم أن حركته انشقاق عن الجهاد الإسلامي، ويفضّل اعتبارها فصيلاً جديداً ظهر بين الفصائل الفلسطينية التي تقاتل إسرائيل. ولكن أحد الناشطين في الحركة يقول إن الحركة تكوّنت عام 2010 كتيار داخل حركة الجهاد، وتألفت من أعضاء يطالبون بإعلاء شأن فكر المؤسس الأول للجهاد فتحي الشقاقي، والذي كان معجباً بشدة بنموذج الثورة الإسلامية في إيران وكتب عام 1979 كتاباً بعنوان "الخميني... الحل الإسلامي والبديل". تقول تقارير إن الخلافات مع هذه المجموعة أدت إلى اتخاد أمين عام حركة الجهاد رمضان شلح قراراً بفصلهم، ومنهم سالم. ويتحدث كثيرون عن تلقي الحركة تمويلاً سخياً من إيران أثار حنق حماس والجهاد في بعض المراحل. وبحسب بيان الخارجية الأميركية، أوقفت القوات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية خمس ناشطين في حركة الصابرين "كانوا يعملون بموجب أوامر إيرانية وتلقوا أموالاً في غزة لتنفيذ هجماتهم". ولا ينفي هاشم سالم في أحاديثه الصحافية تلقي حركته تمويلاً إيرانياً ولكنه يقول إن هذا الأمر يندرج ضمن سياق دعم إيران لكل الفصائل "المقاومة".نشاطات الحركة
خسرت الحركة ثلاثة من عناصرها هم نزار سعيد عيسى، ومصعب الخير صلاح السكافي، وأحمد شريف السرحي. وقُتل الأول والثاني عام 2014 فيما قُتل الثالث عام 2015. وعن العمليات التي نفذتها ذكر بيان الخارجية الأميركية إطلاقها صواريخ باتجاه إسرائيل في سبتمبر 2015 وتفجير عبوة ناسفة استهدفت آلية إسرائيلية في ديسمبر 2015، والتخطيط في فبراير 2016 لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل. كما ذكر أنها "أنشأت سابقاً مصنعاً للصواريخ في غزة جرى تدميره في صيف عام 2014". وتقول بعض التقارير إن عناصر الحركة، وعددهم مجهول تماماً مثل هيكليتها التنظيمية، مسلحون بشكل جيّد. ويُظهر فيديو عرضته في أكتوبر 2017 عملية تصنيع صاروخ أطلقت عليه اسم "صاروخ أحمد السرحي". كما أظهر فيديو آخر، قيامها بتنظيم عرض عسكري لـ"سرايا الرسول الأعظم"، جناحها العسكري. وأثار نشاط الحركة في غزة امتعاض فصائل أخرى ناشطة في القطاع، على رأسها حركة حماس. فقد اعتقلت الأخيرة عام 2016 أحد "مفكريها" ويُدعى محمد حرب، بسبب رأيه بمجريات الحرب السورية والتي تُكرّر ما نقلناه أعلاه عن سالم. كما تعرّض سالم نفسه للملاحقة لنفس السبب، ولكن حالت اتصالات دون اعتقاله. وتعرّض سالم لعملية طعن عام 2015 نفّذها "مجهولون"، وفجّر "مجهولون" آخرون عبوة أمام منزله في بيت لاهيا، ولم تصدر الأجهزة الأمنية أية نتائج حول الحادثتين، ما يشي بأن حماس التي لا تستطيع وأد الحركة، نظراً لعلاقتها بإيران، لا تريد خلق بيئة مناسبة لعملها. إلا أن بعض التقارير تقول إن شخصيات قيادية في حماس تضغط لحماية أعضاء حركة الصابرين، من بينها محمود الزهار. وتعتقل حماس بين حين وآخر بعض الناشطين في حركة الصابرين لأسباب مختلفة، بينها انتقادهم عمل حكومتها على وسائل التواصل الاجتماعي. وتواجه حماس نشاطات الحركة ذات البعد الشيعي لأنها ترى فيها خطراً عليها وعاملاً يسبب التوتر في المجتمع الغزّي ذي الأغلبية السنية الساحقة، خاصةً في ظل تواجد حركات سلفية عدّة سبق أن أصدرت بيانات ضد التشيع وضد حركة الصابرين. واتهم شيعة غزّيون الحركة باعتقالهم وتعذيبهم. وفي مارس 2016، بعد تنفيذ جمعية "الباقيات الصالحات" التي يديرها سالم مشروعاً باسم "إمداد الخميني"، قامت وزارة الداخلية في غزة بحلّها بحجة ممارستها أنشطة سياسية، ما يخالف قانون الجمعيات الخيرية. وتقدّم الجمعية مساعدات في غزة منذ عام 2004، وهي وسيلة للانتشار تعتمدها كل التنظيمات الموالية لإيران، وينفي سالم ممارستها أي عمل سياسي، وقال إن مسؤولين أمنيين في حماس صارحوه بأن اسم النشاط سبب لهم إحراجاً كبيراً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه