بدأت الخلافات بين مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي الذي يشغل منصبه منذ عام 1989، والرئيس حسن روحاني الذي أُعيد انتخابه لفترة رئاسية جديدة في مايو الماضي، تعود إلى المشهد السياسي والإعلامي في إيران مرة أخرى، خلال الأسابيع الماضية.
منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران، عام 1979، تم تنظيم السلطة في الدولة الإيرانية بشكل هرمي بحيث يكون المرشد أو القائد الأعلى للثورة، على رأس ذلك الهرم، بينما تتوزع من تحته السلطات الأخرى.
من الخطاب الثوري إلى شرعية الشورى
بدأت المواجهات الخطابية بين الرجلين في الاحتفال بالذكرى الثامنة والعشرين لوفاة الخميني، القائد الأول للثورة الإسلامية. استغل المرشد الأعلى المناسبة، وانتقد الخطاب الإصلاحي الذي استخدمه روحاني أثناء حملته الانتخابية. وهاجم المرشد توصيف روحاني للثورة الإسلامية بالراديكالية، قائلاً: "نسمع البعض يكرر شعارات العقلانية ضد الشعارات الثورية، وكأن العقلانية النقطة المضادة للثورية"، وفي الوقت ذاته انتقد ما وصفه بسوء أخلاق بعض المرشحين للانتخابات الرئاسية خلال الحملات الانتخابية، وهو ما كان يقصد به روحاني بشكل مبطن. لم يكتفِ خامنئي بذلك، بل سرعان ما طالت سهام نقده طريقة إدارة روحاني للسياسة الخارجية والاتفاق النووي، فقال: "تحدي القوى الكبرى مكلف، لكن المساومة معها أيضاً مكلفة"، وأضاف أن "الثورية تعني ألا تكون أهداف المسؤولين رضا القوى الكبرى". بعد أسبوع واحد، خرج روحاني ليدافع عن سياسته وأفكاره مستشهداً بأفعال قائد الثورة الإسلامية الأول نفسه. فقد استند روحاني إلى قبول الخميني بوقف الحرب بين إيران والعراق عام 1988 وفق القرار 598 الصادر عن مجلس الأمن، وقال إن "التضحية بالأرواح والشجاعة في ميادين الحرب خطوة صعبة، لكن حفظ السلام أصعب من الحرب، هذا في وقت لم يقل الإمام (الخميني) تجرعت كأس السم في زمن الثورة والحرب، وإنما قالها في زمن السلام"، وذكر روحاني أنه "يتطلب شجاعة أن يمد الإنسان يد السلام للأعداء من أجل مصالح المجتمع الإسلامي". وبحسب تقرير أعدته صحيفة الغارديان البريطانية، فإن خامنئي عاود الهجوم على روحاني، بشكل أكثر حدة وعنفاً، في اجتماع مع كبار المسؤولين والوزراء الإيرانيين، وذلك عندما تساءل "إلى مَن يشير الرئيس حينما يذكر الخطوات التي ينبغي اتخاذها؟"، قبل أن يجيب بسخرية: "إلى نفسه"، لينفجر الحاضرون بالضحك، بينما يبتسم روحاني في استياء واضح.هل نشهد قريباً الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطياً في إيران بسبب خلافاته مع المرشد الأعلى للثورة؟
صراع حاد بين الرجلين الأكثر قوة ونفوذاً في إيران... ما هي أسبابه الحقيقية وكيف ستكون نتائجه؟ونقل المرشد الأعلى الصراع مع الرئيس المنتخب إلى منطقة جديدة، بعدما هدد، بشكل ضمني، بعزله، إذ اتجه خامنئي إلى التلويح بإمكانية عزل الرئيس المنتخب مؤخراً في حالة تسبب سياسته في حدوث انقسام حاد داخل المجتمع الإيراني، على غرار الانقسام الذي وقع في بداية ثمانينيات القرن الماضي أثناء حرب الخليج الأولى. اتُهم وقتها أبو الحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية الإيرانية بتأجيج الصراعات والتحزبات الداخلية، بحسب الرواية الرسمية، ما أدى إلى طرح الثقة فيه من جانب مجلس الشورى الإسلامي ثم عزله الخميني. وتسارعت وتيرة التصريحات الصدامية بعد وقوع الحادثين الإرهابيين اللذين تبناهما تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في السابع من الشهر الجاري. فقد أطلق خامنئي تصريحاً جديداً من تصريحاته المثيرة للجدل، بعدما اتهم الحكومة بالعجز في إدارة الملف الثقافي وبخلط القضايا الأساسية بالقضايا الثانوية، وقال خامنئي "إن الجهاز المركزي عندما يصاب بالخلل، فإن القوى الثورية لديها حرية إطلاق النار"، وهو التصريح الذي اعتقد عدد من المراقبين أنه تمهيد لتقويض بعض صلاحيات روحاني التنفيذية. واعتبر البعض أن عبارة خامنئي الملتبسة تحمل ضوءاً أخضر لأنصاره في التصدي لوعود روحاني ذات الصلة بالثقافة والحريات المدنية، والتي وعد الإيرانيين بها خلال حملته الانتخابية. [caption id="attachment_111198" align="alignnone" width="700"] روحاني خلال إحدى حملاته الانتخابية[/caption] تهديدات المرشد ترافقت كذلك مع بيان المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، الدكتور عباس علي كدخدائي، الذي أعلن فيه ارتكاب مخالفات قانونية في أعمال الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهو الأمر الذي قد يفتح باباً قانونياً للتشكيك في أحقية روحاني بمنصبه الرئاسي، وإمكانية عزله في حالة تفاقم الصدام بينه وبين خامنئي في الفترة المقبلة. كما أشارت بعض الأخبار إلى اعتزام 88 نائباً محافظاً في مجلس الشورى الإيراني مساءلة روحاني عن سياسة البنك المركزي والأداء الاقتصادي المترهل للحكومة. أمام كل تلك الهجمات الشرسة، لم يكن أمام روحاني إلا التلويح بورقة نتائج الانتخابات الأخيرة، ففي حفل إفطار حضرته مجموعة من أساتذة الجامعات في طهران، قال روحاني "إن الشرعية السياسية للزعيم الديني تقررها إرادة الشعب". واستشهد بخلافة علي بن أبي طالب، الذي، بحسب قوله، صار خليفة للمسلمين بعد أن حظي بدعم الأغلبية. تصريحات روحاني، التي يُفهم منها التشكيك في شرعية الولي الفقيه لكونه لم يأت إلى السلطة بصندوق الانتخابات، أثارت موجة عاتية من الغضب في الأوساط الدينية الإيرانية، فقد اعتبرها العديد من المراجع الكبار في قم، من أمثال مكارم الشيرازي ومحمد يزدي، بالإضافة إلى بعض أعضاء مجلس خبراء القيادة، مخالفة لمبادئ المذهب الشيعي الإمامي الذي يرى أن الإمامة منصب إلهي لا دور للبشر في تحديده، بحسب تفسير نظرية ولاية الفقيه التي أشاعها الإمام الخميني. الأصداء الغاضبة لتصريحات روحاني لم تقتصر على النخبة الدينية الحاكمة، بل امتدت لتصل إلى الشارع الإيراني نفسه. فبحسب ما أوردته صحيفة الغارديان، فإن جموعاً غاضبة من المتظاهرين الذين خرجوا لإحياء يوم القدس في يوم الجمعة الماضية، تعرضوا لروحاني أكثر من مرة أثناء مشاركته في فعاليات ذلك اليوم، ورددوا هتافات "الموت للكاذب، الموت لرجل الدين الأمريكي"، ما أجبر روحاني على استقلال سيارته والابتعاد، خشية وقوع صدامات معهم.
الأسباب الحقيقية للصدام
من المؤكد أن هناك عدداً من العوامل التي تسببت في تسارع وتيرة الصدام والنزاع ما بين الرجلين الأكثر قوة ونفوذاً في إيران. العامل الأول من تلك العوامل، هو رغبة المرشد في "تحجيم" روحاني، فبحسب ما يؤكده علي أنصاري مدير معهد الدراسات الإيرانية في جامعة سانت أندروز، يحاول خامنئي كبح ارتفاع شعبية روحاني بعد نجاحه في الانتخابات الرئاسة الأخيرة، خصوصاً وأن المرشد غير راض عن نتائج تلك الانتخابات. [caption id="attachment_111197" align="alignnone" width="700"] مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي يدلي بصوته في انتخابات 2017[/caption] ويستشهد أنصاري على ذلك بالأحداث المتشابهة التي وقعت بين المرشد والرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي عقب إعادة انتخاب الأخير في مطلع الألفية الجديدة. كذلك من المؤكد أن المتغيرات الخارجية الإقليمية والدولية تلعب دوراً مهماً في هذا الصدام، فمع تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتكررة الرافضة للاتفاق الذي عقدته الدول الكبرى مع إيران، ومع تصريحات وزير خارجيته ريكس تيلرسون حول ضرورة دعم الإصلاحيين والمعارضين في طهران لإسقاط سلطة الولي الفقيه، حدثت استثارة قوية بين صفوف التيار المحافظ في إيران. بدأ الحديث عن الثورة وأهدافها ومبادئها يعود مرة أخرى إلى واجهة المشهد السياسي في طهران، خصوصاً في ظل التقارب بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.كل تلك العوامل تفسر الخلاف الناشب بين المرشد الذي يقف على رأس التيار المحافظ والحرس الثوري الذي يميل في علاقته بالغرب إلى التصعيد واللجوء للأفكار الثورية والراديكالية، وبين روحاني الذي يُنظر إليه حالياً على أنه الزعيم الأكثر قوة في التيار الإصلاحي، ويعمل على تهدئة الأوضاع مع أمريكا وأوروبا، وتطبيع العلاقات معهما بشكل تدريجي. الكثير من المواقف تؤكد على اختلاف توجهات الرجلين في ما يخص شكل وأسلوب إدارة الملفات الخارجية. فبعد إطلاق الصواريخ الباليستية على معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في دير الزور في سوريا، حرص الحرس الثوري على إصدار بيان يؤكد أن العملية تمت بأمر من خامنئي، وقرأ البعض في ذلك رسالة موجهة إلى روحاني والعالم بأن الآمر الناهي في الأمور المصيرية هو المرشد الأعلى للثورة. [caption id="attachment_111196" align="alignnone" width="700"] مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي يستقبل قادة ومسؤولي حرس الثورة الإسلامية[/caption]خلاف مستمر بين خامنئي وروحاني دفع الأخير إلى التشكيك بمبدأ ولاية الفقيه والقول "إن الشرعية السياسية للزعيم الديني تقررها إرادة الشعب"
تداعيات الصدام ومآلاته
رغم حدة الصدام الدائر بين خامنئي وروحاني مؤخراً، فإن أغلبية الخبراء والمراقبين يشككون في إمكانية تطوره ليصل إلى عزل الرئيس كما ألمح المرشد في بعض تصريحاته. الدكتور هيثم مزاحم الخبير في الشأن الإيراني ورئيس مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط، أكد لرصيف22 أن الظروف مختلفة بين حالتي بني صدر وروحاني، فبني صدر اتُّهم بالخيانة والتآمر مع الأميركيين، أما خلافات خامنئي مع روحاني، فهي تقتصر على مسألة تحديد السياسات الأفضل لخدمة إيران. العديد من السياسيين الإيرانيين يرون الأمر نفسه، فمثلاً رجل الدين الإيراني حميد غريب رضا مدير رابطة الحوار الديني للوحدة، والمنسق السابق في حملة إبراهيم رئيسي الانتخابية، قال لرصيف22 "إن حكمة الإمام الخامنئي سوف تمنع وصول البلد إلى هذه الدرجة، فهو يعطي مساحة قانونية للرئيس لإظهار وجهات نظره الخاصة لكنه يقف في وجه اجتهاداته السياسية إذا تضاربت مع المصلحة العامة للبلد أو القانون". ويضيف رضا: "أيضاً الدكتور روحاني يناور ويصول ويجول ليكتسب أكبر قدر ممكن من المكتسبات السياسية في القضايا الخلافية لكن أعتقد أنه يمتلك القدر الكافي من العقلانية الذي يمنعه من التلاعب بالخطوط الحمراء، بحيث يكرر تجربة بني صدر المرة". ولكن ماذا لو تطور النزاع ما بين قطبي السلطة الإيرانية في المستقبل القريب؟ يؤكد كل من هيثم مزاحم وغريب رضا أنه، في هذه الحالة، يكفل الدستور الإيراني عدة طرق قانونية لعزل الرئيس، إذ تنص المادة 110 على إمكانية عزل رئيس الجمهورية لمراعاة مصالح البلاد، وذلك بعد صدور حكم المحكمة العليا بتخلفه عن تأدية مهماته القانونية أو بعد رأي مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته على أساس المادة 89. ومن المؤكد أن عزل روحاني بتلك الكيفية لن يكون عصياً على المرشد الذي يفرض سيطرته بشكل مطلق على السلطة القضائية في البلاد، خصوصاً أن الرئيس الحالي للسلطة القضائية صادق لاريجاني من ضمن قيادات التيار المحافظ التي تدين بالولاء لخامنئي. ولكن خطوة مماثلة ستقسم المجتمع الإيراني الذي لم يلملم بعد ذيول الشقاق الكبير الذي أحدثته انتخابات 2009.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...