"الطريق سالكة، فلا جبل ولا صخرة. إنها الأرض المنبسطة الواسعة التي لا حدود لها. لا نقطة بداية ولا نقطة نهاية. كأنها أرض بلا خريطة. هل عليّ أن أعيد تحديد الأمكنة ورسمها؟ تنتابني نوبة الضحك الهستيري. ماذا سأحدد وأنا عاجزة عن تحديد من أنا فما بالك بموقعي، هل أنا في الأعلى أو في الأسفل؟ هل أطفو أم غارقة في عمق سحيق؟ بل أنا لا أعلم حتى إن كنت في صحو أو في منام؟ في حلمي أو في حلم كائن آخر غيري؟".
يتكشف جزء من الغموض قليلاً مع بداية العدم الثاني "بدء التكوين"، إذ تتشكّل داخل رحم الأم من رافقناها في منطقة ما قبل الوجود الأرضي، هكذا نتتبع تفاصيل مكوثها في سوائل الأم، وبكل الغرائبية الممكنة والسريالية تجعل الكاتبة من الجنين كائناً يحس ويشعر ويتلقى الإشارات من المحيط الخارجي ويتفاعل معها وينقلها لنا، ثم ينتهي كل ذلك بخروجها كائناً دبقاً، لزجاً، رطباً، يطلق عليها اسم "أسماء"، وتترافق ولادتها مع مطر غزير ومع موت أمها. لا يلبث الأب أن يتزوج بـ"آسيا" بعد وفاة زوجته، ما ينشئ كراهية عميقة متبادلة تصحب الطفلة طوال حياتها تجاه المرأة التي احتلت مكان أمها وقلب أبيها الصامت والسلبي أمام قوة زوجته الجديدة وجبروتها.علاقتي وطيدة بالموت. ربما أنا وسيلة من وسائله. لعلي الرسولة التي اختارها لينذر من حان أجله. أو ربما أنا يد من أياديه... رواية "ابنة الجحيم"
رواية "ابنة الجحيم"... رحلة سردية إلى عوالم شديدة الغرائبية والغموض، تناقش ثنائيات الموت والحياة، الخلق والعدم، الروح والجسد، الخير والشروبموت العمة "سالمة" التي كانت تربيها وتحكي لها عن تاريخ العائلة منذ الجد الأول، تتفلت خيوط الضغينة والشر، تشعر أن ثمة روح شريرة تسكنها، فتمتلك قدرة خارقة على اصطحاب الآخرين إلى كوابيسها، وتجعلهم يتعذبون بعذاباتها، بعد ذلك تتطور هذه القدرة إلى موت كل شخص تراه في حلمها. وحين تكتشف هذه القدرة تقرر استغلالها في الانتقام.
"في مرحلة ما كلما رأيت أحدهم في المنام أصحو على خبر موته. نجا ثلاثة: أبي وآسيا وشمس. لكن إلى حين. عندما اكتشفت الصلة بين أحلامي والموتى خفت كثيراً. (...) علاقتي وطيدة بالموت. ربما أنا وسيلة من وسائله. لعلي الرسولة التي اختارها لينذر من حان أجله. أو ربما أنا يد من أياديه. خواطر وأفكار مجنونة سيطرت على كل ذرة فيّ وآمنت بها حتى النخاع. هكذا بدأت طوراً آخر. إنها رحلة الانتقام".
"أنا عينان خضراوان مفتوحتان على وسعهما. عينان عالقتان في مكان ما. أنظر من حولي. عيون كثيرة مثلي هنا. ترى كل شيء في أدق تفاصيله. عيون كثيرة تراقب عن كثب في انتظار شيء ما. ميّزت من بينها يس وشمس ووالدي... لكن آسيا غابت عن هذا السفر بين السموات... فأدركت أنني لم أرَ الجحيم بعد".
في العدم الثالث تنتهي الرواية التي توغلت في تحولات الحياة وما قبلها وما بعدها، وصوّرت المصائر الإنسانية، فناقشت الكثير من الأسئلة الوجودية في قالب متاهيّ، تاركة باب التأويل والتفسير مفتوحاً على كثير من الاحتمالات. خيرية بوبطان، كاتبة وشاعرة تونسية من مواليد عام 1974. باحثة في الأنتربولوجيا الثقافية. لها ثلاث مجموعات شعرية، وروايتين: "عايش ميت"، و"ابنة الجحيم". الناشر: دار التنوير/ بيروت – القاهرة – تونس عدد الصفحات: 256 الطبعة الأولى: 2017رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه