"الكتاب الجيد يُقرأ مرة في سن الشباب، ومرة في سن النضج، ومرة أخرى في سن الشيخوخة، كالبناء الجميل الذي يجب أن يشاهد فجراً وظهراً وتحت ضوء القمر".
هكذا باختصار يمكن أن يدهشكم الروائي روبرتسون دافيز وهو يلخص فوائد القراءة، غير أن تلك النصيحة لا يمكن للكثيرين العمل بها في مصر بعدما بات شراء الكتب نوعاً من الرفاهية أو لمن يستطيع إليها سبيلاً.
يعرف المصريون كيف يواجهون كل أزماتهم بالنكات والسخرية اللاذعة، فهم "ولاد نكتة" كما يقال دوماً. واليوم تحتفي مصر كلها بعيدها الثقافي متجسداً في إقامة دورة جديدة لأكبر معرض للكتاب تشهده البلاد بمشاركة 27 دولة، منها 15 عربية، و10 أجنبية، ودولتان إفريقيتان، و848 ناشراً.
اللافت أن النكتة كانت السبيل الوحيد لمواجهة ارتفاع أسعار الكتب، حتى أن بعض رواد المعرض سخر منها قائلاً "لأن أسعار الكتب مرتفعة.. سأنتظر" في محاكاة لاذعة للشعار الذي يرفعه الشباب دائماً إذا ما سئلوا عن أسباب تأخر زواجهم، مؤكدين "لأن الحلال أفضل، سأنتظر".
رحلة شيقة
في طريقكم إلى مدينة نصر، أكبر أحياء القاهرة، حيث المعرض، ستسمعون شكاوى من ارتفاع أسعار المواصلات، كما ستسمعون في طوابير الانتظار على أبواب المعرض شكاوى مماثلة عن ارتفاع أسعار المحروقات والخضر والفواكة، والدقيق والأرز والمعكرونة، والملابس. باختصار ستجدون أنفسكم محاصرين بقوائم طويلة من الشكاوى التي تلخص أزمة زيادة الأسعار نتيجة تعويم الجنيه، وارتفاع قيمة العملات الأجنبية مقارنةً به. هذا عن المشهد خارج المعرض، فماذا عن الصورة داخل الإطار؟ الزحام على أبواب الدخول كان كبيراً كما العادة كل عام، ورغم الوعود بأن تنتهي تلك الطوابير في العام المقبل، إلا أن الوضع يبقى على ما هو عليه، ما دفع أحمد الشناوي، خريج كلية التربية بجامعة عين شمس، للقسم أنه لن يعود إلى المعرض مرة أخرى، بسبب الزحام، عدا الأسعار المرتفعة للكتب بالمعرض كما عرف من أقاربه. يقول: "يعني بهدلة وقلة قيمة وطوابير، وفي الآخر ألاقي الكتب مولعة نار، طيب يبقى إيه فايدة إني أجي لحد هنا وأنا الفلوس اللي معايا متكفيش أني أشتري بيها اللي أنا عايزه".أسعار خرافية
على بعد أمتار من أزمة الشناوي، وكخلية نحل لا تهدأ، يتنقل الرواد بين الأروقة والطاولات، وبين العناوين المثيرة والإصدارات القديمة، تبحث العيون عن كل ما هو جديد ورخيص، تماماً كما فعل محمد وائل "23 عاماً"، خريج كلية السياحة والفنادق، الذي جاء من الإسكندري لشراء بعض الكتب، غير أنه فوجئ بأسعارها التي وصفها بـ"الخرافية". يقول وائل: منذ شهر أستعد لهذه الزيارة، والحق أني سألت الكثير من أصدقائي عن الأسعار المتوقعة لهذا العام، فصُدمت حين اكتشفت أنها تعدت سقف طموحي وباتت أقرب إلى أسقف ناطحات السحاب. وتابع: "كنت أعتقد أن الكتب ستكون رخيصة، غير أني اكتشفت أن الثقافة أصبحت عملة صعبة كالدولار". قرر وائل أن يشتري 7 روايات على الأكثر، مؤكداً أنه سيوفر الكثير من المال للعام المقبل، فربما تنخفض الأسعار أو "ربنا يسهل ومصروفي يزيد وبالتالي أقدر أوفر فلوس أكتر، ده أنا يمكن أبطل سجاير عشان أوفر الفلوس للكتب". طالب ثانوي آخر هو أحمد المغازي أكد أنه جاء بناء على نصيحة صديقته بأن المعرض يقدم حسومات للطلبة، إلا أنه وجد أن الحسم لا يتجاوز الجنيهات القليلة، هذا طبعاً بخلاف أن الحسم معتمد فقط على الكتب والروايات التي لا تلقى رواجاً بين رواد المعرض، وهو ما جعله يؤكد: "طبعاً لم أشترِ، ربنا يسامحها بقى.. انخدعنا".حيل البيع والشراء
حيلة مختلفة لجأ إليها بعض أصحاب دور النشر بالاعتماد على الكتب القديمة الموجودة بالمخازن وخفض أسعارها، على أمل خطف زبون المعرض، غير أن العقبة الكبرى التي تواجه هؤلاء هي أن تلك الحيلة تؤدي إلى كساد حركة بيع الكتب الصادرة حديثاً، والتي تزداد أسعارها باستمرار في ظل ارتفاع أسعار الورق والحبر. شريف علي، 32 عاماً، محاسب بشركة لمستحضرات التجميل، وجد ضالته في مجموعة من الكتب القديمة التي يرى أنها الأنسب للأموال المتوفرة معه. قال لرصيف22: "الكتب بقيمتها وبالأفكار الموجودة فيها، أعرف بعض الناس يسعون وراء كتّاب السوشيال ميديا الجدد، الذين يطرحون البوستات التي يكتبونها على فيسبوك في كتب مطبوعة، ورغم أن أغلبها لا يستحق، فإن أسعارها مرتفعة مقارنةً بكتب أخرى أكثر قيمة". ويتابع: "اشتريت مجموعة من الكتب القديمة والحمد لله أن أسعارها كانت في المتناول، أما الكتب القيمة والتي تمت طباعتها حديثاً فسوف انتظر حتى تمر عليها السنون وتصبح قديمة، فاشتريها بثمن زهيد". يناور ضياء سعيد، 23 عاماً، خريج كلية العلوم، للحصول على الكتب التى جاء من أجلها، لكنه يفشل بسبب ارتفاع الأسعار، فيقرر الانتقام على طريقته التي يفسرها بقوله: "الكتب التي أحتاجها سأشتريها من سور الأزبكية، حيث الكتب المقلدة".فقط للفرجة
تتوافر إصدارات دور النشر المصرية على مدار العام، ومن هنا يجد الكثير من الرواد ضالتهم في الكتب العربية التي تشارك في المعرض، وهو ما جاءت من أجله شيماء عبد الحكيم خريجة كلية التجارة، تقول: "الكتب في الأجنحة العربية أغلى من الكتب المصرية"، وتضيف: "بتفرج عليها بس مش بشتري". في المقابل، يتعامل البعض مع المعرض كأنه رحلة ترفيهية، تماماً مثلما هو الحال مع باسم محمد علي خريج كلية الآداب بجامعة المنصورة شمال القاهرة، وهو جاء مع أصدقائه من المنصورة لمقابلة أصدقائهم القدامى بالقاهرة في المعرض. يقول باسم: "منذ أعوام لم نلتقِ، ووجدنا أن المعرض فرصة للقاء، ولأننا نهوى الفنون المسرحية ونمارس المسرح على سبيل الهواية اتفقنا على الحضور إلى هنا لمتابعة العروض الفنية التي تقام على هامش المعرض". ويضيف لرصيف22: "أما عن الكتب فـلا يكلف الله نفساً إلا وسعها. اشترينا كتباً خاصة بالمسرح، أما الكتب الأخرى فيمكن توفيرها بصيغة PDF عبر الإنترنت، لأنها أرخص". هناك أيضاً من جاء للقاء صديقته كما حال بعض الشبان في مرحلة الثانوية وأغلبهم لا علاقة له بالثقافة، وإنما اختار المعرض، لأنه وجد فيه مكاناً يوفر له "فسحة" بالمجان.التصوير الحلال
قد تحتاجون إلى فترة طويلة لتوفير المال اللازم لشراء مسكن أو سيارة أو حتى تجهيز عرس، لكن هل سمعتم من قبل عمن يخصص "حصالة" لشراء الكتب؟ منار صبحى، 25 سنة، موظفة بإحدى شركات خدمات الإنترنت تفعل ذلك، وتقول: قبل المعرض بأسبوع، افتح الحصالة المخصصة لشراء الكتب". بسنت تفضل كتب التنمية البشرية ولذلك ركزت على شراء الكتب التي تندرج ضمن هذه الفئة، كما اشترت كتابين عن الشعر العربي وعلوم الفلك. بينما أسامة وأصدقائه من طلاب كلية الفنون الجميلة، قرروا شراء نسخة واحدة فقط من الكتب المهمة التي يبحثون عنها لدراساتهم وتصويرها حتى تكون التكلفة أقل. أما عماد الحلواني الموظف بشركة استيراد وتصدير، فقد اضطر لشراء الكثير من الكتب لأطفاله رغم أنه لم يخطط لذلك بسبب الأسعار المرتفعة، وتوعد طفليه عمر وريتاج بالقول مازحاً: "كله هيتخصم من المصروف".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع