تحتل اللحوم على اختلاف أنواعها مكانةً كبيرة على موائد العرب. إلا أن منافسها الأبرز الذي يمكنه سحب البساط من تحتها، ويجعل الجالسين إلى المائدة ينصرفون عن الاهتمام بها، هو "المحشي"، الذي أدخله الاحتلال العثماني إلى معظم الدول التي دخلها، تحت اسم "الدولما"، لتأخذه كل دولة وتضيف إليه شيئاً من مطبخها. ظهر "الدولما" في الدولة العثمانية مطلع القرن الرابع عشر، وأدخلته إلى الدول العربية مع بدء السيطرة عليها مطلع القرن السادس عشر. والدولما في اللغة التركية يعني "الشيء الذي تتم تعبئته"، إذ تُعبأ الخضر بأنواع مختلفة من الحشو قبل الطهو، كما يوجد في مدينة إسطنبول التركية قصر "دولما باهجة" أو "الحديقة الردم"، وهو المقر الرئيسي لإدارة الإمبراطورية العثمانية عام 1865.
طوّر العرب تلك الأكلة التركية، لتصير جزءاً من تراثهم، ويتفوقون في صناعتها على الأتراك أنفسهم. وهي تنتشر في البلدان العربية أكثر من دولة المنشأ، ويصبح كل شيء جاهزاً للحشو كأوراق الكرنب والعنب واللفت والخس والباذنجان والفلفل بأنواعه وألوانه والكوسا، وأخيراً الطماطم والخيار والبصل والبطاطس والخرشوف واليقطين.
العراق... المحشي شرط للزواج
لم تغير بلاد الرافدين اسم الأكلة كما جاءت إليها من الأتراك، وتعد من الوجبات الأساسية لدى العراقيين، وتقاس بها مدى مهارة المرأة في الطهو. كما تكون الفتاة التي تتقن إعدادها مطلوبة أكثر للزواج ومرغوبة من أهل الشاب، الذين يطمئنون على مستقبل ابنهم، ما دامت زوجته قادرة على صنع هذه الأكلة بمهارة.وتعتمد الأكلة على اللحم في الحشو أكثر من الأرز، إضافة للبصل المفروم والبقدونس، ووضع ريش اللحم أسفل إناء الطهو، لمنحه مذاقاً جيداً ونكهة خاصة، سواء كان ورق العنب أو الكرنب، وكذلك الباذنجان والكوسا والفلفل.
الخليج لا يحب المحشي
منعت الطبيعة الصحراوية أهل الخليج من زراعة أوراق العنب أو الكرنب، وكذلك عشق محاشي الباذنجان والفلفل والبطاطس والكوسا. وتحافظ دول الخليج على أكلاتها الرئيسية "الكبسة" و"المندي" و"الدجاج"، وتحصينها من غزو المحشي، الذي يوجد في بعض الأسواق والمطاعم المصرية المنتشرة في السعودية والإمارات والبحرين، والتي تزود الراغبين بأطباق جاهزة، وفقاً للطلب، إضافة لبعض السيدات اللواتي يمتهن صنع الطعام، وبيعه للراغبين، ناهيك بتوفر مكونات الأكلة للأسر المصرية المقيمة هناك، لإعداده حين يريدون.بلاد الشام أم الملفوف
سوريا ولبنان والأردن وفلسطين من أكثر البلدان إدخالاً للتعديلات على الأكلة، التي تعرف هناك بأسماء عديدة مثل "اليالنجي" الذي يطلق على طبق ورق العنب البارد بالليمون والزيت بدون لحم، و"اليبرق" الذي تُضاف فيه قطع اللحم والدهن إلى مكونات الحشو لإعطاء نكهة خاصة، مع الحفاظ على الكرنب الذي يعرف بـ"الملفوف"، والفلفل والكوسا والباذنجان، مع المرق الأحمر، بسبب إضافة صلصة الطماطم.ويُعرف المحشي في فلسطين والأردن باسم "ورق دوالي"، وتعد الدولتان أول من استخدم ورق العنب في الحشي.
ويحرص طهاة مطاعم الشام على استخدام زيت الزيتون بخلطاتهم نظراً لتوفره، إضافة للثوم المهروس والبقدونس الناعم والنعناع الناشف وأنواع مختلفة من البهارات، مع قدر ضئيل من البن المطحون، للانفراد بنكهات المحاشي المختلفة عن غيرهم.
وتحلق مطابخ سوريا عالياً بـ"شيخ المحشي"، وهو عبارة عن كوسا محشوة لحماً مفروماً، ومطبوخة بالزبادي، إضافة لمحشي "اليقطين" ذي الحجم الكبير، الذي يناسب التجمعات الضخمة.
مصر، موسوعة المحاشي
تنافس المطابخ المصرية نظيرتها السورية بقوة في "المحاشي"، لأنها المصب الأكبر لكل التجارب وأكلات المطابخ، سواء التركية أو العربية. وهي أضافت العديد من الأنواع للمحاشي مثل أوراق الخس واللفت والبطاطس والخيار والطماطم، كما أن الأرز المصري هو المكون الرئيسي في كل المحاشي العربية، نظراً لجودته، مع فشل محاولات استبداله بالبرغل كما في بلاد المغرب العربي، وحفاظه على مكانة مهمة ضمن وصفات إعداد المحاشي. علماً أن محشي الكرنب أحد أهم الأطباق على موائد المصريين، في المناسبات أو خارجها. وتتفنن السيدات المصريات في إعداد الأنواع الأخرى من الباذنجان والكوسا والفلفل والخرشوف والطماطم، حسب المستوى الاقتصادي للعائلة، وقدرتها على إضافة اللحم المفروم إلى الحشو، أو قطع الدجاج، واستخدام أنواع معينة من الزيوت والبهارات.
بلاد المغرب والغرائب
تعمل مطابخ المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية على حشو البصل إلى جانب الأنواع المعروفة، مع إضافة قطع الدجاج أو اللحم المفروم مع الأرز للحشو، والحرص على إضافة الحبهان والقرفة والبهارات المشكلة والشمر إلى الخلطة. أما في تونس فيُعرف محشي الخضر باسم "فندق الغلة" أيضاً، ويضيف الطهاة قطع الخبز والجبن المبشور والبيض ضمن خلطة الحشو، إضافة للأرز واللحم المفروم لزيادة الشعور بالشبع. وتعمل بعض مطابخ المغرب العربي على استبدال الأرز بالبرغل لدى حشو الباذنجان.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع