"يحسدني إخوتي وأصدقائي لمهارتي في قيادة صهريج المياه الخاص بأبي، فأنا أقوده بين الحين والآخر وأساعد أبي في نقل المياه للمنازل المجاورة. بدأت قيادة الصهريج منذ عامين تقريباً، حينها كان المارة والجيران يرمقونني بنظرات الامتعاض والاستغراب لصغر قامتي، حتى أن البعض منهم توجه إلى والدي بالنصح والتوبيخ أحياناً لسماحه لي بقيادة الصهريج، ولم يأبه لهم، فقد أراد تعليمي مهنة القيادة في سن مبكرة لأضمن لقمة عيشي في المستقبل".
ويضيف ساخراً: "قد تكون فكرة قيادة الأطفال للسيارات مقبولة لدى العديد من الناس اليوم، ولم تعد ظاهرة غريبة تستدعي الدهشة. لست الطفل الوحيد الذي يقود الصهريج في المدينة، إذ هنالك العديد من الأطفال باتوا يقودون السيارات والدراجات النارية بموافقة ذويهم ودون أن يعترض عليهم أحد أو يعاقبهم".
وعند سؤاله عن مصاعب قيادة السيارات في سن مبكرة، أجاب بثقة:" تعلم القيادة لا يتعلق بالعمر، قيادتي للسيارة أفضل من قيادة أبي، فأنا أبرع في القيادة وأحبها، ولكن قصر قامتي يعيق رؤيتي للشارع بوضوح، ما يضطرني لوضع الوسائد تحتي في أغلب الأحيان. آكل الكثير من البيض وأشرب الحليب ليزيد طولي سريعاً وأتخلص من هذه المشكلة".
قيادة الأطفال تتم بموافقة الأهل
بهذه العبارات عبّر الطفل السوري خالد، الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره عن ظاهرة باتت منتشرة في مدينة إدلب السورية وريفها والعديد من المناطق والبلدات التي لا تخضع لسلطة النظام في سوريا، ولعل وراء انتشارها ظروف الحرب وتهاون الأهل في رعاية أطفالهم وغياب التوعية المنزلية لمخاطر القيادة في سن مبكرة وتشجيع البعض لها على اعتبارها مهنة تمكن الطفل من كسب لقمة عيشه، علاوة على غياب القوانين التي تجرم قيادة الأطفال، وتقبل المجتمع للظاهرة نتيجة لتزايدها.آراء وحرية شخصية
أم محمد سيدة سورية من بلدة الدانا في ريف إدلب ترى أن قيادة الأطفال للسيارات جريمة في حق الطفل والمجتمع، فمكان الطفل الطبيعي في المدارس وساحات اللعب وليس خلف مقود السيارة. تقول لرصيف22:" كيف يمكن لطفل لا تصل قدماه للفرامل أن يقود سيارة كبيرة أو شاحنة أو جراراً، يهتز قلبي كلما رأيت طفلاً يقود سيارة، ولا تتوقف الظاهرة على المدن فحسب، بل باتت مقبولة في الأرياف حيث من الممكن أن تروا طفلاً لا يتجاوز الثالثة عشرة يقود جراراً زراعياً ويقوم بزراعة الأرض عوضاً عن ذويه. يتوجب علينا محاربة تلك الظاهرة وعدم السكوت عنها واعتبارها شراً لا بد منه، فالسكوت سيساهم في انتشارها بشكل أوسع".آكل الكثير من البيض وأشرب الحليب ليزيد طولي سريعاً وأتخلص من الوسائد تحتي لدى قيادة الصهريجفي المقابل، يستغرب محمد آغا من مدينة إدلب ردة الفعل الحادة والرافضة لقيادة الأطفال للسيارات من قبل البعض، فهو يعتبرها حرية شخصية، يمكن للأهل تعليم أطفالهم في عمر الثالثة عشرة والرابعة عشرة وما فوق قيادة السيارات، إن كان الفتى ناضجاً كفاية، لمساعدة ذويه في عملهم أو تأمين متطلباتهم أو تنقلاتهم. ووفقاً له، يكفي أن يقوم الأهل بتعليم الطفل أصول القيادة الصحيحة وقوانين السير المتبعة، والسماح له بقيادة العربات في المناطق القريبة والمأهولة بالسكان بشرط التزامه بالقوانين وابتعاده عن التهور والطيش".
غياب القوانين التي تمنع الأطفال من القيادة
وعن دور المجالس المحلية والشرطة الحرة في الحد من الظاهرة، يحدثنا عضو المجلس المحلي في مدينة إدلب سابقاً محمود رنة:" قيادة الأطفال للسيارات بدأت تزداد تدريجياً في الآونة الأخيرة مع قبول البعض وامتعاض البعض الآخر، وتقديم الشكاوى للمجلس وللشرطة الحرة لتقوم بدورها في الحد من تلك الممارسات ومعاقبة الأهل على استهتارهم وتفريطهم في أرواح أطفالهم. ولكن، للأسف، لا يوجد قانون يجرم الطفل الذي لم يبلغ الثمانية عشرة عاماً في حال قيادته عربة. فالعقوبة تحصل فقط لدى ارتكاب الحوادث. الكثير من القوانين بحاجة للتعديل ونحن بانتظار تعديلها، فكبح جماح الظاهرة لن يتم دون اتخاذ خطوات صارمة، كالغرامات والسجن ". ويضيف:" برأيي، لا يمكن للطفل قيادة السيارة دون أن يرتكب حوادث أو مشاكل، وإن كانت الحاجة سبب التجائه لقيادة السيارة كما يتردد على لسان الكثيرين، فالأفضل له البحث عن مهنة مناسبة لعمره ولقدراته الجسدية وأكثر سلامة وأماناً".أقل انتشاراً في مناطق النظام
وفق أهالي منطقة إدلب، فإن هذه الظاهرة في المناطق الخاضعة لسلطة النظام هي أقل انتشاراً نظراً لتطبيق القوانين التي تحظر على الطفل والمراهق الحصول على رخصة قيادة قبل بلوغ الثامنة عشرة، وقبل بلوغ السابعة عشرة لمن يرغب بالحصول على رخصة قيادة للدراجة النارية وتجرمه في حال القيادة من دون رخصة. ولم يخلُ القانون من محاولات لتعديله من قبل المؤيدين لقيادة من هم دون الثمانية عشرة للسيارات، متذرعين بأن مخاطر قيادة المراهقين للدراجات النارية أكثر من مخاطر قيادتهم للسيارات، ومطالبين الجهات الرسمية بتخفيض السن القانونية لمنح رخصة القيادة لمن دون الثمانية عشرة عاماً.لا يدركون مخاطر القيادة
ووفقاً للاستشاري القانوني محمود حمدان، فإن غالبية دول العالم لا تمنح شهادة قيادة السيارة للفرد إلا بعد بلوغه الثمانية عشرة، وذلك لأسباب عديدة يلخصها لرصيف22:" الأطفال والمراهقون لا يعرفون قواعد القيادة الآمنة، ولا يدركون أخطار القيادة. قيادتهم للسيارة تكون بهدف التسلية ولفت النظر والمغامرة ولا تتسم بالاتزان والتقيد بقوانين السلامة والمرور، وفي الوقت ذاته، فإن قيادة السيارة لا تخلو من المتغيرات التي تطرأ أثناء القيادة وتتطلب تأنياً وسرعة استجابة حركية وذهنية لاتخاذ القرارات الصحيحة وتجنب الحوادث، وهو ما يغيب عن أغلب المراهقين لدى تعرضهم لتلك المتغيرات نتيجة حالات الفزع التي تتجلى بالتوتر والصراخ". ويلفت حمدان إلى أن "مخاطر قيادة الأطفال للسيارات لا تتوقف على الحوادث المرورية فقط، بل تتعداها لحوادث السلب والاختطاف التي قد يتعرض لها الطفل لدى وجوده في السيارة وحيداً ويكون فيها عاجزاً عن الدفاع عن نفسه واتخاذ إجراءات الحماية الضرورية للنجاة". ووجه حمدان رسالة للمتهاونين في التعاطي مع هذه الظاهرة، مشدداً على ضرورة محاربتها قبل تفشيها لما لها من نتائج كارثية على الأطفال وعلى المجتمع، حاضاً الأهل على القيام بدورهم لحماية أطفالهم وتوعيتهم، ومخاطباً الأنظمة الأمنية والمرورية لاتخاذ القوانين الضرورية لملاحقة المتجاوزين ومعاقبتهم.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...