كانت داشني مراد تبلغ خمسة أعوام عندما ركضت خلف الطوافات المروحية التي توزع معونات للهاربين من القتال في شمال العراق، عام 1991، لتلتقط بيديها الصغيرتين الأكل وبعض الشوكولاته.
تتذكر داشني أن البرد كان قارصاً ذلك اليوم وأن الكثيرين قضوا بسببه وبسبب الجوع. كان أفراد عائلة داشني في ذلك الوقت مع مئات الآلاف من الأكراد الذين هربوا خوفاً من قوات صدام حسين، ليحتموا بجبال كردستان.
اليوم، داشني هي من أكثر الشخصيات الكردية تأثيراً في كردستان. فعدا أنها إعلامية ومغنية بوب محترفة كسرت بغنائها الاستعراضي العديد من القيود الاجتماعية، هي ناشطة إنسانية ومؤسِّسة لغرين كيدز Green Kids التي تعنى بالحفاظ على حق الأطفال بالتعليم، لا سيما التعليم البيئي.
من طفلة في بلاد مزقتها الحرب إلى لاجئة مضطهدة في هولاند، إلى شابة واجهت صعوبات وافرة كمغنية في كردستان، لم يكن طريق داشني سهلاً. لكن أليس هذا ما يدفعه البعض ثمناً لأحلامهم؟
ذكريات الحرب وداشني الطفلة
يعتقدون في اليابان أن الإناء الذي ينكسر يصبح أكثر جمالاً وأغلى ثمناً، ولعل هذا ما زاد من تميّز داشني مراد. لا يعرف من يراها هل هي طفلة أم ناضجة، فرحة أم حزينة، ثائرة أم فاقدة للأمل، شرقية أم غربية... لأنها هي هذه الأضداد مجتمعة.
تتحدث داشني عن طفولتها في بلد مزقه الحرب، وتقول إنخا كانت مخيفة ومرعبة. اضطرت عائلتها إلى الهروب من السليمانية وأخذت من الجبل المحاذي لحدود ايران ملجأ لها.
لم تكن الفتاة الصغيرة تفهم ما يجري. ظنت أن الموضوع أشبه بنزهة في الجبل، لكن مع الوقت اتضحت الصورة وتعرفت بين الجبال على معنى الموت للمرة الأولى. تروي "كنت أرى جثثاً لأطفال ملفوفة بغطاء أبيض، وعندما كنت أسأل أبي عن السبب، كان يقول إنها للعب فقط".
بعد مضي الكثير من الوقت في الجبل، وصلت المساعدات لعائلة داشني وباقي النازحين، وقد عرفت داشني لاحقاً أن هذه المساعدات أتت من حفل أقامه عدة مغنين عالميين مثل ويتني هيوستن وتوم جونز، دعماً للاجئين الأكراد. وقد أثر الموضوع فيها كثيراً لأنها اكتشفت حينذاك أثر الموسيقى، واكتشفت أيضاً أن هنالك من يتعاطف معهم برغم الحرب والكره.
تتذكر داشني أنها وعائلتها بقيت لفترة غير قصيرة من دون أكل أو مال أو ملبس، وكيف كان عليها أن تذهب يوماً بحذاء بلاستيكي إلى المدرسة، وتشرح "أتينا من عائلة غنية جداً، لكن كان على أبي أن يبيع كل شيء راكضاً وراء الحلم الأوروبي ليؤمن لنا مستقبلاً أفضل" .
كانت داشني مراد تبلغ 5 أعوام عندما ركضت خلف الطوافات المروحية التي توزع معونات للهاربين من القتال في شمال العراق، اليوم هي واحدة من أكثر الشخصيات تأثيراً في كردستان
اللجوء في هولندا
لعل داشني تعلمت الصبر والمثابرة من والدها الذي سبح 7 مرات من تركيا إلى اليونان لتقديم لجوء إلى بلد أوروبي. وكان يُقبض في كل مرة ويعنف ثم يرسل إلى تركيا. إلى أن نجح في المرة الأخيرة بالوصول إلى اليونان ثم ذهب إلى إيطاليا فألمانيا حتى تمكن أخيراً من تقديم لجوء إلى هولاندا.
معاناة داشني لم تتوقف عندما وصلت إلى هولندا، إذ تفسر "في البداية، كان كل من في القرية ينظر إلينا بطريقة مختلفة، وكان الكثير من الأطفال يستهزئون بي لأني لم أتكلم اللغة الهولندية ولأن لدي شعراً على جسدي". تروي داشني أن هذه الفترة كانت صعبة جداً لأنها كانت تشعر أن هناك خطأً ما في شكلها الخارجي.
هكذا وقعت داشني في طفولتها بين قطبي الشرق والغرب. ففي كردستان لم تكن لديها فرصة للحصول على الأمان أو التعليم، وفي هولندا، كانت تعامل كمواطنة من الدرجة الثانية.
ترى داشني أنها حتى في وطنها كانت تعامل كمواطنة من الدرجة الثانية لأنها فتاة. سألت نفسها مراراً "لماذا كان بإمكان أخي أن يترك المائدة عندما ينتهي من الأكل ولم أتمكن أنا من ذلك؟" وتضيف "كنت أغضب جداً وأشعر أن ناراً داخلي تشتعل، ومع الوقت قررت أن أثور".
كرهت داشني حينها أنوثتها لأنها كانت ترى أن الذكور وحدهم بإمكانهم أن يصلوا إلى ما يريدون.
عملها كمذيعة ومغنية
في غمرة هذه الصعوبات، وجدت داشني في الموسيقى مفراً لها. فقد أعطتها الموسيقى طريقاً للهرب من العالم الذي كانت تعيش فيه بالرغم من معارضة أهلها الذين اعتبروا أن الموسيقى لا تلائم بيئتهم، وأن ألسنة الناس ستبدأ بالكلام عنهم إذا اتخذت هذا الطريق. انضمت داشني بداية إلى عالم الترفيه وعملت في قناة تلفزيونية كردية في ألمانيا قدمت من خلالها برنامجاً عنوانه "دون حدود"، الذي تمت إذاعته في كردستان وحقق نجاحاً واسعاً. ترى داشني أن البرنامج ساهم في كسر الكثير من الحواجز الثقافية والتقليدية لدى الفتيات الكرديات. عند عملها في القناة الكردية عادت داشني لتحب لغتها أكثر بعدما تخلت عنها، ظانةً أنها السبب في كونها مختلفة عن الآخرين. قررت العودة إلى كردستان عام 2007 وعملت مقدمة لبرنامج خاص بالمرأة على القناة الكردية في أربيل.أصدرت داشني، أو كما لقبتها صحيفة LA times بشاكيرا كردستان، العديد من الأغاني التي تمزج بين الطابعين الكردي والغربي, باللغتين الكردية والإنجليزية, متبعةً أسلوب الغناء الاستعراضي الذي اعتبره البعض مسيئاً للأغاني الكردية.
لاقت أغانيها نجاحاً واسعاً، والكثير منها يدور حول حقوق الطفل والمراة والسلام.
مهنياً، تعرضت داشني أيضاً للتمييز الجنسي والاستغلال والابتزاز، مما عرقل أعمالها وجعلها تتوارى عن كردستان لمدة قصيرة. ولكنها ما لبثت أن عادت أقوى وأكثر مرونة.
وعندما سألناها لماذا عادت إلى كردستان، قالت: "عدت لأن لدي مهمة لأنجزها ولدي قوة لا يمكن لأحد أن يطفئها، هي صوتي. سأبقى أدافع عن حقوق الأطفال المعرضين للحرب والفقر وعن حقوق النساء حتى آخر نفس لي".
أسست داشني عام 2013 منظمة Green Kids غير الحكومية التي تعمل في مجال حقوق الطفل، لا سيما حق الطفل بالحصول على التعليم، وخاصة التعليم البيئي. تساهم المنظمة بإعادة إعمار العديد من المدارس الفقيرة والمهملة وتزود المدارس بالكتب والمستلزمات الدراسية. كما تسعى المنظمة إلى مساعدة الأطفال اللاجئين في المخيمات المنتشرة في كردستان.
&t=27sرصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.