شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
عن جريمة قتل ريبيكا دايكس و

عن جريمة قتل ريبيكا دايكس و"أفضلية" الضحية الأجنبية في مجتمع ذكوري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 18 ديسمبر 201710:21 م

مع كل جريمة قتل و/ أو اغتصاب تهز الشارع اللبناني، يعود النقاش حول وضع النساء الهشّ في لبنان إلى مربّعه الأول. بدءاً من الأحكام المسبقة التي تلاحق الضحية (في حال نجاتها أو موتها) وعائلتها، مروراً بتعامل القوى الأمنية مع حالات مماثلة، وصولاً إلى ما يعتري القوانين اللبنانية من ثغرات تحول دون حماية الضحايا بالشكل اللازم.

لكن ذاك الصندوق الذي وُجد مرمياً على قارعة طريق المتن السريع في لبنان، وفي داخله جثة فتاة مشوهة، لا يمكن تخيّل ما قد مرت به قبل قتلها، فتح النقاش على بعد آخر لمفهوم الضحيّة.

في أقل من 48 ساعة... حددوا هوية القاتل واعتقلوه

في هذا البعد حضر التمايز الثقافي والمجتمعي والوظيفي لتلك الفتاة، فترك شعوراً أن ثمة ضحايا بامتيازات وبمسوّغات تدفع المسؤولين للتعامل بجدية مع حالة دون أخرى.

وبينما لم تشهد قضايا مشابهة أداء عالي المستوى، ظهرت هوية مرتكب الجريمة الأخيرة وألقي القبض عليه في أقل من 48 ساعة.

في القتل كما الاغتصاب، لا فرق بين ضحيّة وأخرى، مهما اختلفت الظروف والمستويات. ولكن استنسابيّة التعامل مع هذا النوع من الجرائم بدا واضحاً.

بعد اكتشاف الجثة المرمية على الطريق في محلة نهر الموت - طريق المتن السريع، تمّ تعميم مواصفات الفتاة: "نحيلة البنية، بيضاء البشرة، شعر كستنائي، عينان زرقاوان، ترتدي فستاناً لون ليلكي غامق، جاكيت سوداء، حذاء لون أسود".

لم تكن هويتها قد عُرفت بعد، لكن صورة للجثة ظهرت حيث يبدو حبل ملفوفاً على رقبتها، تبيّن لاحقاً أنه استخدم لقتلها.

حصل جدال بشأن إظهار صورة الضحية، حتى مع تغطية الوجه، ثم تبيّن لاحقاً أن الفتاة بريطانية وتعمل في سفارة بلادها في لبنان.

ريبيكا دايكس. ثلاثينية وصلت إلى لبنان مطلع العام الحالي لتعمل كمديرة البرنامج والسياسات في إدارة التنمية الدولية.

nintchdbpict000373657256

قبل حلول عيد الميلاد، الذي كانت قد وعدت حسب عائلتها في بريطانيا بتمضيته هناك، أمضت سهرتها في أحد مقاهي شارع الجميزة اللبناني الشهير بحياته الليلية.

حوالي منتصف الليل، أرادت العودة إلى منزلها مستخدمة Uber، ليتبيّن لاحقاً أن السائق طارق ح. هو من قتلها، بينما تمّ ترجيح اعتدائه عليها من دون البت به.

سريعاً، أصدرت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي بياناً تقول فيه إنها "تمكنت أن تلاحق سيارة القاتل الذي اعترف بجريمته، من خلال كاميرات مراقبة مثبتة من قبل وحدة غرفة التحكم المروري بين منطقة الأشرفية ونهر الموت".

من جهته، نوّه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بـ"الجهود الاستثنائية" لقوى الأمن الداخلي وشعبة المعلومات، بعد كشف ملابسات الجريمة وإلقاء القبض على المرتكب بـ"سرعة قياسية". وهذا ما رأى فيه الوزير طمأنة للبنانيين وللرعايا الأجانب.

الصندوق الذي وُجد مرمياً على قارعة طريق المتن السريع في لبنان، وفي داخله جثة فتاة مشوهة، فتح النقاش على بعد آخر لمفهوم الضحيّة...
يبقى أن فتاة كدايكس عاشت أسوأ لحظات حياتها قبل أن تموت وترمى في صندوق بائس على أرض غريبة. ويبقى أن ثمة فتيات سبقنها إلى هذا المصير البشع، وفتيات أخريات يزداد خوفهن من فم ذاك الوحش المشرّع لابتلاع المزيد منهن

ما يجمع الضحايا وما يفرقهن

تلك السرعة القياسية كانت لافتة للنظر، باعتبارها تمييزاً لضحية دون أخرى.

علّقت جمعية "كفى عنف واستغلال"، المعنيّة بشؤون النساء والعنف الممارَس ضدهن، في بيان أشادت فيه بالتحرك السريع في قضية قتل الديبلوماسية البريطانية، لكنها تمنت "أن نشهد هذه السرعة في التحرّك والفعالية في كافة الجرائم ولا سيما جرائم العنف الأسري والعنف الجنسي".

وكان قتل دايكس قد أعاد إلى الأذهان مسلسل جرائم قتل واغتصاب شهدتها المناطق اللبنانية في فترات سابقة، وتحديداً خلال العام الحالي.

ما يجمع الضحايا بدايكس هو بشاعة الجريمة والجرح العميق الذي حفرنه داخل كل فتاة، تشترك معهما في احتمال أن تكون في الموقع نفسه، بفعل نظام اجتماعي وثقافي وقانوني ظالم.

لكن ما يفرقهن عنها بشع كذلك.

علّقت إحدى السيدات على مقتل دايكس لافتة إلى "انضباط" المجتمع اللبناني في التعليق على الضحية نفسها، ومسألة خروجها وثيابها.

ولهذا التعليق أبعاده التي شغلت العديد من الناشطين من أجل التوعية بشأن الأحكام المسبقة، التي تنحى لتحميل النساء مسؤولية واغتصابهن وقتلهن، كما تحميل عائلاتهن وزر ما يحدث لهن.

لم يشهد قتل دايكس الأجنبية مثل هذا النقاش، لكن في المقابل، نساء كثيرات تخبطن ويتخبطن مع عائلاتهن بشأن اتهامهن بالمسؤولية عن اغتصابهن، نتيجة لباسهن "الفاضح" أو تصرفاتهن، أو بسبب خروجهن ليلاً للسهر.

وتفيد هنا العودة إلى ما كتبته عزة شرارة بيضون في كتابها "الجندر... ماذا تقولين؟" بشأن ذكورية رجال الشرطة أنفسهم.

تقول بيضون "تشير روايات الناجيات إلى أن البوليس - المستقبِل الأول والمباشر للضحية - لا تختلف ردوده على الضحية عما هو شائع، أي إلقاء اللوم عليها وإغفال جرم الجاني".

جرت حملات توعية لرجال الأمن في الفترات الماضية للتعامل مع حالات مشابهة، لكن بقيت النظرة الذكورية غالبة، وبقي كذلك مستمراً مبدأ "تلويم الضحية".

المجرم اللبناني واحد... والسوري جماعة

إن لعبت جنسية دايكس لمصلحتها ما بعد قتلها، حظي المجرم بـ"امتياز" كونه لبناني.

في السياق اللبناني، لا يلحق التعميم القاتل فهو يبقى فرداً، إما مريضاً نفسياً أو مجرماً.

يذكر ذلك بحالة الشابة السورية التي اختارت القفز من الباص لتلقى حتفها عوض الخضوع للابتزازات الجنسية من السائق اللبناني. هناك بقيت الحالة فردية وكذلك رد الفعل عليها.

أما في حالة الشابة ريا الشدياق التي اغتصبت وقتلت في مزيارة ظلماً، فلأن القاتل سوري، جرى تعميم سلوكه الإجرامي على أبناء بلده، وانتشرت دعوات لطردهم والتنكيل بهم.

قد تنفع السخرية هنا بطرح سؤال "ماذا لو عمدت السلطات البريطانية إلى طرد الجالية اللبنانية في بريطانيا، وتحميلها جريرة ما ارتكبه اللبناني بحق إحدى بناتها؟".

مع كل جريمة يعود النقاش إلى مربعه الأول. أما الاستنكار فيبدو مقولباً حسب الميول والمصالح، وما سيعود به على صاحبه.

في المحصلة، يبقى أن فتاة كدايكس عاشت أسوأ لحظات حياتها قبل أن تموت وترمى في صندوق بائس على أرض غريبة.

ويبقى أن ثمة فتيات سبقنها إلى هذا المصير البشع، وفتيات أخريات يزداد خوفهن من فم ذاك الوحش المشرّع لابتلاع المزيد منهن.

كل ذلك، وعيون مجتمع ذكوري كثيرة تكتفي بالنظر والانتظار، إلى حين وقوع جريمة تعاجلها باستنكار، ثم تتابع حياتها بهدوء لا مبال.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image