بعد أكثر من ست سنوات على الإطاحة بمعمر القذافي، لا تزال ليبيا تعيش حالة فوضى وبلا حكومة مركزية، إذ تتنازعها جماعات مسلحة متصارعة لها واجهات سياسية. لكن تغيّرات كثيرة لحقت بخريطة القوى المسيطرة على الأرض، وقابلتها تحركات دولية تسعى إلى إنهاء الصراع الدائر في البلد.
في السنة الأخيرة، تغيّرت خريطة القوى المسيطرة على الأرض في ليبيا وتركّزت القوى الأساسية في يد شخصين بارزين هما المشير خليفة حفتر، قائد "الجيش الوطني الليبي"، وفايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، ما قد يسهّل حل النزاع، إذا توحّد الطرفان.
وتتلخص التحركات والمفاوضات الدولية التي تهدف إلى إيجاد حلول في مسارين: الأول سياسي برعاية أممية في مفاوضات تستقبلها تونس، والآخر عسكري تشرف عليه مصر لمحاولة إنشاء جيش ليبي موحّد من القوى المشتتة.
المسار العسكري للمفاوضات
على المسار العسكري، استضافت مصر حتى الآن ثلاث جولات لمفاوضات بين قيادات عسكرية ليبية ضمت ممثلين عن الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر، بالإضافة إلى ضباط محسوبين على حكومة السراج، وآخرها كانت في بداية نوفمبر.
وذكرت جريدة الشرق الأوسط في تقرير أن الجولة الأخيرة توصلت إلى نقاط اتفاق شبه نهائية حول توحيد الجيش الليبي، وشُكلّت لجنة موحدة لصياغة الاتفاق.
وكذلك، هناك طرف ثالث أقل قوّة هو خليفة الغويل، رئيس الحكومة الإنقاذ الوطني (منبثقة عن المؤتمر الوطني العام الليبي المنتهية ولايته)، والذي عاد العام الماضي للبحث عن دور سياسي ويحظى بتأييد ميليشيات عسكرية. وبعد أن خرج من السلطة في 5 أبريل 2016 ليفسح المجال لعمل حكومة الوفاق الوطني، قرر العودة عن قراره في 14 أكتوبر 2016، لأن حكومة الوفاق فشلت برأيه، واقترح تشكيل حكومة وحدة مع حكومة الثني.
وبعد سيطرة الغويل على بعض أحياء طرابلس، تمكنت الميليشيات الداعمة للسراج من إخراجه منها، وهو عملياً لا يسيطر حالياً على شيء.
وتتكون غالبية قوات حفتر من مقاتلين غير إسلاميين تساندهم قوات نظامية كان عناصرها في جيش معمر القذافي، ونجحت في تحقيق انتصارات في الشرق والجنوب والتواصل مع قيادات في الغرب. ونجح حفتر في تقوية أسهمه السياسية وإظهار أن قواته هي التي سيعتمد عليها الجيش الليبي الموحّد في المستقبل، بحسب ما قاله المحلل والصحافي عبد الستار حتيتة لرصيف22.
على صعيد التنظيمات المتطرفة، يلاحظ الخبير في شؤون الحركات الإسلامية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمد جمعة اختفاء وتواري غالبيتها عن الأنظار حالياً بالمقارنة مع نشاطها بعيد الثورة، وذلك في مقابل توسع حفتر والسراج في السيطرة على الأرض.
وتحاصر قوات حفتر تنظيم مجلس شورى مجاهدي درنة الذي يستلهم فكر تنظيم القاعدة في مدينة درنة، بينما تمكنت قوات البنيان المرصوص من طرد تنظيم داعش من مدينة سرت في ديسمبر 2016، واختفى أنصار الشريعة وميليشيات فجر ليبيا من الساحة.
وتوجد حالياً مجموعات متطرفة صغيرة بجنوب سرت وتشنّ غارات وعمليات ضد قوات البنيان المرصوص في سرت وضد قوات حفتر في الحقول الليبية ونفّذت عمليات في وسط مصراتة.
المسار السياسي للمفاوضات
وبالنسبة إلى المسار السياسي، ترعى الأمم المتحدة من خلال موفدها إلى ليبيا غسان سلامة، منذ 26 سبتمبر الماضي، محادثات بين الطرفين الليبيين الأساسيين: برلمان طبرق الداعم لحفتر، وحكومة الوفاق برئاسة السراج، وذلك لتعديل اتفاق الصخيرات الموقع عام 2015.
[caption id="attachment_128577" align="alignnone" width="700"] غسان سلامة، موفد الأمم المتحدة إلى ليبيا[/caption] لكن المفاوضات متعثرة منذ آخر جولة جرت في 21 أكتوبر الماضي، وسط خلاف حول تعديل البند الثامن من اتفاق الصخيرات الذي نص على منح حكومة الوفاق الوطني سلطة تعيين قائد الجيش، إذ يرفض "برلمان طبرق" تمكين حكومة الوفاق الوطني من هذه الصلاحية لأنه لا يقبل احتمال المس بخليفة حفتر.وقال الباحث المختص بالشأن الليبي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية زياد عقل لرصيف22 إن الأزمة الرئيسية في مفاوضات تونس تكمن في أن ممثلي برلمان طبرق (جبهة خفتر) وحكومة الوفاق والمجلس الرئاسي (جبهة السراج) غير مخولين اتخاذ قرارات نهائية إذا طُرحت حلول خلال الاجتماعات، وبالتالي هم غير قادرين على حسم الخلاف الجوهري والرئيسي في المادة 8 التي تتعلق بمَن يقود القوات المسلحة الليبية.
ويشير عقل إلى أن الأمم المتحدة أخطأت في بداية تدخلها في الصراع عام 2015 بعدما تبنّت اتفاقاً سياسياً في منتجع الصخيرات بالمغرب لم تتوافق عليه الأطراف، ويضيف أنها الآن تسعى إلى تعديله، لافتاً إلى أن هناك فجوة بين التحركات السياسية الدولية وبين الواقع العسكري الميداني الموجود على أرض ليبيا. ونص اتفاق الصخيرات على تسوية بين الأطراف المتنازعة يتم بموجبها تشكيل مجلس رئاسي يقوده فايز السراج مُكلّف بتشكيل حكومة وحدة وطنية، على أن يكون برلمان البلاد الذي يصادق على التشكيلة الحكومية هو البرلمان الشرعي المنتخب عام 2014 والذي يتخذ من مدينة طبرق مقراً له. وانتقل أعضاء المجلس الرئاسي إلى طرابلس في مارس 2016 واستلموا مقار الوزارات، لكن لم تخرج حكومة ليبية إلى النور لأن برلمان طبرق رفض كل التشكيلات التي اقتُرحت عليه.ثلاث حكومات، وجماعات إسلامية، ومجموعات قبلية، وكتائب قد تغيّر ولاءاتها.. تعرّف على خريطة القوى المسيطرة في ليبيا
تغيّرت خريطة القوى المسيطرة على الأرض في ليبيا وتركّزت القوى الأساسية في يد شخصين بارزين... ولكنها لا تزال متشظية
انقسامات دولية
ورغم اعترافه بالخلافات القائمة خلال مباحثات تعديل الاتفاق السياسي، أكد المبعوث الأممي عقب انتهاء آخر جولة في أكتوبر الماضي، أنه "سيواصل مساعيه لتنفيذ جميع عناصر خطة العمل الأممية حول ليبيا والتي تبناها مجلس الأمن"، وقال مؤخراً إنه ما إن يتم التوافق على حكومة وحدة وطنية، سيجري عقد مؤتمر وطني جامع في فبراير 2018 واختيار جسم جديد لقيادة البلاد، ووضع خطة لبناء دستور جديد يمهد الطريق أمام إجراء انتخابات خلال العام المقبل.
لكن عقل يؤكد أنه بدون دعم القوى الدولية لجهود الأمم المتحدة لن يحدث تقدّم في المفاوضات إذ تنقسم القوى الدولية بشأن دعم القوى الأساسية، فالسراج يحظى بدعم أممي، وفي المقابل يحظى حفتر بدعم فرنسي ومصري وإماراتي.
حديث عقل اتفق معه الباحث محمد جمعة الذي يرى أن لا قدرة على الحسم العسكري سواء من جانب حفتر أو السراج، وبالتالي يستمر الصراع في الداخل الليبي نتيجة لتضارب مصالح الدول الإقليمية والغربية.
في 25 يوليو الماضي، استقبلت فرنسا السراج وحفتر، وأصدرا بياناً مشتركاً للمرة الأولى يدعو إلى وقف إطلاق النار وتنظيم انتخابات بأسرع ما يمكن. بيد أن الطرفين يتسابقان من أجل الحصول على مكاسب عسكرية على الأرض، كما في منطقة ورشفانة (30 كيلومتراً غرب العاصمة طرابلس).
وبرأي عقل، فإن المقاربة التي تعمل عليها مصر من خلال جذب العسكريين السابقين من جميع الأطراف الليبية للتحاور هي "محاولة ذكية" من شأنها تجميع جميع القيادات العسكرية السابقة الموجودة في غرب ليبيا للجلوس في مفاوضات مباشرة مع حفتر، وإذا نجحت فستحسم الصراع الدائر.
خارطة سيطرة القوى السياسية المتنازعة في ليبيا
1ـ حكومة الوفاق الوطني
[caption id="attachment_128580" align="alignnone" width="700"] رئيس المجلس الرئاسي يلتقي الفريق الوطني وبعثة الاتحاد الأوروبي لأمن وإدارة الحدود[/caption] ـ تدعمها الأمم المتحدة ويتزعمها فايز السراج.ـ تسيطر على غرب ليبيا (الجزء الأكبر من العاصمة طرابلس ومصراتة والزاوية والحدود الليبية مع تونس والمناطق الساحلية مثل الخمس وزوارة وصبراتة وزليتن).
ـ تضم قوات منظمة حين أطلقت عملية البنيان المرصوص التي استهدفت داعش، وهي مكوّنة بشكل أساسي من ميليشيات مصراتة (أبرزها ميليشا القوة الثالثة التي طردت من جنوب ليبيا، والردع التي يقودها رؤوف كارا وثوار طرابلس التي يقودها هيثم التاجوري)، ومن ميليشيات وأفراد من المناطق المحيطة في غرب ليبيا مثل زليتن وترهونة وغريان ومسلاتة والزاوية وطرابلس.
ـ يقدر عدد مقاتليها بحسب مصادر مقرّبة من المجلس الرئاسي بـ35 ألفاً. ولكن هذا الرقم مبالغ فيه وُيعتقد أنها تضم من 10 إلى 20 ألفاً.
2ـ برلمان طبرق (خليفة حفتر)
[caption id="attachment_128586" align="alignnone" width="700"] من مظاهرات في العاصمة طرابلس في مارس 2017[/caption] ـ يترأس المشير خليفة حفتر "الجيش الوطني الليبي"، وهو قوة عسكرية يدعمها برلمان يترأسه عقيلة صالح، وحكومة مؤقتة يترأسها عبد الله الثني (اتفقت مع السراج على تشكيل حكومة وحدة).ـ يسيطر على مدن إقليم برقة (طبرق، أجدابيا، بنغازي مع وجود جيوب صغيرة لقوى مناوئة، البيضاء والكفرة) ما عدا مدينة درنة، بجانب مدن في إقليم فزان جنوب ليبيا (سبها والكفرة والجفرة) والمناطق الحدودية مع السودان ومصر وتشاد.
ـ يقول حفتر إن عدد قواته يبلغ 65 ألف مقاتل، لكن الرقم غير موثق. ويتشكل جيشه أساساً من القوات الخاصة مثل الصاعقة ولواء الدبابات 204 التي انشقت عن جيش القذافي في بداية الثورة، إضافة إلى سلاح الجو وقاعدة بنينا وطبرق للدفاع الجوي والشرطة والبحث الجنائي والشباب السلفي وشباب المناطق الداعم للجيش ومجموعات تم تشكيلها حديثاً كجزء من الجيش الليبي مثل القوات البرية 106 بقيادة خالد حفتر، نجل المشير. ـ في يونيو 2017، أعلن أنه يسيطر على أكثر من 80% من مساحة ليبيا.3ـ حكومة الإنقاذ الوطني
ـ هي حكومة منبثقة عن المؤتمر الوطني العام (المنتهية ولايته) ويقودها خليفة الغويل الذي عاد للظهور بداية 2016. ـ طُرد من أغلب مناطق سيطرته مع انتشار بعض قواته جنوب طرابلس ومناطق متفرقة، وأغلبيتهم في مدينة مصراتة وبعض مدن غرب ليبيا مثل غريان وترهونة.4ـ الجماعات الإسلامية المسلحة
أ ـ أنصار الشريعة
مجموعة إسلامية مسلحة مقربة من فكر تنظيم القاعدة وكانت تنتشر في مدن درنة وصبراتة وبنغازي ومصراته وطرابلس وسرت قبل أن تعلن حل نفسها في مايو الماضي، وهي متوارية عن الأنظار الآن، ويقول البعض إنها تنشط تحت مسميات أخرى وتحالفات وانضم أفرادها إلى تنظيم داعش وغيره من التنظيمات.
ب ـ مجلس شورى مجاهدي درنة
يتكوّن من مجموعات مسلحة إسلامية تعتنق فكر الجهادية ولها ارتباط بتنظيم القاعدة، من أبرزها أبو سليم. ويقول البعض إنه يتبع لأنصار الشريعة، لكنه ينفي علاقته بها ونجح في طرد داعش من مدينة درنة ويسيطر عليها ويحاول حفتر نزعها منه.
ج ـ سرايا الدفاع عن بنغازي
عقب فترة سيطر فيها على معظم بنغازي مجلس شورى ثوار بنغازي الذي كان يتألف من جماعات إسلامية تضم أنصار الشريعة ولواء ثوار 17 فبراير ولواء راف الله السحاتي، تم حل المجلس وشُكّل مجلس جديد ضم معظم الذين استطاعوا الهروب إلى غرب البلاد ومَن ساندوهم تحت مسمى "سرايا الدفاع عن بنغازي". وينشط في جيوب صغيرة بمدينة بنغازي في شرق ليبيا.
دـ مجلس شورى ثوار أجدابيا
جماعة إسلامية مسلحة كانت تتمركز في مدينة أجدابيا الساحلية غرب بنغازي ويقودها محمد الزوي، ويعتبرها البعض أحد مسمّيات أنصار الشريعة ويتردد أنها بايعت داعش. انضم عناصرها إلى مجموعة سرايا الدفاع عن بنغازي بعد أن طردهم الجيش الليبي من المدينة.
ه ـ داعش
يتكون من مقاتلين أجانب وعدد من المنشقين عن أنصار الشريعة. سيطر على مدينة درنة إلى أن طُرد منها عام 2015 ثم اتخذ من سرت مقراً له ثم أخرجته منها قوات السراج عام 2016، والآن يتمركز في جنوب مدينة سرت وصولاً إلى عمق الصحراء جنوباً. وقدّرت الأمم المتحدة أعداد مقاتليه في 2016 بين ألفين وخمسة آلاف.
5ـ الجماعات القبلية المسلحة
تتمركز أبرز الجماعات القبلية المسلحة في جنوب ليبيا (إقليم فزان). في أبريل 2017، وقع اتفاق في العاصمة الإيطالية روما بين ممثلين عن ثلاث قبائل هي: أولاد سليمان والتبو والطوارق، بجانب ممثلين من حكومة الوفاق، وينص على ضبط خمسة آلاف كيلومتر من الحدود الجنوبية للحد من نشاط تهريب المهاجرين إلى أوروبا.
ومن أبرز قبائل إقليم فازان:
أ ـ قبيلة أولاد سليمان ومنها كتائب الردع، أحرار فزان، وشهداء سبها. وتدعم حكومة الوفاق.
ب ـ قبيلة التبو ولديها نحو أربعة آلاف مسلح، في الصحراء الكبرى بجنوب شرق ليبيا، وتدعم حفتر.
ج ـ الطوارق، وهي أكبر قبائل الصحراء الكبرى وذات أصول أمازيغية، تنتشر في جنوب غرب ليبيا إلى جنوب الجزائر وشمال مالي وشمال النيجر وشمال بوركينا فاسو، وتوالي حكومة الوفاق الوطني، وثار خلاف بينها وبين قبيلة التبو الموالية لحفتر قبل توقيع اتفاق روما.
د ـ قبيلتا المقارحة والقذاذفة تدعمان حفتر وتمثلان امتداداً لسيطرته في الصحراء الكبرى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.