سنبدأ المزاد بـ 800، هكذا يقول الرجل الذي يدير عملية البيع.
يأتي صوت من بين المحتشدين، سأدفع 900، فيرد عليه صوت أعلى "أدفع 1000".
ترى من سيدفع أكثر؟
يأتي الصوت الحاسم: "سأدفع 1200 دينار".
لا نتحدث هنا عن مزاد يتم فيه بيع سيارة مستعملة، أو قطعة أرض، أو حتى قطعة أثاث، أو أي نوع من أنواع البضائع، فمن تم بيعهما في هذا المزاد بمبلغ 1200 دينار ليبي (حوالي 800 دولار) هما اثنان من البشر.
يُظهر فيديو التقط بكاميرا هاتف محمول، واستطاعت شبكة سي إن إن الأمريكية الحصول عليه، شخصاً بِيع في مزاد أقيم قبل بضعة أشهر في ليبيا. وهو من نيجيريا، في العشرين من العمر، وقد بيع باعتباره قوياً يمكنه العمل كمزارع.
هل هذا الفيديو حقيقي؟
بعد وصول هذا الفيديو لسي إن إن، قررت الشبكة إرسال فريق خاص إلى ليبيا للتأكد من صحته، ولإجراء مزيد من التحقيقات.
وهكذا كان، تأكد الفريق من صحة الفيديو، إذ تنتشر هناك مزادات لبيع أفراد من أجل العمل في مهن مختلفة، ويتجمع التجار لاختيار الشخص الذي يرغبون في اقتنائه مقابل مبلغ من المال.
يُظهر الفيديو شخصاً بِيع شاباً نيجيرياً في العشرين من العمر في مزاد أقيم في ليبيا، وقد بيع باعتباره قوياً يمكنه العمل كمزارع
تنتشر في ليبيا مزادات لبيع أفراد من أجل العمل في مهن مختلفة ويتجمع التجار لاختيار الأنسب مقابل مبلغ من المال
شهد فريق سي إن إن وقائع بيع رجل قوي باعتباره "قادراً على تشغيل أي محفار". وحصلت الشبكة على شهادات تؤكد أن مزادات بيع البشر تتم على الأقل في ثماني مدن في ليبيا.
الأشخاص الذين يتم بيعهم هم في الغالب لاجئون يفرون من النزاعات المسلحة أو الاضطهاد أو الصعوبات الاقتصادية في بلدانهم، إذ تبدأ صعوبات رحلتهم لدى السفر عبر صحارى شاسعة، ثم تتوالى، منها التحدي الكبير الذي يدخلون فيه بهدف السفر عبر البحر الأبيض المتوسط على متن قوارب متهالكة إلى أوروبا. وإذا لم يستطيعوا ذلك يكافحون من أجل البقاء في أحد مراكز الاحتجاز المكتظة التي يديرها مهربون.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن هناك العديد من الانتهاكات التي تحدث لهؤلاء المهاجرين في مراكز الاحتجاز، منها العمل القسري والاعتداء الجنسي والتعذيب الذي قالت الأمم المتحدة إنه منتشر على نطاق واسع في هذه المراكز.
ومعظم هؤلاء باعوا كل ما يملكون بهدف تمويل رحلتهم، لكن الحملات التي يقوم بها خفر السواحل لوقف الهجرة غير الشرعية إلى ليبيا، صعّبت الأمر وجعلت خروجهم من البلاد شبه مستحيل، وهو ما جعلهم فريسة لمهربين يتعاملون معهم على أنهم عبيد.
لم تكتفِ سي إن إن بتوثيق ما يحدث للمهاجرين، بل قدمت فيديوهات ودلائل تثبت ذلك إلى السلطات الليبية التي وعدت بفتح تحقيق.
بحسب تقرير سي إن إن ، فإن المزادات تحدث في مدن تبدو الحياة فيها طبيعية جداً، فالمواطنون الليبيون يمارسون حياتهم بشكل عادي، ويمرون بأمكنة المزادات أثناء التوجه إلى أعمالهم من دون الالتفات لها، والأطفال يلعبون في الشوارع. يبدو الأمر وكأن الليبين تعودوا على المشهد ولم يعد يثير استغرابهم.
يصف صحافيو سي إن إن الأمر بأنه أشبه بالعودة إلى عصور ولت حين كان يباع الرقيق بشكل عادي، وذكروا أن الفرق الوحيد بين الماضي واليوم هو عدم وجود أغلال حول معصمي وكاحلين الشخص المرشّح للبيع.
ما الذي حدث بعد تقرير سي إن إن؟
بعد بث تقرير سي إن إن، خرج مئات المتظاهرين يوم السبت الماضي، وأغلبهم من الشباب ذوى البشرة السمراء، إلى وسط العاصمة الفرنسية باريس، وبالتحديد أمام السفارة الليبية، حاملين لافتات تطالب بوضع حد للعبودية ومعسكرات الاعتقال فى ليبيا، كما هتفوا "الحرية لأشقائنا".
لكن سرعان ما اتخذت الاحتجاجات شكلاً عنيفاً جعل الشرطة الفرنسية تطلق الغاز المسيل للدموع لتفريق المسيرة.
كما أصدر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقى موسى محمد بياناً ندد فيه بعملية طرح المهاجرين فى مزادات علنية ووصف الأمر بالحقير.
تقول المنظمة الدولية للهجرة إن هناك ما بين 700 ألف إلى مليون مهاجر فى ليبيا، وفد لقى أكثر من 200 ألف منهم مصرعهم لدى عبور البحر المتوسط.
ولم تكن سي إن إن أول وسيلة إعلام دولية تلفت النظر إلى ما يحدث للمهاجرين في ليبيا، ففي أبريل الماضي ذكرت صحيفة الجارديان أن مهاجرين من غرب أفريقيا كانوا يباعون في أسواق الرقيق الحديثة في ليبيا، استناداً إلى معلومات من المنظمة الدولية للهجرة، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة.
كذلك أشارت رويترز في مايو المنصرم إلى أن ليبيا صارت مسرحاً لتجارة الرقيق.
كيف تحولت ليبيا إلى سوق لتجارة الرقيق؟
بعد أحداث "الربيع العربي"، انزلقت ليبيا إلى حالة كبيرة من الفوضى، وبدأ فيها ما يمكن أن نطلق عليه حرب أهلية، وباتت مقسمة إلى عدة فصائل، إحداها حكومة ضعيفة في طرابلس، ولكنها مدعومة دولياً.
وتواجه ليبيا حالياً تحديات عدة، فمن جهة تحاول الدولة استعادة النظام وكسب الدعم الشعبي، في حين ينهكها التطرف الذي انتشر على نطاق واسع، بعدما صارت البلاد مرتعاً لعناصر الإرهاب من داعش والقاعدة.
أما محاولة توفير الخدمات الأساسية للمواطنين مثل المياه والكهرباء، فهي تحدٍ كبير لم تنجح الدولة حتى الآن في مواجهته.
وأدى انشغال الحكومة بالمشاكل الداخلية الأمنية والاقتصادية إلى غياب الرقابة على بيع البشر في المزادات العلنية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين