شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
يزعم مسؤولون أمريكيون أن الحرب ضد داعش هي الأكثر دقة في التاريخ... حقاً؟

يزعم مسؤولون أمريكيون أن الحرب ضد داعش هي الأكثر دقة في التاريخ... حقاً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 18 نوفمبر 201711:57 ص
يزعم مسؤولون عسكريون أمريكيون أن الحرب الجوية ضد داعش هي الأكثر دقة في التاريخ، لكن هل الأمر كذلك حقاً؟ بكل تأكيد لا. شهادات المئات من الأسر العراقية التي فقدت عدداً من أفرادها المدنيين في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد التنظيم المتطرف، تؤكد أن الكثير من المدنيين يموتون من دون أن يهتم أحد. يظهر تحقيق ميداني مهم قامت به نيويورك تايمز أخيراً أن الغارات الجوية التي شنتها قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ويستهدف محاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، أسفرت عن مقتل عدد كبير من المدنيين، أكثر مما ذُكر رسمياً. يبدأ التحقيق الميداني الذي يكشف الكثير من الأسرار، بواقعة حدثت يوم 20 سبتمبر من العام 2015، حين اكتشف باسم رازو، الذي يعيش في الموصل العراقية، مقتل زوجته ميادة، وهي نائمة على فراشها في الطابق العلوي من منزلهما، نتيجة قصف أصاب بيتهم. لم يفقد باسم زوجته فقط، فمنذ أن احتلت داعش الموصل هرب ابنه يحيى الذي كان يدرس في جامعة الموصل، إلى أربيل، ولم يرَه الأب منذ ذلك الحين. ولكن من قتل ميادة زوجة باسم؟ هل هو تنظيم داعش؟ الأمر ليس كذلك. ففي وقت لاحق من اليوم نفسه، قام التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا بتحميل مقطع فيديو إلى قناته على يوتيوب. دقق باسم النظر في المقطع الذي حمل عنوان "غارة للتحالف تدمر منشأة لداعش قرب الموصل"، وشعر بصدمة حين اكتشف أن المبنى الذي ادّعى التحالف إنه لمنشأة لداعش كان بيته.
"قد تكون هذه الحرب هي الأقل شفافية في التاريخ الأميركي الحديث" تقول النيويورك تايمز عن الحرب في الموصل
يزعم مسؤولون أمريكيون أن الحرب الجوية ضد داعش هي الأكثر دقة في التاريخ. هل الأمر كذلك حقاً؟

عن جريمة قتل المدنيين في العراق

يوثق المقطع المصور غارة من مئات الغارات التي قام بها التحالف في أغسطس من العام 2014. ويعتبر الجنرال شين هوف المتحدث باسم القيادة المركزية أن الولايات المتحدة وقوات التحالف تعملان من أجل القيام بغارات دقيقة، ووصف ما تقومان به بأنه "إحدى أكثر الحملات الجوية دقةً في التاريخ العسكري". وفي الغالب، يعلن التحالف عن كل غارة جوية جديدة بعد أيام قليلة من تنفيذها، كما ينشر تقريراً شهرياً يرد فيه على كل الاتهامات الموجهة له والمتعلقة بالضحايا المدنيين، واضعاً أي عدد يقتل من المدنيين في خانة "حوادث كان لا يمكن تجنبها". "منذ أغسطس 2014، تم قتل عشرات الآلاف من مقاتلي داعش، وقُتل فقط من المدنيين نحو 466 في العراق"، يقول التحالف بفخر. لكن ما كشف عنه تحقيق نيويورك تايمز هو أن التحالف لم يذكر اسم "ميادة" زوجة باسم في عداد المدنيين، بل في عداد الدواعش الذين يفخر بقتلهم. ما حدث مع ميادة حدث مع الكثيرين غيرها من المدنيين، وهو ما يظهر أن الأرقام المتعلقة بالقتلى المدنيين التي يصر عليها التحالف، ليست صحيحة. تشير تقديرات لبعض المنظمات غير الحكومية أن عدد القتلى المدنيين في الحرب ضد داعش أعلى بكثير مما يعلن، لكن التحالف يجادل في هذه الأرقام بحجة أنها لا تستند إلى معلومات استخباراتية محددة. وتظهر أرقام صادمة نجح فريق نيويورك تايمز في جمعها على مدى 18 شهراً، أن الحرب الجوية كانت أقل دقة بكثير من ادعاءات التحالف. فبين أبريل 2016 ويونيو 2017، قامت الصحيفة الأمريكية بزيارة مواقع ما يقرب من 150 غارة جوية على شمال العراق، أجرت خلالها مقابلات مع مئات الشهود والناجين والعائلات العراقية ومسؤولين محليين. لم يكتفِ فريق الصحيفة بذلك في جمع معلوماته بل قام بتصوير شظايا القنابل، والحصول على صور عبر الأقمار الصناعية لما حدث، بالإضافة إلى زيارة القاعدة الجوية الأمريكية في قطر، التي يوجه منها التحالف حملاته الجوية. وتحدث مع الجنود الأمريكيين هناك. نجح الفريق أيضاً في إجراء مقابلات مع كبار القادة ومسؤولي الاستخبارات والمستشارين القانونيين وخبراء تقييم الخسائر في صفوف المدنيين. توصل التحقيق إلى أن واحدة من كل خمس من ضربات التحالف أسفرت عن مقتل مدني، وهو ما يزيد بنسبة 31 مرة عما اعترف به التحالف. وعلى مسافة بعيدة من الادعاءات الرسمية، من حيث وفيات المدنيين. "قد تكون هذه الحرب هي الأقل شفافية في التاريخ الأميركي الحديث"، يقول تحقيق نيويورك تايمز. التحقيق أظهر أيضاً فشلاً واضحاً للتحالف في التحقيق في كل اتهامات الأهالي والمنظمات له في ما يتعلق بتسببه بقتل مدنيين.

لماذا قتل التحالف مدنيين؟

بحسب نيويورك تايمز، فإن  بعض الوفيات من المدنيين التي تم توثيقها كانت نتيجة لقربها من هدف شرعي لتنظيم داعش، لكن في المقابل كانت وفيات أخرى من المدنيين نتيجة أخطاء للتحالف، وعدم قدرة على التفريق بين المواطنين المدنيين والمقاتلين من الدواعش. تصف نيويورك تايمز وجهة النظر التحالف في الأمر قائلةً "التحالف يعتبر كل العراقيين مذنبين حتى تثبت براءتهم". لا يبدو أن التحالف يرغب في الاعتراف بقتله أعداداً كبيرة من المدنيين حتى لا يفتح على نفسه باب دفع تعويضات لهم. كما أن الاعتراف بالضربات الخطأ التي يقوم بها التحالف وتؤدي لقتل مدنيين لها ثمن آخر، وهو تكاليف إعادة بناء منازل المدنيين التي تم استهدافها، وحاجة أصحاب هذه البيوت للأثاث وغيره. بالإضافة إلى ارتفاع قيمة الفواتير الطبية للمصابين من تلك الضربات، ولا سيما بالنسبة للأطراف الاصطناعية وإعادة التأهيل. يلفت تحقيق نيويورك تايمز النظر إلى أزمة أخرى، هي فقدان الوثائق الحكومية نتيجة هذه الضربات، مثل بطاقات الهوية، وهذا الأمر يعني سنوات من التنقل في البيروقراطية. ولم يضع التحالف خططاً لعلاج كل ما سبق.

كوارث أمريكا في العراق سبقت داعش

في عام 2003، انتقلت ناشطة من شمال كاليفورنيا تدعى مارلا روزيكا إلى بغداد عازمةً على مساعدة العراقيين في طلب تعويضات نتيجة ما حدث لهم بعد الغزو الأمريكي للعراق. أسست الناشطة كياناً هدفه مساعدة المدنيين من تأثيرات الحرب، وجمع الأدلة على مقتل المدنيين في العمليات العسكرية الأمريكية. حاربت روزيكا من أجل حقوق العراقيين، واكتشفت أن ما يحدث للمدنيين بسبب الغزو الأمريكي لا يظهر في وسائل الإعلام. لكن في عام 2005، قُتلت روزيكا بتفجير انتحاري في بغداد، لكن جهودها لم تمت معها، إذ استمر الكيان الذي أسسته يوفر مساعدات للضحايا العراقيين المتضررين من العمليات القتالية الأمريكية، وأخذت هذه المساعدات شكل رعاية طبية وإعادة بناء المنازل. لكن عندما انسحب الأمريكيون عام 2011 توقفت المساعدات لضحاياهم من العراقيين المدنيين، ولم يتم إحياء مشروع روزيكا مرة أخرى عندما بدأت الولايات المتحدة الحرب ضد داعش عام 2014. حين سأل فريق نيويورك تايمز وزارة الخارجية الأمريكية عن السبب الكامن وراء وقف مشروع روزيكا برغم وجود مدنيين متضررين في حاجة للمساعدة، لم يتلقّى أي إجابة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image