شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"أطفال مقاتلي داعش في مهب الانتقام... على الطريقة الشيشانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 1 أغسطس 201701:07 م
الطبيب: ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ الطفل: قناص الطبيب (في حالة صدمة): ماذا كان والدك يعمل؟ الطفل: لقد كان أمير القناصين في أحد مراكز الاستشفاء في الموصل، دار هذا الحوار بين الطبيب العسكري "أبو حسن" وأحد الأطفال الذين جرى إحضارهم إليه لإسعافهم. كان الأطفال يصلون إلى المركز طوال أشهر في حالة هلع أو ضرر نفسي بالغ، لكن "محمد" (البالغ من العمر تسع سنوات) لم يكن يرتجف كغيره من الأطفال، ما أثار حشرية الطبيب ليجري معه هذه الدردشة. وردت هذه القصة في تقرير حديث لصحيفة "الغارديان" البريطانية، تناقش فيه مصير أطفال مقاتلي "داعش" في الموصل، بعد استعادة المدينة من أيدي هؤلاء. بحسب الصحيفة، علم أبو حسن لاحقاً أن محمد هو ابن واحد كان ضمن آخر مجموعة فرت من غرب الموصل، وكان والده "شخصية هامة" في تنظيم داعش، وبعد فرار الأخير وجدت القوات العراقية الخاصة محمد في قبو وسط جثث لمقاتلي التنظيم.

قصة محمد، بين الدراجة والرشاش

تحدثت "الغارديان" مع "محمد" (تم تغيير اسمه لدواع أمنية) فقال إنه كان مع سبعة رجال في قبو حين وصل الجنود العراقيون. وصف مشاهد عنف كثيرة، ولكنه روى أيضاً كيف كان والده يصطحبه للعب وقد اشترى له دراجة، وكيف كان يتعارك مع رفاقه في المدرسة. يستعيد كذلك أخبار مناوشاته مع شقيقاته، وعدم رغبته بالبقاء مع النساء والفتيات، ولذلك قرر الالتحاق بوالده. رأى مسؤولي التنظيم فيه قناصاً رغم صغر سنه، وسلموه بندقية كلاشنكوف بعدما استطاع إصابة أربعة أهداف من أصل خمسة بدقة. لم يكن والده يحبّذ ذلك، ولكن "لقد كنت الأول بين الأطفال هناك، وكنت سعيداً بالانضمام إلى فتيان الجنة، والآن أشتاق لذلك"، يقول محمد. بحسب الصحيفة، يظهر أن والدي محمد قد قتلا، أما عمه فيحاول إبقاءه بعيداً عن أهل الموصل، لا سيما من كانوا من جيرانه، خوفاً من ردود فعلهم الانتقامية، في ظل انعدام فرص الاحتضان مجدداً أو المصالحة في الوضع الحالي. هو اليوم بين الأطفال الذين يتم إخفاؤهم في مخيمات إغاثة في شمال العراق وفي منازل خاصة في شرق الموصل المحررة كما في الشمال الكردي، حيث يتواجد أفراد من العائلات وعمال متطوعين وعدد صغير من مسؤولين يحاولون تقديم ما استطاعوا من دعم. ليس انعدام التجهيز الكافي والافتقاد للتمويل أكثر ما يشغل بال هؤلاء على مصير الأطفال، بل هاجس الانتقام منهم. تقول مديرة مكتب المرأة والطفل في مقاطعة نينوى سكينة يونس لـ"الغارديان" إن "مشكلتنا مع أطفال داعش هو الانتقام، فهل تعتقد أن الأشخاص العاديين الذين تأثروا بتنظيم داعش سينسون كل ذلك؟". وتخبر يونس أنها استقبلت من الموصل آلاف الأطفال، و"يمكن القول إن 75% منهم يأتون من عائلات تنتمي لداعش"، موضحة أنه "ليس ثمة عدد محدد، لأن بعض الأطفال ليس لديهم هوية، لذا لا نعلم من هم، لكن يمكن القول إن 600 طفل يتيم من داعش يتواجدون في مخيم "حمام العليل". كانت يونس قد تقدمت بمقترح للحكومة، ولكن عدا مشكلة "أن الأشخاص هنا لا يتقبلون عائلات داعش بعد الآن"، ففي العراق غياب كامل للخدمات النفسية ولا يوجد استعداد لتبني برامج علاجية للتعامل مع الصدمات النفسية.

"نسل الشيطان"

هي قصة محمد لكنها كذلك قصة أطفال كثر ولدوا في بيئة متطرفة لآباء "إرهابيين"، ولدتهن فيها أمهاتهن طواعية أو اغتصاباً، أو أحضروا إليها مكرهين فتطبعوا معها. وبعد سقوط الآباء، قتلاً أو سجناً أو هروباً، وجدوا أنفسهم عراة وحيدين، دون أوراق ثبوتية، ووسط بيئة حاقدة تعرضت لأقسى أنواع الظلم من "داعش"، سواء في سوريا أو العراق وليبيا وتونس وغيرها من البلدان. في هذه البيئة، من يعتبر هؤلاء الأطفال من "نسل الشيطان" فتسقط عنهم كل مبررات الإنسانية والرعاية، ومن يراهم "وحوشاً صغيرة" تشبهت بآبائها ومدربيها فباتوا انتحاريين أو قاطعي رؤوس. حالهم في ذلك كحال زوجات وشقيقات وأمهات عناصر من "داعش" انخرطن في لعبة القتل. بعد فقدان من يحميهم يجد هؤلاء أنفسهم في مهب الانتقام، وكل حديث عن رعاية واحتضان وتأهيل يطالهم، يُقابل باعتراضات جمة، أو بالتجاهل. فمن تناثرت أجساد أطفاله أمام أعينه، ومن شهد اغتصاب أو سبي ابنته، ومن عايش شقيقاً له يُساق للذبح لا يمتلك ترف النقاش حول ما إذا كان أطفال ونساء "داعش" أجبروا على اللحاق بخطى الرجال أم لا، جلادين أم ضحايا، يستحقون العناية أم دفع الثمن؟ مع ذلك تبقى الأسئلة تلك محقة، ليس لاعتباراتها الإنسانية، بل لما تفرضه التجارب السابقة من حذر في التعامل مع أطفال حملوا وزر الانتقام مما فعله الكبار، فجرّ التطرف فيهم تطرفاً. تجربة سيراليون كانت نموذجاً، فمن عادوا من الجنود/ الأطفال، الذين أجبرتهم "الجبهة الثورية المتحدة" على مشاركتها القتل والترويع، وجدوا أنفسهم مكروهين في قراهم التي أسمتهم "أطفال الشيطان"، فرجعوا إلى التطرف مرة أخرى مع جماعة أخرى.

"عائلات الدواعش" في العراق

في العراق، أنشئت مخيمات عديدة لنقل عائلات مقاتلي التنظيم إليها. تأتي القصص كثيرة من هناك، بينما يحاول السواد الأعظم منهم إخفاء هوياتهم. والدة سبعينية انضم أولادها الثمانية لداعش، زوجات مقاتلين جرى تزويجهم غصباً، أولاد خلقوا نتيجة اغتصاب، شابة طُلقت في إحدى محاكم داعش وأخذها القاضي إلى بيته واستعبدها جنسياً، ثم فر هو وعائلته وأبقوها محتجزة في منزلهم... تسمي الشرطة العراقية المخيمات اليوم بمراكز إعادة التأهيل، لكن منظمة "هيومن رايتس ووتش" رأت أن "مخيمات ما يسمى بعائلات الدواعش لا علاقة لها بإعادة التأهيل، بل هي مراكز احتجاز بحكم الأمر الواقع للبالغين والأطفال الذين لم يُتهموا بأي مخالفات"، ودعت إلى "السماح لهذه الأسر بحرية الذهاب حيث يمكن أن تعيش بأمان". كما تتوارد الأخبار عن إصدار السلطات العشائرية والحكومية المحلية في مناطق عدة نداءات بالإخلاء ضد ما يسمى بـ"عوائل داعش"، بالإضافة إلى الهجوم بالقنابل اليدوية وغيرها على العائلات، فضلاً عن تهديدات بالرسائل والمطالب بحرمان العائلات من المساعدات الإنسانية. في مناسبات عدة، أكد مسؤولون على أن القانون العراقي "لا يأخذ البريء بجريرة الجاني"، إلا أن إدارات المدن المحررة وعناصر من الجيش والشرطة والعشائر تستمر في طرد "عائلات الدواعش" والاستيلاء على منازلهم ومنحها لضحايا أو استعمالها كمراكز شرطة. كما دعا عدد من السياسيين إلى تمرير قانون في البرلمان يصادر أموال العائلات ويحرمهم من وظائف الدولة وحتى من الحصول على أوراق رسمية.

تجربة الشيشان و"انتقام" الأمن الروسي

في الصراع الذي اندلع في الشيشان وتوسع إلى جميع أرجاء إقليم القوقاز، كانت أجهزة الأمن الروسية تعمل على اعتقال وتعذيب واغتيال أقارب وعائلات المتهمين، حسب ما أفادت التقارير الحقوقية آنذاك. التكتيك نفسه الذي اعتمدته الجماعات المتطرفة بترويع عائلات من يقاتلون ضدها لكسرهم، آمنت به الأجهزة الروسية، وعززت هذه القناعة تورط زوجات المقاتلين الشيشان في العمليات الانتحارية والتجنيد. "العائلة هي الرابط الذي يتعين كسره حتى يسهل تفكيك الخلية أو الجماعة الإرهابية". يحمل ذلك حسب كيريل كابانوف، الذي يعتبر من أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للرئيس بوتين، رسالتين الأولى أن "على الانتحاري المحتمل أن يدرك أن أفراد عائلته وأقاربه سوف تعاملهم أجهزة الأمن بوصفهم متواطئين معه"، والثانية أن "على الأقارب محاربة المتطرفين في المقام الأول، فإذا أبلغ أحد أفراد العائلة عن التحضير لهجوم انتحاري قبل وقوعه تتم تبرئته، وإذا علم بالأمر وصمت يعتبر شريكاً في الجريمة". بطبيعة الحال، لا تأخذ هذه النظرية بالاعتبار الضغوط النفسية التي يعيش فيها الأطفال والنساء في محيط الجماعات المتطرفة، ولا التركيبات العاطفية التي تجمع أم بابنها أو ولد بأبيه على سبيل المثال. والحال نفسه أن القانون الروسي لا يتيح للأجهزة الأمنية استهداف الأقارب، ولكن حين يكون الأمر متعلقاً بـ"مكافحة الإرهاب"، نادراً ما تجري عرقلة الأمن بالقانون. وهكذا عمدت أجهزة الأمن إلى حرق أو تدمير منازل المشتبه في كونهم متطرّفين، وألقت القبض على عائلات بأكملها. كما كان الأقارب يُستخدمون كطعم لاصطياد المتشددين، فإذا رفض المتطرف تسليم نفسه، كانت النتيجة اختفاء فرد من عائلته، وتفيد التقارير أن هناك ما يتراوح بين 3000 إلى 5000 حالة اختفاء قسري من عام 2000 حتى 2005.

فعالة لكن خطيرة

عن التجربة الشيشانية، تقول ايكاترينا سوكيريانسكايا، المحللة في "مجموعة الأزمات الدولية"، إن السياسة الروسية بدت فعالة على المدى القصير لكنها سببت نفوراً وطنياً عميقاً وزرعت الحقد تجاه الأمن الروسي حتى اليوم. وتوضح إن فعالية الممارسات تلك لا تعد "نجاحاً أمنياً، فهذه الطريقة تدفع مجتمعات بأكملها إلى التطرف سعياً للانتقام"، كما تتيح للمتطرفين إيجاد ذرائع لاستهداف المصالح الأمنية، وهو ما أظهره قيام إمارة القوقاز الإسلامية لاحقاً. وتصف سوكيريانسكايا كيف يتطور الشعور بالظلم والغضب، عندما يوضع أحفاد صغار على قوائم الإرهاب، وعندما يختفي مثلاً ابن عم وزير الدفاع الشيشاني المتمرد ماغوميد خامباييف، البالغ من العمر 19 عاماً فقط ولا تربطه أي علاقات بعمه، ليتبين لاحقاً أنه تعرض للضرب المبرح عندما وجدوه مرمياً أمام  منزل أحد قياديي التمرد. ما يجري الآن بما يخص عائلات داعش وضحاياه دفع المنظمات الحقوقية لاعتباره كذلك "جرائم حرب تخرّب الجهود الرامية إلى تعزيز المصالحة في المناطق التي استُعيدت من داعش"، ومواجهة تحدي التعامل مع هذه العائلات لا تعني فقط السلطات المحلية بل المجتمع الدولي، الذي ينشغل بدوره كذلك بمصير عائلات المقاتلين الأجانب واحتمال عودتهم. في هذا الإطار، ينفع الاستشهاد بما تضمنه بحث "معهد الأمم المتحدة للسلام" عن "العدالة الانتقالية في المجتمعات المنقسمة"، والذي يقدر موقف الناجين من الإرهاب وصعوبة تقبل الأفكار الخارجة عن "حقيقتهم" الخاصة، في حين يرى أن المطلوب بشدة من أجل المصالحة هو تقبل "الحقائق المركبة". فالأهم من تحقيق "رغبات الضحايا الفردية"، لا بد من موازنتها مع أهداف المجتمع العامة على المديين القصير والطويل.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image