شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
إما أن ترحلوا أو تموتوا.. عن تهجير الآلاف قسراً في سوريا

إما أن ترحلوا أو تموتوا.. عن تهجير الآلاف قسراً في سوريا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 14 نوفمبر 201702:31 م

في أكتوبر 2016 تسبب سقوط قنبلة أمام مبنى كانت تلعب فيه طفلة سورية في الرابعة من عمرها، بمقتلها.

تقول والدتها في شهادة مؤثرة نشرها تقرير لمنظمة العفو الدولية الذي صدر اليوم الاثنين: "عشت حياتي كلها في مدينة حلب، وفيها فقدت ابنتي، لا أذكر كلماتها الأخيرة لي. فقدتها في غمضة عين من أجل لا شيء، أتمنى لو أنني مت معها".

الطفلة التي ماتت بسبب حرب مستمرة منذ العام 2011 لم ترَ والدها على الإطلاق، فقد اعتقلته الحكومة السورية قبل أن تأتي إلى الحياة بأيام قليلة، وبالتحديد في العام 2012.

يمكن اعتبار هذا التقرير الذي تضمن عشرات الشهادات غيرها، دليلاً جديداً يبيّن كيف يقف العالم كله عاجزاً أمام جرائم حرب متواصلة في البلد التي حلم شعبها في يوم بالحرية.

التقرير الذي حمل عنوان "إما أن نرحل أو نموت" يوثق حكايات عدة وشهادات لسوريين حول ما واجهوه بسبب التهجير القسري الذي تم بناء على اتفاقات "المصالحة" في سوريا.

ويؤكد تقرير المنظمة أن الحكومة السورية مارست "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" وفق إستراتيجية شعارها "موتوا جوعاً أو استسلموا لنا"، عقب تدمير مناطق عدة كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة.

أظهر التقرير الذي قام بما يمكن أن نطلق عليه تحليل لأربع صفقات مصالحة تمت بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة في حلب وحمص وداريا، إلى جانب اتفاقات المصالحة في أربع قرى، أن نتيجة هذه المصالحات كانت نزوح عشرات آلاف من المدنيين، بسبب الحصار، فضلاً عن قصف الجميع سواء كانوا مسلحين أو مدنيين من دون تمييز.

الانتهاكات التي مارستها الحكومة السورية، بحسب التقرير، تتنوع بين الحصار والقتل غير المشروع، والتهجير القسري، وكلها أمور تسببت بهروب آلاف المدنيين من بيوتهم وأرغمتهم على العيش في ظروف قاسية.

وأدت صفقات المصالحة بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة بين أغسطس 2016 ومارس 2017 إلى عمليات نزوح الآلاف من عدة مناطق محاصرة، هي داريا، وشرق مدينة حلب، والوعر، ومضايا، وكفريا، والفوعة.

لم يحمّل التقرير الحكومة وحدها مسؤولية انتهاك المواثيق والقوانين الدولية، إذ يثبت أيضاً قيام المعارضة المسلحة بانتهاكات هي الأخرى حتى لو كانت "على نطاق أضيق" بحسب وصف التقرير.

وصفت ممرضة من الفوعة السورية للمنظمة ما كانت تفعله الجماعات المسلحة، "في كل مرة تهاجم الحكومة السورية مكاناً نتعرض نحن للهجوم. فالجماعات المسلحة كانت تنفس فينا عن شعورها بالإحباط والتوتر في كل فرصة تسنح لها".

يؤكد فيليب لوثر، مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية في بيان، أن الهدف المعلن للحكومة السورية كان هزيمة مقاتلي المعارضة، لكن ما حدث هو استخدامها أسلوب الاستسلام أو الموت جوعاً.

ورأى لوثر الحصار والقصف اللذين قامت بهما الحكومة السورية أنهما بمنزلة هجوم ممنهج وواسع النطاق على المدنيين يرقى إلى الجرائم ضد الإنسانية.

واعتبر تقرير المنظمة أن تزايد اعتماد الحكومة السورية على اتفاقات المصالحة يُعدّ إستراتيجية، الهدف منها إرغام المعارضة على الاستسلام.

"تقدم الحكومة وحلفاؤها هذه الاتفاقات على أنها جهود "للمصالحة"، لكن الحقيقة أنها تأتي بعد حصار طويل غير مشروع وعمليات قصف، وتفضي في كل الأحوال، لا إلى إخلاء أعضاء الجماعات المسلحة غير الرسمية فحسب، بل إلى النزوح الجماعي للمدنيين كذلك"، يقول التقرير.

يقول ناشط سوري من درايا للمنظمة "فلنكن واقعيين حين نتحدث عن "اتفاقات مصالحة"، لم يكن هناك اتفاق البتة، كان علينا إما أن نرحل أو نموت".

ولكن لماذا ترغب الحكومة السورية في أن يرحل المدنيون إلى أماكن أخرى؟ يمكن اعتبار مخاوف بعض السوريين التي ذكرها التقرير إجابة عن هذا السؤال. يقول الكثير من السوريين أن حقوق ملكية الأراضي والعقارات هي أكثر ما يقلقهم، خصوصاً مشاريع إعادة الإعمار في غيابهم على أراضيهم. وقد استولت الحكومة كذلك على منازل بعض النازحين بعد أن غادروا المنطقة لأنهم"مطلوبون".

إذاً، فالتقرير يشير بشكل غير مباشر إلى رغبة الحكومة السورية في إعادة رسم خريطة سكان "جديدة" لكل المناطق التي تركها السوريون رغماً عنهم.

وحتى الآن يعاني الكثير من المدنيين، الذين أجبرتهم هذه الاتفاقات على النزوح قسراً، من ظروف قاسية، إذ يعيش بعضهم في مخيمات مؤقتة، ولا يتاح لهم الحصول إلا على الحد الأدنى من المعونة الإنسانية والخدمات الضرورية.

كيف تم العمل على هذا التقرير؟

قام باحثون من منظمة العفو الدولية بانجاز هذا التقرير من أبريل حتى سبتمبر 2017، وأجروا مقابلات مع 134 شخصاً، منهم بعض السكان النازحين الذين عايشوا الحصار والهجمات، وبعض موظفي المعونة الإنسانية والخبراء الدوليين، والصحفيين، ومسؤولين من الأمم المتحدة.

أجرى الباحثون هذه المقابلات شخصياً أو عن طريق الهاتف، أو رسائل البريد الإلكتروني، كما استخدموا في بعض المقابلات تطبيقات المحادثة.

كذلك درست المنظمة العشرات من تسجيلات الفيديو وتحليل الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية لتقييم مدى اتفاقها مع روايات شهود العيان.

حكايات الألم

يحكي مدرس شاب كان يدير مدرسة سرية في داريا السورية كبديل للمدارس العامة التي دمرتها الحرب عن تأثير الحصار، قائلاً "خلال الفترة الأخيرة من الحصار، صار التركيز صعباً للغاية على التلاميذ، إذ فقدوا الكثير من وزنهم. وكان هناك طفل شديد الانتباه عندما قابلته أول مرة حين كان عمره خمس سنوات في عام 2014، لكن بحلول وقت رحيلنا كان حاله قد تبدل، أصبح مثل جثة عيناها مفتوحتان، لم يعد حتى يستطيع الكتابة".

"عندما طلبنا من الأطفال أن يرسموا الأشياء المفضلة لديهم، قسمَ طفل عمره سبع سنوات الصفحة نصفين، في النصف الأول رسم متاجر وفواكه وخضراوات، وترك القسم الثاني خالياً، وقال إن النصف الأول هو دمشق والثاني هو داريا". يقول المدرس.

أما أحد السكان السابقين، عمره 27 عاماً، غادر حمص إلى شمال محافظة حلب مع زوجته الحامل وأمه وعائلته الكبيرة، وقال لمنظمة العفو الدولية إن الحكومة لا تتمتع بأي صدقية.

"جميعنا يعلم وحشية هذا النظام جيداً، فقد شاهدنا المذابح التي نفذها في حمص القديمة، الحكومة لا تميز بين المقاتلين والمدنيين، ولا تترك النساء، أو الأطفال، أو المسنين." يقول الرجل.

حق الرد مكفول

خلص التقرير إلى أن الحكومة السورية قامت بشكل ممنهج ومتعمد بإخضاع سكان داريا، وحلب الشرقية، وحي الوعر، ومضايا لحصار مطول ومنعت عنهم الغذاء والمعونات الإنسانية والطبية والكهرباء والمياه. وشنت هجمات جوية وبرية أدت إلى مقتل وإصابة مئات المدنيين. كما أن هناك نحو 400000 تحت حصار الحكومة السورية في أنحاء أخرى من سوريا من بينها اليرموك، والغوطة الشرقية، وشمال محافظة حمص.

أما جماعات المعارضة المسلحة فتقوم هي أيضاً بحصار على سكان كفريا والفوعة وقد منعت عن سكانهما المعونات الطبية والإنسانية ونفذت ضدهم هجمات بأسلحة ومتفجرات يجب ألا تستَخدم في المناطق الكثيفة السكان، لافتقار المسلحين إلى إمكانية تصويبها إلى هدف محدد.

وطلبت منظمة العفو الدولية من الحكومتين السورية والروسية الرد على ما جاء في التقرير، لكنهما رفضتا، أما "حركة أحرار الشام" فهي الوحيدة التي ردت نافيةً أي اتهامات لها بمنع دخول المساعدات للمحاصرين، لكن المنظمة تؤكد أن هناك دلائل وشهادات تثبت ذلك.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image