ثمة مشهد واحد يطغى على ما عداه في ذاكرة اللبنانيين عن بهاء الحريري. في فبراير العام 2005، ظهر النجل الأكبر للرئيس رفيق الحريري خلال تشييع والده وهو يصرخ "يا أيها القوم... يا أيها القوم"، محاولاً تهدئة المشاركين في الجنازة، بعدما كادوا يوقعون النعش عن الأكتاف.
حينها، ردّد كثر العبارة بشكل تهكمي، لكن بهاء بدا المرشح الطبيعي لإكمال مسيرة والده السياسية. ما هي إلا أيام حتى اختفى بهاء. قيل حينها أن السياسة لا تستهويه وأنه سيعود إلى عالم الأعمال الذي يتقنه. لم "يبلع" كثر تلك الرواية. لمّحت صحف عدة إلى أن القرار بإلباس سعد الحريري عباءة والده جاء من الملك السعودي حينها عبد الله والرئيس الفرنسي جاك شيراك. أما لماذا خسر بهاء حظوظه؟ عزت الصحف حينها ذلك إلى شخصية بهاء القوية والعنيدة، كما إلى افتقاره للكاريزما وصعوبة التعامل الدبلوماسي معه.هل يجد بهاء الحريري لنفسه مكاناً في الزعامة السنية، أم أن الترويج لعودته يندرج حصراً ضمن الضغوط السياسية المرتبطة باستقالة أخيه؟
اسم بهاء الحريري عاد إلى التداول بقوة هذه المرة، ماذا كان يفعل في السنوات الماضية؟ ماذا عن الخلافات بينه وبين سعد؟ وهل يتسلم زعامة تيار المستقبل بعد أخيه؟عاد الابن الأكبر إلى أعماله الموزعة بين بلدان عدة منها السعودية والأردن والإمارات، وانغمس سعد في العمل السياسي وصولاً إلى إعلان استقالته مؤخراً من الرياض في ظروف مربكة لا زالت تتفاعل محلياً وعالمياً بشكل كبير. ولكن اسم بهاء عاد إلى التداول بقوة هذه المرة. أيام قليلة عقب إعلان الاستقالة، بدأت الأخبار تنتقل عن نية وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان مبايعة بهاء بديلاً عن سعد للزعامة الحريريّة.
أخبار "البيعة"
أتى ذلك في ظلّ التخبّط اللبناني حول معرفة مصير الرئيس المستقيل، والحديث عن انقلاب السعودية على سعد الحريري لأسباب سياسية منها موقفه من "حزب الله" وأخرى مالية على خلفية مشكلات في "سعودي أوجيه" وأموال تلقاها من التويجري. صحيفة "الأخبار" اللبنانية تحدثت عن مصادر عدة نقلت النيّة السعودية، وأبرزها سيدة مقربة من المدير العام للأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي قيل إنها زوجته لينا بيطار. تزامن ذلك مع خبر عن اتصال السفير السعودي الجديد في بيروت وليد اليعقوبي بأفراد من العائلة الكبرى للرئيس رفيق الحريري، شملت زوجته السيدة نازك وشقيقته النائبة بهية الحريري. وحسب الخبر، كانت مهمة اليعقوبي إبلاغ العائلة رسالة عاجلة مفادها أن القرار اتُّخذ بتولية بهاء الزعامة، وأن عليهم الحضور إلى السعودية لمبايعته. ومن ضمن ما تبلغت به كان موافقة سعد على الأمر مقابل إطلاق سراحه وتسهيل انتقاله إلى فرنسا بعيداً عن العمل السياسي. وكحال جميع ما يتم تداوله من أخبار منذ استقالة الحريري، بقي الغموض بشأن مبايعة بهاء سيّد الموقف. خرج ريفي ليعلن أنه وزوجته سليمة أديب قدّما شكوى ضد مروّجي الأخبار الكاذبة "التي تعكر صفو الأمن" من دون نفي مباشر لما جاء على لسان بيطار، بينما انشغل المتابعون بالإشارات التي وصلت من عائلة الحريري وأعضاء كتلته. في الخبر الأول أن نازك الحريري، زوجة الحريري الأب، امتنعت عن التعليق في الموضوع، مكتفية بالقول "هذا ليس وقت الكلام، وانشالله خير". في الثاني ما تم نقله عن إقفال بهاء (الموجود في الرياض) لهاتفه، بعدما كان قد أجاب على متصل به من بيروت بأنه "لا يعرف ما الذي يجري وغير معنيّ بأي نقاش في الوقت الحالي". على خط آخر، رصد متابعو صفحة بهاء الفيسبوكية إعادة تنشيط لصفحة بهاء الفيسبوكية، عبر وضع صورة لوالده يوم الخميس، فيما يعود آخر بوست نشرته الصفحة للعام 2012. ويوم أمس، علّق وزير الداخلية نهاد المشنوق، بعد لقائه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، على مسألة "البيعة" قائلاً:" هذا الكلام يدل على جهل وتخلف بطبيعة السياسة في لبنان... نحن لسنا قطيع غنم تنتقل ملكيتها من شخص لآخر... والأمور في لبنان تحصل بالانتخابات وليس بالمبايعات".خلافات الماضي
في السنوات الماضية، كان اسم بهاء يتردّد بين الفينة والأخرى في إطار الحديث عن انزعاجه من إدارة شقيقه سعد المالية والسياسية. بقيت أخبار الخلافات بين الشقيقين تتوارد، لكنها انحصرت في إطار التأويل. من أبرز الخلافات، كان ما ظهر من بوابة الأردن وتحديداً حول مشروع "العبدلي"، الذي انخرطت فيه شركة بهاء وكذلك "سعودي أوجيه" (التابعة لسعد). بعد تأخر المشروع اتهم بهاء الحريري شركة أخيه بالمسؤولية، ووجه الاتهام تحديداً لمديرها جمال عيتاني وسط تلميح بحصول اختلاس. رغم ذلك، بقيت الجهود مستمرة لتلميع الصورة بين الشقيقين، وحصرها في إطار اختلاف وجهات النظر بشكل حبي، والتسويق لشعار "كلنا عائلة واحدة". بعد ذلك، ظهر خلاف سياسي أكثر ثقلاً، مع اختيار سعد الحريري لجمال عيتاني رئيساً لبلدية بيروت رغم انزعاج بهاء، فكان ما قيل عن رد الأخير بدعم لائحة اللواء أشرف ريفي لبلدية طرابلس في وجه لائحة شقيقه رئيس الوزراء. وقد اعترف ريفي لاحقاً، في مقابلة معه، بأن بهاء كان لديه عتب كبير بخصوص ما جرى حول بلدية بيروت. بعد ذلك، تفاعلت الأزمة على خط ريفي، حين أعلن الأخير تلقيه سيارات مصفحة كهدية من بهاء الحريري، فيما فُهم أنه ردّ على سعد الحريري الذي طلب سحب عناصر الحماية الملكفة بمرافقة ريفي الخارج من عباءته. وفي أواخر العام الماضي، قال ريفي إن "الحريري انتهى، والسنّة ينتظرون حريري جديداً".ماذا كان يفعل بهاء هذه السنوات؟
في النصف الأول من التسعينات، ترك بهاء الحريري (المولود في العام 1966) السعودية والعمل في "سعودي أوجيه" منتقلاً إلى سويسرا للاستثمار هناك. لم يصرّح الملياردير الشاب حينها عن قطع علاقته بشركات والده، لكن بعد اغتيال الأخير وتوزيع الثروة، قيل إن الابن الأكبر باع حصصه في الشركات لشقيقه سعد، وانفصل عن العائلة رسمياً في العام 2008 ليتابع عمله الاستثماري والعقاري من سويسرا قبل أن ينتقل إلى إمارة موناكو. مع ذلك، استمر بهاء بالتعاون مع "سعودي أوجيه" كمتعهّد ثان في السعودية وخارجها، في ظل ما بقي يتردّد عن انزعاجه من إدارة أخيه للشؤون المالية والهدر الكبير فيها، معتبراً أن ذلك سيؤدي إلى انهيار سياسي. في العام 2011، قدرت ثروته بـ2.5 مليار دولار ليكون الرقم 549 على لائحة أغنى أغنياء العالم. وفي العام 2015، نشرت "ذا إنسايدر الإمارات" تقريراً عن أصحاب المليارات على لائحة "فوربس"، وأتى بهاء في المرتبة الثالثة بعد الوليد بن طلال وماجد الفطيم بثروة تصل إلى 2.2 مليار دولار. وحسب التقرير فإن بهاء يُعتبر مفتاحاً استثمارياً أساسياً في كل من الأردن ولبنان والسعودية. ويعمل مؤسس "هورايزن غروب" مع الحكومة الأردنية على التطوير التجاري والسكني في وسط عمان ضمن مشروع "عبدلي" (وسط العاصمة الجديد لعمان)، فضلاً عن مشاريع أخرى في بيروت. وفي العام 2015 نفسه، تبرّع بهاء بأكثر من مليون دولار لمؤسسة "أتلانتيك كاونسيل" الأمريكية للأبحاث. وبحسب مجلة "فوربس" الشهر الماضي، فإن ثروة الحريري مستقرة على 2.2 مليار دولار. يبدو بهاء أكثر ارتياحاً من الناحية المالية من شقيقه، في حين كان قد استثمر في عدد من المشاريع اللبنانية كما في القيام بمشاريع خيرية. أما التطور الأخير الآتي من السعودية بشأن مبايعة بهاء، بعدما كانت نفسها قد سحبت البساط من تحت زعامته قبل 12 عاماً، فقد رفع حظوظه السياسية، فضلاً عما يُعرف عن علاقاته الجيدة بالإمارات، بعكس شقيقه. لكن الشارع اللبناني، والسني تحديداً، لم يعد كما كان عليه بعد اغتيال الحريري الأب، كما "تيار المستقبل" نفسه الذي تغيّر بميوله وتوجهاته الداخلية، ما يطرح أسئلة عدة بشأن مستقبله السياسي، فهل يجد لنفسه مكاناً في الزعامة أم أن الترويج لعودته يندرج حصراً ضمن الضغوط السياسية المرتبطة باستقالة الحريري؟رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين