في اليوم الثالث عشر للانتفاضة الشعبية في لبنان، رضخ رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لإرادة الشعب معلناً توجهه إلى رئيس الجمهورية لتقديم استقالة حكومته، بعدما "وصل إلى طريق مسدود" و"صار لزاماً إحداث صدمة إيجابية".
وهذه هي المرة الثالثة التي يخسر فيها الحريري رئاسة الحكومة، حيث سبق أن واجه الموقف نفسه عامي 2011 و2017.
أول سقطة
ترأس الحريري ما عُرف بـ"حكومة الوحدة الوطنية" للمرة الأولى عام 2009، وضمت حينها معظم الأطراف اللبنانية.
لكن، وبينما كان الحريري في زيارة رسمية للولايات المتحدة، في كانون الثاني/يناير عام 2011، سقطت حكومته بعدما فقدت نصابها الدستوري (أكثر من ثلث أعضائها) باستقالة 11 من وزرائها الثلاثين.
وبدأت الأزمة مع استقالة جماعية لـ10 من وزراء المعارضة وقتها (من حزب الله وحلفائه) في الحكومة اللبنانية اعتراضاً على عدم الاستجابة لمطلب المعارضة في عقد اجتماع عاجل لمجلس الوزراء لمواجهة المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري.
وكان الحريري مجتمعاً، في البيت الأبيض، مع الرئيس الأمريكي وقتها باراك أوباما حين أعلنت استقالة الوزراء العشرة.
أتت الضربة القاسمة بانضمام الوزير عدنان السيد حسين، والذي كان محسوباً على رئيس الجمهورية آنذاك ميشال سليمان لدى تشكيل الحكومة، إلى قائمة المستقيلين.
وبرر السيد حسين استقالته برغبته في "تمكين المؤسسات الدستورية من تشكيل حكومة جديدة تلبي طموحات اللبنانيين في الوحدة الوطنية والاستقرار الشامل بعدما هددت الخلافات السياسية أطراف الحكومة الوفاقية أو حكومة الوحدة الوطنية، وعقب فشل الحكومة في الاستجابة لأولويات المواطنين كما وعدت في مواجهة الضغوط المعيشية والاقتصادية وتحقيق الإصلاح المنشود".
المثير أن بيان استقالة الوزراء العشر تُلي وقتها من منزل العماد ميشال عون، من قبل وزير الطاقة والمياه آنذاك جبران باسيل.
السقوط الإجباري من السعودية
وصل الحريري إلى رئاسة الحكومة مرة ثانية في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2016 بموجب تسوية سياسية منحت حليف "حزب الله" الأبرز الرئيس ميشال عون رئاسة الجمهورية بعد عامين ونصف من الفراغ في رئاسة الجمهورية.
ولم يمهل القدر حكومته هذه كثيراً. ففي تشرين الثاني/نوفمبر عام 2017، اضطر الحريري إلى إعلان استقالته من السعودية بشكل مفاجئ. تردد آنذاك أنه كان قيد الإقامة الجبرية، بعدما بدا مهزوزاً أثناء إلقاء خطاب استقالته الذي بثته قناة "العربية" السعودية.
جاء إعلان الحريري الاستقالة بعد يوم واحد من وصوله الرياض ولقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وسط تصعيد كلامي من السلطات السعودية ضد كل من إيران وحزب الله.
المرة الأولى كانت بضغط من حزب الله حين استقال وزراؤه وحفاؤهم عام 2011 وهو في نيويورك، المرة الثانية بضغط من السعودية وهو في "ضيافتها"، والثالثة تحت ضغط الانتفاضة الشعبية... قصة استقالات الحريري الثلاث
طريق الانتفاضة الشعبية لم يكن مفروشاً بالورود، بل قوبل بتمسك الحكومة بالبقاء وبالعنف في بعض المناطق، علاوةً على دعم "حزب الله" لها... لكن الشعب انتصر رغم كل هذا، وأعلن الحريري وضع استقالته بتصرف الرئيس
وفي خطاب الاستقالة المتلفز، هاجم الحريري بشدة إيران وحزب الله، كما أشار إلى أن ما يعيشه لبنان أشبه بما كان سائداً ما قبل اغتيال والده، لافتاً إلى أجواء "في الخفاء لاستهداف حياتي".
واستمر الوضع المريب، بتوارد تقارير عن "اختطاف أو احتجاز أو اعتقال" رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل وإبقائه قيد الإقامة الجبرية بالرياض، رغم نفيه ذلك، لأكثر من أسبوعين شهدا تطورات متلاحقة.
تأكد الأمر بعدما صرح عون، في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، بأن رئيس الوزراء تعرض "للخطف"، مطالباً الرياض بحقيقة وضعه الذي يكتنفه الغموض. وهو الأمر نفسه الذي طالبت به واشنطن.
تمكن الحريري أخيراً من مغادرة الرياض في 18 تشرين الثاني/نوفمبر، متجهاً إلى فرنسا التي تدخلت لدى السلطات السعودية للسماح له بالمغادرة.
بعد ذلك بأربعة أيام، عاد الحريري إلى لبنان واجتمع مع الرئيس عون معلناً تراجعه عن الاستقالة نزولاً على إرادة الرئيس.
إصرار الشعب ينتصر
هذه المرة، توحد اللبنانيون للمرة الأولى على اختلاف انتماءاتهم الدينية والسياسية حول مطلب سقوط حكومة الحريري.
فعلوا كل ما هو ممكن لبلوغ هذه الغاية على مدار 13 يوماً من الاحتجاج السلمي؛ احتشدوا في الميادين، أعلنوا الإضراب العام، نظموا سلاسل بشرية بطول البلاد من شماله إلى جنوبه، قطعوا طرقات لشل البلد وإجبار الحكومة على الاستماع لصوت وجعهم.
لكن طريق الانتفاضة الشعبية لم يكن مفروشاً بالورود، بل قوبل بتمسك الحكومة بالبقاء وبالعنف في بعض المناطق، علاوةً على دعم "حزب الله" وتمسكه ببقاء الحكومة بموازاة تشكيك الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بمن يقف وراء الحراك، وإعلانه التخلي عنه بموازاة دعوته مناصريه إلى الخروج منه، وشن وسائله الإعلامية حملة مبرمجة لتشويهه وإضعافه، والتخويف من الفراغ والتهويل بالحرب الأهلية.
الرئيس اللبناني بدا أكثر تمسكاً ببقاء الحكومة الحالية، كما ظهر في كلمته التي جاءت بعد 8 أيام على بدء الانتفاضة الشعبية. وهو ما أكده مستشار رئيس الجمهورية اللبنانية للشؤون السياسية بيار رفول، في 27 تشرين الأول/أكتوبر، من ملبورن في أستراليا، حين قال إنه "لا توجد نية لدى الرئيس ميشال عون لتشكيل حكومة جديدة".
لكن الشعب انتصر رغم كل هذا، وأعلن الحريري وضع استقالته بتصرف الرئيس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت