"من فضلكم... علشان الضيوف اللي عندنا لو سمحتم"، جملة قصيرة قالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لوقف هتافات التأييد له بين المشاركين في منتدى شباب العالم الذي اختتمت فعالياته أمس الخميس، وكشف بها عن طبيعة المشاركين فى المؤتمرات الشبابية التي تقام يرعايته.
ستة أيام دام المنتدى الذي شهد 46 جلسة وورشة عمل تحدث فيها 222 متحدثاً من 64 دولة، فضلاً عن 3200 مدعو من 113 دولة، ما بين رؤساء وأولياء عهد ورؤساء حكومات وشباب، في فعالية حافلة بالمواقف والمفارقات التي لم تخلُ من الجدل.
"مش ديكاتاتوريين! إحنا أمة عايزة تعيش"
كالعادة، كانت تصريحات السيسي محور حديث الرأي العام ومواقع التواصل الاجتماعي. ففي إحدى جلسات المنتدى، خرج عن سياق كلمته وقال إن كل البنات في أسرته "كانوا بيقولوا يا ريت بابانا عمو عبد الفتاح"، وسط ضحكات الحاضرين، معتبراً أن ذلك تطبيق منه لشكل من أشكال المعاملة الدينية التي أمر الرسول باتباعها تجاه المرأة. تصريح آخر للسيسي ضمن فعاليات المنتدى أثار الجدل وتطرق فيه إلى التحركات الشعبية ضد سياسات الحكومة، داعياً إلى وقفها، قائلاً: "بتسمعوا أننا ناس ضد حقوق الإنسان وديكتاتوريين، إحنا أمة عايزة تعيش زي ما أنتم عايشين، لكن آخرين مش عايزين البلد دي تعيش"، موضحاً أن هناك استهدافاً للدولة المصرية لتبقى عاجزة عن تلبية مطالب شعبها المشروعة، وليتحرك شعبها ويهدّها. وتابع: "المعضلة كدة: كانت إن تحركنا تزعلوا ولما تزعلوا تتحركوا، فلما تتحركوا تلخبطوا فلما تلخبطوا تهدوا البلد، وإن متحركناش هنفضل عاجزين، فإنتو تحسوا بالعجز وتحسوا بالقلة فتتحركوا فتهدوا البلد. يعني في جميع الحالات، متتحركش".منظمون تحت طائلة الفساد... ومتحدثون "تحت الطلب"
السجالات حول مجريات المنتدى لم تتوقف عند تصريحات السيسي، بل تطرقت إلى المنظمين، ومنهم رئيس هيئة المعارض الأسبق ورئيس مجلس إدارة الشركة الدولية للمعارض الحالي شريف سالم، المتورط في موقعة الجمل، ورشى بآلاف الجنيهات لضباط في جهاز أمن الدولة، وترسية عقود بمبالغ كبيرة على شركات بالأمر المباشر، حسب ما يحكي رئيس التحرير السابق لموقع "بوابة يناير" وبرنامج "مانشيت"، المذاع على قناة "أون تي في". قصة سالم حسب ما يرويها الصحافي محمد الجارحي لرصيف22، أنه كان من المقرر استضافته عام 2012 للرد عبر برنامج "مانشيت" على ما أثير بشأن تورطه فى قضايا فساد، إلا أن إدارة البرنامج فوجئت بإلغاء الحلقة، فقرر الجارحي نشر ما بحوزته من مستندات عبر حسابه على "تويتر"، ثم طلب سالم مقابلته إلا أنه رفض، وعقب ثلاثة أسابيع أقيل رئيس هيئة المعارض من منصبه."إن تحركنا تزعلوا ولما تزعلوا تتحركوا، فلما تتحركوا تلخبطوا فلما تلخبطوا تهدوا البلد، وإن متحركناش هنفضل عاجزين، فإنتو تحسوا بالعجز وتحسوا بالقلة فتتحركوا فتهدوا البلد".. نموذج يعبر عن أجواء منتدى شباب العالم في مصر
ملخص لأبرز ما أثار الجدل خلال الأيام الستة لمنتدى شباب العالم في شرم الشيخسالم الذي نظم أيضاً معرضاً عنوانه أهلاً رمضان عام 2017 بحضور رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل، أحيل للمحاكمة بتهمة الفساد وإهدار المال العام في أبريل 2015، كما اتهم بالتورط في إهدار أكثر من مليار و60 مليون جنيه في عملية هدم جميع منشآت ومرافق أرض المعارض الدولية فى مدينة نصر. العضو المنتدب لمجموعة شركات "أبركرومبي" الأمريكية، إحدى كبرى شركات تنظيم المؤتمرات العالمية، وأحد منظمي المؤتمر عمرو بدر، دارت أيضاً حوله شبهات بتورطه مع نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، حتى أن سوزان مبارك حضرت عقد قرانه، مع جيهان السادات. كما كان بدر منظم منتدى الشباب عام 2007، في شرم الشيخ في قاعة المؤتمرات في الفندق نفسه الذي أقيم فيه المنتدى الأخير، والذي خرج بمبادرات منها "الاستخدام الآمن للإنترنت"، بالتعاون مع حركة "سوزان مبارك للمرأة من أجل السلام". ممثلة هوليوود الحائزة الأوسكار هيلين هانت أيضاً نالت نصيباً من الانتقادات، بعد ما أثير حول تقديمها خدماتها كمتحدثة مقابل 40 ألف دولار أو أكثر.
انسحاب... ومحاكاة "غير واقعية"
"لقد قاطعتني مراراً وتكراراً، وأنا لم آتِ إلى هنا من آلاف الأميال لتفعلي معي هذا". لم تتحمل خبيرة سياسات الطاقة المقيمة في الولايات المتحدة، نهى عبد الكريم، كثرة مقاطعة مديرة جلسة "مستقبل تغيّر المناخ" لها، بدعوى ضيق الوقت، فسجلت أول واقعة انسحاب من منتدى شباب العالم. وعلى الرغم من حديث عبد الكريم عن اعتذار مؤسسة الرئاسة منها، وإصرارها على إيصالها إلى فندق إقامتها في شرم الشيخ بسيارة خاصة، أشارت إلى هجوم وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين في الخارج عليها، معتبرة أنها تناولت الأزمة بشكل شخصي. وانتقد أستاذ الإعلام في الجامعة الأمريكية بالقاهرة حافظ الميرازي ما وصفه بـ"منتهى الجهل في منتدى الشباب العالمي"، في تعليقه على جلسة محاكاة مجلس الأمن الدولي، وقال: "العرب متفقون منذ عقود على التناوب في مجلس الأمن بدولة واحدة فقط وليس بثلاث"، مضيفاً: "بدلاً من أن نقدّم للعالم صورة حضارية، فإن نموذج محاكاة مجلس الأمن الدولي، الذي حضر جلسته رئيس الجمهورية، باعتباره من أبرز أنشطة المنتدى، فضيحة". ورأى الميرازي أن جلسة المحاكاة تدلّ على جهل المنظمين بقواعد تمثيل الدول في المجلس، إذ شارك شباب مندوبي ثلاث دول عربية مرة واحدة بين الدول العشر غير الدائمة العضوية، وهذا خطأ شنيع يدل على أن شبابنا لم يجدوا من ينصحهم حتى من الخارجية المصرية التي تتفاخر بالحدث.حفلة "انتقادات" لمشاركة معارضين
اللقطة السياسية الأبرز في المنتدى هذا العام، كانت مشاركة صحافيين محسوبين على المعارضة، من بينهم أحمد سمير وتامر أبو عرب، فتعرّضا لسيل من الهجوم على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما دافع عنهم آخرون داعين إلى وقف حالة التخوين والتشكيك فى وطنية المشاركين. الميرازى أيضاً انضم إلى قائمة منتقدي أبو عرب، معتبراً أن حضوره المنتدى خذله بعدما كان قد أعاد له الأمل فى جيله، وأن المضيف سيستخدم مشاركته للتدليل على انفتاحه على المختلفين معه، وهو ثمن لا يبدو أن أبو عرب يمانع في دفعه، حسب تعبيره. تامر أبو عرب، الذي يعمل حالياً في التلفزيون العربي، المناهض للنظام الحالي، والذي أوقفت مقالاته في صحيفة المصري اليوم عام 2015 بسبب انتقاده للرئيس، ردّ على الهجوم بالقول إنه شارك لممارسة عمله الصحافي، نافياً الحديث عن دعوته بغرض الترويج لانفتاح النظام على شباب المعارضة. وفيما انتشر الحديث حول مشاركته ضمن المعهد الدنماركي المصري للحوار، نفت مستشارة المعهد نهى النحاس الأمر، موضحةً عدم مشاركة المعهد بشكل رسمي أو غير رسمي. ولكن عضو تكتل "25 - 30" في مجلس النواب هيثم الحريري، وقف في صف سمير وأبو عرب، رافضاً خطاب التخوين المنتشر ضدهما، وقال لرصيف22 إن قبول التشكيك في النوايا يجعله هو نفسه متهماً لاستمراره في مجلس النواب بعد اتفاقية تيران وصنافير، وعلى الحقوقي خالد علي الذي ترشح للرئاسة في ظل الأوضاع الحالية. ورأى الحريري أن المنتدى محاولة لتجميل صورة النظام بما لا يتناسب مع طموح المصريين، خاصة أنه تزامن مع وجود آلاف الشباب المحبوسين دون محاكمة أو باتهامات ملفقة، وأكد أن السنوات الأربع لحكم النظام الحالي لم تشهد اهتماماً بالأولويات كالتعليم والصحة، إذ تم الاكتفاء ببناء قناة السويس الجديدة والعاصمة الإدارية، كرمز للنظام فقط، على حساب مشروعات أخرى أكثر أهمية.المنتدى فى عيون مشاركيه
على الجانب الآخر، رأى عضو لجنة العفو الرئاسي والمشارك في المنتدى محمد عبد العزيز أن المنتدى حقق نجاحاً ملموساً خاصة لجهة تصحيح صورة مصر بالخارج والترويج السياحي لمدينة شرم الشيخ، مشيداً بتوصياته، ومن بينها إنشاء المركز الدولي للحوار، ومركز التعاون العربي الإفريقي، وموضحاً أن ذلك كله سيعود بالخير على الشعب المصري، وعلى رأسه الشباب. واعتبر عبد العزيز في حديثه لرصيف22 أن إقامة المنتدى لا تتعارض مع بحث ملفات المحبوسين، إذ أخرجت لجنة العفو ثلاث قوائم حتى الآن، وتعمل حالياً على إخراج القائمة الرابعة، ومن المقرر الانتهاء منها قريباً، إذ سيتم عقد اجتماع قريب لصياغة لمساتها النهائية. وأكد الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز لرصيف22 أن المنتدى ترك انطباعاً جيداً لدى معظم الوفود المشاركة، وكانت لديه فكرة واضحة ترجمها في جلساته، من حيث الترويج السياحي لجنوب سيناء، وتصحيح الصورة الذهنية للدولة، مع تصحيح الأجندة المتصلة بالأخبار العالمية عن مصر. واعتبر أن وجود أوجه قصور لا يمثل إشكالية إستراتيجية ولا يقلل من النجاح الذي حققه، فضلاً عن أنه أثبت القدرات الأمنية للدولة. وأضاف أن "الدولة لم تكن لتنجح في تحقيق أهدافها التي حققتها من المنتدى إذا وضعت هذه الأموال في شركة دعاية، لكن البعض يفضل الانتقاد على الدوام، وفي الواقع، المنتدى ناجح، نعمل إيه يعني".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...