منذ بزوغ نجمه بالزي العسكري كوزير للدفاع ثم تقلّده منصب رئاسة مصر في يونيو 2014، تسابق إعلاميون ورجال دين إلى التقرب من الرئيس عبد الفتاح السيسي، مستخدمين تشابيه مختلفة لتعظيم إنجازاته، بلغ بعضها حد تقديسه ومقارنته بالأنبياء والخلفاء الراشدين وقادة الفتوحات الإسلامية.
آخر هذه التشبيهات أطلقته صحيفة الزمان المصرية التي تمتلكها إلهام شرشر، زوجة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، واصفةً إياه بأنه امتداد لصلاح الدين الأيوبي ومحمد الفاتح، وذلك في مقال تحت عنوان "أسرار تنشر لأول مرة عن حياة الرئيس السيسي".
ولد ساجداً وقابل سيد الخلق
يرصد المقال المذكور عن لسان أحد المصادر المقربة من عائلة الرئيس المصري، بعضاً من التفاصيل المثيرة للجدل، إذ زعم أن والده سعيد حسين السيسي استقبل نبأ ميلاده في محله بمنطقة الجمالية، مسقط رأسه، وهو يستمع للشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وحكي له أنه خرج من بطن أمه ساجداً، وتبسّم لمَن حوله، فتوقعوا أن يكون صاحب شأن عظيم.قطز والأيوبي
وأضاف المصدر أن أحد شيوخ الأوقاف فسّر أحلام الفتى الصغير بأنه سيد الخلق، كاشفاً عن لقاء جمعه بالشيخ الحصري، توقع خلاله أنه سيكون استكمالاً لمسيرة محمد الفاتح وطارق بن زياد وسيف الدين قطز وصلاح الدين الأيوبي، وهؤلاء أبرز قادة "الفتوحات" في التاريخ الإسلامي.السيسي ونجيب محفوظ والناجي
وأفردت الجريدة مساحة للقاء جمع السيسي بالأديب الراحل نجيب محفوظ، وكلاهما نشآ في حي الجمالية، ونسب إلى محفوظ هذا الحديث: "أنت ستكون عاشور... ناجي البلد دي والمنطقة كلها يا حضرة الضابط"، في إشارة منه إلى الشخصية الشهيرة المعروفة بالخير والعدل فى رواية "الحرافيش".السيسي في القرآن
الاستعانة بأحاديث مصادر مجهولة ونبش كتابات غريبة ليسا جديدين على المنصات الإعلامية المصرية، فقد سلّط الإعلامي محمد الغيطي الضوء على رسالة بحثية لكاتب فلسطيني يدعى بسام جرار، صاحب كتاب "زوال إسرائيل"، يزعم فيها أن اسم الرئيس المصري ورد بالقرآن. وقال الغيطي، في حلقة من برنامجه "صح النوم" على قناة LTC، بتاريخ 15 مايو 2015: "الباحث استخدم في حديثه عن سورة الإسراء الرقم 19 وهو الرقم الإعجازي في القرآن، مؤكداً أن السيسي هو المقصود لأنه الوحيد بين رؤساء مصر الذي يحتوي اسمه على 19 حرفاً مقارنة ببقية رؤساء مصر السابقين جمال عبد الناصر حسين، 17 حرفاً، ومحمد أنور السادات، 15 حرفاً، ومحمد حسني مبارك، 13 حرفاً، ومحمد محمد مرسي، 12 حرفاً".صحافيون وسياسيون يستغلون الصورة الذهنية الإيجابية لدى الناس عن الأنبياء والصحابة لمدح السيسي
"خرج من بطن أمه ساجداً، وتبسم لمن حوله، فتوقعوا أن يكون صاحب شأن عظيم"... إنه السيسي بعيون مادحيه
موسى وهارون
المقارنة بين السيسي وقصص الأنبياء بدأت مبكراً، حتى قبل توليه الحكم. ففي فبراير 2014، شبّه سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، وزير الدفاع آنذاك ووزير الداخلية محمد إبراهيم بالنبي موسى وأخيه هارون، معتبراً أنهما من رسل الله. وقال الهلالي، خلال حفل تكريم أسر ضحايا الشرطة المصرية: "ما كان لأحد أن يتخيل أن سنة الله تتكرر ويأتي مَن يقول لا إسلام إلا ما نمليه عليكم، ولا دين إلا ما نعرفه لكم (قاصداً الإخوان المسلمين)، ويقيّض الله للمصريين مَن يقف في مواجهتهم لكي يحقق أن يكون الدين لله كما أمر الله فابتعث الله أيضاً رجلين، كما ابتعث وأرسل من قبل رجلين موسى وهارون أرسل رجلين وابتعث رجلين ما كان لأحد من المصريين أن يتخيّل أن هؤلاء من رسال الله عز وجل، وما يعلم جنود ربك إلا هو... خرج السيسي ومحمد إبراهيم". حديث الهلالي، وإن وجد ترحيباً من الوزير محمد إبراهيم الذي صفّق بحرارة، قوبل باستنكار شديد من شيخ الأزهر أحمد الطيب، الذي شدد على أنه لا يصح ولا يجوز تشبيه القادة بالرسل. غير أن الهلالي فسر تصريحاته بعد ذلك بأنه لم يقل إن وزيري الدفاع والداخلية معصومان عن الخطأ، موضحاً أنه قصد بكلامه التشبيه في الأحداث.خالد بن الوليد
الهلالي ليس الأزهري الوحيد الذي شبّه الرئيس بالأنبياء والصحابة، فاللائحة تشمل زميله أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، الذي قال خلال مقابلة تلفزيونية مع الإعلامي حمدي رزق عبر فضائية صدى البلد إن السيسي يذكره بسيف الله المسلول خالد بن الوليد. وتابع كريمة: "سيدنا خالد كان يدخل معارك ولم ينكسر، والسيسي لم ينكسر ولن ينكسر، وخطاباته تؤكد أنه بإذن الله تعالى سينتصر في حربه على الإرهاب".عمرو بن العاص
الربط بين الأحداث التاريخية وأبطالها والحاضر ظل مستمراً خلال فترة حكم السيسي. ففي مطلع العام الحالي، شبّه السيد محمود الشريف، وكيل مجلس النواب، السيسي بالصحابي عمرو بن العاص، تعليقاً على قرار الرئيس المصري بناء أكبر مسجد وكنيسة في العاصمة الإدارية. وقال الشريف، خلال مداخلة هاتفية على قناة CBC: "السيسي يذكرني بما فعله سيدنا عمرو بن العاص عندما فتح مصر بناء على توصية الحبيب المصطفى وهي أوصيكم بأقباط مصر خيراً".ابن سيدنا الحسين
رجال الأمن كان لهم نصيب أيضاً من الاجتهادات التي سعت إلى تعظيم قدر الرئيس المصري، ومنها محاولة من اللواء محيي الدين عشماوي، مسؤول سابق بجهاز المخابرات الحربية، الذي ترأس السيسي إدارته بضع سنوات قبل ثورة 25 يناير. وقال عشماوي، في لقاء تلفزيوني مع برنامج صوت الناس على قناة المحور، في أكتوبر 2014، إن الله سبحانه وتعالى بفضله أرسل السيسي لكي ينقذ مصر من الإخوان المسلمين. وتابع: "يكفي لما تشوف السيسي وهو بيبص لربنا ويعظمه يقوله حضرتك يا رب خليك مع مصر". مضيفاً: "ده ابن سيدنا الحسين وده ابن مصر وده القائد العظيم الذي يدافع عن مصر". https://www.youtube.com/watch?list=UUYoo3rvwB24q9_kRCgR897Q&v=GO4MncpdWo0عمر بن عبد العزيز
لم يقتصر الأمر على الساسة ورجال الدين والأمن، فالفنانون أيضاً دخلوا على الخط، إذ أشادت الفنانة حنان شوقي بأخلاق السيسي التي اعتبرتها تتشابه مع أخلاق أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز. وقالت شوقي في تصريحات تلفزيونية على شاشة ONtv، عن تشبيهها للسيسي بعمر بن عبد العزيز: "عندما أقول إن أخلاق رئيسي مشابهة لأخلاق عمر بن عبد العزيز، فهذا شيء رائع، وأتمنى أن يكون كل الناس متحلين بأخلاقه وأخلاق الصحابة وأخلاق الرسول".الفاروق عمر وعلي بن أبي طالب
بين مطلقي التشبيهات التاريخية على الرئيس المصري، كان أشرف السعد، رجل الأعمال المصري المقيم في لندن. فتارة رأى فيه عمر بن عبد العزيز بعث من جديد، وذلك في تعليقه على منع الرئيس من الإدلاء بصوته في الانتخابات البرلمانية التي جرت في عهده بسبب عدم حمله بطاقة الرقم القومي، إذ قال: "وربنا جسمي اقشعر، لله دره، هل بعث عمر من جديد". وفي مناسبه أخرى، شبّه الرئيس المصري بالفاروق عمر بن الخطاب، قائلاً: "دخل عمر بن الخطاب كنيسة القيامة فخطف قلوب القساوسة، السيسي يكرر المشهد بعد 1400 عام"، خلال زيارته للكنيسة الكاتدرائية بالعباسية في عيد الميلاد. وفي الثالثة، كتب على حسابه على تويتر: "حكم القاضي ضد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لصالح رجل يهودي وها هو التاريخ يعيد نفسه ويحكم ضد السيسي لصالح خالد علي"، وذلك على خلفية حكم محكمة القضاء الإداري بأحقية مصر في جزيرتي تيران وصنافير.سوابق إخوانية
ربط الأحداث الآنية بأحداث تاريخية، وإن كثرت في عهد السيسي، فقد ظهرت من قبل في فترة صعود الإخوان المسلمين، إذ سبق أن استخدمت الجماعة شعار "يوسف هذا العصر خرج ليحكم مصر" مع القيادي البارز خيرت الشاطر حينما أعلن ترشحه لرئاسة الجمهورية في الانتخابات الأولى بعد ثورة 25 يناير، استناداً إلى تشابههما في موقف الخروج من السجن لحكم الشعب. وبرأي الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، تسمح الثقافة الدينية في مجتمع تقليدي كالمجتمع المصري بتغذية هذه الأفكار والمقارنات، مشيراً إلى أن "المصريين يعتمدون بشكل كبير على المراجع الدينية والأساطير التاريخية". وفسر صادق كثرة التشبيهات الدينية التي اقترنت باسم الرئيس المصري بأنها "استغلال من أصحابها للصورة الذهنية المثالية التي رسمها المصريون عن قدسية الأنبياء في المقام الأول وأخلاق الصحابة وسمات مثل الفروسية والقيادة في بعض الشخصيات المذكورة في التاريخ الإسلامي". وقال صادق: "الزعماء في جميع العصور، وتحديداً في منطقتنا العربية، يبحثون عن خلق بطولات لهم، ظهر هذا في أساطير صدام حسين عن عيشه بالرصاصة الساكنة في ظهره، وكل ما ألفه القذافي في كتابه الأخضر".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...