ما الذي يجعل شخصاً ما يقرر الانضمام إلى جماعة دينية متطرفة مثل "بوكو حرام" أو "حركة الشباب الصومالية" وغيرهما من الجماعات المسلحة؟ هل هو الفقر والتهميش أم إن الأمر له علاقة ببعض التفسيرات الدينية، خصوصاً تلك التي تتحدث عن الجهاد؟ حاولت أحدث دراسة علمية دولية أن تجيب عن هذا السؤال، فهل نجحت في ذلك؟ "لماذا قررتم الانضمام إلى تنظيم مسلح؟"، وجه الباحثون الذين عملوا على دراسة "رحلة إلى التطرف في أفريقيا" التي صدرت أخيراً عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، سؤالهم هذا إلى حوالى 500 عضو سابق في تنظيمات مسلحة مختلفة تنتشر في أفريقيا، كانوا جميعهم يؤمنون باستخدام العنف وسيلة لمحاربة الأنظمة السياسية فى دولهم. وعلى الرّغم من أن أكثر من نصف المستطلعة آراؤهم في الدراسة، قالوا أن الدين هو السبب الرئيسي للانضمام إلى تلك الجماعات المتطرفة، إلّا أنّ حوالى 57% من هؤلاء أجابوا عن سؤال آخر يتعلق بمدى تعمقهم في الدين، بأنهم يعرفون قليلاً من النصوص الدينية، ولا يعرف معظمهم تفسير غالبية آيات القرآن، والذي يثير الدهشة أن نسبة غير قليلة منهم اعترفت بعدم قراءة أي نص ديني على الإطلاق.
ابحث عن التعليم
تؤكد نتائج الدراسة أن الذين انضموا إلى الجماعات المتطرفة لم يتلقوا تعليماً كافياً، بسبب ظروفهم الاقتصادية، وهو سبب فهمهم المحدود أو المعدوم لمعاني النصوص الدينية. الأسئلة الكثيرة التي وجهها الباحثون إلى هؤلاء الأفراد، أظهرت حقائق تتعلق بقرارهم الانضمام إلى جماعات مسلحة، أبرزها أن الاستراتيجيات التي استخدمتها دول أفريقية عدة في حربها ضد المتطرفين دينياً، ساهمت في انضمام أفراد جدد إلى هذه التنظيمات. أشار 71% من الأشخاص الذين تحدث معهم معدّو هذه الدراسة، إلى أن هناك "إجراء حكومياً ما" جعلهم يقررون الانضمام إلى تنظيم مسلح، بما في ذلك قتل أحد أفراد عائلاتهم أو أصدقائهم في حرب الدولة ضد "الإرهاب"، أو اعتقال أقرباء أو أصدقاء لهم، وهو الأمر الذي زاد من كراهيتهم الأنظمة السياسية وحوّلهم أعداء لها. "الطريقة الحكومية التي تهدف إلى مكافحة 'الإرهاب' والتمرد، كانت 'نقطة التحول' في اتخاذنا قرار الانضمام إلى جماعة متطرفة"، هكذا أكد كثرٌ من المستطلعة آراؤهم للباحثين. تحليل الباحثين البيانات التي جمعوها من هؤلاء الأفراد بينت أموراً أخرى، منها أن عوامل اجتماعية مثل الحرمان والفقر، إضافة إلى التهميش، من أهم الأسباب التي تجعل البعض يقرر الانضمام إلى تنظيمات متطرفة. أما الفشل السياسي الذي يتسبب فيه حكام دول عدة في أفريقيا لبلدانهم، فيعدّ من ضمن العوامل التي جعلت هؤلاء الأفراد ينضمون إلى تنظيمات مسلحة. خلصت الدراسة إلى أنّ "العقيدة الدينية لا تدفع الشباب إلى التطرف، وإنما عوامل أخرى تتعلق بالفقر والتهميش"، وذكرت أن غالبية الدول الأفريقية تتعامل بالاستراتيجية نفسها في حربها ضد العنف المسلح، سواء كان من تنظيم بوكو حرام أو تنظيم الدولة الإسلامية، أو فروع تنظيم القاعدة، وغالباً ما يتم ذلك بدعم من الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى.الظلم وليس الفقر
بحسب الباحث الإسلامي سامح عبدالحميد حمودة، الفقر ليس السبب الأهم في التطرف الفكري، حيث يقول لرصيف22: "إن المنضمين إلى داعش وغيره ليسوا بالضرورة من الفقراء، فالجماعات التكفيرية تضم أشخاصاً من شرائح مختلفة والأمر ليس مقصوراً على الحال الاقتصادية، وقد رأينا المتطرفين في بعض مناطق الخليخ الغنية، ورأينا أوروبيين يُسافرون للانضمام إلى داعش وغيره". بحسب الباحث الإسلامي، فإن سبب التطرف هو الإغراق الفكري والشحن العاطفي، وتنامي شعور القهر والمظلومية بطريقة قد يكون مبالغاً فيها وكاذبة. "القائمون على التنظيمات يملأون قلوب الشباب وعقولهم حماسة للجنة وللجهاد في سبيل الله، وطبعاً ما يفعلونه ليس جهاداً وليس من الدين، ولكنهم يخدعون الشباب ويُحرفون النصوص الشرعية، ويُدلسون على الجهلة المغرر بهم"، وفق ما يقول حمود.كيف دمر التطرف بعض دول إفريقيا؟
بحسب موقع الدراسة، فإن التطرف في أفريقيا تسبب في مقتل أكثر من 33000 شخص منذ عام 2011، وحتى بدايات عام 2016، كما تسبب في نزوح أعداد هائلة من المواطنين إلى أماكن أخرى. تسبب العنف أيضاً في خلق أزمات إنسانية كثيرة أثرت في الملايين من الناس، وكان سبباً في تدمير اقتصاد دول كثيرة. غالباً ما تحذر منظمات حقوقية دولية من أن استخدام العنف فقط ضد التنظيمات المسلحة، لن يؤدي إلى إخماد نارها، باعتباره طريقة لا تساهم في التقليل من العنف، بل في زيادته. على سبيل المثل، تتهم منظمات حقوقية السلطات الكينية بأنها تقوم بقتل كثر خارج نطاق القانون، قبل أن يثبت القضاء أنهم متطرفون حقاً. في حين اتهمت منظمة العفو الدولية الجيش والشرطة النيجيريين بانتهاكات منهجية ضد حقوق الإنسان في حربهما ضد التطرف. "التهميش السياسي والاقتصادي أمر أساسي"، وفق ما تؤكد الدراسة التي استمر العمل عليها حوالى ثلاث سنوات، وأُجريت المقابلات مع المسلحين السابقين في غرب أفريقيا وشرقها. وأضافت الدراسة أن غالبية المنضمين إلى منظمات وحركات عنيفة تعيش في مناطق فقيرة أهملتها الدول وابتعدت منها التنمية. "كيف تصفون أوضاعكم الاقتصادية قبل انضمامكم إلى تلك التنظيمات؟" كان سؤالاً آخر وجهه الباحثون إلى المسلحين السابقين، فقال معظمهم أن أوضاعهم الاقتصادية كثيراً ما كانت تسبب لهم الإحباط، وأنهم حلموا دائماً بوظائف توفر لهم دخولاً مناسبة. وقالوا أيضاً أن التنظيمات التي انضموا إليها كانت توفر لهم أجوراً أعلى بكثير من المتوسط المحلي حتى بالنسبة إلى قلة منهم كانت لديها وظائف رسمية.التهميش عامل مهم
من جهة أخرى، يرى مدير مركز دراسات الإسلام السياسي في القاهرة مصطفى حمزة أن الفقر ليس عاملاً أساسياً من عوامل التطرف والإرهاب، لكنه ربما يكون فرعياً، بدليل أن قادة التنظيمات المتطرفة في العالم مثل أسامة بن دلان، وأيمن الظواهري، وأبي بكر البغدادي، ليسوا فقراء، "ولكن ربما يتم استغلال المال في عملية تجنيد عناصر فقراء من المقاتلين في أفريقيا"، يقول حمزة. ويعتبر في حواره مع رصيف22، أن التهميش الاجتماعي عامل مهم من عوامل التطرف، حيث يشعر المهمشون بحاجتهم إلى الشعور بمكانتهم الاجتماعية، وهو ما تتيحه لهم التنظيمات المتطرفة، حيث تمنحهم مكانة ووظائف كانوا يفتقدونها داخل أطرهم الاجتماعية. ويطالب حمزة بضرورة دراسة العوامل الأخرى كافة التي تدفع الشباب إلى الوقوع فريسة لأفكار العنف، بخاصة العوامل الفكرية والأيديولوجية المتعلقة بالجهل ونقص الوعي، باعتبارها العوامل الأكثر انتشارًا، وفق تعبيره، "لأن الإرهاب فكرة لا تموت بموت أصحابها أو اعتقالهم، وإنما تنتقل من عقل إلى عقل من دون أن تمنعها الحواجز من التحليق"، يختتم حمزة.عن إحساس المتطرف بالظلم
من الأرقام المهمة التي ذكرتها الدراسة هي تلك المتعلقة بشعور هؤلاء الأفراد بالظلم، حيث أكد 83% منهم أن الحكومة في بلدهم تهتم فقط بمصالح قلة قليلة، كما أكد أكثر من 75٪ منهم أنهم لم يثقوا أبداً في سياسيي بلدانهم أو في أجهزة أمن الدولة، ولم يشعروا أبداً بأنهم كانوا يعملون لمصلحتهم. وثّقت الدراسة أيضاً شعور هؤلاء حين قرروا الانضمام إلى التنظيمات المسلحة، وقد كانت بالترتيب الأمل، الإثارة، فالغضب، ثمّ الانتقام، وأخيراً الخوف. من هنا، ترى الدراسة أنه "يجب ألا تجعل الدول بعض مواطنيها يشعرون بأن دينهم مهدد حتى لا ينضموا إلى تنظيمات متطرفة". لا تسعى هذه الدراسة إلى تبرير التطرف أو الدفاع عنه، بل تقدم بشكل علمي مستقل بحثاً في الأسباب الحقيقية للتطرف، والهدف منها أن تتعامل الدول التي تعاني من الإرهاب باستراتيجية مختلفة مع التنظيمات المسلحة وأن توفر لمواطنيها اهتماماً ورعاية وظروفاً اقتصادية أفضل. فهل تتعامل الدول التي تعاني من ويلات الإرهاب بجدية مع هذه النتائج؟ يمكننا التكهن بأن الباحثين الذين عملوا لسنوات على هذه الدراسة، من دون شك، يتمنون ذلك.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...