يبدو أن هناك أزمة خصوبة تلوح في العالم الغربي خصوصاً مع تدني نسبة الحيوانات المنوية بشكل ملحوظ، والحل قد يكون لدى الرجال في الشرق الأوسط.
فقد كشفت دراسة نشرتها مجلة "هيومن ريبروداكشن ابديت"، أن نسبة الحيوانات المنوية لدى الرجال في أوروبا، وأميركا الشمالية، وأستراليا، ونيوزيلندا انخفضت من 50 إلى 60% على مدى 38 عاماً، وتحديداً منذ عام 1973 حتى عام 2011.
وبالرغم من كون هذه الدراسة صادمة ومقلقة، فإن الشق الإيجابي يكمن في قدرة الشرق الأوسط على المساعدة. إذ اتضح أنه نتيجة التجارب الشائكة التي مروا بها، فإن الرجال في منطقة الشرق الأوسط، باتوا قادرين على إعطاء دروس لبقية العالم بشأن موضوع الخصوبة والعقم.
تطور النظرة الى العقم
نشرت صحيفة النيويورك تايمز تقريراً مفصلاً عن موضوع الخصوبة في العالم، مشيرةً إلى أنه على مدى السنوات الثلاثين الماضية، عانى الرجال في الشرق الأوسط من العقم بسبب مشاكل وراثية متعلقة بالحيوانات المنوية، إضافة إلى وجود عوامل أخرى ساهمت في إحداث خسائر باهظة في الصحة الإنجابية للذكور، مثل ارتفاع معدلات التدخين، وتلوث الهواء المحيط في المدن الكبرى والضغوط النفسية الناجمة عن الحروب. إلا أن هذا الوضع لم يبق على حاله، ففي السبعينات أصبح تحليل السائل المنوي متاحاً على نطاق واسع في مصر، حيث أيقن المواطنون أن مشاكل العقم قد تكون ناجمة عن ضعف في الحيوانات المنوية، خصوصاً بعد أن أظهر التقدم العلمي بوضوح أن العقم ليس مجرد عبء يلقى على كاهل النساء، إنما للرجال دور مهم في الموضوع. وبالرغم من التقدم الطبي الملحوظ في الشرق الأوسط، إلا أن الوعي العام في ذلك الوقت لم يترجم إلى انفتاح فعلي، لأن معظم الرجال المصريين كانوا يتكتمون عن المشاكل التي يواجهونها مع الخصوبة، ولا يبوحون بها حتى لأفراد أسرتهم، وبالتالي بقي العقم عند الذكور يتّسم بوصمة عار، وبإلقاء اللوم بشكل علني على النساء، كما أنه في معظم الأحيان كان يخلط العقم الناجم عن ضعف الحيوانات المنوية مع العجز الجنسي. كيف تغيّرت هذه الصورة في الشرق الأوسط؟ في الواقع تغيّرت النظرة إلى موضوع العقم إثر مجموعة عوامل اجتمعت في ما بينها لجعل علاج العقم لدى الرجال أكثر سهولة، ومن بين هذه العوامل: التقدم الطبي، الإرشاد الديني، الجهود الحكومية، غير أن العامل الأهم هو الرجل الشرقي نفسه، خصوصاً أنه لعب دوراً رئيسياً في كسر المحرمات بطريقة تفيد الغرب وتجعله يتعلم من تجاربه.الفضل لرجال الدين والوعي العام
أشارت الصحيفة في تقريرها إلى أن التغييرات الحقيقية بدأت مع علماء الدين المسلمين، الذين كانوا من أوائل الزعماء الدينيين في العالم، الذين سمحوا بالتخصيب في المختبر كحلّ فعلي للعقم الزوجي. فقد أجازت فتوى صدرت في مصر عام 1980، باعتماد تكنولوجيا متطورة في عملية الإخصاب في العالم الإسلامي، وخلال العقود التالية حدثت طفرة في عمليات التلقيح الاصطناعي، ما جعل الشرق الأوسط يصبح اليوم واحداً من أقوى قطاعات التلقيح الاصطناعي في العالم. أحدث هذا التطور في الطب الإنجابي قفزة إلى الأمام في التسعينات، مع إدخال تقنيات جديدة وفعالة بشكل خاص من علاجات التلقيح الاصطناعي، المعروفة باسم "إكسي"، أي حقن الحيوانات المنوية داخل البويضة، وهي بمثابة فرصة أعطيت للرجال الذين يعانون من عقم ليصبحوا آباء حقيقيين. اليوم تضم منطقة الشرق الأوسط أخد أقوى قطاعات التلقيح الصناعي في العالم. كما أشارت الصحيفة إلى أن ظهور مثل هذه الحقن في الشرق الأوسط، ساهم في قيام ثورة تكنولوجية أدت بدورها إلى قيام ثورة اجتماعية، إذ تزايد إقبال الرجال الذين يعانون من العقم على حقن "إكسي"، وبالتالي تحوّل العقم من مشكلة ذكورية إلى حالة طبية. وبسبب انتشار عمليات الحقن المجهري على نطاق واسع، بدأ الرجال يتحدثون بشكل علني عن مشاكلهم مع الخصوبة، كما أن الحكومات ساعدت في جعل علاج العقم أكثر سهولة من خلال توفير التمويل العام. ومع الوقت، بات رجال منطقة الشرق الأوسط أكثر انفتاحاً حول مشاكل الخصوبة، وبهدف إظهار مدى تغيّر النظرة تجاه العقم الذكوري في الشرق الأوسط، تحدثت النيويورك تايمز مع نبيل، رجل لبناني كان يعاني من العقم، أكد أن نظرة الناس قد اختلفت مع الوقت: "بات الجميع يدرك أن العقم مشكلة طبية وليست مرتبطة بالذكورة أو الأنوثة". وقد أوضح نبيل أن في الشركة التي يعمل فيها 4 إلى 5 أشخاص لديهم أطفال من التلقيح الاصطناعي، وأكد أنه كان من الطبيعي التحدث عن موضوع العقم في العلن، حتى أن مديره كان متعاطفاً معه ومنحه إجازة مدفوعة لمرافقة زوجته إلى عيادة التلقيح الاصطناعي. تعتبر الصحيفة أن الرجال الذين اعترفوا بأنهم يعانون من مشاكل العقم، وحاولوا البحث عن علاج فعلي، ساعدوا في تخفيف العبء الثقيل الملقى على عاتق الزوجات، اللواتي غالباً ما يعانين من مضايقات الأقارب، والنبذ الاجتماعي، والتهديد بالطلاق أو الوقوع ضحية مبدأ تعدد الزوجات، في حال تعذر عليهنّ الإنجاب.مشاكل العقم بين الشرق والغرب
هناك اختلافات حقيقية بين الشرق الأوسط والغرب في ما يتعلق بمشكلة العقم عند الرجال. فقد أوضحت الصحيفة في التقرير أنه في الشرق الأوسط، يمنع على الأزواج الذين يعانون من العقم من الحصول على حيوانات منوية من المانحين، على الرغم من أن الدين وافق على العديد من العلاجات في هذا المجال كعمليات الحقن المجهري. في المقابل لطالما كان استخدام الحقن المجهري "إكسي" متاحاً على نطاق واسع في الغرب، إلا أن كلفته المرتفعة في بعض الأحيان تجعل من الصعب الوصول إليه، خصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن العقبة الرئيسية تكمن في صمت الرجال وتكتمهم حيال مشكلة العقم، خصوصاً أنها لا تزال مشكلة مخفية وينظر إليها على أنها وصمة عار وضعف، ويخلط بينها وبين العجز الجنسي. في الختام، خلصت الصحيفة إلى القول إن منطقة الشرق الأوسط تشكل موضع دراسة، تعكس القوة في إعادة صياغة العقم كمشكلة طبية، وليست كمشكلة ذكورية. وبفضل الدور الكبير الذي لعبه الرجال في المنطقة وتحدثهم العلني عن مشاكلهم، فإن "تجربة الشرق الأوسط مع موضوع العقم قد تكون مثالاً يحتذى به".مثال الإمارات المتحدة
يعاني 1 من بين 5 أزواج في الإمارات العربية المتحدة من مشاكل تتعلق بالعقم، وقد اتضح أنه في 50% من الحالات يكون الرجل وراء المشاكل المتعلقة بالإنجاب، بحسب ما كشفته دراسة مركز بورن هول للخصوبة في دبي. وقد أخذت الدراسة التي أجريت في أوائل عام 2017 عيّنة من نحو 100 رجل تراوح أعمارهم بين 25 و56 عاماً ليتبيّن أن الرجال في الإمارات يعانون من مشكلة حقيقية في الخصوبة نتيجة عدة عوامل متداخلة، من شأنها إلحاق الضرر بالصحة الإنجابية مثل: التدخين، البدانة، استخدام الكمبيوتر المحمول لفترات طويلة. أما الشق المفاجئ في الدراسة، فكان في إجابات المشتركين، إذ اتضح أن معظم الأشخاص في الإمارات هم على دراية بمعظم العوامل التي قد تؤدي إلى العقم، وباتوا مستعدين لمعالجة مشاكلهم الإنجابية، بدلاً من طمسها ولوم زوجاتهنّ، إذ اعترف 84% منهم بأن مشكلة العقم ليست محصورة دائماً بالزوجة إنما بأنفسهم أيضاً. بالفعل ما كان يحصل في مرحلة سابقة، حين كانت تلقى مشكلة العقم بالإجمال على الزوجة، فإن العقلية لدى الرجال في العالم العربي تغيّرت، تيتزايد يومياً إقبال الرجال على العيادات الطبية للتحدث عن مشاكلهم وإيجاد حل مناسب لمشكلة العقم. ووفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية للعام 2015، فإن 60 إلى 80 مليون زوج في العالم يعانون من العقم نتيجة ظروف الحياة العصرية، في حين أن الآلاف من الأطفال يولدون كل عام بواسطة التلقيح الاصطناعي، ومن المتوقع أن تصل القيمة السوقية لهذه التقنية إلى 27 مليار دولار عام 2020. ومن المرجح أن ترتفع الأرقام في الإمارات العربية المتحدة إلى 1.5 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون