على غرار المكوّنات العراقية الأخرى، يسعى تركمان العراق إلى تشكيل قوة مسلحة لحماية مناطقهم في محافظة كركوك من أية اعتداءات قد تتعرض لها، خاصة بعد الأزمة التي أثارها الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان.
هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها التركمان عن تشكيل قوة مسلحة تسمى وحدات الحماية التركمانية. فقبل سنوات دار الحديث نفسه بدون أن ترى القوة النور. ولكنّ التركمان يبدون اليوم أكثر جدية في تحقيق هذا الهدف.
ولّدت هذه الأنباء مخاوف لدى الأطراف الأخرى في المحافظة، خاصة الكردية، بسبب الاعتقاد بأن القوة الجديدة ستكون "مدعومة" من تركيا.
ويحاول رئيس الجبهة التركمانية العراقية أرشد الصالحي طمأنة الآخرين ويقول لرصيف22: "القوة التركمانية المسلحة لن تكون هجومية، ولن تسعى إلى فرض سطوتها، بل هي قوة دفاعية لتأمين مناطق التركمان في كركوك".
وانتقد الصالحي "عدم قدرة القوات الأمنية العراقية على منع الاعتداءات التي تعرضت لها بعض المقار التابعة للجبهة التركمانية في محافظة كركوك"، قبيل وبعد الاستفتاء على استقلال كردستان، في 25 سبتمبر الماضي.
اتخذ السياسيون التركمان خطوة تشكيل القوة المسلحة لحماية مناطقهم، رداً على التعزيزات العسكرية الكردية التي وصلت قبل أسابيع إلى محافظة كركوك، في ذروة التوتر مع بغداد قبيل سيطرة القوات العراقية على المحافظة الغنية بالنفط.
مساعٍ لمواجهة البيشمركة
يسعى التركمان عبر هذه القوة إلى منع تكرار ما يقولون إنه هجمات تعرضوا لها، ووصفوا بعضها بأنها جرائم منظمة تهدف إلى ترويع الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه القومية حتى لا يبدوا أيّ موقف مما تشهده المحافظات من صراعات سياسية. وبحسب مصدر داخل الجبهة التركمانية في كركوك، تحدث لرصيف22، "وُزّعت 300 قطعة سلاح من نوع كلاشينكوف قبل أسبوعين على بعض المتطوعين التركمان لحماية مناطقهم من أية اعتداءات". قد لا تكون عملية التسلح التركمانية موجهة ضد الأكراد أو البيشمركة، بل ضد حزب العمال الكردستاني الذي يقولون إن عشرات من عناصره في كركوك، وهذا ما دفعهم إلى القول إنهم "سيكافحون ويحاربون الـPKK في كركوك".إيران ذوّبت شيعتهم بباقي الشيعة، وتركيا لا تثق إلا بالسنة منهم.. تركمان العراق يقررون تشكيل قوة مسلحة
في زحمة الصراع التركي الإيراني على بسط النفوذ على مدنهم.. تركمان العراق يقررون تشكيل ميليشيا قوميةحالياً، ينشط بعض العناصر التركمان في قوة داخل قوات الحشد الشعبي، ولكن كثيرين يرون أنها غير كافية لحماية القومية التركمانية من الاعتداءات والهجمات التي تشن عليهم، ويطالبون بتشكيل قوة قومية مرتبطة بالأحزاب التركمانية القومية، وليست المذهبية. ويعزو نائب رئيس الجبهة التركمانية العراقية حسن توران أسباب الاعتداءات التي حدثت على بعض المقارّ التركمانية إلى "الموقف التركماني من الاستفتاء وعدم المشاركة فيه". وتعزّز التصريحات التركية مخاوف التركمان. ففي 26 سبتمبر، بعد يوم من الاستفتاء، قال الوزير التركي لشؤون الاتحاد الأوروبي عمر تشيليك إن "كل سلاح سيذهب للبيشمركة مستقبلاً، سيستخدم ضد التركمان". ويبدو أن القوة المسلحة التي بدأ التركمان بتشكيلها، لن تكون بعيدة عن الدعم التركي لها، فالجارة الشمالية للعراق أكدت أكثر من مرة أنها ستتدخل عسكرياً في حال تعرض التركمان لأي استهداف. ويعقتد التركمان بوجود "فراغات" أمنية في مناطقهم تنعكس عليهم في عمليات اختطاف وسطو مسلح على منازلهم ومحالهم التجارية، بالإضافة إلى عمليات اغتيال شخصيات تركمانية.
بمن سترتبط القوة التركمانية؟
يرى الناشط التركماني يحيى شمس الدين أن "أية قوة تركمانية مسلحة ستشكل ستكون لحماية التركمان فقط، وسترتبط مباشرة بالحكومة المركزية في بغداد". وأضاف لرصيف22: "نتوقع زيادة في الاعتداءات التي يتعرض لها التركمان خلال الفترات المقبلة، وهذا ما يدفعنا إلى المطالبة بتشكيل قوة أمنية تحمي مناطقنا ومقارّ أحزابنا". وقد يعزز ازدياد عمليات استهداف مقار الأحزاب التركمانية الشعور القومي لدى التركمان في المحافظات العراقية، خاصة أولئك الذين يسكنون كركوك، وهم الأغلبية، لحمل السلاح بشكل علني. وكما هو متوقع، لم تذهب اتهامات التركمان لغير خصومهم الأكراد. فحسب النائب التركماني جاسم محمد جعفر، فإن جماعات مسلحة تتبع محافظ كركوك المُقال نجم الدين كريم، هي التي تقوم بمهاجمة مقارّ الأحزاب التركمانية. وقد لا تكون محافظة كركوك بعيدة عن أية تشنجات أو صدامات مسلحة بين التركمان والأكراد، وإن وقعت في نطاق محدود.فصائل تركمانية مبعثرة
لدى التركمان حشدٌ يسمى "الحشد التركماني"، ينضوي تحت إطار الحشد الشعبي، لكن هذه القوة لا تمثل جميع التركمان، بل هي مكوّنة من التركمان الشيعة، وولاؤها مذهبي وليس قومياً. ولم يعلن في أي وقت وجود قوة تركمانية مسلحة على غرار الفصائل العربية الشيعية والسنية التي نشطت بعد عام 2003، بالإضافة إلى قوات البيشمركة الكردية، بل توزّع التركمان تارة بين فصيل شيعي وأخرى سني. هناك مجموعات مسلحة صغيرة جداً مهامها حماية مقار الحزب التركماني الرئيسي في العراق، "الجبهة التركمانية العراقية"، ولا يحمل أفرادها السلاح خارج المقار، كما لم يعلنوا أنفسهم كتشكيلات مسلحة موازية للتشكيلات الأخرى العربية والكردية. بعد 2003، ضاع التركمان بين تشيّعهم وتسننهم، وراح بعضهم ينتمي إلى الأحزاب الشيعية بينما وجد آخرون في الأحزاب السنية ملاذاً لهم، لذا لم تتوحد جهودهم في "وضع رأسهم بين رؤوس الكبار"، رغم أنهم القومية الثالثة في العراق. ويُتّهم الحشد التركماني (الشيعي) بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، ويقال إنه قوة كبيرة، ويحصل على دعم وتسليح مثلما تحصل بقية فصائل الحشد وله تواصل وعلاقات مع إيران.التركمان بين تركيا وإيران
تدعم تركيا التركمان السنة بشكل أساسي، فهي تعتقد أن ولاء الشيعة منهم لإيران. وكذلك الحال مع إيران التي تدعم الشيعة فقط، لكن التركمان الشيعة ليس لديهم أي حزب خاص بهم، فهم موزعون بين الأحزاب الشيعية الكبيرة. ويقول مصدر في الجبهة التركمانية لرصيف22 إن "تركيا وإيران لا تدعمان التركمان مثلما تقدمان الدعم لجهات أخرى، والأولى تدعم المرشحين أثناء الانتخابات بمبالغ زهيدة جداً لا تتعدى النصف مليون دولار". ويتحدث المصدر أيضاً عن إيران التي: "ساهمت بتذويب التركمان وإضاعتهم داخل صفوف الكتل الشيعية الكبيرة". ولم ينتهِ الصراع الإيراني - التركي حول قضايا التركمان، فقضاء تلعفر التابع لمحافظة نينوى وفيه غالبية تركمانية تنقسم بين الشيعة والسنة، تريد كل من طهران وأنقرة السيطرة عليه، الأولى لشيعية أغلبية سكانه والثانية لتركمانيتهم. ولن يكون الفصيل التركماني المسلح الذي بدأت عملية تشكيله بعيداً عن تركيا، فهي في أكثر من مناسبة حذّرت من أي اعتداء على التركمان وأكدت دعمها المستمر لهم.التركمان على الخارطة العراقية
يعتبر التركمان القومية الثالثة في العراق، ويعيشون في البلاد منذ أكثر من ألف عام، ويتحدثون اللغة التركية لكن بلهجة أخرى، وتعتبر محافظة كركوك المتنازع عليها، معقلهم الأساس في العراق. أثناء حكم صدام حسين للعراق (1979 - 2003)، عانوا مثلما عانت المجتمعات العراقية الأخرى. ففي عام 1991 اقتحمت قوات الحرس الجمهوري العراقية مدينة ألتون كوبري شمال كركوك، واعتقلت أعداداً كبيرة من الرجال وأعدمتهم رمياً بالرصاص. وبحسب الروايات، فإن الهدف من حملات الاعتقالات التي قامت بها الأجهزة الأمنية العراقية حينذاك، كان التغيير الديموغرافي للناحية. وبعد عام 2003، حاول التركمان الحصول على منصب سيادي في الحكومات العراقية المتلاحقة، إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك. فحتى الوزراء الذين ينتمون إلى القومية التركمانية، لم يحصلوا على مناصبهم بصفتهم تركماناً، بل لأنهم ينتمون إلى كتل سياسية كبيرة. وتشير معلومات غير موثقة إلى أن عدد التركمان في العراق تجاوز الثلاثة ملايين، وهؤلاء موزعون على كركوك وبغداد ومحافظات إقليم كردستان العراق. ومما يؤشر على وجود تدهور أمني مرتقب في كركوك، أو هجمات ضد التركمان، التصريحات التي يطلقها أعضاء في مجلس النواب العراقي عن المكون التركماني، والتي تحذّر من تدهور الأوضاع الأمنية في المحافظة التي تتصارع عليها ثلاث قوميات رئيسية في العراق. والحال، أن تسلح جميع المكونات والأطراف السياسية في العراق، لا يمكن إلا أن يكون نذير شؤم على مستقبل التعايش السلمي والأمن المجتمعي، فالصراعات السياسية سريعاً ما ستتحول إلى صراعات مسلحة على أرض الواقع.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 5 ساعاتHi
Apple User -
منذ 5 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا