ربما تنظر إلى نفسك في المرآة وترى إنساناً عادياً لا يأبه للمظاهر الخارجية. ترتدي الجينز الأكثر راحة لنهارٍ طويل وقميصاً ما من تلك القمصان التي تشبه بعضها، جوارب عالية تمنح الشعور بالراحة والأمان، وحذاءً رياضياً تملأ ثغراته أتربة الشوارع. لا تحتاج حتى لإلقاء نظرة في المرآة لتصفيف بضع شعرات بقيت نائمة. أتظن أنك إنسان عادي مجهول الهوية؟ إعلم أنه ابتداءً من اليوم، أسلوبك اللامبالي ذلك أصبح الأسلوب الأكثر حداثة في شوارع الموضة. أنت هو الهيبستر hipster الأكثر طلباً حالياً، ولقبك الجديد نورمكور normcore. هل تريد أن تعلم لماذا؟
هذه هي مفاجأة العصر! أنت من جماعة النورمكور. نورمكور هو أسلوب اللباس الجديد الذي لا يعرف الثياب المذهّبة ولا التصاميم المعقدة ولا الكعوب العالية ولا الأكسسوارات البلينغ بلينغ bling bling. نورمكور لا يريد أن يراه العالم من آخر الشارع، نورمكور لا يريد أن يصرخ بالموضة الاستهلاكية، نورمكور لا يأبه برأيكم حول لباسه. كتلميذ تائه في أول يوم في كلية الطب أيام الثمانينات، لم يسمع لا بـماركة لوبوتان Louboutin ولا بـماركة كافالي Cavalli، ولا يستمع بالتأكيد لأغانٍ تتخللها دولشي أند غابانا “Dolce & Gabbana”، يريد فقط أن يمضي نهاره على خير.
ذلك المصطلح الجديد في شارع الموضة حدّدت هويته شركة أميركية مختصة بالنزعات العصرية تحمل إسم كاي-هول K-Hole، بعد أن شاهدت تلك الظاهرة تتكاثر في عواصم الموضة العالمية. في عصر تحكمه الرغبة القاتلة في التميّز، وبالأخص في انتقاء اللباس، اختار بعض الأفراد من ذوي الشهرة ارتداء أبسط الملابس في الصفوف الأولى في أهم عروض الأزياء وفي الشوارع وتحت عدسات البابارازي، ليبدوا كأفراد عاديين كغيرهم من أفراد المجتمع. وداعاً للمجهود المبالغ به لإلفات الأنظار، وداعاً للملابس الفاضحة بهدف التميّز، وداعاً كيم كارديشيان Kim Kardashian، وداعاً آنا ديلو روسو Anna Dello Russo، كانيي ويست Kanye West وأخواتهم.
قد تكون تلك الموجة الجديدة في الموضة البسيطة حدّ اللامبالاة خبراً لن يسعد كافة الأفراد الذين اختاروا نمط الحياة ذلك لمجرد راحة البال والابتعاد عن تعقيدات الحياة العصرية الاستهلاكية، وحتى كطريقة لإبداء رأيهم بطبقة الأناس الذين اغتنوا حديثاً، وبكل ما يتعلقون به من سلع استهلاكية لمّاعة. نورمكور قد يشكل مصدر إزعاج لمن اختار أن يرتدي الملابس الأكثر صراحة وشفافية، لمن فضّل أن يلمع هو على أن تلمع وتتحدث عنه ملابسه. لا داعي للهلع، فتلك الموجة قد تكون عابرة مثل باقي الموجات المفبركة، التي تدّعي أن تكون ببساطة النورمكور، وتدّعي ذكاء ستيف جوبز Steve Jobs ومارك زوكربيرغ Mark Zuckerberg.
في حديث مع مجلة فوغ Vogue البريطانية، حاولت إيميلي سيغال Emily Segal من شركة كاي-هول أن تشرح التفكير المسؤول عن النورمكور الذي يميل للتماثل والتشابه، موضحة أن العالم قد سئم من بذل الجهود من أجل التميّز، وتعب من فكرة أنه إذا أراد المرء أن يعترف به المجتمع، عليه أن يكون متميزاً عن أي كائنٍ آخر من حوله. عوضاً عن التجارة الاستهلاكية للموضة والماركات، التي تشنّ حروباً اقتصادية قاسية تستخدم خلالها ضحايا الموضة التائهين في ذلك العالم المفترس. أتى النورمكور ليقول أنه حساس ويتمتع بالذكاء، أنه مميز وليس بحاجة أن يصرخ عالياً على الأسطح، أنه يملك الوقت لإتمام أمور أكثر أهمية.
حذاء بيركنستوك Birkenstock، نيو بالانس New Balance أو كروكس Crocs، تي-شيرت من فروت أوف ذا لوم Fruit of the Loom، جاكيت يونيكلو Uniqlo، وجينز من غاب Gap، هذا هو اللوك الأكثر إثارة اليوم، أشبه بسائح تائه في المدينة. كان من الصعب الالتفات لذلك اللوك العام الماضي، حيث كان كل ما هو صارخ في الأزياء مرحّب به، والموسيقى تردد أسماء الماركات التجارية في مختلف ألحانها، ومدوّنو الموضة أشبه بخزانة متنقلة في الشوارع بين عرض وآخر. اليوم، أن لا تشبه شيئاً هو المطلوب. ربما قد يكون الإنترنت من جهة وروّاد التواصل الاجتماعي من جهة أخرى، المسؤولون عن إعدام الحاجة للملابس للتعبير عن الرأي. فالإنترنت والشوبينغ الإلكتروني قد سهّلا تدفق أساليب الموضة ودورات الأزياء بشكل هائل، إلى أن أصبحت الموضة مصطلحاً غير محدود بين لون وآخر أو بين تصميم وقَصة، ومواسم الموضة فكرة من طراز قديم. العولمة الإلكترونية والاستهلاكية وضعت كل فرد في العالم في تحدّ مع 7 مليار شخص ليتميّز عنهم بأسلوبه الخاص، في وقت قرّبت مختلف جنسيات العالم من بعضها البعض. وكأن النورمكور ظهر ليبسّط الأمور في الاتصال مع الآخر.
أمر آخر ساهم في وضع بساطة النورمكور في أول صفوف الموضة، هو اللباس الذي اختاره غورو الإلكترونيات ستيف جوبز والذي ما زال يعتمده غورو التواصل مارك زوكربيرغ. جينز عالي الخصر خالٍ من أي قصة مثيرة، تي-شيرت لا ينتمي لأي ماركة، حذاء رياضي يريح البال، لا أكسسوارات تجميلية، لباسٌ واثقٌ من نفسه، كأن الذكاء ليس بحاجة لقناع يلطّفه. الشباب التواصلي اليوم يمضي أوقاتاً على الهواتف الذكية أكثر بأشواط من الوقت الذي يمضيه أمام المرآة، وهويات الأفراد التواصلية أخذت تذوب ببعضها البعض لتقترب أكثر من نموذج موحّد يحدّد الهوية الإلكترونية العامة.
عالم الموضة كأي نطاق آخر من الحياة الاجتماعية، مرتبطٌ إلى حد كبير بالعوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المهيمنة على حقبة ما. تماماً كما زالت موجة الـبلينغ منذ بضعة أعوام بسبب الأزمة الاقتصادية التي أهلكت العالم، يتجه قالب الموضة اليوم نحو البساطة العامة المسماة نورمكور. لكن الملفت للنظر هو أن موضة العالم العربي بعيدة كل البعد عن تلك الموجة التي تجتاح العالم في الوقت الراهن، رغم أن بلادنا تحكمها الأزمات السياسية والإنسانية والاقتصادية أكثر من أية بقعة من الأرض. ما زال العالم العربي عالقاً في عصر الـبلينغ بلينغ الذي ولّت موضته منذ عدة أزمات، ولا يبشّر بالبساطة التشابهية في القريب العاجل.
تم نشر هذا المقال على الموقع في تاريخ09.04.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع