"كاد المعلم أن يكون رسولاً"، جملة نحفظها من أمير الشعراء أحمد شوقي، ولكنها بعيدة كل البعد عن الواقع اليوم، إذ باتت حوادث اتهام المعلمين وأساتذة الجامعة بالفساد المالي والأخلاقي شائعة إلى درجة ملحوظة في مصر.
ابتزاز جنسي
تضج وسائل التواصل الاجتماعي المصرية بفضيحة تطال ياسين لاشين، أحد أساتذة قسم العلاقات العامة بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. نسبت إلى الأستاذ المتفرغ تسجيلات صوتية يطالب فيها إحدى الطالبات بكتابة تقرير تنفي خلاله قيامه بالتحرش بها سابقاً، مع إجبارها على التعري وتصويرها عارية لتهديدها بالصور في حال تراجعت عن اعترافها.ياسين لاشين
ويتضح خلال التسجيل أن الفتاة تبكي وتردد ذليلة ما يمليه عليها أستاذها وهي تكتبه، بينما يهددها هو مؤكداً لها أنه فوق القانون ويستطيع تدميرها. أثارت التسجيلات موجة من التعليقات الغاضبة على فيسبوك وتويتر، عبر هاشتاغ #حاكموا_ياسين_لاشين، طالب خلالها الطلاب بمحاكمة الدكتور، بينما ناشد أولياء أمور بضرورة وضع معايير لاختيار المربّين للنشىء. وركز كثير من المغردين على أن الأستاذ الجامعي "مسنود" كما أكد هو نفسه في التسجيلات، إذ إنه يترأس حزب "30 يونيو" وبالتالي يملك علاقات متينة مع الأجهزة الأمنية. وقد اتهمه عدد من الطلاب بكتابة تقارير أمنية عن طلابه.
جرائم سابقة وتوعّد بالعقاب
ياسين لاشين مُحال إلى التحقيق وموقوف عن العمل منذ إبريل الماضي بتهمة ابتزاز الطلاب مادياً وإجبارهم على شراء هدايا عينية لمقهى خاص يملكه في منطقة الدقي، مقابل النجاح وإلغاء أجزاء من المقرر. وهي التهمة التي نفاها لاشين، ملقياً باللوم على "معارضيه السياسيين".وقد ناشدت جيهان يسري، عميد كلية الإعلام بالقاهرة، وسائل الإعلام المختلفة تحري الدقة وعدم التشهير بالكلية، لأن الأستاذ المشار إليه محال إلى المجلس التأديبي وموقوف عن العمل. وأشارت يسري إلى أنها قدمت مذكرة بضرورة فصله عن الجامعة بتهمة الإساءة للكلية، مع تأكيدها أن الحادثة تمت خارج أسوارها. في الوقت ذاته، أكد محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، فتح تحقيق فوري مع لاشين، مشيراً إلى عدم السماح بابتزاز الطلاب مادياً أو جنسياً من أي شخص كان. غير أن الكثيرين لا يعولون على الخشت لما سبق أن صدر عنه في مناسبات مختلفة، كنشره لأفكار متطرفة، وميله لتأييد النظام.
فساد الأساتذة
قبل شهرين، في مايو 2017، قدمت مجموعة من الطالبات بكلية الآداب في جامعة طنطا، شكاوى مدعومة بمحادثات عبر الواتس آب تكشف تحرش أحد الأساتذة بهن. ورغم صمت الفتيات لمدة طويلة خوفاً من بطش الدكتور، فإن ارتفاع سقف مطالبه بإرسال صورهن عاريات أو مقابلته دفعهن لفضحه. قبل ذلك، أحالت جامعة عين شمس الدكتورة ليلى عبد المجيد، في كلية الطب، إلى التحقيق عقب نشرها لأفكار مسيئة للطلاب، إذ اتهمتهم بالغباء وبأنهم دون المستوى و"رائحتهم كريهة" لأنهم من أقاليم تقع خارج القاهرة. وفي مايو 2016، اتهمت طالبة دكتوراً يبلغ من العمر 73 عاماً، بكلية العلوم في جامعة الإسكندرية، بالتحرش بها جنسياً ومطالبته لها بالدخول في علاقة جنسية معه، مهدداً إياها بالقتل في حال أفشت الأمر. وقد أُوقف الأستاذ عن العمل وأحيل للتحقيق. وفي حادثة أخرى، اعتصمت 44 طالبة بكلية رياض الأطفال في جامعة دمنهور، بعد تقديمهن شكاوى ضد أستاذ منتدب تحرّش بهن، وبعد تلكؤ رئيس الجامعة في الاستجابة لهن. وقد اضطر اعتصامهن رئيس الجامعة لتحويل الأستاذ للتحقيق. وجمع طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، 150 توقيعاً على بيان يتهم أحد الأساتذة بالتحرش الجنسي بالطالبات. كذلك قدم 1500 طلاب في كلية الصيدلة بالجامعة ذاتها، عريضة تتهم أحد الأساتذة بالتحرش اللفظي ومخالفة الآداب العامة وسوء معاملة الطلاب. في حين اتهمت طالبتان تجهزان رسائل الماجيستير بكلية الزراعة في جامعة أسيوط الأستاذ المشرف بابتزازهما جنسياً مقابل النجاح، وشكت 125 طالبة بكلية دار العلوم في جامعة الفيوم أحد الأساتذة بالتحرش بهن لفظياً وجسدياً.من أمن العقاب أساء الأدب
يقول كمال مغيث، الخبير بالمركز القومي لبحوث التربية، لرصيف22: "ما آل إليه حال الأساتذة الجامعيين والمعلمين بشكل عام أمر محزن ومخجل للغاية، فقد استشرى الفساد الأخلاقي والمالي بينهم ولم يعد المعلم يحرص على سمعته وعلى أن يكون قدوة صالحة لطلابه كما السابق". ويضيف: "الجامعة تمنح سلطات واسعة للأساتذة غير مدركة ما قد يرتكبه بعض المفسدين، فطالما نحن بشر فلسنا معصومين من الخطأ، وكلما زادت سلطات الفرد زادت احتمالات خطأه وطغيانه، وهو ما حدث مع لاشين وغيره من الأساتذة المستهترين بمهنة التربية". ويشير مغيث إلى أن الكثير من الحوادث المشابهة كانت تنتهي بسفر المعلم الفاسد لإحدى الدول العربية حتى تهدأ الفضيحة، ويقول: "يعود الأستاذ بعدها لمزاولة عمله وفساده، وأقصد هنا الفساد المالي أو الأخلاقي، والسبب الرئيسي هو التداخل بين الإدارة وهيئة التدريس، فبعض الأساتذة مسنودون بعلاقاتهم بإدارة الجامعة ولا يستطيع أحد اتخاذ إجراءات ضدهم". بحسب مغيث، تكمن الخطورة الكبرى في أن بعض الأساتذة يتودد للجهات الأمنية بكتابة تقارير عن طلابهم، وخاصة الثوريين منهم، ما يجعلهم بمأمن تام من العقاب، ويفتح لهم أبواب الترقية. ويضيف إلى ذلك المحاباة التي يجيدها بعض الأساتذة الفاسدين الآخرين، ويقول: "الفساد بالطبع يحمي بعضه بعضاً". ولكن ما هو الحل بحسب الخبير التربوي؟ يقول مغيث: " لتفادي مثل هذه الحوادث مستقبلاً، لا بد من وجود "ميثاق شرف جامعي" تنقسم من خلاله جرائم الأساتذة إلى مستويين. المستوى الأول جرائم لا يعاقب عليها القانون كإجبار الطلاب على شراء كتب باهظة الثمن للتربح، أو ابتزازهم مادياً بشراء الهدايا، وهذه تحال لمجالس التأديب بعد تفعيلها وتغليظ عقوباتها، معتبراً أن "الفصل لم يعد رادعاً كافياً لهؤلاء المستهترين". أما المستوى الثاني، فيتمثل في جرائم الشرف والسمعة، ومنها التحرش الجنسي والاغتصاب والتهديد مقابل خدمات جنسية وما إلى ذلك، وهذه لا بد أن تُحال للنيابة العامة مباشرةً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...