بعد قرابة عامين أمضاهما السوريون في مصر، نجح الكثيرون منهم في تثبيت أقدامهم في شتى المجالات. أصبح من الطبيعي أن تدخل مطعماً أو مقهى أو محل ملابس لتجد البائع أو مالك المحل من الجنسية السورية. كثير من الحرفيين كذلك زاد الطلب على أعمالهم لمهارتهم ودقتهم. قصص نجاح سوريين وجدوا طريقهم في المجتمع المصري.
ليلاس حتاحت، من المكتب إلى الشاشة
"الأصدقاء في الغربة وطن"، هكذا تبدأ ليلاس حتاحت، المذيعة بقناة أون تي في On TV المصرية، حديثها. ليلاس، 33 عاماً، امرأة متزوجة عاشت حياة مستقرة وهي تعمل كمديرة لقسم في دار الأوبرا السورية. غاب الاستقرار مع بداية الحراك الشعبي في سوريا وانهار عالمها الخاص، فوجدت نفسها في أرض جديدة، تبدأ مشوارها من الصفر.
في السابع والعشرين من يوليو 2012، وجدت ليلاس أن حياة ولديها "وجد" و"ورد" تستحق المغامرة، وأن بقاءها في سوريا أصبح خطراً، ليس عليها فحسب بل على أطفالها، فانتقلت إلى القاهرة. "القاهرة مدينة كبيرة تبعث الرعب في قلوب الوافدين، فإذا كان أهلها يتوهون في شوارعها، فما بال الغريب فيها" تقول عن بداية رحلتها في مصر. أمضت ليلاس شهورها الأولى في حالة تخبط، أو كما تصفها هي بإحساس "الغريب" وهو ما رفضته لاحقاً، حيث تقول: "لم أكن أرغب في العيش كغريب مؤقت"، فالمؤقت لا يعمل، لا يبدع ولا ينظر للغد.
وعليه بدأت البحث عن عمل. عملها القديم في دار الأوبرا السورية أكسبها ثقافة وكتابتها في الصحف منحتها مهارة في الصياغة، فما كان عليها سوى البحث عن وظيفه جديدة تناسب تلك المهارات. الأصدقاء نصحوها أن تجرب حظها في التلفزيون. "ذهبت لمقابلة مدير محطة OnTV وكل ما في بالي هو العمل في مجال الإعداد، لكن الجلسة أسفرت عن أني أصلح كمذيعة". الطريق لم يكن سهلاً، "إثبات حضوري في مصر لم يكن بالأمر اليسير، لكن الأقدار كانت رحيمة بي ونجحت في أشهر معدودة في أن أتحول من مراسلة إلى مقدمة في برنامج مباشر من العاصمة حيث عملت على تغطية الملف السوري، وإن كنت الآن أتناول الملف العربي بشكل عام، وحتى المصري أحياناً".
"ليلاس" الآن تعيش حياة مستقرة بالقاهرة، تقطن حي الزمالك الذي يذكرها بمحل إقامتها الأصلي في سوريا. هي لم تبحث عن وطن بديل، لكنها عملت وأبدعت، فصارت إحدى نجمات التلفزيون في مصر.
الصائغ يعلم الناس
"يقولون إن للمرء نصيباً من إسمه، وإسمي يدل على صنعتي"، هكذا استهل هيثم الصائغ -38سنة- حديثه لرصيف 22. هيثم من الجيل الثالث في عائلة اشتهرت بتجارة الذهب، يتذكر محله في يبرود بأسى قائلاً: "لم نكن مجرد صاغة، بل كنا أقرب ما نكون إلى معهد فني امتزجت فيه تصاميم الفنانين العرب بالصنعة السورية، ونظراً لتميزنا شاركنا في معارض عدة في الخليج وأوروبا". الوضع المالي والاجتماعي لهيثم كان جيداً، بل يمكن القول إنه كان ممتازاً، لكن الثورة السورية وما صاحبها من أحداث عنف، جعلت إقامته بدمشق شبه مستحيلة، ولذلك كان قرار الرحيل.
في يناير 2013 حضر هيثم وزوجته وابنه "شادي"، 9 أعوام، إلى القاهرة. كان يملك بعض المال وصنعة ورثها عن آبائه، ورغبة حقيقية في الصمود والنجاح. يقول هيثم: "نظرة سريعة على حالة السوق المصري تجعلك تدرك أن تجارة الذهب ليست هي المجال الأنسب للعمل فيه، وعليه كان علي البحث عن مجال جديد".
هيثم لم يضيع الكثير من الوقت قبل أن يأخذ قراره بالتوجه إلى التعليم، فافتتح فرعاً للمعهد البريطاني linguaphone لتعليم اللغات في مصر. بعد اتصالات ومراسلات مع إدارة المعهد في إنكلترا، وتجهيزات للمقر واختيار للأساتذة، نجح هيثم في افتتاح الفرع الأول للمعهد البريطاني.
"الأحداث السياسية في مصر أخرت الافتتاح كثيراً" يضيف هيثم، إلا أننا اليوم وبعد خمسة أشهر من بدء العمل، يمكننا القول إننا نسير على الطريق الصحيح، ونفكر في افتتاح فرع جديد في الإسكندرية.
هيثم يتذكر أخوته، كيف توزعوا فى بقاع الأرض ما بين لبنان وألمانيا ومصر، لكنه يرفض أن يغرق في حزنه قائلاً: "لدي أسرة وطفل. الإحباط ترف لا أملكه ويأسي سوف يدفع ثمنه آخرون، لم يكن أمامي إلا النظر للأمام والاستماتة حتى لا أنهار".
أبو يوسف يعود شاباً من جديد
كشاب في العشرينات من العمر، يتحرك الرجل بخفة ونشاط في مطعمه، يدور بين الطاولات ليتأكد من أن الزبائن لا ينقصهم شيء، يدخل المطبخ ليشرف على الطعام، ثم يخرج مسرعاً ليشرف على تنظيف واجهة مطعمة الصغير. إنه "محمد مغربي" أو "أبو يوسف"، 62 سنة، الرجل الذي كان صاحب خمسة مطاعم، من شارع الكلاس في حلب. فجأة وجد نفسه مضطراً لظروف الحرب أن يترك كل هذا، ويرحل إلى مصر مصطحباً معه أسرته الكبيرة المكونه من ثمانية أفراد. من أراد أن يعرف معنى الحماس وحب الحياة والإصرار على النجاح، فليتحدث مع هذا الرجل الذي قرر بعد أن تجاوز الستين من عمره أن يعيد رحلة كفاحه مرة أخرى. وبعد أن كان يمتلك خمسة مطاعم يتجاوز عدد العاملين فيها الخمسين، ها هو يبدأ من جديد كما بدأ أول مرة منذ أكثر من أربعين عاماً.
"أخذت هذا المحل الصغير بالمهندسين، وبدأت أجهزه وأعمل فيه أنا وأسرتي. قمت بتدريب بعض الشباب على العمل معي، والحمد لله نجح المطعم وأصبح لديه زبائن دائمون، أغلبهم من المصريين" يقول محمد. يرفض الحديث عن السياسية، أو عن خسارته في سوريا، فكل ما يشغل باله الآن هو النظر إلى الأمام، والتخطيط لافتتاح فرع ثانٍ وثالث ورابع لمطعمه في مصر.
نشر هذا المقال على الوقع في تاريخ 26.03.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع