في قلب الريف المصري نشأ ثلاثة شبان على سماع أصوات عمالقة التلاوة والابتهالات في مصر، كالشيخ محمد رفعت والنقشبندي ومحمد عمران وعبد الباسط عبد الصمد وطه الفشني والشيخ نصر الدين طوبار، وغيرهم الكثير ممن كان يتردد صداهم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم لسنوات طويلة، خطفوا فيها قلوب المصريين وعقولهم .
أحمد العمري ومحمد رشاد وعلي حسين، ثلاث مواهب جديدة جمعهم القدر، عقب حضورهم الذكرى السنوية لوفاة الشيح محمد الهلباوي، والد المطرب علي الهلباوي، ليعيدوا للمصريين زمن هؤلاء العملاقة، عبر مقطع فيديو سجلوه على عتبات أحد مساجد القاهرة، وقلدوا فيه كبار المبتهلين والمنشدين في إذاعة القرآن الكريم، ونشروه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
حصد الفيديو ملايين المشاهدات، ما دفع القنوات الفضائية المصرية إلى التسابق على استضافتهم، بينما طالب رواد السوشال ميديا بتبني هذه المواهب، وإتاحة الفرصة لهم لتسجيل تترات المسلسلات والبرامج الدينية بأصواتهم، مؤكدين أن هؤلاء الشباب أفضل من المواهب التي تعرضها برامج The Voice وArabs got talent.
العمري
لكل شاب من هؤلاء الثلاثة قصة مختلفة عن الآخر، جعلته يتجه لهذا النوع من الفن. فأحمد العمري تعلق بالإنشاد والابتهالات منذ صغره، من خلال سماعه كبار القراء والمنشدين، وتقليده لهم. ويرجع الفضل في ذلك إلى شرائط والده، الذي كان يعمل رساماً لأغلفة الشرائط الإسلامية من خطب وإنشاد وتلاوات قرآنية. يقول العمري: "اتخذت هذا الفن طريقاً لي، لأنني لم أجد أرقى منه فناً وذوقاً وعلماً وأخلاقاً، وأكرمني الله بالحصول على المركز الأول في الإنشاد، وتمثيل مصر بالإمارات في مسابقة منشد الشارقة عام 2014 ". ورغم قلة خبرة العمري، فقد وصل إلى التصفيات النهائية بهذه المسابقة، من دون أن يحصد أي مركز متقدم. ثم شارك في مسابقة إبداع، وحصل على المركز الثاني في الإنشاد الديني على مستوى الجامعات والمعاهد العليا المصرية. كما شارك في مهرجان سماع للموسيقى الروحية، وسافر إلى الجزائر في مهرجان السماع الصوفي، صحبة الشيخ محمد ياسين التهامي. وفور عودته، شارك في مسابقة أندى الأصوات، التي ينظمها الجامع الأزهر سنوياَ وحصل على المركز الأول . وأعرب لرصيف22 عن أمله في أن يكون في عداد علامات الإنشاد الديني في العالم الإسلامي، وأن يترك للأجيال المقبلة رصيداً يتغنون به لعصور لاحقة.رشاد
أما محمد رشاد، فقد كان لجده وجدته الفضل الكبير في تعلقه بهذا الفن. يقول: "كان بحوزة جدي راديو صغير يحمله طوال الوقت في الحقل والبيت، ولا يستمع إلا إلى إذاعة القرآن الكريم بالقاهرة، ومن هنا ارتبطت أذناي بالراديو، وكنت أردد أصوات المشايخ شغفاً بحلاوة الصوت من دون أن أعرف معنى الكلمات التي تقال". وذكر رشاد أن والده عندما سمعه يقلد كبار القراء والمبتهلين، كالشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ نصر الدين طوبار، أصيب بالذهول، وبدأ يشجعه على تنمية هذه الموهبة، وتطور الأمر وأصبح محمد يؤذن للصلاة في مسجد القرية وهو في المرحلة الابتدائية، ثم ذاع صيته بالإذاعة المدرسية ومثل مدرسته في الكثير من المسابقات. التحق رشاد بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، وشارك في مسابقة المواهب الفردية وحصل على المركز الأول فيها عامي 2014 و2015. ويحيي بين الحين والآخر بعض المآتم، وينتظر حالياً الالتحاق بالقوات المسلحة المصرية، لتمضية الخدمة العسكرية الإلزامية.حسين
وكما يقولون في المثل الشعبي "ابن الوز عوام"، ورث علي حسين المهنة عن أبيه، الذي كان أحد أعضاء مسابقة المزمار الذهبي. علمه والده مبادئ قراءة القرآن الصحيحة، واصطحبه معه في المآتم التي كان يحيها بمحافظات وقرى مصر. يرى علي حسين أن لا مانع من توريث مهنة الابتهال والانشاد الديني ما دام الابن يمتلك الموهبة. ونظراً لكون هذه المهنة موسمية وغير مربحة، يعمل حسين مشرفاً في شركة الصرف الصحي، بجانب استكمال تعليمه الجامعي في كلية التربية قسم العمارة جامعة عين شمس، ويتمنى الالتحاق بمعهد الموسيقى العربية بعد تخرجه لتنمية موهبته. كانت التنشئة الدينية عاملاً أساسياً في تفضيل هؤلاء الشباب فن الابتهالات والإنشاد على الغناء، يقول العمري: "مجال الإنشاد والابتهال متعة لصاحبه، ومن يحب هذا المجال بصدق وإخلاص لن يخرج منه"، موضحاً أن فرصة تعلم علوم النغم والمقامات والتصوير النغمي كبيرة.الغناء عادة سرية للشباب الثلاثة
ورغم عشق الشبان الثلاثة لفن الإنشاد الديني والابتهالات، فإن هذا لا يعني أنهم لا يستمعون إلى الأغاني غير الدينية. فأحمد العمري يفضل النوع الطربي من الغناء، ويدندن به في جلساته الخاصة ومع أصدقائه المقربين من وقت إلى آخر. إلا أنه يخشى ردة فعل جمهوره حين يخرج عليهم كمطرب، ويرى أنه كمنشد يمكن أن يشرد إلى الغناء بشرط واحد، هو أن يقدم غناءً هادفاً يعبر عن الأمل والحياة ويبث الأمل في المجتمع. https://www.youtube.com/watch?time_continue=29&v=qT6r_9LgALY ومن نجوم العمري المفضلين في مجال الغناء، إسمهان وأم كلثوم والشيخ سيد درويش ومحمد عبد الوهاب والشيخ السيد الصفتي ومدحت صالح وعلي الحجار ومحمد الحلو. ويعشق في الفنان كاظم الساهر ألحانه وكلماته، وفي شيرين عبد الوهاب إحساسها العالي، وتخطفه أصالة بعربها، ويعتبر الفنانة ذكرى سلطانة لما تمتلكه من مرونة صوتية. يرى العمري أنه كي يعيش المنشد الديني في أذهان الناس، عليه أن يطور أداءه باستمرار، ويضيف لمسات أكثر عصرية، بإدخال أنواع جديدة من الموسيقى على الفن الذي يقدمه للجمهور. ولمحمد رشاد نظرة مختلفة إلى علاقة الإنشاد والابتهال بالغناء، فيقول: "لا يوجد قارئ ولا مبتهل سطع في عالم التلاوة والابتهال إلا مال للطرب الأصيل وتربى عليه، فالشيخ النقشبندي كان من أعز أصدقاء الست أم كلثوم، وكلنا نعلم أن أنشودة مولاي كانت من ألحان بليغ حمدي". وأضاف: "الشيخ عمران كانت كل سهراته وجلساته الخاصة مع مطربين وعازفين مشهورين، ونشأت بينه وبين الأستاذ محمد عبدالوهاب صداقة، ولهما تسجيلات جميلة جداً احتوت على الطرب والقوالة الديني". وأشار إلى أن الشيخ سعيد حافظ شارك مع الفنان محمد الحلو عام 1994 في أداء أغنية "يا حبيبي كان زمان"، ولاقت استحساناً كبيراً من الناس، وتعتبر من أشهر أغاني محمد الحلو. يعشق رشاد أصوات أم كلثوم وعبد الوهاب وسيد درويش وعبد المطلب ووديع الصافي وإسمهان وفتحية أحمد ووردة وعباس البليدي وإيمان البحر درويش وشريفة فاضل. ويستمع أيضاً إلى مطربين عراقيين أمثال ناظم الغزالي، لكنه في الوقت نفسه يرفض الشرود إلى الغناء، ويفضل أن يدندن لهؤلاء بينه وبين نفسه فقط، فسماعه للطرب "سلطنة شخصية"، ولكن الهدف في مشواره الفني هو الإنشاد. ويؤكد أنه لن يشارك أبداً في أي من برامج اكتشاف المواهب كـStar Academy أو The Voice لو عرضت عليه. ويعتبر أن التدني في مستوى الفن في أيامنا، تسبب في تدني الذوق العام للمستمع. ففي الماضي كان الجمهور يفهم مقامات موسيقية وذوقه عالٍ، ولا يسمح بقبول أي فنان دون المستوى، ولهذا كوّنوا جيلاً فنياً قوياً، أما في وقتنا الحالي، فقد أجرم "أوكا وأرتيجا" في حق المستمع وجنوا عليه، وأصبح الفن الهابط موضة. ويضيف: "نحن نفتقد الكلمة التي كانت تميز الأغنية قبل أن تلحن". ولتقديم لمسة عصرية لفن الإنشاد والابتهال، يؤكد رشاد أن المنشدين يحتاجون إلى ملحنين وشعراء على مستوى عالٍ، أمثال زكريا أحمد وأبو العلا محمد، لافتاً إلى أن عملهم الآن يعتمد على التراث القديم فقط. والسؤال: هل يتمكن هؤلاء الشباب من ترك بصمة حقيقة في عالم الإنشاد الديني والابتهالات، أم يظلون يقلدون القدماء، ويمرون على الدنيا مرور الكرام، ويصبحون منشدين في طي النسيان؟رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...