في الوقت الذي كان فيه الدكتور خالد فهمي وزير البيئة ينفي أمام البرلمان المصري أي تقصير أو تفريط في ثروة مصر البحرية، كان حامد السيد يقوم بعمله المعتاد منذ سنوات، وهو اصطياد الشعاب المرجانية، الذي يحظره القانون والاتفاقات الدولية.
"حامد"، الصياد الذي يقطن محافظة البحر الأحمر، ولم يخش أن يُذكر اسمه، يوضح أن اصطياد الشعاب المرجانية في محافظته بات طبيعياً، فهناك صيادون باتوا متخصصين فيه، ويجدون من يشتريها منهم.
يقول إن في جنوب البحر الأحمر أكثر من 500 صياد، مصدر رزقهم الوحيد هو البحر. وفي بعض الأوقات، يكون الإنتاج السمكي قليلاً، وبالتالي يلجأون إلى صيد الشعاب المرجانية، يستخرجونها ويقومون بتفريغها، وجذب الشعاب المرجانية منها، ثم بيعها لتجار متخصصين في شرائها.
ويضيف: "دورنا كصيادين يقتصر على الغطس واستخراج الشعاب، وأجرنا 500 جنيه (28 دولار) في اليوم، أما الاستخدامات فهي عادة للديكور في المطاعم والأنتيكات والفيلات والقصور، خصوصاً أن أشكال الشعاب المرجانية تجذب الكثير من الأثرياء، الذين يهتمون بتزيين أماكنهم، أو لجلب زبائن أكثر، كما الحال في المطاعم. ولفت إلى أن نصف مطاعم البحر الأحمر مزين بالشعاب المرجانية.
مرجان لا يقدر بثمن
الشعاب المرجانية، كما تعرفها وزارة البيئة المصرية على موقعها الرسمي، حيوانات مجهرية دقيقة، تنشأ من تكاثر المرجان المستمر بواسطة التبرعم، فيشكل مستعمرات كبيرة جداً، والناتج من الاتصال المستمر بين البرعم والأصل. [caption id="attachment_123664" align="alignnone" width="700"] الشعاب المرجانية في شرم الشيخ[/caption] ويختلف لون المرجان من صنف لآخر، وتتنوع أشكاله بين الأحمر والأصفر والكريمي والأبيض والأخضر والبرتقالي، وعلمياً ينتمي المرجان إلى شعابة تمتاز غالبية حيواناتها بأنها حيوانات صغيرة الحجم، إلا أن البعض يصل إلى طول مترين، وجميع حيوانات الشعابة ذات تماثل شعاعي ليس لها فم مستقل، فتعتبر فتحة التغذية المحاطة بالوامس هي فتحة الإخراج. تكمن أهمية الشعاب المرجانية بحسب وزارة البيئة في أنها توفر بيئات ملائمة لنمو الكثير من الأحياء، كالديدان المروحية وذوات المصراعين الثاقبة والسلَّج، وأنواع كثيرة من القشريات للعيش بين الصخور المرجانية، وبشكل خاص الروبيان الرملي. كما تشكل غذاءً للكثير من الأسماك، مثل السمك الجراح، فيتغذى على الطحالب الرخوة، بينما يتغذى سمك الفراش على الزوائد اللحمية للمرجان أو على العوالق. ويوضح حامد أن هناك عصابات باتت مخصصة في تجارة سرقة الشعاب المرجانية، بغض النظر عن تراجع الأسماك أو كثرتها، وبالتالي هناك نوعان من تلك السرقة، واحد موسمي حين تتراجع كميات الأسماك، وآخر يعمل طوال السنة. أما القانون والرقابة فهما أمر أشبه بالمستحيل، لأن ذلك يعني توفير رجل أمن لكل صياد أو غطاس، أما عن البيع، فعادة يكون بالكيلوغرام، ويصل إلى 5 آلاف دولار، ويتم استخراج بين 10 و15 كيلوغراماً يومياً. وبعيداً من تلك الناحية البيئية، فإن أهمية الشعاب المرجانية من الناحية السياحية هي الركيزة الأهم. وبالنظر إلى الأرقام، يمكن معرفة قدر تلك الأهمية. فمبادرة رسم خرائط ثروة المحيطات التي حصلت على أفضل مبادرة عام 2017 من المجلس العالمي للسفر والسياحة، تشير إلى أن الشعاب المرجانية تدعم 70 مليون رحلة في العالم كل عام، ما يجعل هذه الشعاب محركاً قوياً لازدهار السياحة. وبحسب الأرقام، تمثل الشعاب المرجانية 36 مليار دولار سنوياً من القيمة الاقتصادية للعالم، ومن بين 36 مليار دولار، يمثل 19 مليار دولار السياحة الفعلية «في الشعاب المرجانية» مثل الغوص، والغطس، وركوب القوارب الزجاجية، ومشاهدة الحياة البرية على الشعاب نفسها. أما الـ 17 مليار دولار الأخرى، فتأتي من السياحة المجاورة للشعاب المرجانية، والتي تشمل الاستمتاع بالمناظر الجميلة والشواطئ، والأنشطة التي يوفرها تأثير المأوى للشعاب المجاورة. [caption id="attachment_123665" align="alignnone" width="700"] الشعاب المرجانية في شرم الشيخ[/caption] وتنتشر الشعاب المرجانية في 70 بلداً حول العالم، ويقدر قيمة الكيلومتر المربع منها بمليون دولار. وتعد أكثر الدول التي تتعرض لسرقة تلك الحيوانات البحرية: مصر، أندونيسيا، أستراليا، موريشيوس. تلك الأرقام دفعت الدول إلى تخصيص أموال للاستثمار في هذا المجال، ففي فلوريدا مثلاً يقدر مكاسب السياحة في الشعاب المرجانية مليار دولار سنوياً للدولة.سواح لصوص في مصر
مصر أيضاً كانت من ضمن الدول التي بدأت في الاستثمار، فنظمت خلال الفترة الماضية أكثر من حملة لتشجيع سياحة الغطس في مدن البحر الأحمر وجنوب سيناء، بالإضافة إلى بعض الحملات التي أطلقتها وزارة البيئة، واستطاعت من خلالها ضبط الكثير من الشعاب المرجانية في المحلات والبازارات، كان آخرها حملة في الغردقة أسفرت عن ضبط مجموعة من المُحنّطات، منها أصداف بحرية وسمكة قرش محنطة، ومجموعة من الشعاب المرجانية، كما عثرت بحسب ذكر بيان وزارة البيئة الرسمي على كمية من الأصداف البحرية النادرة أثناء عرضها للبيع على السياح بمنطقة القرى السياحية. وينص قانون المحميات الطبيعية، الذي تندرج تحته حماية الشعاب المرجانية، على أن عقوبة أي سرقة هي غرامة تبدأ من 500 جنيه ولا تزيد عن 5 آلاف جنيه (28.3 و283 دولار)، وهو ما تحاول الحكومة المصرية تلافيه الآن من خلال تشريع جديد، في انتظار موافقة مجلس النواب، ينص على أن من يتسبب في سرق ثروة مصر البحرية يُحكم عليه بالحبس ليس فقط بالغرامة. شيخ الصيادين في جنوب سيناء الشاذلي أحمد يروي أن تلك العصابات موجودة أيضاً في جنوب سيناء، لكن بعدد أقل، نظراً للوجود الأمني في المحافظة. ورغم اعتقاده أن ما يحدث سرقة لثروة مصر البحرية، يرى أن قرارات الحكومة بمنع الصيد في بعض الأشهر، كما حدث في مارس الماضي، يساعد الصيادين في الارتماء في أحضان تلك الجماعات. ثقافة الصيادين أيضاً تلعب دورها كما يوضح الشاذلي، فرغم ما يقال عن تهديدات انقراض بعض الشعاب المرجانية، فهي في زيادة مستمرة بحسب ما يرون، وبالتالي لن يختل التوازن البيئي بما يتم استخراجه، مشيراً إلى أن معدل الاستخراج في المحافظة يراوح بين 10 و15 كيلوغراماً يومياً. ويسلط أحمد غلاب، مدير عام المحميات الطبيعية في محافظة البحر الأحمر، الضوء على تلك المشكلة أكثر، فيشير إلى أن ضعف القانون سبب أساسي لانتشار تلك الجماعات، التي تتسبب في اختلال بيئي واضح وخسارة فادحة في ثروات مصر البحرية. ويوضح: "القانون الجديد ربما يكون فيه بعض الحل من خلال تشديد العقوبات، بجانب بعض الطرق الأخرى، التي من الممكن أن تساعد في الحد من تلك السرقة الممنهجة، مثل التعاون مع شيوخ الصيادين للتأثير على الصيادين في الإبلاغ عن تلك الجماعات، التي باتت تهرب الشعاب المرجانية إلى الخارج من خلال شبكة تهريب نلاحق أفرادها في دروب الصحراء" . الخسائر المالية، بحسب غلاب، وصلت إلى مليون دولار سنوياً، نتيجة سرقة الشعاب المرجانية، التي يتم رصد ملايين الدولارات لحمايتها من الانقراض، أما الرقم الكلي فغير محدد، وإن كان يرى أنه يتعدى الـ100 مليون دولار سنوياً. وبجانب تلك الخسارة المالية، فإن تراجع الشعاب المرجانية كما يوضح الخبير البيئي مجدي علام، يؤدي في النهاية إلى زيادة هجوم الأسماك المفترسة للإنسان، فتلك الأسماك تتغذى أساساً على الشعاب المرجانية، وإن لم تجدها اتجهت للبر لتجد غذاءها، ما يعني تهديداً لحياة ملايين الناس في تلك الشواطىء. ولم يقتصر الأمر على مصر فقط، ففي السعودية أيضاً نشر قسم علوم البحار في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، دراسة توضح أن شواطىء مدينة جدة تتعرض لسرقة الشعاب المرجانية بشكل منتظم، من خلال 800 مركب صيد، تعمل يومياً في شواطىء المدينة. وأوضح البروفيسور مايكل بيرومين، العامل في الجامعة، أن الشعاب المرجانية باتت في وضع صعب يستلزم جهوداً ضخمة، فتراجعها أثر على الحيوانات البحرية الأخرى. وفي الجزائر، وصلت الأمور إلى حد أصعب، إذ أعلنت وزارة الصيد البحري أن سرقة الشعاب المرجانية أدت إلى خسارة آلاف الكيلوغرامات خلال آخر 7 سنوات، رغم حظر الصيد وتشديد العقوبات. وأوضحت الوزارة أن منطقة "القالة" شرقي الجزائر هي قبلة الصيادين لبدء أعمالها التي أدت في النهاية إلى خسائرة وصلت لملايين الدولارات. ولفتت إلى أن الجزائر إحدى الدول التي تعتمد على تلك الحيوانات البحرية للتنمية السياحية، إذ تبلغ مياهها الساحلية 1200 كيلومتر.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...