شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
نقص هائل في المعلومات وتضليل حكومي يحرم المصريين من معرفة ما يجري في بلادهم

نقص هائل في المعلومات وتضليل حكومي يحرم المصريين من معرفة ما يجري في بلادهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 29 يونيو 201711:49 م

في السابعة من مساء 29 يناير الماضي، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أخبار عن تنفيذ أنصار بيت المقدس تفجيرات إرهابية في مدينتي رفح والعريش في محافظة شمال سيناء الحدودية. كثرت الأسئلة حول الأماكن التي استُهدفت وأعداد المصابين والقتلى. ولكن طوال ساعات لم يكن هناك مجيب.

حظر المعلومات غير المجدي

وبعدما فرض الحدث نفسه على مواقع التواصل الاجتماعي، نشرت المواقع الإخبارية المحلية على استحياء أخباراً متضاربة عمّا حصل، وذلك في ظل صمت المصادر الحكومية المصرية وامتناعها عن التعليق، بينما نشرت قناة الجزيرة القطرية فيديو من موقع التفجيرات حصلت عليه من أحد سكان المنطقة.

التقارير الإخبارية الأولية عن الحادث أجمعت على أن مجموعة من العناصر الإرهابية استهدفت عدداً من المباني التابعة للقوات المسلحة في شمال سيناء في حين تباينت أعداد القتلى، وراوحت، بحسب المصادر المختلفة،  بين 29 و45 من عسكريين ومدنيين.

ثم، في تمام الساعة 11 مساءً، وعقب ساعات أمضاها المواطن المصري قيد التساؤل والقلق والترقب، خرج المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية ليعلن أن العمليات الإرهابية "ما هي إلا نتيجة للعمليات العسكرية الناجحة ضد الإرهاب من قبل قوات الجيش المصري".

لم يذكر بيان المتحدث العسكري أيّ معلومات عن العمليات، ولا عن المنشآت العسكرية المستهدفة، ولا عن أعداد المصابين والقتلى. لم يذكر إلا قيام مَن وصفهم بالعناصر الإرهابية بالاعتداء على بعض المنشآت التابعة للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية في مدينة العريش باستخدام بعض العربات المفخخة وقذائف الهاون. وأضاف أنه "جارى تبادل إطلاق النيران والتعامل معهم".

هكذا، تم تجاهل أبسط حقوق المواطن المصري وهو حقه في معرفة حقيقة ما حدث دون أن يخضع لابتزاز عاطفي تحت مسمى الوطنية أو يضلل بدعاية "الحرب أولاً" و"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".

كيف تسلل الإرهابيون إلى قلب مدينة العريش مستقلين عربات مفخخة وحاملين قذائف هاون رغم فرض القوات المسلحة حظر التجول؟ وماذا كان رد فعل قوات الجيش والشرطة الموجودتين في المدينة؟ وما هي الخسائر في الأرواح والمنشآت؟ هذه أسئلة لم يجب عنها المسؤولون حتى اليوم مفسحين في المجال أمام التكهنات والاستنتاجات.

ولكن الأسوأ  كان ظهور حساب على موقع تويتر تحت اسم "الدولة الإسلامية – ولاية سيناء"، ونشره تغريدات عدة أعلن فيها تبنيه للهجمات، ذاكراً بالتفصيل المنشآت التي تم استهدافها، بالإضافة إلى نشره صورة من موقع الحادث. وهي معلومات تفصيلية لم يذكرها البيان العسكري أو أي من المواقع الإخبارية.

ونتيجةً للحجب الحكومي للمعلومات، راح مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي يعتمدون على حساب "ولاية سيناء" كمصدر مباشر للأخبار، وأعادوا تغريد ما كُتب عليه مئات المرات. وقد نشر بعض الصحف تغريداته وتجاهلها بعضها الآخر.

لم تعد مجدية سياسة الدولة في التعامل بخفة مع الرأي العام وحظر بعض المعلومات عنه. فنظراً لوجود وسائل الإعلام البديلة كمواقع التواصل الاجتماعي، تحوّل كل مواطن إلى صحافي قادر على نشر خبر، وتالياً باتت مستحيلة سيطرة الحكومة على ما ينشر وما يشاع عن حدث ما، وصار ممكناً لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي فضح كذب البيانات الحكومية.

من هو الإرهابي؟

عقب الحراك الشعبي في 30 يونيو 2013 ضد حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين وما تلاه من سيطرة الجيش على مقاليد الحكم في 3 يوليو، نشبت أعمال عنف على نطاق واسع استهدفت قوات الجيش والشرطة ودور العبادة، وطلب وزير الدفاع حينذاك الفريق أول عبد الفتاح السيسي من المواطنين أن يمنحوه تفويضاً لمحاربة الإرهاب المحتمل.

 

في ذلك الحين، اختفت معظم الأصوات الإعلامية الموضوعية نتيجة للقمع وسياسة كم الأفواه وللضغط الشعبي على كل من يعارض الحكومة واتهامه بالخيانة والعمالة. وقد قرر البعض أن يصمت وألا ينتقد الممارسات الحكومية وخاصة انتهاكات حقوق الإنسان نظراً للانقسام المجتمعي نتيجة لحالة الاستقطاب السياسي، بينما اختار البعض الآخر أن يلقي القواعد المهنية خلف ظهره ويتحول إلى عرائس ماريونيت تحركها أيدي مسؤولين حكوميين.

وحدث أن راحت وسائل الإعلام المحلية المنحازة بفجاجة إلى صف الحكومة، تركز على اتهام جماعة الإخوان المسلمين بالضلوع في أحداث العنف قبل أن تنتقل الأعين لتركز على سيناء في 19 أغسطس 2013 عقب وقوع 25 جندي أمن مركزي في شمال سيناء في مكمن نصبه أفراد أنصار بيت المقدس ومقتلهم، في ما عرف إعلامياً بمذبحة رفح الثانية.

وعقب المذبحة، أصدر المتحدث العسكري العديد من البيانات التي تؤكد نجاح العمليات العسكرية التي تشنها القوات المسلحة ضد ما أسماه بـ"أوكار الإرهابيين". وخرجت الصحف الحكومية بمانشيتات على المستوى نفسه من التفاؤل مؤكدة أنه سيتم إعلان سيناء خالية من الإرهاب خلال أيام، وهذا ما ردده ضباط سابقون. وكأن الجميع تلقى تكليفات بنشر هذه الرسالة على نطاق واسع.

الحقيقة المحرّمة

وظل الخطاب الإعلامي محافظاً على التضليل والتعتيم بكل ما يتعلق بالوضع في سيناء خاصة بعد إلقاء قوات الجيش القبض على الصحافي أحمد أبو دراع في سبتمبر من العام نفسه، وقرار النيابة العسكرية إحالته على المحاكمة العسكرية. وجاء في قرار الإحالة "أنه أذاع عمداً أخباراً وبيانات كاذبة وبث دعاية مثيرة لدى إدلائه بأخبار كاذبة عن القوات المسلحة ونتائج أعمالها في شمال سيناء، عبر القنوات الفضائية والصحف المصرية، التي يعمل مراسلاً لها، إذ عرض نتائج مخالفة لواقع الحملة الأمنية التي يقوم بها الجيش لتطهير البؤر الإجرامية". كان واضحاً أن أبا دراع حبس فقط لأنه نشر نتائج مخالفة لما نشره المتحدث العسكري عن نتائج العمليات العسكرية في سيناء.

وفي 23 ديسمبر، عرض الإعلامي يسري فوده إحصاءات أعدها فريق برنامجه عن نتائج العمليات العسكرية ضد الإرهاب في سيناء مستنداً إلى ما نشره المتحدث العسكري على صفحته الرسمية على موقع فايسبوك منذ بداية يوليو 2013 إلى موعد عرض البرنامج.

 

كانت الأرقام ضخمة جداً إذ ذكرت بيانات المتحدث العسكري أن الجيش ألقى القبض على 803 وقتل 184 وأصاب 203 ممن وصفهم بالعناصر الإرهابية. وكذلك كانت الأرقام المتعلقة بالأسلحة والذخائر المضبوطة أرقاماً غير منطقية. بطبيعة الحال، لم تستطع ولن تستطيع أي جهة التأكد من صحة هذه المعلومات.

في ظل الوضع السائد في تلك الفترة، كانت خطوة جريئة من يسري فوده أن يعرض أرقاماً لا يجرؤ أحد على مصارحة المواطنين بها. وكانت ردود الأفعال عليها التشكيك فيها واتهام المتحدث العسكري بنشر بيانات مفبركة لتوجيه الإعلام وتضليل المواطن من أجل أهداف سياسية.

ثم أتى بيان الرئيس عبد الفتاح السيسي، في يناير 2015، وقال فيه بصراحة تعليقاً على العملية الإرهابية السابق ذكرها: "خلال لقائي بالإعلاميين قلت لهم أيام الحرب لم يكن يسمح للإعلام بتناول أخبار الجيش"، وهي رسالة أخيرة من سلسلة رسائل وجهها الرئيس إلى الاعلاميين الموالين له لتقويمهم وتعليمهم كيف يجب أن يمارسوا مهنتهم.

والجدير بالذكر أن عدداً من الزملاء الصحافيين تحدثوا سراً عن تلقي المسؤولين في الجرائد التي يعملون فيها تعليمات واضحة من مسؤولين حكوميين بعدم نشر أي أخبار متعلقة بالجيش أو بالعمليات في سيناء دون الرجوع إلى إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة التابعة لوزارة الدفاع.

ضغوط حكومية مستمرة

لم يكن السيسي المسؤول الحكومي الوحيد الذي ضغط بشكل مباشر على الصحافيين بقصد حجب المعلومات عن المواطنين. فقد أعلنت الحكومة في نوفمبر 2014 عن مشروع قانون يحظر نشر أي أخبار عن الجيش أو تحركاته أو منشآته.

وليس مشروع القانون الجديد إلا تحديثاً للقانون رقم 313 لسنة 1956 الذي ينص في مادته الأولى على حظر نشر أو إذاعة أيّة أخبار عن القوات المسلحة وتشكيلاتها وتحركاتها وعتادها وأفرادها وعن كل ما يتعلق بالنواحي العسكرية والإستراتيجية بأيّة طريقة من طرق النشر أو الإذاعة إلا بعد الحصول مسبقاً على موافقة كتابية من القيادة العامة للقوات المسلحة.

ولم يقتصر الأمر على تجريم نشر ما يتعلق بالقوات المسلحة فقط ولكن أيضاً كل ما يتعلق بالقضاء والمخابرات، وهو ما تجلى في استدعاء نيابة أمن الدولة في أكتوبر 2014 لرئيس تحرير جريدة المصري اليوم وأحد الصحافيين واتهامهما بتكدير الأمن العام على خلفية إعلان الجريدة عزمها نشر وثائق ومستندات التحقيقات في قضية تزوير الانتخابات الرئاسية 2012.

وكذلك تدخل جهاز المخابرات العامة لمنع نشر عدد من الصحيفة تضمّن حواراً مع أحد ضباط المخابرات العامة المصرية. وارتبطت جملة "النائب العام يحظر النشر بقضية..." بكل القضايا التي تجذب اهتمام الرأي العام وتتهم ضباط شرطة بارتكاب جرائم تعذيب أو قتل.

وإذا كانت الحكومة قد تمكنت من إحكام وصايتها على الصحف والقنوات التلفزيونية وتفننت في وسائل حجب المعلومات، فهي لن تتمكن من منع المعارضين أو الجماعات المسلحة أو الصحافيين من نشر الأخبار مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي. ولذلك لا بديل من الشفافية على الأقل للحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة خطر الجماعات المسلحة المتطرفة، خاصة أن هذه الجماعات تجيد استخدام وسائل الإعلام البديل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image