في شارع عبد الخالق ثروت، وسط القاهرة، يقع مبنى ضخم يتكرّر على درجه مشهد يومي: عمال، فلاحون، موظفون، سياسيون، ناشطون، حقوقيون، ونقابيون... ينظمون وقفات احتجاجية وتظاهرات. ومن هنالك انطلقت ثورة 25 يناير.
لطالما كان المبنى وجهة لكل الحركات الاحتجاجية. وبات يعرف في مصر باسم "سلالم نقابة الصحافيين". وفي عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، طالب البعض باعتباره ضمن الآثار المصرية، كونه أحد الأماكن التي ترمز إلى الاحتجاجات، إلا أن ذلك لم يحدث.
حركة كفاية
منذ 12 ديسمبر 2004، شهد درج نقابة الصحافيين عدّة وقفات لحركة "كفاية" التي أسسها 300 من المثقفين والشخصيات العامة وبدأت احتجاجاتها أمام دار القضاء العالي قبل أن تتجه إلى "السلالم".
كان المتظاهرون يكممون أفواههم بملصقات صفراء تطالب بالتغيير، وإلغاء قانون الطوارئ، والتخلص من القوانين المقيّدة للحريات، وحرية تشكيل الأحزاب، والاعتراف بحق التظاهر السلمي، وتشكيل جمعية وطنية تشرف على إعداد دستور جديد للبلاد، والفصل بين السلطات، وعدم التوريث.
بيت الأمة
الكاتب الصحافي محمد عبد القدوس، المقرر السابق للجنة الحريات في نقابة الصحافيين، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان حالياً، هو أحد أشهر الذين نظّموا وقفات احتجاجية على "سلالم النقابة"، وهو صاحب الصورة الشهيرة التي يظهر فيها جالساً على الدرج وممسكاً بالميكروفون وملفوفاً بعلم مصر.
في حديث إلى رصيف22، وصف عبد القدروس الدرج بأنه "بيت الأمة الذي اجتمعت عليه جميع فئات الشعب، لأنه ليس مقتصراً على احتجاجات الصحافيين، بل هو ملاذ للمقهورين من عمال وناشطين سياسيين وحركات ثورية، وهو رمز للحرية التي يسعى الجميع إلى نيلها".
وأثناء تظاهرات ثورة 25 يناير، تعرّض عبد القدوس في إحدى الوقفات الاحتجاجية على "سلالم النقابة" للسحل من قبل عناصر الأجهزة الأمنية.
إسقاط النظام
واحتضن درج النقابة في 26 يناير 2011 تظاهرة حاشدة طالبت بإسقاط النظام، تعرّض المشاركون فيها للسحل من قبل عناصر الشرطة التي اغلقت شارع عبد الخالق ثروت. ولكن الناس زحفوا من كل مكان للمشاركة فى الانتفاضة التي اندلعت هنالك.
جنازة الحسيني أبو ضيف
وشهد الدرج فعاليات وتظاهرات لعبت دوراً أساسياً في عهد نظام الرئيس المعزول محمد مرسي، إذ احتضن وقفات كانت من الأسباب الرئيسية لزعزعة النظام آنذاك، وأهمها تشييع المصوّر الصحافي الحسيني أبو ضيف الذي لقي حتفه في 12 ديسمبر 2013 أثناء تغطيته اشتباكات بين عناصر جماعة الإخوان المسلمين ومحتجين أمام قصر الاتحادية الرئاسي في مصر الجديدة.
مقتل ميادة أشرف
وفي عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، شهد الدرج انتفاضة قوية بعد مقتل الصحافية الشابة ميادة أشرف أثناء تغطيتها مسيرةً لأنصار جماعة الإخوان المسلمين في منطقة عين شمس.
وأكدت زميلتها الصحافية أحلام حسنين، الشاهدة الوحيدة على الواقعة، أن الرصاصة أطلقها عناصر الشرطة لا المتظاهرين. وبرغم ذلك، قامت جهات التحقيق باتهام بعض عناصر الإخوان المسلمين.
وحرص الصحافيون المشاركون في الوقفة على وضع شرائط لاصقة على أفواههم، كما حملوا لافتات عليها رسوم تُظهر الصحافي كشخص مستهدف.
بداية السقوط
وقال عضو اللجنة المركزية السابق لحركة تمرد ومؤسس حركة "بداية" عمرو بدر لرصيف22: "هتافات وتظاهرات المصريين على سلم النقابة الشهير كانت تعبيراً عن اعتبار سلم الصحافيين المكان الذي يجتمع عليه الأحرار، يدافعون عن الحريات، ويفضحون الفساد، ويتصدون للاستبداد"، وأضاف: من هنا كانت بداية السقوط لدولة مبارك وقد ناضلنا كثيراً على تلك الدرجات المعدودة لنطالب بالحرية والكرامة الإنسانية".
جمعة الغضب
لا ينسى بدر واقعة "جمعة الغضب" في 28 يناير 2011. وروى: "ظللنا محاصرين في مبني نقابة الصحافيين حتى الساعة الرابعة عصراً. لم نفهم وقتها معنى أن تترك السلطة الشوارع المكتظة بالبشر والتي تتعالى فيها الهتافات وتشتعل الاشتباكات، بينما مبنى نقابة الصحافيين لم يكن بداخله أشخاص كثر"، وتابع: "ربما حدث ذلك بسبب شعور أجهزة الأمن أن النقابة هي مقر للمشاكسين والأحرار، وأكثر الاحتجاجات والانتفاضات تخرج من على درجاتها المعدودة".
القبض على قلاش
وتذكّر بدر واقعة القبض على نقيب الصحافيين الحالي يحيى قلاش، في 26 يناير 2011، على سلالم النقابة. كان عدد المتظاهرين يتعدى المئات وأُلقي القبض عليه بعد زيادة حدّة الهتافات ضد السلطة ومبارك. ولكن عناصر الشرطة أطلقوا سراحه سريعاً بعد التهديد بالتصعيد.
الأربعاء الأسود
وقال خالد البلشي، مقرر لجنة الحريات في نقابة الصحافيين، إن هنالك أحداثاً مرعبة لا تنساها الذاكرة على سلالم النقابة، مثل واقعة الصحافية نوال علي المعروفة بـ"الأربعاء الأسود"، في 25 مايو 2005.
فأثناء تظاهر العشرات من حركة كفاية وصحافيين ومواطنين، احتجاجاً على التعديلات الدستورية التي كان نظام مبارك بصدد تمريرها تمهيداً لتوريث ابنه الحكم، قامت عناصر من "بلطجية" الحزب الوطني بالاعتداء عليها وعلى صحافيين وناشطين آخرين. وقد مزّقوا ثياب نوال وتحرشوا بها ووضعوا أياديهم في أماكن حساسة من جسدها. كما تحرشوا بأكثر من أربع صحافيات أخريات.
الخدمة المدنية
وفي مشهد أعاد إلى الأذهان احتجاجات ثورة 25 يناير، نظم الآلاف من موظفي الضرائب والجمارك تظاهرة حاشدة على درج نقابة الصحافيين، في 10 أغسطس 2015 احتجاجاً على قانون الخدمة المدنية الرقم 18 لسنة 2015. آنذاك، أغلق عناصر الأمن شارع عبد الخالق ثروت بسيارات الأمن المركزي وبمئات الضباط والجنود.
أمام أعينهم
وعن سبب اختيار درج نقابة الصحافيين للتظاهر، قال أحمد سمير، عضو حركة نحو قانون عادل، لرصيف22 إنهم نظموا وقفات قبل ذلك ولم تجدِ نفعاً "وكان يتم تصويرها على أساس أنها فئوية ومحدودة، ولذلك لجأنا إلى المقر العام للتظاهر والاحتجاج في مصر حتى نكون أمام أعين الحكومة والأمن والإعلام وليعلم الجميع أن مطالبنا عادلة وليست فئوية".
شوكة في ظهر النظام
وقال الكاتب الصحافي علي القماش لرصيف22 إن الصحافيين نظموا عدة وقفات احتجاجية على درج مبنى النقابة القديم، منها وقفة ضد حبس الكاتب الصحافي الراحل عادل حسين، رئيس تحرير صحيفة الشعب، عام 1992، وقد كان شوكة في ظهر نظام مبارك بسبب مقالاته النارية التي أطاحت وزيرين للداخلية، حسن الألفي وزكي بدر.
رفض قانون 93 لسنة 1995
وأوضح القماش أن درج النقابة كان شاهداً على رفض القانون الرقم 93 لسنة 1995 والذي تضمن تغليظ العقوبات في جرائم النشر وألغى ضمانة عدم الحبس الاحتياطي للصحافيين في هذه الجرائم.
ونظّم الصحافيون آنذاك وقفات احتجاجية على درج النقابة ونشروا قائمة سوداء بأسماء النواب الذين تزعموا تمرير القانون وأقاموا جنازة رمزية شيّعوا فيها حرية الصحافة، ما أجبر النظام على التراجع.
ضمير لشعب مقهور
الناشط الحقوقي أشرف عبد الغني قال لرصيف22 إن سلم نقابة الصحافيين يختلف عن غيره، لأنه "أصبح رمزاً أساسياً للاحتجاجات العمالية والسياسية وحتى النقابية. فعليه بدأت المطالبات برحيل الرئيس المخلوع واستمرت حتى تنحّيه، وعليه انتفض الشعب ضد قانون التظاهر. هو يعبّر عن صرخات شعب مقهور يسعى إلى الحرية ولا يجدها".
وأكد خالد البلشي أن درج النقابة أصبح المساحة الوحيدة المتبقية أمام المواطنين للتعبير عن غضبهم ومطالبهم، في ظل نظام يغلق كل طريق أمام التعبير عن حرية الرأي والتعبير.
تاريخ المبنى
على أرض المبنى، عام 1944، نُصبت خيام لجنود إنجليز كانوا في فترة نقاهة من جراح الحرب العالمية الثانية. وتوجّه محمود أبو الفتح، أول نقيب للصحافيين، بطلب إلى الحكومة تخصيص هذه الأرض لتشييد مبنى للنقابة، ووافق مصطفى النحاس رئيس الوزراء آنذاك على الطلب. وتقدّم حافظ محمود، وكيل النقابة حينذاك، بطلب إلى القيادة البريطانية للجلاء عن الأرض فوافقت.
ولتمويل بناء المقر، أجرى مصطفى القشاشي، سكرتير عام النقابة، اتصالات مكثفة، واجتمع مجلس النقابة مع رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي فوافق على تخصيص مبلغ 40 ألف جنيه للمشروع. ووُضع حجر الأساس فى أول يونيو 1947 وافتُتح المبنى رسمياً في 31 مارس 1949.
أما محاولات إقامة المبنى الجديد، فقد بدأها النقيب صلاح جلال عام 1981، ووُضعت رسوم تفصيلية للمبنى بارتفاع 17 طابقاً، وقُدّرت تكلفة تشييده بـ12 مليون جنيه، إلا أنه لم يرَ النور.
وعام 1995، تمكّن النقيب إبراهيم نافع من الحصول على دعم مبدئي قدره عشرة ملايين جنيه لإقامة المبنى، ووُضع حجر الأساس خلال الاحتفال بيوم الصحافي في 10 يونيو 1997. وفي العام التالي، وقّع النقيب مكرم محمد أحمد مع الإدارة الهندسية للقوات المسلحة عقد بناء المبنى، وافتُتخ المبنى الجديد في يوليو 2002.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 23 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت